وأخيرا اضطر محمد عبده إلى الاستقالة عقب خطبة ألقاها عباس عند توليته الشيخ الشربيني مشيخة الأزهر، وهي تدل على عظم حنقه وسخطه على محمد عبده وتعريضه به، وجاء في هذه الخطبة: "إن الأزهر أسس على أن يكون مدرسة دينية إسلامية تنشر الدين في مصر وجميع الأقطار العربية.. ولقد كنت أود أن يكون هذا شأن الأزهر والأزهريين دائما, ولكن من الأسف رأيت فيه من يخلطون الشغب بالعلم، ومسائل الشخصيات بالدين، ويكثرون من أسباب القلاقل.. وأول شيء أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر, والشغب بعيدا عنه، فلا يشغل علماؤه وطلبته إلابتلقي العلوم النافعة البعيدة عن زيغ العقائد وشغب الأفكار؛ لأنه مدرسة دينية قبل كل شيء" ثم ذكر أنه قبل استقالة السيد علي الببلاوي رعاية لصحته، وأنه مستعد لقبول كل استقالة من سواه, وممن "يحالون بث الشغب بالوساوس والأوهام, أو الإبهام بالأقوال" ويرى أن مثل هذا الشخص يجب أن يكون بعيدا عن الأزهر.
لم يكن محمد عبده صنيعة الإنجليز، أو مما يتناول أجرا منهم، أو ممن يستعدونهم على قومهم، ويشجعونهم في أطماعهم الاستعمارية1، وإنما كان يرى أنه مصلح, ولابد له من عضد يسنده في إصلاحه ويشجعه على السير قدما في طريق الكمال، ولم يجد في عباس هذا العضد؛ لأنه كان مشغولا بنفسه, وبجمع المال, وبأهوائه الخاصة، فلجأ إلى الإنجليز، وهذا اجتهاد منه أخطأ فيه, بيد أنه لا يطوح بكل ماضيه وآرائه، فالعظيم لا ينظر إليه من ناحية واحدة, بل لابد من رؤية جميع خصائصه وميزاته، وقد كان محمد عبده إماما في الإصلاح الاجتماعي, ورائدا فذا من رواد النهضة الفكرية.
पृष्ठ 300