फी अदब मिस्र फातिमिया
في أدب مصر الفاطمية
शैलियों
9
ولعل هذه الصورة التي صورها الشاعر عمارة اليمني لحفلات وأعياد الفاطميين تدل على ما كانت عليه مصر في ذلك العصر المترف الغني.
وليست الأعياد والمواسم التي استحدثها الفاطميون هي فقط أظهر ما كان في الحياة الاجتماعية في مصر الفاطمية، ولكننا نرى الفاطميين يكثرون من المباني والمنشآت التي أقاموها في البلاد، ولعل عنايتهم بالمتنزهات والمناظر والإكثار منها من الأدلة التي نستطيع أن نقدمها على حب الفاطميين للفنون المختلفة، فهذه البساتين التي جملوا بها مدينتهم القاهرة وضواحيها، لم تتخذ متنزها لهم فقط دون غيرهم من الرعية، بل أباحوا للناس دخولها والتمتع بمناظرها وجوها، فأوجد ذلك عند المصريين لونا من ألوان الحياة الناضرة البهيجة، وسمت النفوس إلى حب الطبيعة وحب الجمال معا. ولقد كان خروج المصريين في ذلك العصر إلى المتنزهات جزءا هاما من مقومات حياتهم، وهناك كانوا يقصفون ويطربون، وينعمون بجمال الرياض وأريج الأزهار، وكان الشعراء يقصدون هذه الرياض جماعات يتطارحون الشعر، ويتبارون في الإنشاد، يستوحون من جمال الزهر والطبيعة وحي شعرهم، فإذا صح ما رواه القدماء أن شعراء الجاهلية كانوا يخرجون إلى الصحراء لاستلهام الشعر، فكذلك خرج شعراء مصر إلى البساتين يتغنون ببدائع الطبيعة، فكانت هذه المتنزهات والبساتين التي أكثر منها الفاطميون مصدرا خصبا لكثير من الشعر المصري في العصر الفاطمي.
كانت الحياة المصرية إذن حياة ترف، وكان سكان مصر على حظ من الثراء والغنى، يحسدهم عليه العباسيون في أوج مجدهم وسعة سلطانهم، وكان الخلفاء الفاطميون يسرفون في الإغداق على الشعب مما يملكون من مال ومتاع ورقيق، مما كان يحمله إليهم الدعاة من مال الخمس
10
وأموال النجوى، ومن هدايا الأمراء في المشرق، وكان الوزراء يتشبهون بالأئمة في الظهور بمظهر الملك فأنفقوا عن سعة، وافتن الشعب في التشبه بأمرائهم وحكامهم، فظهروا بمظهر صاحب الثروة، واتخذوا من الحياة أبهجها، ومن الزينة واللباس أزهاها، وأكثروا من اقتناء الرقيق والقيان، وإقامة المآدب واستدعاء الخلان لمجالس اللهو والشراب، حتى خيل إلينا أن حياة المصريين كانت حياة لهو وقصف وسماع غناء وألحان، فكان ذلك كله وحيا للشعراء بالقريض.
ومن عوامل ازدهار الشعر في هذا العصر الفاطمي أن القائمين على شئون البلاد اتخذوا من الشعر وسيلة من وسائل دعوتهم السياسية على نحو ما تتخذ الأحزاب السياسية اليوم بعض الصحف لتعبر عن اتجاه هذه الأحزاب وآرائها، وقد ذكرنا أن الفاطميين عرفوا قدر الدعاية فاهتموا بها أيما اهتمام، واصطنعوا كل ما يفيدهم في دعوتهم من علماء وأدباء وشعراء، وكان الفاطميون على قدرة وكياسة في فن السياسة، فعرفوا أن الشعر العربي منذ العصر الجاهلي كان من أهم وسائل الدعاية للقبيلة في العصر الجاهلي وللأحزاب السياسية والفرق الإسلامية بعد ظهور الإسلام، وأن بعض الشعراء في العصر العباسي أمثال مروان بن أبي حفصة وأبان بن عبد الحميد اللاحقي وغيرهما، أدخلوا في شعرهم بعض الآراء الفقهية في الدفاع عن الخلافة العباسية ضد الطامعين من العلويين، فلم يشأ الفاطميون أن يتركوا سلاح الشعر دون أن يشهروه على خصومهم، أو أن يستخدموه في الدفاع عنهم والمباهاة بفضائلهم والإشادة بدولتهم، فلا غرو أن وجدنا الفاطميين يبذلون العطاء الضخم الجسيم لشعراء دولتهم، ويجعلون لبعض الشعراء مرتبات شهرية، وينقل المقريزي عن ابن الطوير أنه كان للشعراء رواتب جارية من عشرين دينارا إلى عشرة دنانير.
11
ويروى أيضا أنه في يوم عاشوراء كان يخرج الرسم المطلق للمتصدرين والقراء والوعاظ والشعراء وغيرهم على ما جرت به عادتهم،
12
अज्ञात पृष्ठ