1- فتركيا كانت -على الرغم من ضعفها، وإذعانها للأمر الواقع في مصر- تحاول إثارة النفوس ضد الاحتلال الإنجليزي، ضنا بمصر الغنية أن تفلت من يدها إلى الأبد، وكان كثير من المصريين يدين لتركيا بالولاء، وهو ولاء ديني مبعثه وجود الخلافة العثمانية، والمسلمون مكلفون شرعا بطاعة الخليفة، وكانت هذه النزعة تتملك قلوب الجمهرة الغالبة من المصريين وبعض السوريين المقيمين بها، وقد ظهر من الجرائد التي تحمل لواء هذه السياسة وتنفث الحمم # ملتهبا، والسم ناقعا ضد الإنجليز وسياستهم الاستعمارية جريدة "المؤيد, ثم جريدة "اللواء".
2- وهناك الاحتلال البريطاني، وهو احتلال تديره سياسة محنكة يصفها اللورد كرومر بقوله: "يجب أن تكون السياسة الاستعمارية قائمة على قواعد التبصر والحكمة، ويجب أن تكون أصول أحكامنا -التي هي الصلة بيننا وبين جميع الشعوب الداخلة في حكمنا، من حيث الاعتبار السياسي والاقصادي والأدبي- قواعد صحيحة سليمة منزهة عن الشائبة والنقص، هذا هو حجر الزاوية في بناء الإمبراطورية، إن المبرر الأكبر للاستعمار يجب أن يظهر جليا في حسن التصرف بما في أيدي هذه الإمبراطورية من القوى1" وأراد الاحتلال أن يجتث نفوذ تركيا من الأساس، ويقتلع من النفوس هذا الولاء، وقد استطاع أن يجد لسياسته هذه أنصارا ومؤيدين, وأن يجتذب قلوبا عزيزة المنال تدافع عنه أو تسكت عن مخازيه، وجد الاستعمار أنصاره بين بعض السوريين المسيحيين الناقمين على تركيا استبدادها وغلظتها وسوء تصرفها معهم في ديارهم، وتفريقها بين عناصر الأمة، فرأوا في الإنجليز من يحميهم ويعطف عليهم؛ فأنشئوا جريدة المقطم2 تشيد بسياستهم، وتلهج بأعمالهم، وقد صرح أصحابها بأن غرضهم السياسي من تأسيسها معلوم ظاهر في كل صفحة من صفحاته، "وهو تأييد السياسة الإنجليزية التي لولاها ما كان في الشرق بلد يستطيع أن يعيش فيه ويجاهر بآرائه وأقواله3 ومن هؤلاء الذين شرعوا أقلامهم في محاربة الترك وتأييد الإنجليز: سليم سركيس صاحب جريدة "المشير" ويقول من مقالة، بعنوان "هل مصر عثمانية؟ "4: "لم أجد قي حياتي، ولا قرأت في مطالعاتي عن أمة تريد الانتقال من الاستقلال إلى ظلمات العبودية إلا هذا القسم من الأمة المصرية الذين يريدون التمسك بأذيال العرش العثماني"، ومن شعره في التنديد بظلم الأتراك قوله5:
पृष्ठ 413