وثمة أمر آخر حال بين العرب وبين هذ اللون من الأدب، وهو أن الأدب الواقعي يعالج مشكلات اجتماعية وأخلاقية، ويتخذه المفكرون والمصلحون الاجتماعيون مطية لبث أفكارهم، وعرض مقترحاتهم في المشكلات القائمة بمجتماتهم، ويعرضون حلولا يعتقدون أنها تذلل هذه المشكلات، وتنير لأولي الأمر السبيل حين يشرعون أو يطبقون القوانين، ويعمدون أحيانا إلى المسرحية # ويظهرون الشخصيات التي تمثل الناس في حياتهم المألوفة، وأحيانا يلجأون إلى القصة الواقعية أو الأقصوصة, ويدعون الشخصيات التي يصورونها تتحدث كما هي في الحياة من غير أن يظهر المؤلف عواطفه أو يبرز شخصيته، حتى تكون قصته أقرب إلى الحقيقة وأدنى من الواقع, ولم يكن المجتمع الإسلامي في العصر الذهبي للأدب العربي أيام العباسيين, وأيام أن عرفوا شيئا من القصص الفارسي وغيره بحاجة إلى من يحل له مشكلاته الاجتماعية والخلقية, ويشرع له القوانين ويبين له كيف يطبقها، فقد كان الشرع الإسلامي قائما, وهو تشريع من عند الله, يعتقد الناس أنه الحق والعدل، وأنهم في غنى عن سواه من القوانين، وأن كل قضاياهم تحل على ضوئه، ولا يجوز لأحد أن يقترح تشريعا مخالفا أو حلا لا يوافق الشرع، ولذلك بطلت حاجتهم إلى مثل هذا القصص الواقعي الذي يصور الرجل العادي في حياته المألوفة ويحل مشكلاته ومشكلات مجتمعه.
पृष्ठ 398