تمهيد
الأخ الكريم الدكتور سليمان العودة نشر مقالاته في الرد علي في مذكرة سماها (الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ)
-وبعضهم يسميها (كتابا)- وهذه المذكرة ما هي إلا تلك المقالات التي نشرها في بعض الصحف السعودية مع زيادة مقدمة يسيرة تشكيكية وسرقة ثلاث روايات مما سبق نشرته في صحيفة الرياض بتاريخ 9/3/1418ه وقد جمع مقالاتي التي كتبتها يومئذ في الرد عليه مع تصحيحات لغوية وأسلوبية يسيرة ولم أزد عليها شيئا يستحق الذكر.
ولب المشكلة التي بيني وبين الدكتور التي لم يجب عليها لا في المقالات ولا في الكتاب - ولا يستطيع الجواب عليها-، تكمن في الإجابة عن السؤال اليسير التالي فإن أجاب عليه الدكتور فهذه شجاعة نادرة تحتسب له ونكون قد قطعنا شوطا كبيرا من الحوار.
والسؤال هو: هل انفرد سيف بن عمر بأخبار ابن سبأ في الفتنة؟! أم شاركه آخرون؟!
وهذا السؤال طرحته عليه في أكثر الردود عليه قبل سنوات ولم يجب عليه إلى الآن مع أنني أجيب على كل أسئلته فإن زعم أنني لم أجب على سؤال فاطلبوه أن يجرب ويطرحه علي ثم أترك لكم الحكم.
وعلى هذا إن قال الدكتور العودة: لم يشارك سيف بن عمر أحد من المؤرخين في إثبات دور ابن سبأ في الفتنة فقد اتفقنا أن رسالته أقامها على هذا الراوي -بغض النظر عن اختلافنا فيه- وإن زعم أن هناك طرقا أخرى فليظهرها لنا دون أن يخلطها مع تلك الروايات التي تتحدث عن ابن سبأ كشخصية أو زعيم ديني، علما بأنني كررت حتى مللت أنني أفرق بين (الدور في الفتنة) و(مطلق الوجود) حسب ما سيأتي مبينا في الردود بشكل واضح، بل هذا التفريق موجود في كتاب الرياض (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) الذي طبع قبل أن يكتب العودة رده الأول، كل هذا موثق بالتواريخ ورحم الله من قال (إذا استخدم الرواة الكذب استخدمنا لهم التاريخ!).
पृष्ठ 1
ورغم أن لي كتابا مفصلا عن (ابن سبأ- لم يطبع) إلا أنني أنشر هذا التعقيب الذي هو مجموعة الردود على مقالات الدكتور يومئذ، تلبية لطلب كثير من الأخوة الذين رأوا أن أنشرها إلى أن تتم طباعة الكتاب الموسع في هذه المسألة التاريخية، الذي فيه التفصيل في شخصيتين عبدالله بن سبأ وسيف بن عمر (رواية دور ابن سبأ)، فما لا يدرك كله في وقت قريب فلا نترك ولو بعضه، والبعض كاف للرد على الدكتور لكنني أريد بالتطويل في الكتاب القادم أن أخاطب غير الدكتور العودة.
وهذه المقالات سبق أن نشرت في صحف (الرياض، والمسلمون، والبلاد) باستثناء المقالات الأخيرة التي تم منعها من قبل وزارة الإعلام بعد اتصالات واسعة للدكتور العودة واستجدائه بالمؤسسة الدينية الرسمية التي سارعت في التدخل فأوقفت مقالاتي وسمح للدكتور وغيره بكتابة ما يشاءون في الرد علي!! (وهذه من لطائف العدل الطريفة التي لم تعد غريبة في أوساطنا العلمية)!، وهذه المقالات لم أحاول أن أزيد عليها شيئا إلا القليل جدا مما يصنف أكثره في التصحيح اللغوي أو الإخراج الشكلي مع بعض الهوامش والعناوين الفرعية التوضيحية، مرجئا كثيرا مما أريد قوله عن سيف بن عمر وابن سبأ في الكتاب المخصص عن الموضوع الذي سيكون عنوانه: (عبد الله بن سبأ بين الحقيقة والأسطورة).
पृष्ठ 2
المقال الأول عبد الله بن سبأ وكاسحات الحقائق
اطلعت على رد أخي الدكتور العودة بن حمد العودة المنشور في صحيفة الرياض أيام (الخميس والجمعة والسبت والأحد) في الأسبوع الماضي والذي قبله وكان بعنوان (الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ للتاريخ الإسلامي) وحقيقة لو لم أكن مؤلف كتاب الرياض (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) ولو لم أكن أيضا كاتب المقالات المنتقدة لشككت في هذا المنتقد -بفتح القاف- لأن الدكتور سامحه الله أشهد له أنه أجاد في استخدام (كاسحات الحقائق) كبتر النصوص وتحريف الأقوال أو تضخيمها أو تحميل الكلام ما لا يحتمل وإلزام ما لا يلزم مع ما لمح إليه من اتهامات في النيات وغير ذلك من (الكاسحات) المستخدمة قديما وحديثا.
पृष्ठ 3
لا غرابة!
وعلى أية حال: أنا لا أستغرب صدور مثل هذه الأساليب، فنحن لم نتعلم -إلى الآن- كيف نفهم كلام الآخرين وكيف نحكم على أقوالهم ونياتهم! بمعنى أننا لم ندرس في حياتنا الدراسية منهجا يعلمنا ضوابط المعرفة لكلام الآخرين، وعلى هذا يجب على القاريء ألا يستغرب أبدا أن يجد في كتابات بعض الناس اتهامات كثيرة بالتلميح أو التصريح لأن هذا هو الأصل في طريقة تفكير كثير منا وطريقة تناوله لموضوعات المختلفين معه في الرأي، ولأن فيها إخفاء للعجز عن المواجهة، كما أن التهمة عند كثير من الناس -للأسف-هي الأصل حتى تثبت البراءة بينما العكس هو الصحيح أو المفترض.
पृष्ठ 4
إساءة الفهم لماذا؟
والدكتور العودة بنى كل مقالاته الأربع السابقة على فهم خاطيء لأقوالي وبناء على هذا الفهم رد رده ثم اتهمني بأشياء ما خطرت لي على بال، وفي ظني أن الدكتور العودة رأى أن أسهل طريقة في الدفاع عن رسالته من نقدي لها هو هذا الأسلوب لأن الناس عندهم قابلية لاتهام الآخرين، فأشبع هذه الرغبة عندهم بما حشره في مقاله من هذه الاتهامات، بينما نقدي له لا يشم فيه أي اتهام لشخصه الكريم ، بل كان نقدا تاريخيا بحتا.
نعود إلى المعلومة.
على أية حال: لن أرد على التهم الخارجة على موضوع التاريخ، وهذه المسألة لا تهم الباحثين، أما المعلومة فيجب ردها بالحجة والبرهان أو الاعتراف بصوابها، والعالم سينفتح فلابد أن نتعود على التعامل مع المعلومة وننقدها، وليس مع مصدر المعلومة.
نعود للمسائل التاريخية البحتة ونتحاور مع الدكتور العودة محاولين الاقتصار على نماذج فقط مما أورده فأقول ردا على الدكتور العودة:
الملحوظة الأولى: سوء الفهم
سوء الفهم أولى كاسحات الحقائق، فكل مقالات الدكتور سلمان العودة كانت نتيجة لسوء فهم أو إساءته أو تعمد التحريف وليختر منها الدكتور أصحها فهو قد ظن أنني أنفي وجود عبد الله بن سبأ مطلقا وهذا ما لم أقله البتة بل صرحت في كتاب الرياض ومقالات سابقة بأنني متوقف في عبد الله بن سبأ من حيث (مطلق وجوده) وإن كنت أنفي وبشدة (دوره المزعوم) في الفتنة أيام عثمان وعلي رضي الله عنهما وهناك فرق كبير جدا بين رأيي الذي أعلنت عنه وبين ما حملني إياه الدكتور العودة أو أراد أن يحملني إياه، ولولا أن الدكتور أخبرنا أنه قرأ الكتاب لعذرته إذ كيف فاته ما قلته (ص260) من الكتاب نفسه عندما قلت بالحرف الواحد: (والفقيهي نفسه يعترف أن سيف بن عمر ضخم دور عبد الله بن سبأ ولم يجرؤ الفقيهي أن يقول أن سيفا اختلق دور عبد الله بن سبأ في الفتنة).
पृष्ठ 5
أقول: هذا كلامي مقيد ب (الدور) و(في الفتنة) وقلت تعليقا على قول الفقيهي (وتسقط بعض الروايات (روايات سيف ) مثل تضخيمه لدور ابن سبأ)! هذا قول الفقيهي بالحرف فقلت في كتاب الرياض معلقا على هذا الكلام: (ولكن أكثر زملائك في الجامعات لا يزالون يثبتون روايات سيف في تضخيمه ابن سبأ ولا يسقطونها مثلما تسقطها أنت هنا فأنتم متناقضون في حدث كبير مثل عبد الله بن سبأ بل إن رسالة الدكتور العودة هي في إثبات دور ابن سبأ!!).
أقول: فأنتم تلاحظون بوضوح تقييدي للنفي ب (الدور في الفتنة وليس نفيا مطلقا -مع أن من يقول بالنفي المطلق له أدلته لكنني لا أتحمس لها- وقلت (ص260) نحو هذا الكلام ولعل من أخر ما ذكرته كان يوم في الاثنين 17/3/1418ه، عندما قلت بكل وضوح (وكذلك عبد الله بن سبأ هو تحت البحث والدراسة ولا أجزم بنفي وجوده وإن كنت أجزم ببطلان دوره في الفتنة)!! وكذلك ذكرت نحو هذا في المقال الذي سبقه يوم الاثنين 10/3/1418ه،
أقول: فهذه الأقوال المتكررة والتقييدات الصريحة الواضحة التي كتبتها قبل أن يرد الدكتور بحرف واحد لا أدري لماذا أهملها الدكتور العودة وقبله الدكتور حسن الهويمل؟ ولا أجد تفسيرا لإهمالها إلا سوء الفهم أو تعمد الإهمال لأن الاعتراف بها يقطع عليهم كلاما كثيرا يودون أن يقولوه، أو أنه من حب تحميل الآخر مالم يقل من باب إشغاله وبلبلة أفكار المتابعين عن المسألة المحورية التي يقول بها.
وللأسف أن الدكتور العودة بنى على كل هذا (التحريف المتعمد أو سوء الفهم) وما صاحبه من بتر نصوص لأن هذا أسهل من الكلام في مسألة القعقاع بن عمرو (الموضوع الرئيس يومئذ) الذي أنفي وجوده مطلقا، أيضا فالكلام عن (وجود) ابن سبأ - وإن لم أقل به ولا أستبعده- أسهل للدكتور من الدفاع عن (دور) ابن سبأ الذي هو موضوع رسالته.
पृष्ठ 6
إذن فالخلاصة في ابن سبأ أنني هنا أجزم ببطلان دوره في الفتنة ذلك الدور الذي ادعاه ورسمه ووصفه سيف بن عمر، ورسالة الدكتور في إثبات هذا الدور المكذوب، كانت قائمة على سيف بن عمر فلو سقط سيف لسقطت الرسالة فلذلك لا نستغرب دفاعه المبالغ فيه والمستميت عن سيف بن عمر.
الملحوظة الثانية:
الدكتور العودة للأسف لم يفهم عنوان الكتاب (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) فقد ظن أنني أدعي أو أرى نفسي (منقذا) وأرى الكتاب (الإنقاذ) نفسه!! بينما أنا لم أدع (الإنقاذ) ولم أقل هذا البتة وإنما كان عنوان الكتاب (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي)!! وكلمة (نحو) لم أضعها عبثا! وكان بإمكاني أن أسمي الكتاب (إنقاذ التاريخ الإسلامي) بحذف كلمة (نحو)! لكنني لم أرتض هذا إيمانا مني بأن ما أفعله لم يحن بعد أن أسميه (إنقاذا) ولكن أنا أسعى (نحو) الإنقاذ! وهناك فرق بين العبارتين فعنوان الكتاب يدل على (الهدف) وكلام الدكتور العودة يدل على (النتيجة)! أي أنه فهم من العنوان أنه يدل على (النتيجة)!! وهذا من سلبيات الفهم التي سبق وأن قلت أنها طبيعية جدا بل هي الأصل في مجتمعات العالم العربي إلا ما ندر، فإذا كان (عنوان الكتاب) لم يستطع الدكتور أن يفهمه فكيف ببقية أقوالي في الكتاب!!
الملحوظة الثالثة:
ذكر أنني (أتعاظم)!! عندما قلت (فها أنا ذا طالب لم يحصل على شهادة في التاريخ ولكنني لما تمسكت بمنهج أهل الحديث فندت أقاويل من سبقوني...).
पृष्ठ 7
أقول: مع أنني كتبت المقال الذي فيه هذا أيام كنت طالبا في المرحلة الجامعية ولي تحفظ على أسلوبي في ذلك المقال -وهو الجزء الأول من كتاب الرياض- وكان على الدكتور أن يراعي هذا إلا أنني أقول أيضا لو أن الدكتور العودة تأمل الكلام لوجده ثناء على (منهج أهل الحديث) وليس على الذات! ثم تزكية العمل مرتبط بالنية، وقد زكى بعض الصحابة أعمالهم عند حاجتهم إلى ذلك بل الدكتور العودة زكى نفسه كثيرا في كتابه (عبد الله بن سبأ) ورده الأخير فيه مواضع كثيرة زكى فيها نفسه وليس هذا محل بيانها ولا أهميتها
الملحوظة الرابعة:
ذكر الدكتور العودة أن (التاريخ) تحول في ذهني وانحسر (الإنقاذ) فيه في (بيعة علي) فقط!! وأن معظم دراساتي النقدية تتمحور حول هذا ؟!
أقول: أولا: لم ينحسر عندي (السعي نحو الإنقاذ) في بيعة علي فقط ولو كان كذلك لما كتب الدكتور ردا علي في (عبد الله بن سبأ).
ثانيا: لا بد للمشاريع العلمية من بدايات فلا أستطيع أن أطبع كل ما أسعى إليه بين عشية وضحاها فالبداية بموضوع معين لا تعني عدم الشمولية في الأهداف .
ثالثا: ليس هناك مانع شرعي ولا عقلي من الاهتمام بموضوع معين في التاريخ والدكتور نفسه مهتم بعبد الله بن سبأ ومعظم دراساته وكتاباته تدور حول ابن سبأ فما المانع أن يكون اهتمامي بفترة خلافة علي بن أبي طالب! خصوصا وأنه حدث فيها أحداث عظام تستحق الدراسة والبحث بداية من (البيعة!!) التي شوهتها روايات سيف بن عمر.
وتبعه في ذلك كثير من أصحاب الرسائل الجامعية ومنهم العودة كما سيرى القارئ في نقدنا لما كتبه حول البيعة (كتاب الرياض ص175 أو بيعة علي ص315).
وملحوظة الدكتور السابقة ليست مطروحة علميا فلا يقال لباحث لماذا تهتم بهذا الموضوع فقط! لأن من حق ذلك الباحث أن يبحث فيما يراه مهما ويذكر الأسباب.
الملحوظة الخامسة:
पृष्ठ 8
ظن الدكتور العودة أن ثنائي على دراسة الدكتور الهلابي ودراسة العسكري حول (عبد الله بن سبأ) يحمل موافقة لهما في كل ما ذهب إليه! وفي ظني أن الدكتور العودة يعرف تماما أنني صرحت بأنني أخالفهما في بعض النتائج وأن سياق الثناء على الدراستين لم يكن في عبد الله بن سبأ، وإنما كان في سيف بن عمر! لكن الدكتور العودة أراد أن يخلط الأوراق وأكرر التأكيد على ما يلي:
أولا: لم أثن على دراسة الهلابي والعسكري بسبب نفيهما لعبد الله بن سبأ- وإن كان من ينفي وجوده أكثر علمية ممن يثبت كل دوره- وإنما لتوصلهما لتضعيف سيف بن عمر (تاريخيا) بعيدا عن (منهج المحدثين) فاتفاقهما مع (منهج المحدثين) بالمنهج التاريخي فيه دلالة على قوة منهج المحدثين وهذا ما أبنته بكل وضوح (في كتاب الرياض ص57) فليرجع إليه من شاء.
ثانيا: أنا بينت أنني أخالفهما في بعض النتائج وأن لي ملحوظات على الدراستين (انظر كتاب الرياض ص81) لكن الدكتور العودة تعمد إخفاء هذا الاستثناء لأسباب معروفة للمتأمل.
ثالثا: الثناء على مسلمين صادقين خير من الثناء على مثل سيف بن عمر ومتابعته في أكاذيبه.
الملحوظة السادسة:
قوله: (والخلاصة أن المالكي يشارك غيره الأفكار والتشكيك لشخصية ابن سبأ وأفكاره وأن سيفا وراء ذلك كله!!).
أقول: والخلاصة أن الدكتور العودة يريد تحميلي ما لم أقل وأنه يعمم في موضوع ينبغي فيه التفصيل وإن لم تصدقوا فارجعوا للنصوص (كلام الخصمين) وتأملوها، وهذا لمن أراد الإنصاف ومعرفة الحقيقة فقط.
الملحوظة السابعة:
पृष्ठ 9
ثم قام الدكتور العودة باستعراض سبع روايات (جعلها ثمان روايات) عثر عليها مثلما عثر عليها غيره (في تاريخ دمشق)! وسمى هذا (بحثا علميا) مع أنه (عثور فقط!!) ووصفه لهذا العثور -الذي لم ينفرد به- بحثا علميا ، وهذا من الأدلة على أننا لم نتعلم تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية انظر لقوله: (لقد ثبت لدي بالبحث العلمي (وجود)!! ثماني روايات لا ينتهي!! سندها إلى سيف بن عمر بل ولا وجود لسيف فيها أصلا وكلها تتضافر على إثبات عبد الله بن سبأ).
وللجواب أقول:
أولا: إذا كان الدكتور العودة لا يعرف إلا ثمان روايات فيها ذكر لابن سبأ من غير طريق سيف فالذين ينفون وجوده فضلا عمن ينفي دوره يعرفونها ولم تمنعهم من نفي الوجود أو نفي الدور، وعلى هذا فمادام مخالفه كالهلابي والعسكري والمالكي يعرفون هذه الروايات وزيادة! فمعنى هذا أنها ليست موطن النزاع كما سيأتي.
ثانيا: عندي روايات زائدة غير ما ذكره الدكتور العودة (وقد عثرت عليها)! في مصادر متقدمة عن ابن عساكر!! لكنني لم أزعم أنها (بحث علمي!) لأن البحث العلمي كلمة رفيعة قد لا يعرف حقيقتها الدكتور، وقد امتهنت هذه الكلمة من كثير من الناس الذين ينزلونها في الانطباعات والأحكام المتسرعة بل و(العثور) أيضا.
ثالثا: قول الدكتور السابق يدل على الضعف في (حصر المادة العلمية) فإذا كانت رسالته محصورة في عبد الله بن سبأ واهتمامه الطويل والكبير بإثبات هذه الشخصية من غير طريق سيف فانه من القصور ألا يجد إلا ثمان روايات فقط! فأنا مثلا لم أدع البحث في الموضوع (موضوع وجوده) بحثا موسعا ومع هذا عندي من الروايات ضعف ما عند الدكتور تقريبا وما زلت أقول إن ابن سبأ عندي تحت الدراسة إلى الآن.
पृष्ठ 10
رابعا: تلك الروايات التي نقلها الدكتور العودة من تاريخ دمشق خلط بينها خلطا كبيرا وجعلها كلها في (عبد الله بن سبأ!!) وهذا استغفال واضح للقراء لان تلك الروايات وغيرها تنقسم من حيث المتن إلى عدة أقسام:
روايات تذكر عبد الله بن سبأ باسمه صريحا.
روايات ليس فيها تصريح بابن سبأ وإنما تذكر (الحميت الأسود).
وروايات فيها عبد الله بن وهب السبئي.
وروايات فيها ابن السوداء.
وروايات فيها عبد الله السبئي.
وروايات فيها عبد الله بن حرب.
وروايات فيها ذكر السبئية.
أقول: فهذا هو التصنيف الواجب ذكره من حيث المتن ويجب التفريق بينها من البداية والبحث بعد ذلك هل المراد بالحميت الأسود وعبدالله بن وهب و...الخ، هل المراد من هؤلاء كلهم: عبد الله بن سبأ أم لا؟!
هل السبئية يراد بها التابعون لعبد الله بن سبأ في العقائد أم أنها لفظة تحقيرية للمعارضة كما يرى الدكتور الهلابي أم أنها فرقة دينية لا دخل لها بالسياسة ولا بالأحداث التي زعمها سيف بن عمر لرأس هذه الطائفة... وهكذا.
بمعنى أنه يجب على الباحث الذي يزعم أنه بحث المسألة (بحثا علميا) أن يثبت للقراء أن (المتون) تتحدث عن (شخصية واحدة) وليس عن شخصيات مختلفة أو ألفاظ غير دالة وأنا هنا لا أقول أن تلك المتون تتحدث عن شخصية واحدة ولا أقول أنها تتحدث عن شخصيات مختلفة وأرجيء هذا للدراسة لكن الدكتور كان من واجبه إثبات أن تلك الروايات يراد بها (عبد الله بن سبأ) ويثبت متى جاء تفسيرها بهذا!! ومن قال به؟ ومن سبقه إلى ذلك؟
خامسا: قوله بأن تلك الروايات (لا ينتهي سندها إلى سيف)!! قول غريب! فروايات سيف نفسها (لا ينتهي سندها إلى سيف)! وإنما إلى شيوخه أو إلى شيوخ شيوخه! أو غيرهم فالدكتور العودة بحاجة إلى معرفة (معنى انتهاء في السند).
पृष्ठ 11
سادسا: زعم الدكتور بأن الألباني صحح عدد من تلك الروايات! وليت الدكتور بين لنا تلك الأسانيد التي صححها الألباني! ثم إذا كان الدكتور العودة يريد تهديدنا بتصحيح الألباني فالألباني نفسه يحكم على سيف بن عمر بأنه (كذاب)!! (انظر السلسلة الصحيحة 3/102) وعلى هذا فرسالة الدكتور العودة عند الألباني تكون قائمة على كذاب عند الألباني (وهذا متفق مع قولنا أيضا) وهنا سيضطر العودة للتخلي عن تكذيب الألباني لسيف بن عمر مثلما اضطر للتخلي عن أحكام أهل الحديث على سيف بن عمر في رسالته!
ثم إن الألباني حكم على سيف (بالكذب) في مسألة تاريخية بحتة وليست مسألة حديثية! والدكتور العودة هنا بين أمرين إما أن يعتبر الألباني حجة ويقلده ويدعونا لتقليده وإما أن يقول الألباني مثله مثل غيره من العلماء ولا يلزمنا بتقليده وكلا الأمرين ليس في صالح الدكتور ولا رسالته.
पृष्ठ 12
نظرة في متون الروايات
الدكتور العودة (مثل أكثر المؤرخين الإسلاميين المعاصرين) يفتقد الآلية التي تعينه على الحكم الصحيح على الروايات أسانيد ومتونا وبما أنه اعترف بضعف بعض الأسانيد التي أوردها ورغم أن اعترافه كان خفيا إلا أنه بنظرة على متون الروايات التي فيها ذكر ل عبد الله بن سبأ (صريحا) نجد تلك الروايات في غاية النكارة.
خذوا على سبيل المثال:
الرواية الأولى التي فيها قول الشعبي (أول من كذب عبد الله بن سبأ!!) فهذا متن ظاهره باطل يعرف بطلانه من عنده أدنى من علم ولو سألنا أحد العوام الذين لا يقرأون ولا يكتبون من هو أول من كذب؟ لقال لنا إبليس!! وربما يقولون (فرعون) وقد يقول بعضهم: الجن التي قيل أنها سكنت الأرض قبل بني آدم!! فضلا عن الكفار في الأزمنة المتقدمة على زمان النبوة وكذلك كفار قريش والمنافقون، كل هؤلاء كذبوا قبل أن يولد عبد الله بن سبأ-إن صح وجوده-! فأين عقولنا وعلومنا وأين تطبيقنا لمنهج المحدثين؟ بل إن هذا الأمر لا يحتاج منهج محدثين وإنما يحتاج رجلا عاقلا فقط
سبحان الله أول من كذب عبد الله بن سبأ؟
أين قول إبليس (وما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين)؟! سورة الأعراف 19.
أين قول فرعون (أنا ربكم الأعلى) ؟!
هل الدكتور العودة يرى أن عبد الله بن سبأ قبل هؤلاء؟ وقبل الخليقة؟!
على أية حال: الإسناد أضعف من أن يبين لكن ضعف ونكارة المتن يغنينا عن البحث في الأسانيد.
पृष्ठ 13
نقد الرواية الثانية
أما الرواية الثانية التي أوردها الدكتور العودة (رواية أبي الطفيل) فليس فيها ذكر لعبد الله بن سبأ وإنما فيها ذكر (ابن السوداء!!) وهذه محل خلاف هل المراد بابن السوداء (عبد الله بن سبأ) أم عمار بن ياسر؟ -على كلام في بعض رجال الإسناد- فالهلابي وغيره من الباحثين لا يسلمون أن المراد به عبد الله بن سبأ هنا فهذا يحتاج لبحث، بعيدا عن (الانتصار للذات!!) والتعصب للأحكام المسبقة فالقارئ الجاد يريد أن يقتنع ولا يكتفي بالانشائيات.
पृष्ठ 14
نقد الرواية الثالثة
أما الرواية الثالثة التي أوردها العودة فليس فيها ذكر لعبد الله بن سبأ البتة إنما فيها ذكر (الحميت الأسود) فهل هو ابن سبأ!! هذا يحتاج إلى بحث عن التقليد والانتصار للذات!.
وهذه الرواية من طريق غندر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن علي وهذا سند صحيح لكن يبقى الكلام في معنى (المتن).
पृष्ठ 15
نقد الرواية الرابعة
هذه الرواية هي نفسها الرواية الثالثة لكن العودة جعلها روايتين بسبب تفسير عمرو بن مرزوق (الراوي عن شعبة) لكلمة الحميت الأسود فقال (يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر).
أقول: وعمرو بن مرزوق معروف بأنه كثير الأوهام وإن كان ثقة في نفسه، إضافة إلى أنه كان في عصر كان السجال المذهبي بين السنة والشيعة نشيطا. فالرواية هي رواية شعبة رواها عنه اثنان (غندر وعمرو بن مرزوق) فغندر رواها بلفظ (مالي وهذا الحميت الأسود) فقط! أما الرواية عن عمرو بن مرزوق ففيها زيادة في تفسير النص قوله (يعني عبد الله بن سبأ) ولا ريب أن غندر أوثق بكثير من عمرو بن مرزوق ولم يوصف بكثرة الوهم أو الخطأ مثل عمرو بن مرزوق وعلى هذا فتفسير عمرو بن مرزوق -أو تفسير من دونه من رجال الإسناد- ليس حجة لأنهم جاءوا بعد سيف بن عمر بمدة طويلة!! ولأن هذا رأي لا رواية، ولتأثير السجال المذهبي الذي يحرص فيه بعض السنة على إلصاق مذهب الشيعة باليهود! مع أن نقد الغلو الشيعي يمكن بسهولة بعيدا عن تحميل التاريخ ما ليس فيه.
والخلاصة: أن تفسير عمرو بن مرزوق ليس حجة لأن بينه وبين الحادثة نحو مئتي سنة!! فتفسيره لا يعتبر رواية مسندة (كما أوهمنا العودة!!) بل هذا من (المدرج) ولو كان عند الدكتور العودة إلمام يسير بعلم الحديث لعرف هذا جيدا ولعرف أن (الزيادات الشاذة المدرجة) التي تردد ما استفاض عنده، لا تعتبر (روايات مسندة!!) وهذا علم دقيق على المؤرخين، فلا يدركه أكثر المؤرخين الإسلاميين بل قد لا يدركه كثير من طلبة علم الحديث ومن طالع كتاب العلل للدارقطني عرف شرف هذا العلم وأهميته.
पृष्ठ 16
الرواية الخامسة
أورد الدكتور العودة رواية حجية الكندي وفيها أن عليا قال وهو على المنبر (من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله وعلى رسوله -يعني ابن السوداء- لولا أن لا يزال يخرج علي عصابة تنعى علي دمه كما ادعيت علي دماء أهل النهر لجعلت منهم ركاما).
أقول: الإسناد حسنه العودة! لكن المتن ليس فيه ذكر لعبد الله بن سبأ!! أما تفسير بعض الرواة لقوله (يعني ابن السوداء) فهذا التفسير لا يعرف مصدره! ثم لو سلمنا بأن مصدره متقدم فهذا يحتاج لبحث لإثبات أن ابن السوداء هو عبد الله بن سبأ!! ثم إن المتن نفسه فيه نكارة ظاهرة لأنه يفيد أن عليا متخوف من قتل ابن سبأ! وأنه نادم على قتاله الخوارج! وهذه الأخيرة تخالف ما تواتر عن علي في الصحيحين من فرحه بقتال الخوارج وذكره فضل من قاتلهم.
ورغم أنني إلى الآن لم أستوف البحث في مسألة وجود ابن سبأ لكنني استكملته موضوع (بطلان دور ابن سبأ) وأنتم لاحظتم أن حجج الدكتور ورواياته التي أوردها ضعيفة بحيث لا يحتاج مضعفها إلا أن يعلم أن إبليس خلق قبل عبد الله بن سبأ وأن المدرج ليس حجة وأن عليا فرح بقتال الخوارج وأن الرافضة لم تكن موجودة في عهد علي ... وهكذا فلو لم يكن عندي روايات أخرى غير ما أورده الدكتور لجزمت بنفي ابن سبأ مطلقا لكن عندي روايات أخرى سأذكرها وهي التي تجعلني أتوقف في مسألة نفيه مطلقا، إضافة إلى أن كل الروايات السابقة لو صح أنها في ابن سبأ فهي لا تتحدث عن دوره في الفتنة (موضوع رسالة الدكتور العودة)! وإنما تتحدث عن عقائد ابن سبأ.
पृष्ठ 17
الرواية السادسة
هذه الرواية اعترف الدكتور بضعف إسنادها ففيها ثلاث مجاهيل في نسق وهي رواية أبي الجلاس عن علي في قوله لعبد الله السبأي (ويلك والله ما أفضى إلي -يعني النبي- صلى الله عليه وسلم -- بشيء كتمه أحدا من الناس ولقد سمعته يقول: أن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا وأنك أحدهم!!).
أقول: وعبد الله السبأي هذا هل هو عبد الله بن الكواء أو عبد الله بن وهب الراسبي أو عبد الله بن سبأ، ولابن الكواء قصة مماثلة مع علي عندما سأله (هل عنده شيء غير القرآن) مما أسره النبي- صلى الله عليه وسلم - فكان علي ينفي هذا وهذه القصة في البخاري، وعلى هذا يمكن أن يكون عبد الله السبأي هو عبد الله بن الكواء -وكان الوهم من أحد الرواة- لكن الدكتور العودة يريد إثبات أن كل الروايات في عبد الله بن سبأ ولو كانت الروايات في غيره!!
ثم لماذا يعرف علي أن عبد الله السبأي هذا من (الكذابين الثلاثين) ثم لا يعاقبه ولا يحبسه حتى لا يضلل الناس بكذبه؟! هذا كله على افتراض صحة الإسناد مع أن في هؤلاء المجهولين من معاصرا لسيف بن عمر!.
पृष्ठ 18
الرواية السابعة
ثم أورد الدكتور العودة رواية سماك بن حرب عن علي أنه بلغه أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر، فدعا به ودعا بالسيف وهم بقتله فكلم فيه فقال: (لا يساكنني ببلد أنا فيه فسير إلى المدائن!!).
أقول: أولا.. سماك بن حرب لم يسمع من علي ولا أدركه ولم يولد إلا بعده على ما يظهر لأن وفاته كانت (123ه) بينما وفاة علي كانت (40ه)!!
ثانيا: لا نسلم بأن ابن السوداء المراد به عبد الله بن سبأ إلا ببرهان ودليل.
ثالثا: هل عقوبة منتقصي أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي هي القتل؟!! أم أن هذا خاص بالنبي فالصحيح المعروف عن الصحابة أنفسهم أن هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقط بمعنى أن عقوبة القتل خاصة بمن يشتم النبي- صلى الله عليه وسلم - ويسبه أما غير النبي- صلى الله عليه وسلم - من الصحابة وغيرهم فغاية العقوبة فيه التعزير فقط! بل علي لم يعزر من يكفره من الخوارج فضلا عن القتل، وتكفير علي أشد من تنقص أبي بكر وعمر إلا عند النواصب! بل هذا منهج الخلفاء الراشدين وقد صح هذا عن أبي بكر وعلي، أما علي فسبقت الإشارة لمنهجه مع الخوارج وهم يكفرونه ويكفرون عثمان بن عفان وهذا أعظم من تنقص أبي بكر وعمر، وأما أبو بكر فقد صح الإسناد عنه أنه لما أراد أبو برزة الأسلمي أن يقتل من أغلظ لأبي بكر وأساء له أبي بكر منعه أبو بكر رضي الله عنه وقال (ليست هذه إلا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -)؟! أو بمعناه، فهل هذا مما يخفى على علي؟! كيف يخفى عليه وهو يسمع الخوارج يكفرونه ويشتمونه ومع ذلك لم يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام! فهذا يدل على ضعف الآلية النقدية عند الدكتور وعدم جمعه بين النصوص وعدم محاكمتها ولذلك لا تستغربوا أن يظن أن ابن سبأ أول من كذب!!
رابعا: من هم الذين كلموا عليا في ابن سبأ؟! هل هم سبئية أيضا ؟!
पृष्ठ 19
خامسا: هل يقبل علي الشفاعة في مثل هذا الأمر؟ هل يستجيب لهذا المطلب المخالف لما يراه من الحكم الشرعي؟!
سادسا: ثم هذه الرواية تتناقض مع الرواية الأخرى التي تقول أن سبب نفي علي لابن سبأ هو غلو ابن سبأ في علي واعتقاده أن عليا إله خالق رازق؟!
على أية حال: هذا النقد لهذه الرواية لن يفيد من عنده الأحكام المسبقة لكنه سيفيد من يريد البحث عن الحقيقة من القراء.
पृष्ठ 20