خطوات مثقلة بفعل الطين، تتعرف من خلاله على دخول مدينتك فصل الشتاء، تتناثر بقعه البنية على ثيابك فتسب المدينة وساكنيها مرات ثم تستمر في السير. باستثنائك، الجميع من حولك يركضون، فتتعجب، ثم يأتيك من فوق عدة طوابق صوت تلاميذ يتبارون في رفع أصواتهم وأيهم أسرع استجابة لتعليمات معلمتهم بترديد عباراتها.
سائقو التوكتوك، والميكروباصات، لا يأبهون لتعرجات الطريق، يضيفون مزيدا من البقع على ثيابك، وأنت ما زلت مقيدا بخطواتك. تمر حافلات مسرعة، تحاول أن تشير لسائقها بالتوقف، ولكن حينما تجدها تنقل صفوفا من قطيع برءوس مخروطية لا تعرف من أي الكائنات هي، ترفض نداءات السائق وتفضل السير.
يلفت انتباهك سقوط بعض الأحمال من سيدة مارة بسرعة، فتحاول مساعدتها، فتسبك وتستمر في السير، ورءوس عديدة تتعارك، حينا على جنبات الطريق، وأخرى خلف أبواق الحافلات.
تصل عملك، تلقي التحيات للجالسين خلف مكاتبهم، كعادتك الصباحية، تفزع حين تراهم بأجسادهم المترهلة وكروشهم المتدلية، وتلك الطرابيش المنحنية على رءوسهم. يتوه عقلك ويمتد بصرك إلى «النتيجة» المعلقة لتعلم في أي عام أنت، فتجد التواريخ ممحية، ولكنك تتفاجأ بظهور عقربي الدقائق والساعات وعودة إيقاع ساعتك إلى طبيعته؛ فتلهيك سعادتك عن بحثك.
يمر عليك الوقت متثاقلا، تتمنى لو عاد عقرب الثواني لسطوته. تختنق أنفاسك من الطربوش الجاثم فوق رأسك، وجسدك الذي ملأ الكرسي، ثم تمتلئ الغرفة ببشر لا ترى سوى حدود وجوههم الهندسية، الجميع جاء لحاجة، والغريب أنك والجميع ماكثون في أماكنكم وبالوضعية نفسها. تمتد أيادي البشر أمام المكاتب دون قدرة على تلبية حاجاتهم .
تحاول أن تفتح شباك الغرفة لعله يسمح لمزيد من الهواء بالدخول حتى تنخفض حرارة الأنفاس اللاهثة، يدخل دخان أسود، فيضيف مزيدا من السعال.
يرتفع فجأة صوت الساعة، إنها ساعة الانتهاء. الغريب أنه عند الخروج، تخلع الطرابيش وتترك هامدة فوق المكاتب.
ما إن تظهر طرقات الشارع، حتى يعود الركض، المدينة تمر بجانبك، تتعداك، وأنت تستمر في محاولاتك للتخلص من القيد، تفشل مرة ومرتين، وطنين الساعة التي فقدت عقلها في رأسك، تنبهك أن ما بقي قليل، فيما الشارع ما يزال ممتدا.
لقد أكلت البيض كله
بسيطة هي كعادتها، لكن شيئا ما نضب منها، وكأن سنوات الانتظار أهلكت ما بقي لها من نضارة العمر.
अज्ञात पृष्ठ