[1] والذى يتلو قولنا الذى سلف ذكر طباع اسنان الحيوان الذى يحدق به الفم فان الفم محدق بالاسنان ومفوم منها وطباع الاسنان مشترك للحيوان اعنى لاستعمال الطعام وهو فى بعض اجناس الحيوان للقوة ايضا ولان يفعل بالاسنان ولان لا يلقى أعنى يدفع به الاذى. فطباع الاسنان فى بعض اجناس الحيوان ليفعل ولكى لا يلقى مثل الحيوان الذى طباعه برى وهو يأكل اللحم وفى بعض الحيوان لحال المعونة والاستعمال كما يكون فى كثير من الحيوان الوحشى والانيس. فاما اسنان الانسان فخلقتها موافقة للاستعمال المشترك اعنى ان مقاديم اسنان الانسان [حادة] لحال قطع الطعام والاضراس عريضة لكى تطحن وتملس الطعام. وفيما ين مقاديم الاسنان والاضراس تفرق النابان بحد ما بينهما وطباع النابين واسط فيما بين المقاديم والاضراس لان فيه قوة مشتركة من كليهما اعنى انها بنوع حادة وبنوع عريضة. وهذه حال الاسنان فى جميع الحيوان الذى ليس كل اسنانها حادة. فكيفية وكمية اسنان الانسان موافقة لبعض الكلام والتصويت ولا سيما مقاديم الاسنان موافقة للتصويت بالهجاء ايضا. فاما بعض الحيوان فله اسنان لحال الطعم فقط كما قلنا فيما سلف ومن الحيوان ما له اسنان لحال المعونة والقوة ومنه ما له نابان ناتئان مثل ذكورة الخنازير ومنه ما له اسنان حادة بعضها يدخل فى بعض ولذلك يقال مؤشر الاسنان لان قوته فى اسنانه وذلك يكون لحال حدتها. وما كان من الاسنان موافقا للقوة يكون مداخلا اعنى يقع بعضه فى داخل بعض وذلك لكيما لا تفسد حدتها من سحق بعضها ببعض. وليس فى الحيوان شىء له اسنان حادة مداخلة ونابان ناتئان معا لان الطباع لا يصنع شيئا اطلا ولا فضلا وانما احد هذين النوعين لحال القوة والنو ع الآخر لحال القتال ودفع المكروه. ولذلك ليس لاناث الخنازير نابان ناتئان وانما تعض بحدة اسنانها. وبقول عام ينبغى لنا ان نعلم شيئا موافقا لما نذكر حيننا هذا ولما نهم باستئناف ذكره اعنى ان الطباع انما يصير الاعضاء الموافقة للمعونة والقوة فى الحيوان المحتمل لذلك اعنى مثل الحمة والمخلب الذى يكون فى ساق الطير والقرون والانياب الناتئة وكل عضو مثل هذه الاعضاء التى ذكرنا. ولان ذكورة الحيوان اقوى واشد غضبا وربما كانت هذه الآلة فى الذكورة فقط وربما كانت فى الذكورة اقوى منها فى الاناث. فالاعضاء التى تحتاج اليها باضطرار تكون فى الاناث ايضا ولكن دون ما تكون فى الذكورة فاما الاعضاء التى لا تحتاج اليها فى نوع من الانواع باضطرار فليس تكون فى الاناث. ولهذه العلة لذكورة الايلة قرون وليس لاناثها قرون وبين قرون ذكورة البقر واناثها اختلاف وفى قرون الغنم كمثل فهذه وجميع الآلة التى تشبهها تحتاج اليها لحال العون والقوة. فاما اسنان جميع السمك فحادة يدخل بعضها فى بعض ما خلا جنسا واحدا من السمك يسمى باليونانية سقاروس. وفى كثير من ألسن وحنك السمك اسنان وعلة ذلك ان السمك باضطرار يقبل الماء مع الطعم لمأواه فى الرطوبة ولانه يحتاج الى ان يصير ذلك الطعم فى بطنه عاجلا وليس يمكن ان يلبث الطعم فى افواه السمل ويطحن حينا طويلا لانه ان لبث الطعم فى افواهها سال الماء فدخل فى البطون وملأها. ومن اجل هذه العلة صارت اسنان جميع [اصناف] السمك حادة لتقطع الطعام عاجلا. وصار نبات الاسنان فى اماكن شتى لكى بكثرة الاسنان يكثر قطع الطعم اجزاء صفارا ويكون ذلك بدل الطحن . واسنان السمك معقفة لان قوتها فيها. وانما طباع الفم فى الحيوان لحال هذه الاعمال ولحال التنفس فى اجناس الحيوان الذى يتنفس ويبرد جوفه من الهواء الذى يدخل عليه من خارج. فان الطباع كما قلنا فيما سلف يستعمل كثيرا من الاعضاء فى الاعمال المشتركة العامة مثل ما يستعمل الفم. فان جميع الحيوان انما يأكل بالفم. فاما القوة فهو شىء خاص لبعض الحيوان ولبعض اجناسها. [ف] اما التنفس فليس بمشترك لجميع الحيوان بنوع واحد. فاما الطباع فانه يجمع جملة الحاجة فى عضو واحد وصير خلقة ذلك العضو مختلفة بقدر اختلاف الاعمال ولذلك صار بعض الحيوان صغير الفم وبعضه كبير الفم. فكل فم يحتاج اليه لحال طعم وتنفس وكلام فهو صغير وكل فم يحتاج اليه لحال معونة وقوة فهو مشقق كبير لان قوة ذلك الحيوان فى العض. ومن اجل ذلك صار فتح الفم كبيرا فى جميع الحيوان الحادة الاسنان الذى يأكل اللحم واذا كان فتح الفم كبيرا قوى على ان يكون عضه اشد واقوى. ومن اجل هذه العلة صارت افواه السباع اكبر فتحا من غيرها. وافواه السمك كبيرة الفتح ولا سيما السمك الذى يعض ويأكل اللحم. ففتح الفم موافق لمثل هذا الحيوان فاما صغر الفم وضيقه فعلى خلاف ذلك. واما الطائر فله المنقار وذلك المنقار للطير بدل الشفتين والاسنان. وفى مناقير الطير اختلاف بقدر صنف الحاجة والمعونة. ومن اجل ذلك صارت مناقير بعض الطير معقفة لانها تأكل اللحم ولا تغذى بشىء من اصناف الحبوب فاذا كان المنقار معقفا قوى على ضبط وامساك ما يمسل ولا سيما اذا اراد ان يضبط شيئا ضبطا شديدا. فقوة الطائر الذى يأكل اللحم فى منقاره ومخاليبه ولذلك صار المنقار جاسيا موافقا لتدبير الحياة مثل منقار الطائر النقار الشجر فان منقار هذا الطائر قوى جاس جدا ومنقار الغربان واصناف الطائر الذى يشبه ويلائم الغربان كمثل. فاما مناقير اجناس الطائر الصغير فهى دقيقة موافقة لجمع الحبوب واخذ ما صغر من الحيوان اعنى كل طائر يعيش من البق وما يشبهه والطائر الذى يأكل الدود. [فاما الطائر الذى يأكل اصول العشب] والطائر الذى فيما بين رجليه جلدة ومأواه فى الماء فمناقير اصناف هذه الطيور موافقة لما ذكرنا. ومن الطير اجناس تكون عريضة المناقير لان عرض المناقير موافق للحفر مثل العرض الذى يعرض للخنازير بين سائر الحيوان الذى له اربعة ارجل اعنى ان الخنزير عريض الخرطوم لانه يحفر الارض ويأكل الاصول. وكذلك مناقير الطير الذى يأكل الاصول وحياته شبيهة بحياة الخنزير اعنى ان منقاره عريض وهو موافق للحفر وأكل اصول العشب. فقد ذكرنا جميع اعضاء الرأس ووصفنا حالها وعلة خلقتها. فاما جزء الجسد الذى بين قحف الرأس والعنق فهو يسمى فى الانسان وجها وانما سمى وجها لانه ليس فى اصناف الحيوان شىء قائم الجثة ما خلا الانسان فقط. [2] ونحن نريد ان نأخذ فى ذكر علة القرون فان القرون تكون من قبل الطباع فى الحيوان الذى له رأس وليس يمكن ان يكون رأس بين الا فى الحيوان الذى يلد حيوانا ولغير هذا الحيوان رأس يسمى رأسا باستعارة الاسم وربما كان له ايضا قرون تقال قرونا باستعارة الاسم. وانما خلقت القرون لحال المعونة والقوة ومن الحيوان ما له قرون ضعيفة ليست بموافقة لمعونة ولا لقوة ولا لقتال ولا لقهر. فان هذه الاعمال انما هى اعمال القوة. وكل حيوان مشقوق الرجلين بشقوق كثيرة لا تكون له قرون وعلة ذلك لان القرون انما هى علة للمعونة والقوة [و] للحيوان الذى فى رجليه شقوق كثيرة [و] اصناف أخر من اصناف القوة. وقد وهب الطباع لبعض الحيوان مخاليب ولبعضها اسنانا خلقتها موافقة للقتال ودفع المكروه عنها ولكثير من الحيوان الذى له ظلفان قرون ولبعض الحيوان الذى له حوافر ايضا. وانما نبات القرون لحال القوة فاما الحيوان الذى لم يهب له الطباع صنفا من اصناف المعونة مثل السرعة التى وهبت للخيل او عظم جثة مثل عظم الجمال. فان عظم الجثة مما يمنع الضرورة التى تعرض من سائر الحيوان مثل عظم جثث الجمال وعظم جثث الفيلة فله اصناف أخر من اصناف المعونة. فاما الحيوان الذى له نابان ناتئان مثل جنس الخنازير فله ظلفان. فاما الحيوان الذى لم يمكن ان تكون له منفعة من طباع القرون فقد وهب له الطباع صنفا آخر من اصناف المعونة مثل ما وهب السرعة للايلة فان عظم جثتها وكثرة شعوب قرونها اقرب الى مضرتها اكثر من منفعتها وكذلك قرون الجواميس وقرون الغزلان ايضا. فان هذا الحيوان ربما قاتل بقرونه لما يضعف عنه ولا يقوى على قتاله ويهرب من السباع والخبيث القتال. فاما البقر البرى فلان قرونه معقفة بعضها مائل الى بعض وهب له الطباع صنف معونة اخرى اعنى له ذرق روثه والقاءه فى مكان بعيد فان هذا الحيوان اذا اتقى رمى بروثه الى موضع بعيد لكى يشتغل به من يطالبه فاذا فعل ذلك سلم. ولم يهب الطباع اصنافا كثيرة من اصناف المعونة للحيوان الواحد الذى هو فهو. ولكثير من الحيوان الذى له قرون اظلاف وربما كان حيوان له حوافر مثل الحيوان الذى يسمى حمارا هنديا. فاجساد الحيوان مجزأة بقدر حركاتها اعنى الحركة اليمنى والحركة اليسرى ولهذه العلة يكون لبعض الحيوان قرنان أعنى قرنا ايمن وقرنا ايسر ومن الحيوان حيوان له قرن واحد مثل الحمار الهندى والحيوان الذى يسمى باليونانية ارقس فاما الذى يسمى ارقس فله اظلاف فاما الحمار الهندى فله حوافر. واذا كان للحيوان قرن واحد فهو نابت فى وسط الرأس لان وسط الرأس فيما بين الاطراف والجوانب فهو حد مشترك. فبحق صار لهذا الحيوان قرن واحد وله حوافر وطباع الحوافر والاظلاف واحد بعضه فريب من بعض وكذلك يكون التشقيق فى الاظلاف والقرون فى الحيوان الذى هو فهو. وانما يكون التشقيق من نقص الطباع فبحق لا تكون قرون للحيوان الذى له حوافر لان الطباع صير القوة فى الحوافر واعدم الرأس من القرون فبحق صارت [حوافر] للحيوان الذى له [حوافر] قرن واحد. وبحق صار نبات القرون فى الرأس وليس هو كما قال ايسوبوس حيث لام الثور لان ليس له قرون على منكبيه ويزعم انه لو كانت قرونه على منكبيه لكان نطحه بتلك القرون قويا جدا اكثر من النطح الذى ينطح به من رأسه. فهو يلوم الثور لان قرونه صارت فى رأسه والرأس اضعف الاعضاء بزعمه وقد اخطأ وجهل فى قوله لانه لو كان نبات القرون فى عضو آخر سوى الرأس لكان عليه ثقل وكان مانعا للاعمال ولم يكن ينتفع به فى وجه من الوجوه. وليس ينبغى ان نتفقد المكان الذى منه يكون النطح اشد فقط بل ينبغى ان نتفقد ايضا المكان الذى منه يكون النطح امكن وابعد [ايضا] . ومن اجل هذه العلة لا تكون القرون على اليدين ولا يمكن ان تكون على الرجلين ايضا ولو كانت على الافواه لمنعت الطعم. فباضطرار صار نبات القرون فى الرأس. فان نباتها هناك مما لا يمنع من سائر الاعمال والحركات. وينبغى ان نعلم ان القرون صلبة صامتة فى الايلة فقط ومن اجل هذه العلة تلقى الايلة قرونها فقط. فهى تلقى قرونها لحال المنفعة وتلقيها باضطرار لحال طرح الثقل. فاما قرون سائر الحيوان فما قرب من اصل نباتها فهو مجوف والباقى منها صلب صامت لان ذلك اوفق واجود للنطح. ولكى لا يكون الجزء المجوف ضعيفا لنباته من الجلد صنف الطباع نباته من العظم وبهذا النوع تكون القرون اقوى واقل مضرة لسائر تدبير معاشها. فقد بينا لماذا صار طباع القرون فى الحيوان وادينا علته ولماذا لبعض الحيوان قرون وليس لبعض. وانما فعل الطباع ذلك لحال الاضطرار اعنى لان الجسد الارضى الجسدانى كثير فى الحيوان العظيم الجثث وليس يعلم حيوان صغير جدا له قرون ما خلا الغزال. وانما ينبغى ان نعرف عمل الطباع اذا كان غالبا مستوليا على كثرة وذلك اذا كان فى الكل او فى الاكثر. وجزء العظام التى فى اجساد الحيوان ارضى ولذلك يكون هذا الجزء كثيرا فى الحيوان العظيم الجثة وقولى معروف لمن تفقد ونظر فى الكثير. وانما يعمل الطباع ابدا بالذى هو اجود وامثل وخير من غيره. فباضطرار يميل هيولى الجزء الارضى فى بعض الحيوان الى الناحية العليا اعنى فى الاسنان والانياب الناتئة وفى بعضه فى قرون. ومن اجل هذه العلة لا يمكن ان تكون اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل للحيوان الذى له قرون فليس لمثل هذا الحيوان مقاديم الاسنان فى الناحية العليا فما نقص الطباع من هذه الاسنان زاد على القرون والغذاء الذى كان يؤدى الى مقاديم الاسنان التى فى الفك الاعلى يفنى فى تربية ونشوء القرون. فاما العلة التى من اجلها ليس لاناث الايلة قرون واسنانها مثل اسنان الذكورة [ف] من قبل ان طباع الاناث والذكورة واحد وان من طباعها ان تكون لها قرون ولكن الطباع اعدم أناث الايلة القرون لانها ليست بنافعة لها ولا للذكورة ولكن ضرورتها اقل لحال القوة. [فاما] سائر الحيوان الذى لا ينفد الجزء الارضى فى هذا العضو اعنى القرون فالطياع صير عظم جميع الاسنان كثيرا فى بعض الحيوان وصير لبعض انيابا ناتئة من الخدين مثل نبات القرون من الرأس. [3] فقد ميزنا وحددنا وادينا علل الاعضاء التى فى الرأس بمثل هذه الحال. فاما تحت الرأس فالعضو الذى يسمى عنقا وذلك فى الحيوان الذى له عنق. وانما اقول ذلك لانه لا يكون هذا العضو اعنى العنق فى جميع الحيوان. والعضو الذى يسمى حنجرة والذى يسمى مريئا اعنى الذى منه يدخل الطعام يكون فى العنق. فخلقة الحنجرة لحال التنفس لانه يكون مدخل ومخرج الهواء بالتنفس وانما اقول ذلك لان فى الحيوان ما ليس له رئة ولا عنق مثل جنس السمك. فاما المرىء فهو العضو الذى منه يدخل الطعام فى البطن وهو بين ان كل حيوان ليس له عنق لا تكون له رئة وليس يحتاج الى عضو المرىء باضطرار لحال مدخل الطعام. ويمكن ان يكون وضع البطن بعد وضع الرأس فى الجسد ولا يمكن ان يكون وضع الرئة بعد الرأس لانه ينبغى ان يكون عضو مشترك مثل انبوبة وانقسم الهواء من ذلك العضو فى تجويف الرئة والوريدات التى تنتهى اليها لان الرئة تجزأ بجزئين. وبهذا النوع يكون عمل الرئة تاما كاملا اعنى دخول الهواء فيها وخروجه منها . ومن اجل ان لآلة التنفس طولا باضطرار عرض ان يكون المرئ فيما بين الرأس والبطن باضطرار. وطباع المرىء لحمى وله امتداد مثل امتداد العصب لكى يمتد ويتسع عند مدخل الطعام وخلقته لحمية لكى يكون لينا وبحيث لا يصيبه من الطعام الذى يدخل فيه شىء وتكون من ذلك ضرور. فاما الحلقوم والوريد الخشن فتقويمها من جسد غضروفى لان خلقتها ليست لحال التنفس فقط بل لحال الصوت ايضا. وينبغى للصوت ان يكون صلبا املس والعرق الخشن موضوع بين يدى المرئ وان كان يمنعه من قبول الطعام لانه ان وقع شىء رطب او يابس من الطعام فى الوريد الخشن يكون داعية الى اوجاع وخنق وضرورة كثيرة. فاما قول الذين يزعمون ان العرق الخشن مجرى الماء والرطوبة فهو مما ينبغى ان يزدرى به لانه لا يمكن ان يقبل به الحيوان الرطوبة من اجل انه ليس فيه سبيل آخذ من الرئة الى البطن البتة. فاما السبيل الآخذ من الفم الى المرىء والبطن فهو بين لكل من عاينه. وايضا اذا عرض الغثيان والقىء يستبين من اى موضع تخرج الرطوبة. وهو بين ايضا ان الرطوبة لا تجتمع اولا فى المثانة بل فى البطن ثم تصير من البطن الى المثانة وفضول البطن تقبل اللون من ثفل الشراب الاسود. وهذا العرض يعرض ايضا من قبل القروح التى تكون فى البطن. ولكن خليق ان يلومنا احد لذكرنا قول اهل الجهل وقلة المعرفة. فاما العرق الخشن فلانه موضوع بين يدى المرىء يكون علة أذى وضرورة من الطعام ولذلك احتال الطباع وصير على فم العرق الخشن غطاء وهو العضو الذى على اصل اللسان. وليس هذا العضو فى جميع الحيوان الذى يلد حيوانا بل فى الحيوان الذى له رئة والذى ليس بمفلس الجلد ولا له اجنحة. فليس لمثل هذا الحيوان ذلك العضو بل ينفتح وينغلق فم العرق الخشن عند الحاجة الى التنفس كما ينغلق وينفتح عرق الحيوان الذى له العضو الذى فوق اصل اللسان. فهذا العرق ينفتح وينغلق عند حاجة التنفس لكى لا يقع شىء من الطعام فى ذلك العرق. فان غفل الحيوان وتنفس ساعة يطعم الطعام ووقع شىء منه فى العرق الخشن عرض له منه سعال وخنق [و]كما قلنا فيما سلف. [و] نعم ما احتال الطباع فى خلقة اللسان والعضو الذى فوق اصل اللسان وحركتها لكى يكون مضغ وطحن الطعام فى الفم وان بقى شىء منه عند الابتلاع يبقى فيما بين الاسنان ولا يخطىء مجراه ويصير الى فم العرق الخشن. وليس يكون هذا العضو اعنى الذى يكون فوق اصل اللسان فى الحيوان الذى وصفنا لحال يبس لحمه وجساوة جلده فانه لو كان له هذا العضو مع ما وصفنا من حاله لم يكن جيد الحركة لتقويمه من لحم يابس وجلد جاس ولذلك صار فم هذا العرق ينغلق وينفتح عند حاجة التنفس اسرع من حركة ذلك العضو المخلوق من اللحم والجلد الذى ذكرنا. فهذه حال العرق الخشن فى الحيوان الذى له شعر. فقد قلنا العلة التى من اجلها صار لبعض الحيوان هذا العضو ولم يصر لبعضه اعنى العضو الذى يكون على اصل اللسان. وقد اصاب الطباع حيث احتال بهذه الحيلة فدفع الضرورة عن العرق الخشن والعرق الخشن موضوع بين يدى المرىء باضطرار ولان القلب موضوع فى مقدم الصدر وفى الوسط ونقول ان ابتداء الحياة وكل حركة وكل حس فيه. وانما الحس والحركة فى مقدم جزء القلب وبهذا القول يميز الاوسط والمؤخر. فاما الرئة فهى موضوعة حيث القلب وفيما يلى القلب. وانما يكون التنفس بالرئة لحال الاول الذى فى القلب وانما يكون التنفس الذى يتنفس الحيوان بالرئة والعرق الخشن ويصير تنفس الهواء الى مقدم القلب اولا فباضطرار يتحرك الحنجرة والعرق الخشن فى اوان التنفس. فقد استبان أنه باضطرار صار موضع العرق الخشن فى مقدم المرئ لان ما يدخل فى العرق الخشن يصل الى الرئة والقلب واما ما يدخل فى المرىء فهو يصير الى البطن. وبقول كلى العضو الاكرم والاجود اذا لم يكن شىء آخر اعظم منه يمنعه يصير فى الناحية العليا لا يصير الى الناحية السفلى وهو احرى ان يصير فى المقدم ولا يصير فى المؤخر واحرى ان يصير فى الناحية اليمنى ولا يصير فى الناحية اليسرى. فقد قلنا ما صلح فى العنق والمرئ والعرق الخشن والذى يتلو قولنا ذكر اعضاء الجوف. [4] وهذه الاعضاء خاصة للحيوان الدمى وفى بعض الحيوان جميع اعضاء الجوف وهذه الاعضاء ليس جميعها فى بعض. ولا تكون اعضاء الجوف فى الحيوان الذى لا دم له وقد اخطأ ديموقريطوس فيما قال فى اعضاء الجوف حيث قال انها تكون فى الحيوان الذى لا دم له ولكن لا تظهر لحال صغره. وذلك بين من قبل ان فى الحيوان الدمى تظهر اعضاء الجوف فى اول خلقته وتقويمه وهو بعد صغير جدا فقلبه وكبده يظهر ظهورا بينا. وربما كان الحيوان ابن ثلاثة ايام وعظمه مثل نقطة فتظهر هذه الاعضاء فيه صارا جدا وتظهر ايضا صفارا فى سقط الجنين. وايضا كما قلنا انه ليس استعمال الاعضاء التى فى ظاهر اجساد الحيوان واحدا بل مختلف بقدر الحاجة الداعية اليه وكذلك استعمال الاعضاء التى فى الجوف مختلف بقدر اصناف تدبير المعاش. فاعضاء الجوف شىء خاص للحيوان الدمى وكل واحد منها مقوم من هيولى دمية وذلك بين فى الاطفال لان اعضاء الاطفال بقدر قياس جثتها كبيرة جدا دمية لان صنف الهيولى وكثرتها ظاهر جدا فى اول التقويم. فاما القلب ففى جميع الحيوان الدمى. وقد قلنا فيما سلف لاى علة يكون القلب فى كل حيوان دمى. ومن اجل انه باضطرار ينبغى ان يكون دم فى كل حيوان دمى ولان الدم رطب باضطرار يحتاج الى ان يكون له وعاء يجتمع فيه ولذلك احتال الطباع وصير خلقة العروق وباضطرار يكون للعروق اول واحد وحيث يمكن الاصل واحد فهو امثل واجود ان يكون واحدا ولا تكون الاوائل كثيرة. وانما القلب ابتداء واول العروق فانها تظهر خارجة من القلب وليس تظهر مارة به. وطباع خلقة القلب من عروق لانه من جنس العروق وموضع القلب مكان موافق لكينونته اول لانه موضوع فى الكان الاوسط بل هو موضوع فى المكان الاعلى وليس فى المكان الاسفل وفى المقدم وليس فى المؤخر لان الاكرم مرتب فى الاماكن الاكرم من قبل الطباع ان لم يكن شىء اعظم مانع له. وما قلت بين جدا فى الانسان خاصة وفى سائر الحيوان ايضا اعنى ان الطباع وضع القلب فى الموضع الاوسط من الجسد الذى يحتاج اليه باضطرار وتمام ذلك الجسد الموضع الذى منه تخرج الفضول. فاما سائر الاعضاء فهى فى الحيوان على حال مختلفة وليس هى من التى يحتاج اليها لحال الحياة باضطرار ولذلك يعيش الحيوان اذا قطعت تلك الاعضاء. فاما الذين يزعمون ان اول العروق فى الرأس فقد اخطؤوا وبئس ما ظنوا لانهم يصيروا اوائل كثيرة مفترقة وفى مكان بارد. وذلك بين من قبل ان البرد يسرع الى هذا العضو ويشتد عليه فاما مكان القلب فعلى خلاف ما ذكرنا. وكما قلنا فيما سلف ان العروق تمر بسائر اعضاء الجوف وليس تمر بالقلب. ومن هذه الحجة يستبين ان القلب جزء من اجزاء العروق. وذلك بحق لان جسد القلب فى الوسط وخلقته فى جسد صفيق مجوف من قبل الطباع وهو ايضا مملوء دما لان ابتداء العروق منه وانما هو مجوف لقبول الدم وهو صفيق لحفظ ابتداء الحركة. وليس يكون فى سائر الاعضاء دم بغير عروق الا فى القلب فقط فاما الدم الذى فى سائر الاعضاء فهو محتبس فى عروق. وذلك بحق من اجل ان الدم يخرج من القلب ويصير فى العرو وليس يأتى الدم الى القلب من مكان آخر لان القلب عين وابتداء الدم [و] العضو الذى يقبل الدم اولا. وذلك بين من شق الاجساد واصناف الولاد لان خلقة القلب تظهر اولا دمية وكينونتها قبل كينونة سائر الاعضاء. وايضا حركات الاشياء اللذيذة والكريهة وبقول عام حركة كل حس من هنا تبتدئ فى معرضها واليه تكون غايتها اعنى الى القلب. وكذلك ينبغى ان يكون الاول اعنى انه ينبغى ان يكون واحدا ويكون حيث الاوسط فان ذلك المكان اكثر ملامة له من غيره والاوسط واحد وقوته تنبسط فى جميع الاعضاء بنوع واحد او نوع مقارب. وايضا اذ قد علمنا انه ليس لشىء من الاعضاء الدمية حس ولا للدم حس ينبغى ان يكون الاول الذى فيه الدم مثل وعاء وباضطرار ان يكون الاصل والاول مثله. وليس يظهر ذلك بالكلمة فقط بل بالحس ايضا. فان القلب يظهر فى جسد الجنين عند اول خلقته ويظهر متحركا من بين سائر الاعضاء مثل حيوان وذلك لانه اول طباع الحيوان الدمى. والشاهد لنا على ما ذكرنا كينونة القلب فى جميع الحيوان الدمى لانه باضطرار يحتاج الى اول الدم. والكبد ايضا فى جميع الحيوان الدمى ولا يمكن ان يقول قائل ان الكبد اول الجسد كله ولا انه اول الدم لانه ليس بموضوع فى موضع ملائم للاول وله عضو آخر موضوع قبالته فى الحيوان اللطيف الخلقة اعنى الطحال. وايضا ليس للكبد مكان قبول للدم مثل ما للقلب بل الدم الذى فى الكبد محتبس فى العروق مثل الدم الذى فى سائر الاعضاء وايضا تمر بهذا العضو عروق ولا تمر بالقلب عروق من اجل ان اوائل جميع العروق من القلب. وايضا باضطرار ان يبكون احد هذين العضوين اولا فاذ قد علمنا ان الكبد ليس هو اول فباضطرار ان يكون القلب اول جميع الجسد واول الدم لانه محدود بالحس وللعضو الاول من اعضاء الحيوان الذى له حس دم مثل القلب لانه ابتداء الدم وهو دمى قبل سائر الاعضاء. وطرف القلب حاد وهو اصلب من سائر جسده وهو موضوع فى الصدر وبقول عام موضعه فى مقدم الجسد لكى لا يبرد عاجلا ولذلك صارت خلقة الصدر قليلة اللحم ومؤخر الجسد اكثر لحما من المقدم ومن اجل ذلك للحرارة بشرة كثيرة فى ناحية الظهر. والقلب فى سائر الحيوان موضوع فى وسط الصدر فاما فى الانسان فهو مائل الى الناحية اليسرى لكى يكون تبريد الناحية اليسر مساوى تبريد الناحية اليمنى لان الناحية اليسرى من جسد الانسان باردة خاصة اكثر من سائر الحيوان. وايضا القلب موضوع فى اجساد السمك بنوع واحد كما قلنا فيما سلف وقد بينا العلة التى من اجلها يظهر وضع القلب مختلفا. والناحية الحادة من القلب قبالة الرأس وفيه الحركة. وفى القلب ايضا كثرة العروق وذلك بحق لان الحركات منه وهو يجذب ويمد الى ذاته. فلحال هذا العمل يحتاج القلب الى قوة ايضا كما قلنا فيما سلف وهو من الطباع مثل حيوان فى الاجساد التى يكون فيها. وليس فى شئ من خلقة القلوب عظم بقدر ما عاينا ما خلا الخيل وجنس من اجناس البقر فان فى قلوب هذا الحيوان عظما لحال كبر الجثة فالعظم موضوع فى القلب من قبل الطباع مثل سند كما لكل الاجساد سند ايضا. وفى قلوب الحيوان العظيم الجثة ثلاثة بطون فاما فى قلب كل الحيوان الصغير الجثة فبطنان ولا بد من ان يكون فى قلب كل حيوان بطن كما قلنا فيما سلف لانه ينبغى ان يكون مكان وموضع قبول للدم الاول فى القلب. وقد قلنا مرارا شتى انه ينبغى ان يكون الدم اولا فى القلب. وينبغى ان نعلم ان اوائل العروق عرقين اعنى العرق الذى يسمى عظيما والعرق الذى يسمى باليونانية اورطى. وكل واحد من هذين العرقين اول وابتداء عروق مختلفة بفصولها. وسنذكر حالها فى آخره. ولهذه العلة ينبغى ان تكون اوائل العروق مختلفة لان طباع الدم مفترق على صنفين ولذلك صارت المواضع التى تقبل الدم فى الحيوان الذى يكن اثنين وهو ممكن فى الحيوان العظيم الجثة لان لقلوب هذا الحيوان عظم ايضا. وهو امثل واجود ان تكون البطون ثلاثة لكى يكون الاول الواحد مشتركا وهو الاوسط الفرد. وينبغى ان يكون لهذه البطون عظم ومن اجل هذه العلة يكون فى كبار القلوب ثلاثة بطون. وفى بطون القلوب التى تكون فى الناحية اليمنى دم كثير حار جدا ولذلك صارت الناحية اليمنى اكثر حرارة من الناحية اليسرى والدم الذى يكون فى البطن الايسر اقل وابرد. وما كان من البطون متوسطا فالدم الذى فيه معتدل الكثرة والحرارة وهو نقى جدا. ولذلك كان ينبغى ان يكون يهدأ العضو الذى فيه القوة الاولى خاصة اعنى من دم نقى معتدل الكثرة والحرارة. وفى القلوب تجزىء شبيه بالخياطة. وليس ذلك التجزئ بملتئم بعضه ببعض مثل التئام شىء مركب من كثرة بل كما قلنا شبيه بتفصيل المفاصل. وقلوب الحيوان الذى له حس اكثر شبيهة بتفصيل المفاصل وقلوب الحيوان الابله الكسل اقل تفصيل المفاصل مثل قلوب الخنازير. وفى القلوب اختلاف من قبل العظم والصغر واللين والجساوة. فان قلوب الحيوان الذى لا حس له جاسية صفيقة الجسد وقلوب الحيوان الذى له حس الين. وايضا الحيوان الذى له قلوب كبار جزوع والحيوان الذى له قلوب اوساط العظم اقدم واجرأ وانما الآفة التى تصيب هذا الحيوان من الفزع والجزع <***> لان حرارة القلب فيه قليلة وليس تلائمها القلوب فلان الحرارة يسيرة فى القلوب العظيمة تضعف ويكون الدم ابرد. وانما القلوب الكبار فى الارانب والايلة والفأر والضبع والحمير وابن عرس وسائر الحيوان الذى جزعه بين والذى يمكن [ان يؤذى] لحال الفزع. وحال العروق والبطون قريبة من الحال التى وصفنا وكمثل ما تسخن النار القليلة سخونة دون فى البيت الكبير من الصغير كذلك تكون الحرارة فى هذه ايضا لان العروق والبطن اوعية. وايضا اصناف الحركات التى فى كل واحد من الاجساد الحارة تبرد والروح يكون اكثر واقوى فى الاماكن الواسعة. ولذلك انه لا يكون سمينا شىء من الحيوان العظيم البطون ولا الحيوان العظيم العروق اعنى ان الجثة لا تكون سمينة جدا بل جميع الحيوان الصير البطون والصغير العروق يكون سمين اللحم او يكون الاكثر على مثل هذه الحال. والقلب فقط من بين جميع اعضاء الجوف لا يحتمل وجعا وا سقما صعبا شديدا. وذلك بحق لانه اذا فسد الاول لا يمكن شىء آخر معين لسائر الاعضاء دافعا عنها وسائر الاعضاء تأخذ القوة من القلب وليس يأخذ القلب منها. والعلامة الدليلة على ان القلب لا يحتمل سقما ولا مرضا شديدا من قبل انه لم يذ بح ذبيحة يظهر فى قلبها وجع ولا آفة كما يظهر فى سائر اعضاء الجوف فان الكلى تظهر مرارا شتى مملوءة حجارة وقروحا ودماميل والكبد والرئة كمثل وتظهر اوجاع أخر كثيرة فيما يلى اعضاء الجوف وخاصة فيما يلى الرئة والوريد الخشن واوجاع الكبد تظهر فى موضع التئام العرق العظيم وذلك بحق من اجل انه يشارك القلب بهذا الموضع. فجميع الآفات التى تعرض للحيوان لحال سقم تظهر فيما يلى القلب انا ذبح وشق. فقد ذكرنا حال القلب وقلنا لاى علة يكون القلب فى الحيوان الذى له قلب ولاى علة لا يكون فى بعض الحيوان. [ه] والذى يتلو قولنا ذكر العرو اعنى العرق العظيم والعرق الذى يسمى اورطى فان هذين العرقين الكبيرين تقبلان الدم من القلب قبل غيرهما فاما سائر العروق فهى تنشؤ من هذه وهى شعب منها. وقد قلنا فيما سلف ان خلقة العروق صارت لحال الدم وكل رطب يحتاج الى وعاء يكون فيه وانما يكون الدم فى هذين العرقين [والعرق الذى ينشؤ منهما]. ونحن نريد ان نقول لماذا صارت هذه العروق اثنين ومن اول واحد ولاى علة تنقسم العروف فى كل الجسد. فخليق انه [ صار الاول واحدا ملائما من اول واحد] من اجل ان النفس التى تحس واحدة بالفعال فمن اجل ذلك صار العضو الذى فيه هذه القوة واحدا هو فهو اولا فهو فى الحيوان الدمى بالقوة والفعال وفى بعض الحيوان الذى ليس بدمى بالفعال فقط. ولذلك اول الحرارة باضطرار يكون فى العضو الواحد الذى هو فهو وتلك الحرارة علة كينونة الدم حارا رطبا. فمن اجل ان اول الحس فى عضو واحد وفيه اول الحرارة صارت حرارة الدم من اول واحد ولحال التمام الدم صارت العروق من اول واحد. ومن اجل هذه العلة صارت ناحيتان اعنى الناحية اليمنى والناحية اليسرى للحيوان الدمى السيار وفى اجساد جميع هذا الحيوان صار محدودا المقدم والمؤخر والايمن والايسر والاعلى والاسفل. وبقدر ما يقال ان المقدم اكرم واروس من المؤخر كذلك العرق العظيم اكرم من العرق الذى يسمى اورطى فان العرق العظيم موضوع فى مقدم الجسد فاما الذى يسمى اورطى فهو موضوع فى مؤخر الجسد. والعرق العظيم بين فى جميع الحيوان الدمى فاما العرق الآخر فهو يظهر فى بعض الحيوان الدمى ظهورا ضعيفا ولا يظهر فى بعضه البتة. فاما العلة التى من اجلها تنقسم العروق فى كل الجسد من قبل ان الدم هيولى جميع الجسد فى الحيوان الذى له دم وفى الحيوان الذى لا دم له الجزء الملائم للدم والدم وما يلائمه موضوع فى عروق. فاما كيف يغذى الحيوان ومماذا وباى نوع يأخذ الغذاء من البطن فذكره اوفق للاقاويل الموضوعة على الولاد. ولان تقويم الاعضاء من الدم كما قلنا فيما سلف بحق صار مسيل الدم من العروق فى كل الجسد من قبل الطباع لانه يجب ان يجوز الدم بكل الجسد ويكون فى كله ان كان تقويم كل واحد من الاعضاء من الدم. وذلك شبيه بقنى ومجارى الماء التى تهيأ فى البساتين فانها تخرج من اول واحد وعين واحد وتتجزأ فى سواق ومجار كثيرة حتى تؤدى الماء الى كل موضع يحتاج اليه. وفى البناء توضع الحجارة فى جميع حدود الاساس. فنبات البساتين يكون من الماء والاساس يكون من الحجارة ثم يوضع البناء عليها. وبمثل هذا النوع احتال الطباع وصير مسيل ومجرى الدم بكل الجسد لان الدم من قبل الطباع هيولى كل الجسد. وذلك يكون بينا فى الاجساد التى تهزل هزالا كثيرا خاصة لانه لا يظهر فيها شىء ما خلا العروق كما يعرض لورق الكرم ولورق شجر التين وجميع الورق الذى هو مثله فانه اذا يبس لا يظهر فيه شىء غير العروق. وعلة ذلك من قبل ان الدم وما يلائمه بالقوة جسد فهو اما جسد واما الذى يلائمه. وكما يعرض فى السواقى فان ما عظم من الخنادق التى تمر بها يبقى زمانا كثيرا وما صغر منها يفسد اجلا وينطم من الطين وثفل الماء ثم يستبين ايضا اذا حفرت ونقيت كذلك يعرض للعروق اعنى ان ما عظم منها يبقى وما صغر منها يكون لحما بالفعال. فاما بالقوة فهو عروق وليس بدون ما كان اولا. ولذلك ما كان اللحم سليما فى ايما عضو من الاعضاء وشق يسيل منه دم وليس يمكن ان يكون دم بغير عروق وليس هناك عرق صغير بين البتة كما لا تستبين الخنادق الصفار التى تهيأ لمسيل الماء اذا انطمت قبل ان تنقى وتخرج عنها الهيولى التى انطم بها. والعروق تصير من عظم الى صغر كلما امتدت فى الجسد حتى تصير السبل اصغر واضيق لحال غلظ الدم اعنى السبل لا موافقة لمجازر الدم. ومن فضلة الرطوبة يخرج ندى وهو الذى يسمى عرقا وانما يكون العرق اذا حمى ودفى الجسد وانفتحت افواه العروق. وقد عرض لبعض الناس عرق دمى لحال رداءة مزاج الجسد اعنى لان الجسد صار موافقا للمسيل وصار سخيفا ويرطب الدم جدا وصار مائيا لقلة نضوج وضعف الحرارة التى فى العروق الصغار ولا سيما لحال قلة الدم. وقد قلنا فيما سلف ان كلما فيه شركة من الدم اذا نضج يغلظ ويثخن والغذاء والدم مخلوط من كليهما. وليس تقوى الحرارة على الطبخ والنضوج لحال قلتها وذلك يكون ايضا لحال كثرة وافراط الفذاء الذى يصير الى الجسد فالحرارة تكون يسيرة اذا قيست الى كثرة الغذاء. والافراط يكون بنوعين اعنى بالكمية والكيفية لان ليس جميع الدم جيد النضج بنوع واحد. وانما يسيل الدم من السبيل الواسعة جدا ولذلك يسيل من سبل المناخير وسبل اللثات والدبر وربما سال دم كثير من الفم بغير وجع ولا يكون مسيل هذا الدم عسرا مؤذيا بل مثل مسيل الدم ااذى يسيل من الوريد فانه يسيل بعسرة وشدة واذى. والعرق العظيم والعرق الذى يسمى اورطى تبدل اماكنها وتتشبك بعضها ببعض لتمسك وتضبط الجسد. واذا امتدت العروق وصارت الى ناحية اليدين والرجلين انشقت وتشعبت ويأخذ الشق الواحد من مؤخر الجسد الى مقدمه والشق الآخر من المقدم ال المؤخر ثم تلتقى فى موضع واحد كما يعرض للاجساد التى تضفر وتشتبك بعضها ببعض حتى تلتئم وتركب بعضها على بعض كذلك يعرض للعروق اذا صار بعضها مركبا على بعض اعنى ما كان منها خلف يركب على ما فى مقدم الجسد منها. وكذلك يعرض للعروق التى تخرج من القلب وتأخذ الى الناحية العليا. فاما لطف معرفة حال العروق وتركيبها وافتراقها فهو يدرل من شق الاجساد ومما وصفنا عن حال الحيوان وطباعه. فقد اكتفينا بما ذكرنا عن حال العروق والقلب والذى يتلو قولنا النظر فى طباع سائر اعضاء الجوف فنحن نفعل ذلك ايضا بقدر المأخذ الذى اخذنا فيما سلف من قولنا. [6] فللحيوان المشاء رئة وذلك باضطرار لانه يحتاج الى التبريد والحيوان الدمى يحتاح خاصة الى هذا التبريد لانها اكثر حرارة من غيرها. فاما الحيوان الذى ليس بدمى فهو قوى على التبريد بالروح الطباعى الذى فيه. فاما الحيوان الذى يتنفس فهو يبرد بالهواء الدخيل فى جوفه. ومن اجل ذلك نقول ان لجميع الحيوان الذى يتنفس رئة وكل حيوان مشاء يتنفس وبعض الحيوان المائى يتنفس ايضا مثل الدلفين والحيوان العظيم الذى يسمى باليونانية فالاينا وجميع السباع البحرية العظيمة الجثث التى تنفخ وتجذب الهواء. وكتير من الحيوان مشترك الطباع اعنى انه مائى وبرى لحال مزاج جسده الطباعى وذلك الحيوان يأوى فى الماء اكثر الزمان. فكثير من الحيوان البرى يأوى فى الماء لحال العلة التى ذكرنا ولانه برى يتنفس وذلك التنفس غاية وتمام حياته. والرئة آلة وابتداء حركة الرئة من القلب وهى تهىء سعة لمدخل الهواء لحال رخاوة وتجويف وعظم جسدها فاذا انتفخت وتورمت الرئة دخل الهواء واذا انقبضت واجتمعت الى ذاتها خرج الهواء. ولين الرئة موافق لاختلاع القلب لانه ينتفخ ولا يرتفع كثيرا وانما يعرض اختلاج القلب فى الانسان خاصة لان الانسان يرجو ويتقى الامر الآتى فالرئة موافقة لاختلاج القلب وللتنفس كما قلنا. وفى الرئة التى تكون فى جوف الحيوان اختلاف كثير لان لبعض الحيوان رئة دمية كبيرة ولبعض الحيوان رئة صغيرة رخوة الجسد مجوفة. فللحيوان الذى يلد حيوانا رئة كبيرة كثيرة الدم لحال حرارة الطبا ع. فاما رئة الحيوان الذى يبيض بيضا فصغيرة يابسة قوية على ان ترم وترتفع اذا نفخ فيها مثل الحيوان المشاء الذى له اربعة ارجل ويبيض بيضا مثل السلحفاة والسام ابرص وكل جنس مثل هذا وايضا مع هذا جنس الطير. فان رئة جميع الطير مجوفة شبيهة بزبد فان الزبد يكون قليلا من كثير اذا ذاب وصار ماء. فرئة هذا الحيوان صغيرة صفاقية ولذلك جميع هذه الاصناف لا تعطش وهى قليلة الشرب ولذلك تصبر عن الماء زمانا كثيرا لقلة حرارة اجوافها فهى تبرد زمانا كثيرا من حركة الرئة فان حركتها خالية هوائية. ويعرض ان يكون اعظام هذه الاجناس من دون اعظام سائر جثث الحيوان لان الحرارة الطباعية تكون علة نشؤ. فاما كثرة الدم فعلامة دليلة على حرارة وهى تصير جثث الحيوان قائمة. ومن اجل هذه العلة صار الانسان قائما مستقيم الجثة اكثر من جميع الحيوان والحيوان الذى يلد حيوانا قائم الجثة اكثر من سائر الحيوان الذى له اربعة ارجل. وليس يأوى فى الثقب والشقوق شىء من الحيوان الذى يلد حيوانا ولا يكون عادم الرجلين. وبقول كلى انما خلقة الرئة لحال التنفس. [7] ومن اعضاء الجوف ما هو مقسوم بجزئين مثل الكليتين ومنها ما ليس بمقسوم مثل الرئة والقلب ومنها ما يشك فى حاله ان كان مقسوما بجزئين ام لا مثل الكبد فان له جزئين وان كانا ملتئمين كل واحد بالآخر ولذلك يظن مثل واحد. وبقول عام جميع اعضاء الجوف مضعفة الطباع. وعلة ذلك افتراق الجسد فان لكل جسد ناحيتين وهو موافق لاول واحد اعنى الناحية العليا والناحية السفلى ومقدم الجسد ومؤخره والناحية اليمنى والناحية اليسرى. ومن اجل هذه العلة يظن ان دماغ كل حيوان مقسوم بجزئين وكل واحد من آلة الحواس كمثل وبهذا النوع ينقسم القلب فى البطون. فاما الرئة فهى فى اجساد الحيوان الذى يلد حيوانا مقسومة باثنين ولذلك يظن كثير من الناس ان له رئتين. فاما الكليتان فهى مفترقة وافتراقها بين لكل واحد. فاما حال الكبد والطحال فمشكوكة وعلة ذلك من قبل ان الحيوان الذى له طحال باضطرار يظن ان الطحال كبد ليس بخالص فاما فى الحيوان الذى ليس له طحال باضطرار بل طحال صغير جدا مثل نقطة اوعلامة فالكبد موجود مقسوم باثنين والجزء الواحد الاعظم فى الناحية اليمنى والجزء الاصغر فى الناحية اليسرى. ووضعهما ظاهر للمعاينة [فوضعهما على حال ما ذكرنا] وليس ذلك بين فى الحيوان الذى يبيض بيضا الا فى بعضه فانه ربما وجد الكبد مفترقا فى بعض هذا الحيوان وفى بعض الاماكن والبلدان مثل الحيوان الذى يسمى باليونانية داسوبوس فانه يظن ان له كبدين مثل بعض السمك والحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية صلاخى. ولان وضع الكبد فى الناحية اليمنى صار وضع الطحال من قبل الطباع فى الناحية اليسرى فباضطرار صار الكبد عضو من اعضاء جوف الحيوان. وكما قلنا فيما سلف الناحيتان اعنى الناحية اليمنى والناحية اليسرى علة تجزئ اعضاء الجوف. وانما سمى اعضاء الجوف الاعضاء التى تحت الحجاب خاصة وخلقة اعضاء الجوف لحال العروق التى تبقى عالية لتبقى فى الجسد برباط هذه الاعضاء. وانما العروق موضوعة فى الجسد مثل الحبال الفلاظ التى تربط بها السفن فى البر اذا ارست. فلذلك [تمر] بالاجزاء الممدودة من العرق العظيم الى الكبد والطحال فان طباع هذين العضوين مثل مسامير تضبط وتشد الجسد. فالعرق العظيم يأخذ الى الكبد والطحال والناحية الواحدة من نواحى الجسد وانما تأخذ العروق التى تخرج من العرق العظيم الى هذين العضوين فقط وفى مؤخر الجسد الكلى وتأخذ اليها عروق ليس من العرق العظيم فقط بل من الذى يسمى باليونانية اورطى ايضا. فان من ذلك العرق تخرج عرقان وينتهى الواحد الى الكلية الواحدة والآخر الى الكلية الاخرى وذلك موافق لتقويم الحيوان. وللكبد والطحال معونة على طبخ الطعام لانهما من دم ولذلك صار طباع الحرارة فيهما كثير فاما الكليتان فخلقتهما لحال تصفية فضلة الرطوبة التى تجر الى المثانة. فباضطرار صارت هذه الاعضاء فى اجساد الحيوان اعنى القلب والكبد. [ف] اما القلب فلحال اول الحرارة لانه ينبغى ان يكون شىء مثل مستوقد لحال وضع الحرارة الطباعية فيه وان تكون تلك محفوظة حفظا جيدا لانها ترؤس الجسد كما يكون رئيس فى بعض المدن. فاما الكبد فخلقته لحال الطبخ والنضوج وجميع الحيوان الدمى يحتاج الى هذين العضوين ولذلك يكون فى جسد كل حيوان دمى قلب وكبد. فاما الحيوان الذى يتنفس فله عضو ثالث على كل حال اعنى الرئة. فاما الطحال فهو فى اجساد الحيوان بنوع عرضى وليس باضطرار لانه شبيه بفضلة اعنى الفضلة التى تكون من البطن والفضلة التى تكون من المثانة. ومن اجل هذه العلة يكون الطحال صغيرا ناقص الجثة فى بعض الحيوان ولا سيما الطائر السخن البطن مثل الحمامة والباز والحدأة. وهذا العرض يعرض للحيوان الذى يبيض بيضا وله اربعة ارجل على مثل هذا الفن فان طحال هذا الحيوان صغير جدا وكثير من الحيوان الذى له قشور اعنى الحيوان الذى ليس له مثانة ايضا لان الفضلة التى تكون فى اجسادها تميل الى ناحية اللحم ومن اللحم تأخذ الى ناحية الريش والقشور. فاما الطحال فهو يجذب من البطن فضل الرطوبة والندى ويقوى على طبخها لان خلقته خلقة دمية. وربما جذب من البطن فضلة رطوبة كثيرة ويكون ذلك علة جفاف ويبس البطن وجساوة الطحال لحال اجتماع الرطوبة فيه. وكذلك يعرض للذين يبولون بولا كثيرا لحال جذب الرطوبة الى غير مواضعها. فاما اذا كانت فضلة اجساد الحيوان قليلة فليس يكون الطحال كبيرا مثل العرض الذى يعرض لاجناس الطير والسمك فان منها ما ليس له طحال كبير ومنها ما له طحال صغير جدا ليكون مثل علامة. وهذا العرض يعرض للحيوان الذى يبيض بيضا وله اربعة ارجل مثل ما يعرض لاجناس الطائر فان الطحال يوجد فى الحيوان الذى وصفنا صغيرا صلبا وخلقته شبيهة بخلقة الكل لان خلقة الرئة رخوة مجوفة قليلة النضوج والفضلة التى تكون تميل الى الجسد والى التفليس وكما تميل فى الطائر الى الريش والجناحين. فاما فى الحيوان الذى له مثانة ورئة دمية فالطحال يوجد رطبا لحال العلة التى ذكرنا ولان طباع الناحية اليسرى بقول كلى ارطب وابرد. وكل واحد من الاضداد مجزأ بقدر جنس الاسطقس الملائم المتفق اعنى ان الايمن ضد الايسر وان الرطب ضد اليابس والحار ضد البارد وهى اسطقسات متفقة بقدر النوع الذى ذكرنا. فاما الكليتان فخلقتهما فى اجواف الحيوان الذى له كليتان ليس باضطرار بل لحسن وجودة الحال. وانما خلقة طباعها لحال الفضلة التى تجتمع فى المثانة وتلك الفضلة تكون كثيرة فى بعض الحيوان فالكليتان خلقتا لكى يكون عمل المثانة ابلع واجود. ولان العرض الذى يعرض للحيوان ان يكون عمل الكليتين والمثانة واحدا ينبغى لنا ان نأخذ فى ذكر طباع المثانة حيننا هذا وندع ذكر سائر الاعضاء. وانما نقول ذلك لانا لم نذكر بعد حال طباع الحجاب ولم نميز من ذكره بعد شيئا وانما الحجاب من الاعضاء التى تحيط باعضاء الجوف. [8] وليس لكل حيوان مثانة ويشبه ان يكون الطباع صير المثانة فى الحيوان الذى له رئة دمية فقط. وذلك بحق فله هذا العضو لفضلة زيادة الطبيعة فكل حيوان له رئة يعطش عطشا شديدا ولذلك يحتاج الى غذاء وليس يحتاح الى الغذاء اليابس فقط بل الى الغذاء الرطب ايضا اكثر من حاجته الى الغذاء اليابس. فباضطرار تكون الفضلة اكثر ولا تكون فى كميتها بقدر ما يطبخ من البطن ويدفع ويخرج مع فضلتها فقط. فباضطرار صار عضو قبول لهذه الفضلة ايضا ومن اجل هذه العلة تكون مثانة فى اجساد جميع الحيوان الذى له رئة دمية كما قلنا فيما سلف. فاما الحيوان الذى ليس له رئة مثل هذه وهو يشرج من الماء شربا يسيرا فليس له مثانة وليس يشرب هذا الحيوان الماء لحال الشرب بل لحال الغذاء مثل الحيوان المحزز الجسد والسمك. فما كان من الحيوان ذا ريش او له قشور او تفليس فى جسده فليس له مثانة لحال قلة الشرب ولان فضلة الماء الذى يشرب تميل الى الريش وغير ذلك مما وصفنا ما خلا السلحفاة من الحيوان الذى له قشور. فان الطباع صار ناقصا فى السلحفاة فقط وعلة ذلك من قبل ان رئة السلحفاة البحرية لحمية دمية شبيهة برئة البقر فاما رئة السلحفاة البرية فهى اعظم مما ينبغى. وذلك لان المحيط بجسدها خزفى صفيق ولذلك لا تتفشش الرطوبة الا باللحم فقط مثل العرض الذى يعرض لاصناف الطيور والحيوان المفلس الجلد. فمن اجل هذه العلة صارت مثانة فى هذا الحيوان اعنى فى السلحفاة لتكون قبولا للفضلة مثل وعاء فلهذه العلة توجد المثانة فى هذا الحيوان فقط. ولذلك توجد مثانة السلحفاة البحرية كبيرة ومثانة السلحفاة البرية صغيرة جدا. [9] والكليتان ايضا على مثل هذه الحال اعنى انه ليس لشئ من الحيوان الذى له ريش او قشور او تفليس فى جلده كلا البتة ما خلا السلحفاة البحرية والبرية فقط. وذلك لان اللحم الممتد الى الكلى مفترق فى اجزاء كثيرة عريضة خلقتها شبيهة بخلقة الكليتين فى بعض اجناس الطائر. فاما الحيوان الذى يسمى باليونانية اموس فليس له كليتان ولا مثانة وذلك لحال لين خزفه فان ذلك اللين يكون علة جودة تفشش الرطوبة. فلهذه العلة ليس للحيوان الذى يسمى اموس ولا عضو واحد من هذه الاعضاء. فاما سائر الحيوان الذى له رئة دمية فله كليتان كما قلنا وانما يستعمل الطباع الكليتين لحال العروق ولخروج فضلة الرطوبة ولذلك تجىء سبيل من العرق العظيم الى الكليتين وفى جمع الكلى عمق لكثرة الغذاء. فخلقة الكلى شبيهة بخلقة كلى البقر وهى صلبة جدا اكثر من سائر الاعضاء وكليتا الانسان شبيهة بكليتى البقر لانهما مركبة من كلى صغار كثيرة وليس من لحم املس مستو مثل كلى الغنم وسائر الحيوان الذى له اربعة ارجل. فمن اجل هذه العلة يكون وجع الكليتين للانسان عسر البروء جدا اذا اصابهما سقم مرة واحدة فالبروء يكون عسرا لحال السقم الذى كأنه سقم كلى كثيرة. فاما السبيل الآخذ من العرق الكبير الى الكلى فليس ينتهى الى عمق الكلى ولذلك لا يوجد دم فى عمق الكليتين ولا يجمد هناك. ومن عمق الكلى تخرج سبيلان ليس فيهما دم وتنتهى الى المثانة وهما سبيلان صلبان قويان. وسبل أخر تخرج ايضا من العرق الذى يسمى اورطى وهى ايضا قوية متتابعة وانما خلقة هذه السبل على مثل هذه الحال لكى تسلك فضلة الرطوبة من العرق العظيم الى الكلى ومن الكلى يكون الثفل الذى يكون لحال تصفية الرطوبة التى تصفى بجسد الكليتين ولذلك يكون عمق الكلى فى بعض الحيوان كثيرا. فمن اجل هذه العلة يكون جسد الكلى منتن الرائحة اكثر من جميع اعضاء الجوف. ومن الوسط يخرج مثل فضلة ويسلك فى هذه السبيل حتى ينتهى الى المثانة وانما مادة الرطوبة التى تجىء الى المثانة من الكليتين لحال السبيل التى تمتد وتنتهى الى الكليتى كما قلنا فيما سلف وتلك السبيل صلبة قوية جدا. فلهذه العلة صارت خلقة الكلى فى اجساد الحيوان وفيهما اعنى الكليتين قوى موافقة للذات. فالكلية التى تكون الكلية اليمنى اعلى من الكلية اليسرى فى جميع الحيوان الذى له كليتان لان الحركة التى تكون من الناحية اليمنى اقوى وينبغى ان يطرق للحركة الطباعية ويصير جميع الاعضاء التى فى الناحية اليمنى من الجسد الى ما يلى الناحية العليا اكثر من غيرها ولهذه العلة يرفع الحيوان الحاجب الايمن الى فوق ويطأ من الحاجب الايسر الى اسفل. ولان الكلية اليمنى قد جذبت الى الناحية العليا فان الكبد يماس الكلية اليمنى فى جميع الحيوان الذى له كلى. وفى الكلى شحم كثير خاصة اكثر من سائر اعضاء الجوف باضطرار لحال تصفية الفضلة التى تصفى بجسد الكليتين من اجل ان الدم الذى يبقى هنالك جيد الطبخ والنضوج وانما تمام وغاية جودة نضج الدم الشحم والثرب. وكمثل ما يعرض للاجساد المتقدة التى تحترق بالنار اذا كانت يابسة ان تكون كالرماد فضلتها كذلك يعرض للرطوبات المطبوخة النضيجة ان تكون فضلتها الشحم والثرب لانه لا يبقى منها الا جزء الحرارة المشتعلة. ومن اجل هذه العلة يكون الدسم سمينا خفيفا ويطفو على الرطوبات. فليس يكون الشحم فى اجساد الكلى لان جسدها صفيق جدا اكثر من جميع اعضاء الجوف وانما يكون تقويم الشحم خارجا من اجساد الكلى محيطا بها اذا كان الحيوان مما يحمل الشحم. فاما اذا كان الحيوان مما يحمل الثرب فحول الكليتين يوجد ثرب. وقد وصفنا الاختلاف الذى بين الشحم والثرب فيما سلف من قولنا. فباضطرار تكون الكليتان كثيرة الشحم لحال هذه العلة فى جميع الحيوان الذى له كليتان. ولحال السلامة صارت خلقة الكليتين سخنة لانها اواخر اعضاء الجوف ولذلك احتاجت الى سخونة كثيرة. وناحية الظهر كثير اللحم لتكون سترة للاعضاء التى حول القلب فاما الصلب فليس فيه لحم وكذلك اصلاب جميع الحيوان فمكان اللحم يكون الشحم سترة الكلى. واذا كانت الكلى كثيرة الشحم ميزت وانضجت الرطوبة نضوجا اكثر لان الشحم وجميع الدسم اوفق للنضوج من غيره والحرارة هى التى تنضج. فمن اجل هذه العلل صارت الكلى كثيرة الشحم. وفى جميع الحيوان الكلية اليمنى اقل شحما من الكلية اليسرى وعلة ذلك من قبل ان طباع الاعضاء التى فى الناحية اليمنى ايبس واكثر حركة والحركة تضاد تقوم وتعقد الشحم لان الحركة تذيب الشحم. فهو امثل وانفع لسائر الحيوان ان تكون الكلى كثيرة الشحم وربما كانت الكلى مملوءة شحما من كل ناحية. فاما الغنم فانه اذا القى ذلك هلك اعنى اذا كثر شحم كليه جدا. وعلة ذلك اعنى العرض الذى يعرض للغنم من قبل ان الشحم فى الحيوان السمين رطب فليس تكون الاوجاع التى تتولد من الرياح بنوع واحد وعلة تولد الوجع من الريح التى تهيج لحال السدة ولذلك يكون وجع الكليتين فى الناس مؤديا جدا واذا اشتدت وكثرت اوجاع الكليتين صارت داعية الى الموت. والشحم الذى يكون فى كلى سائر الحيوان ليس بكثير الصفافة مثل صفاقة شحم الغنم وشحم الغنم اكثر من شحم غيره جدا وكلى الغنم تمتلىء شحما عاجلا اكثر من كلى جميع الحيوان. فلان الرطوبة التى فى الكلى تحترق وتهيج رياحا من ضربان ووجع تلك الرياح يهلك عاجلا من اجل ان الوجع يمر بالعرق العظيم والعرق الذى يسمى باليونانية اورطى وينتهى من ساعته الى القلب والسبيل الآخذ من هذا العرق الى الكليتين متصلة متتابعة. فقد وصفت حال القلب والرئة وحال الكبد والطحال والكليتين وادينا عللها. [10] وهذه الاعضاء مفترقة بعضها من بعض ومن الناس من يسمى الحجاب عقلا وهو الصفاق الذى يحد ويميز القلب والرئة من سائر اعضاء الجوف التى تحته وفى كل حيوان حجاب كما فيه قلب وكبد وعلة ذلك ان خلقته لحال تمييز وفرق ما بين القلب والبطن وما يليه لكيما يبقى اول النفس الحسية بغير آفة وضرورة ولا تصل اليها الضرورةعاجلا لحال البخار الذى يصعد الى فوق من الغذاء ولحال الحرارة الداخلة العرضية. فمن اجل هذه العلة احتال الطباع وهيأ العضو الذى يسمى حجابا مثل سياج وبناء حائط يمنع الدخول الى داخل وفرق ما بين العضو الاكرم بما كان يمكن ان يفرقه من سائر الاعضاء اعنى ما بين العضو الاعلى والاعضاء التى فى الناحية السفلى. فاما العضو الاعلى [فهو] الذى من اجله يكون [و] الاجود والامثل فاما العضو الاسفل فلحال العضو الاعلى وهو القبول للطعام. والحجاب فيما يلى الاضلاع اقوى واكثر لحما واوسطه ارق واقرب الى طباع الصفاق وبقدر هذا النوع يكون اوفق للامتداد وانفع للاول. وفى الحجاب سبل آخذة اليه من اسفل والدليل على ذلك الاعراض التى تعرض فانه اذا جذب الحجاب رطوبة حارة من الناحية السفلى لقربه منها وكانت تلك الرطوبة من فضلة من ساعته يتغير العقل والحس. ولذلك يسمى الحجاب عقلا لان له شركة منه. وليس للحجاب شركة عقل ولكن لانه قريب الى التى لها شركة عقل يغير العقل تغييرا بينا. ولذلك وسطه رقيق وذلك باضطرار ليس لان نواحى الحجاب التى تلى الاضلاع اكثر لحما فقط بل لانه لا يصل الى الوسط غير ندى قليل جدا ولو كان الاوسط لحما لجذب ندى ورطوبة اكثر. واذا دفى الحجاب غير الحس من ساعته تغييرا بينا والدليل على ذلك العرض الذى يعرض من الدغدغة فان الضحك يتلوها [من ساعته] اذا دغدغ احد ناحية الجلد الذى يلى الحجاب من خارج لان الحركة تصل الى هذا المكان عاجلا ومن الحركة يدفى الموضع فيتغير العقل من غير ارادة ويضحك الانسان. وانما علة تدغدغ الانسان فقط رقة الجلد ولانه لا يضحك شىء من الحيوان ما خلا الانسان والتدغدغ يكون داعية الى الضحك بحركة مثل هذه ولا سيما حركة الجلد الذى يلى الابطين. وقد زعم بعض الناس انه اذا ضرب احد فى القتال ضربة على المكان الذى يلى الحجاب يعرض للمضروب ضحك لحال الحرارة التى تكون من الضربة. وينبغى لنا ان نحقق هذا القول اكثر من قول الذين يزعمون ان رأس الانسان يتكلم بعد ان يقطع ويرمى به عن الجثة. وقد ذكروا ان اوميروس الشاعر قال فى شعره قولا مثل هذا. فاما فى ناحية البلدة الذى يسمى باليونانية ارقاديا فقد صدق الناس هذا القول حتى خاصم بعضهم بعضا فى رجل من اهل الكورة مضروب الرقبة وزعموا انه كاهن المشترى لما مات سمع كثير من الناس كلامه بعد موته وكان مضروب الرقبة. وهذا القول عندى كذب وزور لانه لا يمكن ان يخرج كلام من رأس مقطوع مفترق من العرق الخشن ولا يمكن ان يكون كلام بغير حركة الرئة. وذلك معروف عند الامم والبرابرة الذين يضربون الرقاب مرارا شتى ولم يعرض لبشر مثل هذا فى ناحيتهم قط. فاما سائر الحيوان فليس يضحك انا اصاب الحجاب ضربة لحال غلظ الجلد الذى يليه لانه ليس يضحك من قبل الطباع حيوان غير الانسان. فاما حركة الجسد وتنقله من مكانه بعد قطع الرأس فمما يمكن والحيوان الذى لا دم له يعيش حينا طويلا بعد قطع رأسه. وقد بينا علة ذلك فى اماكن أخر. وقد ذكرنا العلل التى من اجلها خلق كل واحد من اعضاء الجوف وباضطرار صارت خلقة الاعضاء على غايات العروق لانه باضطرار يخرج منها ندى وذلك الندى دمى فاذا تقوم وجمد ذلك الندى الدمى صار منه حينئذ اعضاء الجوف. ومن اجل هذه العلة طباع اعضاء الجوف دمى يشبه بعضها بعضا وليس يشبه طباعها سائر طباع اعضاء الجسد. [11] وجميع اعضاء الجوف فى صفاق محيط بها لانها تحتاج الى سترة وان كانت تلك السترة خفيفة وطباع الصفاق مثل هذا لانه صفيق لحال الاحتمال وهو عادم اللحم لكى لا يجذب الى ذاته فضولا ولا يكون فيه ندى وهو رقيق لكى يكون خفيفا ولا يثقل على العضو الذى يحيط به. واكبر واقوى الصفاقات الصفاق الذى يلى الدماع والقلب وذلك بحق لان هذين العضوين تحتاج الى سترة وحفظ كثير وانما الحفظ للاعضاء المسودة وهذين العضوين مسودين وفيهما خاصة قوة الحياة. [12] وفى اجساد بعض الحيوان جميع عدة اعضاء الجوف وليس تلك العدة فى اجساد بعضها. وقد قلنا فيما سلف اى الاعضاء ولاى علة. والاعضاء التى تتفق بالعدة فى بعض الحيوان تختلف بكينونتها اعنى انه لا تكون القلوب بنوع واحد فى جميع الحيوان التى تكون فيه ولا شىء آخر من سائر الاعضاء بقدر القول. فالكبد فى بعض اجساد الحيوان متشقق بشقوق كثيرة وفى الحيوان ما لا يكون مشقوقا البتة ولا سيما اكباد السمك والحيوان الذى لها اربعة ارجل ويبيض بيضا فاما اكباد الطائر فشبيهة باكباد الحيوان الذى يبيض بيضا لان اللون الغالب عليها انقى دما مثل لون اكباد السمك وما وصفنا. وعلة ذلك من قبل ان اجسادها جيدة التنفس والانفشاش وليس فيها فضلة كثيرة رديئة. ومن اجل هذه العلة ليس فى اجساد بعض الحيوان مرة وللكبد موافقة عظيمة لجودة مزاج الجسد وللصحة لان تمام الامرين فى الدم خاصة والكبد كثير الدم جدا بعد القلب وهو اكثر دما من جميع اعضاء الجوف. فاما اكباد الحيوان الذى له اربعة ارجل ويبيض بيضا واكباد السمك فلون اكثرها واحد واكباد بعضها رديئة جدا لان اجسادها رديئة المزاج جدا مثل السلحفاة والحيوان الذى يسمى باليونانية فرونى وجميع الحيوان الذى مثل هذا. فاما اطحلة الحيوان الذى له قرون واظلاف فمستديرة مثل طحال الشاة والمعزى وكل واحد من الأخر ان لم يعرض عرض ويكون للطحال طول لحال كثرة النشوء والجثة مثل العرض الذى عرض لطحال البقر. فاما طحال جميع الحيوان الذى فى رجليه شقوق كثيرة فطويل مثل طحال الخنزير والانسان والكلب. فاما طحال الحيوان الذى له حوافر فمخلوط اعنى فيما بين الصنفين الذين ذكرنا اعنى ان فيه خلط وربما كان ضيقا مثل طحال الانسان والبغل والحمار. [13] وليس بين اعضاء الجسد اختلاف بالعظم فقط بل [بالوضع ايضا] لان وضع بعضها داخل ووضع بعضها خارج من الجسد وعلة ذلك لان طباعها مشارك للعروق وبعضها لحال العروق وبعضها ليست بغير عروق. [14] وبعد الحجاب وضع البطن فى اجساد الحيوان وفى الحيوان الذى له العضو الذى يسمى مريئا يكون وضع البطن عند آخر هذا العضو وفى الحيوان الذى ليس له مرئ يكون البطن بعد الفم لاصقا به والذى يتلو البطن المعاء وهو بين لكل لاى علة كل واحد من هذه الاعضاء فى اجساد الحيوان اعنى ليقبض الطعام الذى يدخل فيها ولانه باضطرار ينبغى ان يطبخ وينضج الطعام الذى استخرجت رطوبته. ولان ليس الطعام الذى لم ينضج والفضلة على حال واحدة فبعض هذه الاعضاء تقبل الطعام الدخيل فى الجسد وتغيره وبعضها تقبل الفضلة التى لا تنتفح بها. ولكل واحد زمان مفرد على حدته ولذلك باضطرار ينبغى ان يكون كل واحد مما ذكرنا محتسبا فى مكانه. ولكن القول فيها اوفق فى الاقاويل التى وضعنا على الولاد والغذاء. فاما حيننا هذا فنحن ننظر فى اختلاف البطن والاعضاء التى توافقه على نضوج الطعام لانه ليس عظم ولا مناظر البطون على حال واحدة فى اصناف الحيوان بل للحيوان الذى له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل وهو دمى ويلد حيوانا بطن واحد مثل الانسان والاسد والكلب وسائر الحيوان الكثير الاصابع والحيوان الذى له حوافر مثل الفرس والبغل والحمار والحيوان الذى له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل وله ظلفان مثل الخنزير. فاما الحيوان الذى غذاؤه من الهيولى الحطبية الشوكية فان لذلك الحيوان بطون شتى مثل الجمل والحيوان الذى له قرون وليس له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل. ومن اجل هذه العلة ليس الجمل من الحيوان الذى له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل وان لم تكن له قرون فباضطرار صار بطن الجمل على مثل هذه الحال ولم تصر له مقاديم الاسنان. فبطن الجمل شبيه ببطون الحيوان الذى ليس له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل وصارت خلقة اسنانه مثل خلقة اسنان ذلك الحيوان الذى له قرون. ومن اجل ان غذاء وطعم الجمل شوكى باضطرار صار لسان الجمل لحميا لحال جساوة الحنك فالطباع يستعمل الحنك مثل جزء الاسنان الارضى. فلذلك يجتر الجمل مثل ما يجتر الحيوان الذى له قرون لان بطون الجمل مثل بطون الحيوان الذى له قرون ولكل واحد من هذا الحيوان بطون كثيرة مثل البقر والشاء والعنز والايل وسائر الحيوان الذى مثل هذا لكى يكون استعمال الطعام تاما وما نقص منه لحال نقص طعامه قبله بطن بعد بطن ولتمم طبخه ونضجه. فالبطن الاول يقبل الطعام غير مطحون والبطن الثانى يقبله مطحونا والبطن الثالث يقبله وطبخه اجود والرابع يقبله وطبخه بليغ محكم. ومن اجل هذه العلة تكون فى مثل هذا الحيوان بطون واماكن طحن الطعام كثيرة. وهذه الاعضاء اعنى البطون تسمى باليونانية باسماء مختلفة. ومن اراد معرفة وضع ومناظر هذه البطون فليعلم ذلك من كتبنا فى صفة الاعضاء ومن شق اجساد الحيوان. ومن اجل هذه العلة بعينها يوجد اختلاف فى العضو القبول للطعام فى اجناس الطير. ولانه ليس للطائر عمل موافق لطحن الطعام بالاسنان واللسان وليس له ما يلمس الطعام به ولذلك يكون فى بعضه العضو الذى يسمى حوصلة مكان العمل الذى يكون بالفم ولبعضه العضو الذى يسمى مريئا. ومنه ما له فى مقدم بطنه شئ وأرم ناتىء يكنز فيه الطعام الذى ليس بمطبوخ ولا معمول ومنه ما له بطن لحمى قوى ليقوى على امساك كثرة الطعام المطحون المطبوخ زمانا كثيرا. فالطباع يتم بعض عمل الفم بقوة وحرارة البطن. ومن الطائر ما ليس له شىء من هذه التى وصفنا وانما له حوصلة طويلة وبطن اعنى الطائر الطويل جدا وذلك لحال رطوبة الطعام اعنى ان طعام جميع هذا الصنف سريع الطحن والملوسة [للطعام]. فمن اجل هذه العلة يعرض ان تكون بطون هذه الاصناف من اجناس الطير رطبة لحال الطعام الذى لم ينطبخ ولم ينضج. فاما جنس السمك فله اسنان وليس منه ما ليس له اسنان ما خلا اصناف يسيرة مثل الذى يسمى باليونانية اسقاروس ولذلك يظن انه يجتر وحده لحال هذه العلل فان الحيوان الذى ليس له اسنان فى الفكين جميعا يجتر. وجميع اسنان السمك حادة بقدر ما يقوى على قطع وتجزىء الطعام وان كان ذلك القطع رديئا ليس بمحكم لانه لا يمكن ان يلبث الطعام فى افواهها زمانا كثيرا. ولذلك ليس للسمك اسنان عريضة فليس يمكن ان يطحن الطعام ولو كانت للسمك اسنان عريضة لكانت باطلا. وليس لبعض السمك معدة البتة ومنه ما له معدة قصيرة لحال معونة طبخ الطعام لبعض السمك بطون لحمية مثل بطون الطير مثل صنف السمك الذى يسمى باليونانية قسطروس. ومن السمك ما لبطونه اجزاء ناتئة لكى يكنز فيها الطعام مثل ما يكنز الشىء فى الحفر الذى يكون بين يدى الآبار فالطعام يعفن وينطبخ هناك. وفى هذه الاجزاء الناتئة من البطون اختلاف فى اجناس الطير والسمك لان [فى] هذه الاعضاء الناتئة توجد فى السمك فى الناحية العليا من البطن وتوجد فى الطير فى الناحية السفلى عند تمام غاية المعاء. ولبعض الحيوان الذى يلد حيوانا اجزاء ناتئة من المعاء فى الناحية السفلى لحال هذه العلة التى وصفنا. فاما جميع حنس السمك فلحال نقص استعمال الطعام يلقى فضلة البطن غير نضيجة ولذلك هو رغيب فى طلب الطعم. وكذلك جميع سائر الحيوان المستقيم المعاء لان خروج الطعم يكون عاجلا. ولذلك يشتاق اليه ايضا من ساعته. وقد قلنا فيما سلف ان للحيوان الذى له اسنان فى الفكين بطن صغير وفى بطون جميع هذا الحيوان نوعان من انواع الاختلاف لان بطون بعضها شبيهة ببطن الخنزير وبطون بعضها شبيهة ببطن الكلب وبطن لخنزير اكبر وفيه بعض التشبيك لكى يكون طبخ الطعام فى زمان اكثر. فاما بطن الكلب فصغير وليس هو اوسع من البطن كثيرا وذلك لحال الجوف اعنى لان طباع المعاء موضوع بعد البطن فى جميع الحيوان. وفى المعاء اختلاف كثير مثل الاختلاف الذى فى البطن لان المعاء يكون فى بعض الحيوان مبسوطا واذا انحل كان بعضه شبيه ببعض وفى بعض الحيوان اذا انحل المعاء يكون غير شبيه بعضه ببعض وربما كان ما يلى البطن من المعاء اوسع وما يلى التمام اضيق. ومن اجل هذه العلة تخرج فضلة بطون الكلاب مع وجع وفى كثير من الحيوان يكون ما يلى البطن من المعاء اضيق وما يلى التمام اوسع وله انثناء كثير مثل معاء الحيوان الذى له قرون. وعظم بطون هذا الحيوان اكثر وعظم المعاء كمثل لحال عظم جثث الاجساد. وبقدر قول القائل جميع اجساد الحيوان الذى له قرون كبار لحال جودة استعمال الطعام. فاما الحيوان الذى ليس بمستقيم المعاء فكلما بعد معائه من البطن صار اوسع وله العضو الذى يسمى قولون وله جزء المعاء الذى يسمى اعمى وهو متورم ثم بعد هذا يكون المعاء اضيق ملتويا وما بعده مستقيم حتى ينتهى الى موضع مخرج الفضلة وهناك العضو الذى يسمى مبعر وهو سمين فى بعض الحيوان وليس له شحم البتة فى بعض. [اعضائه] وانما احتال الطباع بخلقة جميع هذه الاعضاء لحال الاعمال الموافقة اعنى قبول وطبخ الطعام وخروج الفضلة. واذا نزل الطعام اولا صار فى موضع واسع ثم يقف هناك ولا سيما اذا كان الحيوان جيد الشفة محتاجا الى طعام كثير لحال العظم ولحال حرارة الاماكن. فمن هناك ايضا يقبل الطعام الى معاء اضيق اعنى انه يقبله من البطن الاعلى وكذلك ايضا من العضو الذى يسمى قولون ومن سعة الموضع يصير فى البطن الاسفل ومنه يصير الى معاء اضيق وتنتهى الفضلة جافة جدا قد نشف نداها الى التواء المعاء لكى تلبث هنالك تلك الفضلة ولا يكون خروجه بغتة. فالحيوان الذى لم يخلق رغيبا مشتاقا الى كثرة الطعام لا يكون فى معائه سعة كثيرة فيما يلى البطن الاسفل وفى معائه التواء وليس هو مستقيما من اجل ان سعة المعاء تكون علة كثرة رغبته فى الطعام واستقامة المعاء تكون علة سرعة شهوة الطعام. ومن اجل هذه العلة يكون الحيوان الذى اوعية طعامه واسعة ومعاءه مستقيم كثير الرغبة فى الطعام وشهوته سريعة اليه. ولان الطعام يكون طريا فى البطن الاعلى فاذا صار الى البطن الاسفل صار زبلا منتنا قد جف ونشفت رطوبته باضطرار صار شىء آخر فيما بين البطنين لكى يتغير الطعام هنالك ولا يخرج حديثا طريا لانه لم يصر بعد زبلا. ولذلك صار فى جميع الحيوان العضو الذى يسمى صائما وهو المعاء الدقيق الذى بعد البطن فهذا العضو فيما بين البطن الاعلى والبطن الاسفل وفيه الطعام الذى لم ينضج بعد وبعده البطن الاسفل الذى فيه الطعام الفاسد اعنى الفضلة. وبكون فى جميع الحيوان العظيم الجثة الصائم الذى لم يتناول من الطعام بعد شيئا فهو يكون مثل شىء له شركة من المكانين فاما اذا طعم الحيوان فزمان التغيير يكون فى زمان يسير. فالعضو الذى قلنا انه يسمى صائما يكون فى الاناث فوق المعاء فاما فى الذكورة فانه يكون قبل المعاء الذى يسمى اعمى وقبل البطن الاسفل. [15] وفى بطون الحيوان ايضا مسوة وخاصة جميع الحيوان الذى له بطون كثيرة. فاما الحيوان الذى له بطن واحد فليس توجد فى بطنه مسوة ما خلا الحيوان الذى يسمى الازب الرجلين. واذا وجدت المسوة فى الحيوان الكثير البطون لا توجد فى البطنين الاولين بل فى البطن الثالث الذى قبل البطن الاخير. فلجميع هذا الحيوان مسوة لحال غلظ اللبن ولا توجد مسوة فى الحيوان الذى له بطن واحد لان فى الحيوان الذى له بطن واحد لبن دفيق. فمن اجل هذه العلة يجمد لبن الحيوان الذى له قرون ولا يجمد اللبن للحيوان الذى ليس له قرون. فاما الحيوان الازب الرجلين فليس يكون له مسوة لانه يرعى حشيشا كثير الرطوبة والندى واذا كانت الرطوبة مثل هذه لا يجمد اللبن فى جوف المحمول. فمن اجل هذه العلة تكون المسوة فى البطن الذى يسمى باليونانية اخينوس وذلك فى الحيوان الذى له بطون كثيرة كما قلنا فى الكتاب الذى وصفنا فى المسائل فاعرفه ان شاء الله. تمت المقالة الثالثة عشر من كتاب الحيوان لارسطوطاليس
पृष्ठ 99