ترهقني خطواتك السريعة المتصارعة بين حباتك اللؤلؤية، وحكواتك عن الحنين والغربة والصراعات اليومية، أتوه بين تفاصيلك وشخوصك وأعبائك التي تهيلها على قلبي. تغضبني فسحة خيالك؛ فأعلن تمردي على أفكارك، وألملم دفتيك، أجلسك بين رفوفي، وأتابع زحف ذرات التراب على وجهك. تطل علي بعيون حزينة، تستعطفني، فأشتاق إلى أحزانك، فأعود طفلة تداعبها، أو كهذا العجوز الذي يطل من نافذته موزعا بسماته وضحكاته على المارين نظير كلمة أو تحية يضيء بها ليله الطويل.
تتناسى عهدك وقربانك، وتعود لعصيانك، تستعرض عصاك وكرباجك أمام عيني، فأستحلفك تلك المرة أن ترفق بعقلي، وأن تعيده إلي، فتأبى حتى تسقطني هامدة بين بياضك الممتد وأحبارك السوداء.
الحرز
الحركة بالمكان أصبحت غير المعتادة، قلق وتربص، وعيون مترنحة بين الوجوه، لم يعد الطلبة يفترشون السلالم ومداخل الكليات كما كان الأمر منذ أيام، ولم تعد ضحكات فتيات «سنة أولى» تسطو على القلوب والمكان.
بدأت تلك الحالة منذ صدور القرار الذي فاجأ الجميع؛ أساتذة، وطلبة، بعد مشاجرة بين عدد من الطلبة استخدمت فيها «أسلحة بيضاء».
بقدر ما كانت المشاحنة صادمة لسقوط مصابين وقتيل، فإن القرار الذي اتخذه مجلس الجامعة، بالاتفاق مع الجهات الأمنية، بتشكيل لجنة لتفتيش الطلبة المشتبه فيهم، كان هو أيضا لا يقل رعونة.
قام فراشو الكليات بتعليق القرار على الجدران، ومداخل الجامعة، وداخل الحمامات، وعلى أبواب القاعات، ولم تسلم الكافتيريات، وأشجار الحدائق، وأماكن تجمعات الطلبة، حتى لا يتحجج أحد بعدم رؤيته للقرار.
تجمهر الطلبة على المكان المعلق به القرار وتعالت الصيحات وتناثرت الأحاديث الجانبية الساخرة منه، تعددت التأويلات ما بين من رأى فيه مجرد حجة للتضييق الأمني على العمل السياسي بالجامعة، مع «عدم وضوح آليات الاشتباه، أو الأشياء التي ستعتبر أحرازا مشبوهة»، فيما سخر آخرون من القرار، ووصفوه بأنه «حبر على ورق»؛ فالأعداد التي تضمها الجامعة ستعوق تنفيذه. وقال خبثاء آخرون: «إنه فرصة للتعرف على الخبايا والممنوعات لدى الطلبة»، وسط ضحكات غير بريئة.
وامتعض بعض الأساتذة، وقالوا: «إنه مدخل إلى التدخل في عمل الجامعات، وإذا كان القرار يقتصر على الطلبة حاليا، فقد يمتد ليشمل الأساتذة، وقد يفاجأ الأساتذة باقتحام محاضراتهم، والتدخل في المناهج وفي عملهم بحجج مماثلة.»
مضت الأيام التالية للقرار خالية من أي تغيير، فلم تظهر اللجنة المذكورة، ولم تظهر سوى بوابات إلكترونية على أبواب الجامعة، أشاعت جوا من المشاحنات المكتومة بين حراس الجامعة والطلبة، وسكنت الوجوه نظرات الشك بين الجميع، خاصة مع عدم الإعلان عن أسماء كل أعضاء اللجنة، ومخبريها.
अज्ञात पृष्ठ