ولم يجرؤ هيكل، كما لم يجرؤ من قبله محمد عثمان جلال، وقد كتبا باللغة العامية، على الجهر بأنهما ألفا هذه الروايات العامية، وإلا انحطت منزلتهما الأدبية، ولذلك نرى عثمان جلال يرمز إلى اسمه بالحروف الأولى "م. ع.ج" على الروايات "المفيدة في علم التراجيدة" و"الأربع روايات من نخب التياترات", كما # يكني هيكل عن نفسه حين نشر "زينب" لأول مرة بقوله: "زينب -مناظر وأخلاق ريفية- بقلم مصري فلاح"، ذلك لعلمهما بأن اللغة العامية ليست لها مكانة، وأنهما يحاولان بعثها وخلقها، ولكن هيهات.
ومن الكتب التي ترجمها محمد عثمان جلال عن الفرنسية رواية "بول وفرجيني" للكاتب الفرنسي "برناردين دي سان بيير"1, وقد صبغها عثمان جلال بالصبغة المصرية كعادته، وسماها: "الأماني والمنة، في حديث قبول وورد جنة"، وتصرف فيها بالزيادة والنقصان، ولكنه حرص في كثير من الأحيان على روح الرواية وأصلها, وقد قال في تصدير الكتاب: "أخرجته من الطباع الإفرنجية، وجعلته على عوائد الأمة العربية، فمن تصحفه بعين النقد، رأى القد على القد، ومن قاسه بمقياس المقابلة، وطبق آخره وأوله، رأى فذا قرن بتوأم، وعلم أن من ترجم فقد ترجم، ثم كتبته على ورق الحنة، وسميته قبول وورد جنة، لمقارنة مخرج الاسمين، ومطابقته في لفظة اللغتين".
ولقد ترجمت هذه الرواية بعد ذلك عدة تراجم, أشهرها ترجمة المنفلوطي التي سماها: "الفضيلة"، وقد خلع عليها ثوبا قشيبا من أدبه وأسلوبه، وترجمته يغلب عليها الروح الأجنبي, وينقصها الروح المصري الذي اشتهر به عثمان جلال2.
وكان لعمثان جلال الفضل في تنبيه الأدباء إلى هذه الرواية، وحاول كثير منهم ترجمتها كما ذكرنا، وقد التزم عثمان جلال الأسلوب المسجوع، والقصير الفقرات، السهل العبارة، واستمع إليه يصف حال ورد جنة قبل فراقها لقبول، وسفرها إلى خالتها.
पृष्ठ 110