[1] قد بينا واوضحنا فيما سلف من قولنا الاعضاء التى منها تقويم وتركيب كل واحد من الحيوان وكم تلك الاعضاء فاما حيننا هذا فانا سنوضح العلل التى من اجلها خلق كل واحد من الاعضاء ونفرق كل واحد منها بذاته كما فعلنا فيما سلف. وينبغى ان نعلم ان انواع التركيب ثلاثة. فالنوع الاول من تلك الانواع التركيب الذى يكون من الذى يسميه بعض الناس اسطقسات مثل الارض والهواء والماء والنار. وخليق ان يكون امثل واوفق ان يكون القول فى القوى وليس من جميعها بل كما فعلنا فى مواضع أخر فيما سلف من الرطب واليابس والحار والبارد فان هذه القوى هيولى الاجساد المركبة. فاما الفصول الأخر فهى تابعة لهذه مثل الثقل والخفة والصفاقة والسخافة والخشونة والملوسة وسائر الآفات التى تشبه هذه وتتبع الاجساد. فاما التركيب الثانى فمن الاوائل اعنى من التى اجزاؤها من قبل الطباع تشبه بعضها بعضا وهى الاضاء التى فى تركيب الحيوان من الطباع مثل العظم واللحم وغير ذلك مما يشبه هذه. فاما التركيب الثالث وهو الاخير فمن الاعضاء التى اجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا مثل الوجه واليد والاعضاء التى مثل هذه . وقد علمنا ان بين الولاد والجوهر خلاف من قبل ان الاواخر فى الولا اوائل فى الطباع. وانما الاول التى فى الولاد اخير من اجل انه لا يقال ان البيت انما هو لحال اللبن والحجارة بل يقال ان هذه لحال البيت. وعلى مثل هذه الحال الهيولى. وهو بين ليس من نوع الكلام الذى يتلو فقط ان هذه الاشياء على مثل هذه الحال لكن [و] من الكلمة والحد ايضا من اجل ان كلما يكون انما يكون من شىء وكينونته تكون فى شىء ومن اول الى اول اعنى من الاول المحرك الذى له طباع الى صورة من الصور فان الانسان يلد انسانا ومن الشجر تنبت الشجر وذلك يكون من الهيولى الموضوعة لكل واحد من هذه الاشياء. فباضطرار تكون الهيولى والولاد والكينونة اقدم من غيرها. فاما بالكلمة والحد فالجوهر وصورة كل واحد من الاشياء اقدم وذلك يستبين اذا قال احد كلمة الكينونة لان فى كلمة البناء كلمة البيت ايضا. فاما كلمة البيت فليس فيها كلمة البناء وهذا العرض يعرض على مثل هذه الحال فى الأخر ايضا فهو بين انه باضطرار تكون الاسطقسات هيولى موضوعة لحال الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا وتلك الاضاء الاواخر فى الولاد بعد هذه وفيها التمام والغاية ثم تأخذ التقويم الذى يكون من نوع التركيب الثالث كما يعرض تمام اصناف الولاد فى كثير من الاشياء. فتركيب الحيوان من كل هذه الاعضاء ولكن كل واحد من الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا انما هى لحال الاعضاء التى اجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا لان الاعمال والافعال انما هى للاعضاء التى اجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا مثل العين والانف وكل الوجه والاصبع واليد وكل العضد. وينبغى ان نعلم ان حركات وافعال الحيوان مختلفة كثيرة الصور وافعال الاعضاء التى مثل هذه كمثل. فباضطرار يكون تركيب الحيوان من قوى لا تشبه بعضها بعضا ولذلك صار اللين موافقا لبعض اصناف الفعال والجساوة موافقة لبعض الفعال ومنها ما يوافق الكف والانثناء ومنها ما يلائم المد والانبساط. ففى الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا مثل هذه القوى وفى كل واحد منها قوة على حدته من قبل ان منها ما هو لين ومنها ما هو جاس ومنها رطب ومنها يابس ومنها لزج ومنها قحل. فاما الاعضاء التى لا تشبه اجزاؤها بعضها بعضا ففيها قوى كثيرة لانها مركبة من كثرة ولذلك صارت قوة موافقة للاخذ باليد شيئا وقوة اخرى موافقة لضبط شىء باليد ولذلك صار تقويم هذه الاعضاء من عظام وعصب ولحم وسائر الاشياء التى مثل هذه. فبهذا النوع صار تركيب الاعضاء التى هى آلة لكل الجسد. فلهذه العلة صار تركيب اعضاء الحيوان كما ذكرنا وهو بين انه باضطرار تكون انواع التركيب كما وصفنا وبعض الانواع تتقدم غيره كما لخصنا. وتركيب الاعضاء التى اجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا باضطرار يكون من الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا ويكن ان يكون تفويم وتركيب بعض الاعضاء من كثرة تركيب بعضها من واحد مثل بعض اعضاء الجوف فان اشكالها من صور مختلفة ومنها ما هو جسد اجزاؤه تشبه بعضها بعضا بقدر قول القائل بقول مبسوط. وليس يمكن ان تكون الاعضاء التى اجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا من هذه لان الذى لا تشبه اجزاؤه بعضها بعضا ليس بواحد بل كثير من التى تشبه اجزاؤها بعضها بعضا. فمن اجل هذه العلل صار بعض الاعضاء مبسوطة واجزاؤها تشبه بعضها بعضا وصارت بعضها مركبة واجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا. ومن الاعضاء التى فى الحيوان اعضاء هى آلة وكل واحد من تلك الاعضاء لا تشبه اجزاؤها بعضها بعضا كما تبينا فيما سلف. ويكون اولا حس فى جميع الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا لان كل واحد من الحواس منسوب الى جنس واحد وكل واحد من آلة الحس قبول للاشياء المحسوسة. وانما يلقى ذلك [الذى] بالقوة من الذى بالفعال فهو بالجنس واحد هو فهو ولذلك واحد وهذا واحد. [2] ولذلك لا يروم احد من الذين يكلمون كلاما طباعيا ان يقول ان المنظر والوجه او شىء آخر من الاعضاء التى مثل هذه من ارض فقط او من ماء او من نار. فاما جميع آلة الحس فهم ينسبونه الى كل واحد من الاسطقسات ويزعمون ان منها ما هو هواء ومنها ما هو ماء ومنها ما هو نار. ولان الحس المبسوط للاعضاء المبسوطة بحق نقول ان حس اللمس يكون فى التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا وذلك بنوع مبسوط دون غيره. واللمس يظن ان يكون يحس باصناف كثيرة مختلفة من الاشياء التى تقع تحت الحس وبضديات كثيرة توجد فى المحسوس الذى يدرك بحس اللمس مثل الحار والبارد واليابس والرطب وسائر الاشياء التى تشبه هذه. وآلة حس هذه الاشياء [اللحم] وما يلائمه وآلة هذا الحس من اللحم اكثر من غيره. ولانه لا يمكن ان يكون الحيوان بلا حس باضطرار صارت فى بعض الحيوان اعضاء من هذه الاعضاء. فاما الافعال فهى تكون بالاعضاء التى لا تشبه بعضها بعضا فقوة الحس والقوة المحركة للحيوان والقوة المهيجة للشهوة فى عضو واحد هو فهو كما قلنا فى اماكن أخر من قولنا الذى سلف. فباضطرار يكون فى الجسد عضو اول قبول لهذه الاوائل فلانه قبول لجميع الاشياء المحسوسة ينبغى ان يكون من الاعضاء المبسوطة ولانه يتحرل وبهيج للنشاط ينبغى ان يكون من التى اجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا وهو فى الحيوان الدمى القلب وفى الحيوان الذى ليس بدمى العضو الذى يلائم ويشبه القلب. والقلب يجزأ فى اجزاء تشبه بعضها بعضا مثل كل واحد من سائر الاعضاء التى فى الجوف لان تقويمها من هيولى مثل هذه اعنى ان طبا ع جميع اعضاء الجوف دمى لان وضعها على سبل من عروق [اعنى ان طباع اعضاء الجوف دمى لان وضعها على سبل من عروق] وخلل فيما بينها كما تكون فى الاماكن التى يسيل فيها الماء ولذلك الماء ثقل فجميع اعضاء الجسد مركب من عروق فيها مسيل دم. فاما القلب ففيه ابتداء العروق وفيه القوة الاولى التى تخلق الدم وينبغى ان يكون من الغذاء الذى يقبل ولذلك الفذاء يكون على مثل هذه الحال. فقد بينا العلة التى من اجلها صار غذاء اعضاء الجوف دما والعلة التى من اجلها صارت بعض الاعضاء اجزاؤها تشبه بعضها بعضا وبعضها ركبت من احزاء لا تشبه بعضها بعضا. ومن الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا ما هو لين ومنها ما هو رطب ومنها ما هو جاس صلب ومنها ما هو رطب ما دام فى الطباع مثل الدم والمخ والشحم والثرب والمنى والمرة واللبن فى الحيوان الذى له لحم والحيوان الذى له شىء ملائم للحم. وانما اقول هذا القول لانه لا يكون جميع هذه الاuضاء فى كل الحيوان بل فى بعضها اعضاء ملائمة لهذه الاعضاء. وايضا اقول ان الاعضاء اليابسة الصلبة من الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا مثل العظم والشوكة والعصب والعرق وسائر التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا. وفى هذا التجزىء فصل واختلاف من قبل ان مما ذكرنا ما يشارك الكل بالاسم كقولنا عرق وعروق وهذا ليس مثل المشترك بالاسم بل كما يقال ان الوجه يشارك الوجه بالاسم. وانواع علل الاضاء الرطبة واليابسة كثيرة لان بعضها مثل هيولى الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا فان كل واحد من الاعضاء التى هى آلة يقوم من هذه اعنى من العظام والعصب واللحم وسائر التى تشبه هذه فان بعضها موافق للجوهر وبعضها موافق للعمل وبعض الرطوبات غذاء لهذه لان جمبع الاعضاء ينشو وينمو من الرطوبة وهو من العرض ان يكون بعضها فضول من هذه اعنى ثفل الفذاء اليابس والرطب فى الحيوان الذى له مثانة. وفى هذه الاشياء التى وصفنا فصول لحال الامثل والاجود كقولى ان فى الدم فصول مختلفة اذا قيس دم الى دم آخر لان من الدم ما هو ارق والطف ومنه ما هو اغلط اثخن ومنه ما هو انقى ومنه ما هو اكدر وايضا من الدم ما هو ابرد ومنه ما هو اسخن وذلك فى اعضاء الحيوان الواحد الذى هو فهو لان الذى يكون فى الاعضاء العليا مخالف للذى فى الاعضاء الذى فى اسفل الجسد بالخلاف الذى ذكرنا وكل واحد مخالف لغيره وفصول سائر الرطوبات على مثل هذه الحال ايضا. وبقول عام ان من الحيوان ما هو دمى ومنه ما له مكان الدم شىء آخر ملائم للدم والدم الغليظ كثير الغذاء للجسد وهو اقل حسا. فاما الدم النقى فهو اسخن واكثر حسا واوفق لذى العقل وابرد. ومثل هذا الفصل يكون فى الجزء [الملائم] الذى فى الحيوان [الملائم]. ومن اجل هذه العلة النحل واصناف حيوان أخر فى طباعها اعقل من الحيوان الدمى ومن الحيوان الدمى ما له دم ابرد والطف احلم من الذى دمه على خلاف ذلك. واجود الحيوان ما له دم حار لطيف نقى لان الحيوان الذى يكون على مثل هذه الحال اوفق فى الجلادة والحلم. وبنوع آخر الاعضاء التى فى اعلى الجسد مخالفة للاعضاء التى فى اسفله بهذا الفصل والذكر اذا قيس الى الانثى واعضاء الناحية اليمنى اذا قيست الى اعضاء الناحية اليسرى. وينبغى لنا ان نظن ان فى سائر الاعضاء فصلا مثل هذا وفى الاعضاء التى اجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا لان بعضها اوفق لجوهر واعمال الحيوان وبعضها اوفق للاجود او الاردأ مثل الفصول التى فى خلقة العين لان من الحيوان ما هو جاسى العين ومنه ما هو لين العين ومنه ما ليس لعينه اشفار ومنه ما لعينه اشفار ليكون البصر احد والطف. فباضطرار يكون فى كل حيوان اما دم اما شىء آخر ملائم للدم وطباع الدم مختلف كما قلنا آنفا. فينبغى لنا اولا ان نجزئ الحار والبارد ونفصل اصناف الدم ثم ننظر فى العلل لان طباع اشياء كثيرة تنسب الى اوائل باعيانها. وكثير من الناس يقاول ويشاجر غيره ويطلب اى الحيوان بارد وايها حار واى الاعضاء حار وايها بارد ومن الناس من يزعم ان الحيوان المائى اسخن من المشاء البرى ويحتج ويقول انه لا يحتمل برد الماء الا لحرارة طباعه والحيوان الدمى احر واسخن من الذى لا دم له والاناث احر من الذكور كما فعل برمنيدس حيث زعم ان النساء اسخن من الرجال. وقد قال هذا القول غيره ايضا واحتجوا وقالوا ان الطمث انما يعرض للنساء لكثرة حرارتهن. فاما امبدوقليس فهو يقول خلاف هذا القول. وايضا من القدماء من يقول ان الدم بارد والمرة كمثل ومنهم من يقول خلاف ذلك. فان كانوا شككوا واختلفوا فى طباع الحار والبارد ماذا ينبغى ان نظن نحن فى تشكيكهم واختلافهم فى الآخر فان الحار والبارد من الاشياء الظاهرة لنا اكثر من غيرها التى تعرف بالحس وهو سببه ان يكون عرض لهم هذا العرض لان الاسخن والابرد تقال بانواع شتى وكل واحد من المتكلمين يظن انه يقول شيئا وانما يقول خلاف الحق. فليس ينبغى ان يخفى علينا ان بعض الاشياء المقومة من الطباع حارة وبعضها باردة وبعضها يابسة وبعضها رطبة ولا سيما انه بين ان هذه الاشياء علل الحياة والموت وعلل السهر والنوم والشباب والكبر والسقم والصحة. وليس علل ما وصفنا الخشونة والملوسة ولا الخفة والثقل ولا شىء آخر من الاشياء التى مثل هذه بقدر قول القائل. وبحق عرض هذا العرض لانه كما قلنا فيما سلف ان اوائل الاسطقسات الطباعية الحار والبارد واليابس والرطب. فينبغى لنا ان نعلم اولا ان كان الحار يقال بنوع واحد مبسوط او بانواع كثيرة ونتفقد ماذا عمل الحار وهل اعماله قليلة بالعدد او كثيرة. فبنوع واحد يقال حار للذى يسخن ما يمسه ويدنو منه وبنوع آخر يقال حار للذى يكون فى الجسد منه حس بين اذا مسه وخالطه. وايضا يقال حار اذا كان منه حس مع اذى وربما ظننا ان هذا النوع من انواع الكذب لانه ربما كان البصر علة الوجع للذين يجدون الحس وايضا اذا كان الحار مذيبا وايضا اذا كان بعض ذلك الحار اكثر وبعضه اقل لان الاكثر فى الكمية احر من الاقل. وايضا يقال اكثر حرارة للذى لا يبرد عاجلا بل يكون بطىء البرودة والذى يسخن عاجلا اكثر من غيره يقال انه احر منه من قبل الطباع. فهو بين ان الضد يبعد والشبه يقرب فهو بين انه لا يقال شىء احر من شىء بعدة هذه الانواع التى وصفنا. وليس يمكن ان يكون كل هذه الانواع فى شىء واحد هو فهو ولا يستطاع ان يسخن شىء واحد بجميع هذه الانواع لان الماء الحار يسخن اكثر من النار فاما النار فهى تحرق وتذيب الجسد الذى يحترق ويذوب اكثر من الماء. ويقال ان الماء الذى يغلى اسخن ولا يقال النار اسخن من غيره والماء يسخن ويبرد وربما برد عاجلا اكثر من النار اليسيرة لانه لا يمكن ان تبرد النار فاما الماء فهو يبرد وايضا الماء الذى يغلى هو اشد حرارة اذا وقع حس المس وهو يبرد ويجمد عاجلا. والدم بحس المس اسخن من الزيت والماء الحار كمثل واذا برد الماء بردا شديدا جمد جمدا اكثر من الزيت. وايضا الحجارة والحديد وما يشبه هذه الاشياء يسخن سخونة ابطأ من سخونة الماء واذا سخنت احرقت اكثر من الماء. ومعما وصفنا من الاشياء المسخنة التى تسخن الجسد الذى يماسها ما حرارته غريبة ومنها ما حرارته اهلية له. فبين هذا الحار الذى يكون بهذا النوع والحار الذى يكون من النوع الآخر اختلاف كثير لانه قريب من الحار الذى يقال له حار بنوع عرض ولكن كل واحد منهما بذاته كما يقول قائل انه عرض من الاعراض ان يكون صاحب علم هو محموم او يكون اكثر دفاء وحرارة او يكون صاحب الصحة كثير الحرارة. فقد علمنا انه ربما كان الحار حارا من ذاته وربما كان حارا بنوع عرض فالحار بذاته بطىء البرودة ومرارا شتى يسخن الحس سخونة اكثر من الحار بنوع العرض وايضا الحار من ذاته يكون ابدا حارا اكثر من غيره كما نقول ان النار ابدا حارة اكثر من الماء الذى يغلى. فهو بين ان القضاء بين اثنين والمعرفة ايهما حار اكثر من غيره ليس بمبسوط فانه يكون هذا هاهنا اسخن وهاهنا آخر. وفى هذه الأشياء اشياء لا يمكن ان يقال انها حارة او انها ليست حارة وربما كان موضوع الشىء واحدا ليس بحار فاذا دنا من غيره او ركب معه صار حارا. وذلك مثل الذى يسمى الماء او الحديد حارا فان كل واحد من هدين ليس بحار فاذا دنا من النار صار حارا. فاما الدم فهو حار من ذاته وربما صار حارا من حرارة عرضية تعرض له ايضا. وهو بين فى مثل هذه ان البارد ليس هو بطبيعته بل عدم وذلك يقال فى جمبع الاشياء التى موضعها حار بنوع آفة وعرض. وخليق ان يكون طباع النار ايضا مثل هذا لان الموضع ربما كان اما دخانا واما جمرة فان احد هذين ابدا حار لان الدخان شبيه بالبخار فاما الجمرة فهى اذا طفئت باردة فاما الزيت وخشبة الصنوبر فهى تكون باردة فى كل ما يحمى من الاجساد حرارة بقدر قول القائل مثل الرماد وفضلة النار وجميع الفضول التى تبفى فى اجساد الحيوان وما يخرج من قذاها والمرة الصفراء ايضا حارة. وانما صارت الاجساد التى احترقت حارة لانه قد بقيت فيها بقية من حرارة النار. وبنوع آخر يقال خشب الصنوبر واشياء أخر حارة لانها تتغير عاجلا وتنتقل الى فعل النار. ويظن ان الحار يذيب ويجمد اعنى لجميع الاجساد فما كان من الاجساد كثير الماء فى تركيبه فهو يجمد من البرودة وما كان فى تركيبه كثير من الارض والماء فهو يجمد ويجتمع من الحرارة وما كان فى تركيبه من جزء الارض اكثر فهو اسرع جفافا واجتماعا. ولكن قد قلنا فى هذه الاشياء قولا اوضح وابين فى غير هذا الكتاب وميزناه واوضحنا الاجساد التى تذوب ولاى علة تجتمع. فاما طلب معرفة الشىء الحار والذى هو اكثر حرارة من غيره فهو يقال بانواع شتى ولذلك لا يكون فى جميع الاشياء بنوع واحد بل ينبغى ان نميز ونفول ان من الحار حار من ذاته وهو الذى يكون حارا ابدا. فاما الآخر فهو حار بنوع عرض وايضا يقال احدهما حار بالقوة والآخر بالفعال ويقال بعض الاشياء حار بنوع حرارته وبعضها حار لانه يسخن حس المس اكثر من غيره ويقال شديد الحرارة كما يكون من التهاب نار. واذ قد علمنا ان الحار يقال بانواع شتى باضطرار يلزمنا ان نقول ان البارد يقال بانواع شتى فهذا تميز قولنا فى حال الحار والبارد بقدر هذا التحديد. [3] والذى يتلو قولنا ذكر اليابس والرطب. فان كل واحد منهما يقال بانواع شتى اعنى ان من الاشياء اشياء تقال يابسة ورطبة بالقوة ومنها اشياء تقال يابسة ورطبة بالفعال. فان الجليد وكلما يجمد يقال رطب وهو بالفعال وبنوع العرض يابس فاما بذاته فهو رطب فاما الارض والرماد والاشياء التى مثل هذه فانها اذا خالطت الرطوبة تقال رطبة بالفعال وبنوع العرض تقال يابسة بالقوة وبذاتها. واذا افترقت هذه الاشياء تقال بالفعال والقوة رطبة التى فيها جزء كثير من الماء فاما التى فيها جزء كثير من الارض تقال يابسة. وبهذا النوع الحقى المسود يقال اليابس والرطب بمثل هذا الفن والحار والبارد كذلك يقال ايضا اعنى الاجساد الحارة والباردة بنوع الحق. فاذا ميزنا هذه الاشياء نستبين ان الدم ربما كان حارا من ذاته وربما اشتدت حرارته بنوع عرض وحرارته تكون فى حده كما يكون البياض فى حد الرجل الابيض. وربما كان الدم من قبل آفة وعرض واذا كان حارا على مثل تلك الحال لا يقال حار بذاته. فهذا قولنا فى اليابس والرطب ايضا ولذلك نقول ان الاشياء التى تكون فى الطباع حارة رطبة اذا فارقت الطباع اعنى الجسد تجمد وتظهر باردة مثل الدم. فاما الاشياء التى هى فى الطباع حارة غليظة فاذا فارقت الجسد تلقى خلاف ما هى عليه مثل المرة اعنى انها تبرد وتكون رطبة فالدم ييبس يبسا اكثر والمرة الصفراء تترطب. فشركة الاضداد وكينونتها فى الاشياء بنوع زيادة ونقص مثل الكينونة الطباعية. قد بينا كيف يقال الدم حار وكيف يقال رطب وكيف لطباعه شركة من الاضداد بقدر قول القائل. وباضطرار يفذى كلما ينشؤ وانما غذاء جميع الاشياء التى تغذى من اليابس والرطب وانما يكون طبخهما ونضوجهما بقوة الحرارة وبغيرها كمثل. وباضطرار ان يكون ابتداء حرارة طباعية فى جميع الحيوان والشجر لهذه العلة ان لم يكن لعلة اخرى ايضا . والآلة التى توافق استعمال الطعام والغذاء كثيرة اعنى الاعضاء التى تصلح لذلك كقولى ان اول ما يوافق استعمال وخدمة الطعام الفم وما فيه من الاجزاء اذا كان الحيوان الذى يغذى يحتاح الى قطع غذائه بقطع صغار. وهذا القطع لا يكون علة هضم ونضوج الطعام البتة بل يكون علة جودة نضوج لان قطع الطعام باجزاء صغار يكون علة سرعة وجودة الهضم والنضوج. فاما طباع البطن الاعلى والاسفل فانه يطبخ وينضج الطعام مع حرارة كيانية وكمثل ما نقول ان الفم سبيل ومدخل الطعام الذى لم ينضج بعد فذلك العضو الذى يتلوه يسمى مدخل الطعام وذلك فى الحيوان الذى له هذا العضو ومنه يذهب الطعام الى البطن. وينبغى ان تكون ايضا اوائل أخر كثيرة بمثل هذا النوع لكى يأخذ كل الجسد بها الغذاء كما يؤخذ من فاتنى اعنى من البطن ومن طباع المعاء. فالشجر يأخذ الغذاء معمولا مفروغا منه من الارض وانما يأخذه باصوله ولذلك لا تكون فى الشجر فضلة لانه يستعمل الارض والحرارة التى فيها مثل ما تفعل البطون. ولجميع الحيوان وخاصة ما كان منها مشاء بطن ومنه يأخذ جميع الجسد الغذاء كا يأخذ جميع اصول الشجر من الارض ومن تلك الاصول يؤدى الفذاء الى بقية الشجر حتى ينتهى النضوج الى التمام والغاية. فاما عمل الفم فهو يدفع الى البطن وباضطرار ان يكون عضو آخر يأخذ النذاء من البطن اعنى العروق التى تمتد الى وسط المعاء وتبدأ اسفل وتفترق فى جميع الجسد. وينبغى لمن اراد علم هذه الاشياء ان يعاينها من الشق والمباشرة الطباعية. ولكل غذاء عضو قبول له وعضو آخر قبول للفضلة. فاما العروق فهى مثل وعاء دم وذلك يستبين ان الدم الغذاء الاخير الذى به يغذى الحيوان الدمى. فاما الحيوان الذى ليس له دم فهو يغذى بما يلائم الدم. ومن اجل هذه العلة اذا لم يغذ الحيوان بهذا الغذاء هزل وساءت حاله واذا غذى نشأ وحسنت حاله. فان كان ذلك الغذاء صافيا جيدا يكون الجسد صحيحا واذا كان الغذاء رديئا يكون الجسم سقيما. وايضا الدم يكون فى الحيوان لحال الغذاء وذلك بين من الحجج التى احتججنا بها ولذلك لا يكون للدم حس اذا مسه احد كما لا يكون حس لشىء آخر من الفضول اذا مسه احد البتة. ولا يكون للغذاء حس مثل حس اللحم فان اللحم اذا مسه احد كان له حس بين من اجل ان الدم ليس بمتصل باللحم ولا هو عرض بل هو فى مثل وعاء موضوع فى القلب والعروق. فاما كيف تأخذ الاعضاء من القلب الحس وكيف يكون الغذاء فهو اوفق ان يكون يذكر فى الاقاويل التى وضعنا فى الولاد وفى كتب أخر. فاما حيننا هذا فانا نكتفى بقولنا ان الدم انما هو لحال غذاء الاعضاء وهذا القول الذى يحتاح اليه من ذكر الدم حيننا هذا. [4] ومن الدم ما فيه شىء دقيق مثل الشعر ومنه ما ليس فيه شىء مثل دم الايلة وغيرها من الحيوان ولذلك لا يجمد الدم الذى يكون على مثل هذه الحال اعنى الذى ليس فيه مثل الشعر الدقيق والدم الذى يكون مائيا ابرد من غيره ولذلك لا يجمد. فاما الدم الارضى فهو يجمد لذهاب الرطوبة عنه ويعرض ان يكون العقل اصفى واجود ليس لحال برد الدم بل لحال لطفه ونقاوته وليس يكون شىء من هذين من الارض. وكل حيوان تكون رطوبته ارق وانقى يكون حس حركته جيدة ولهذه الحال والعلة تكون انفس كثير من الحيوان الذى ليس له دم الب من انفس بعض الحيوان الذى له دم كما قلنا فيما سلف مثل النحل وجنس النمل وكلما يشبه هذه الاصناف. فاما ما كان من الحيوان كثير المائية من قبل الطباع فهو اكثر جزعا لان الجزع والفرغ تبرد الجسد والحيوان الذى يكون مزاج قلبه على مثل هذه الحال يلقى هذه الآفة والماء البارد يسرع الى الجمود. ومن اجل هذه العلة يكون الحيوان الذى لا دم له اكثر جزعا من الحيوان الدمى ولذلك لا يتحرك الا حركة يسيرة لفزعه وجزعه ويلقى فضولا. ومن الحيوان الذى لا دم له ما يغير لونه. وكلما فيه اجساد صغار تشبه الشعر او اغلظ منه فهو ارضى الطباع وشكل الحيوان الذى يكون دمه على مثل هذه الحال غضوب كثير الحرارة لحال الغضب والغضب مهيج للحرارة واذا سخنت الاجساد الصلبة فهى تسخن اكثر من الرطبة وهذه الاجزاء الصفار التى تكون فى الدم شبيهة بالشعر صلبة ارضية وتصير فى الدم مثل جمر وتتقد فى اوقات الغضب. ولهذه العلة نقول ان الثيران وذكورة الخنازير غضوبة جدا جاهلة عند غضبها لان فى دمها كثير من هذه الاجزاء التى تشبه الشعر. ودم الثور خاصة يجمد اسرع من جميع الدماء. واذا خرجت هذه الاجزاء التى تشبه الشعر من الدم لا يجمد البتة. وان اخرج احد الجزء الارضى من الطين لا يجتمع ولا يجف فاما الطين الرطب فهو يجمد من البرد من قبل ان الحرارة اذا انعصرت ودفعت من البرودة اخرجت معها الرطوبة كما قلنا فيما سلف ولذلك يجمد ليس لانه يجف من الحرارة بل من البرودة. فاما الرطوبة التى فى الاجساد فهى فيها لحال الحرارة التى فى الحيوان. والدم كثير فى اجساد الحيوان وذلك بحق لانه هيولى كل الجسد لان الغذاء هيولى والدم الغذاء الاخير. ففى الدم اختلاف كثير اذا كان حارا او باردا او لطيفا او غليظا او كدرا او نقيا. فاما مائية الدم فهى الدقيق منه لانه لم ينضج بعد او لانه قد فسد فمائية الدم تكون باضطرار لحال الدم. [ه] فاما الشحم والشرب فبينهما اختلاف بقدر فصل الدم لان كل واحد منهما دم مبطوخ لحال جودة الغذاء وما لا يفنى فى غذاء لحم الحيوان وهو اجود وابلع طبخا يصير شحما او ثربا. والدليل على ذلك ما كان من الحيوان مخصبا حسن الحال لان الجزء الدسم من الرطوبات مشترك للهواء والنار ومن اجل هذه العلة ولا يكون شحم ولا ثرب فى اجساد الحيوان الذى لا دم له. ومن الحيوان الدمى ما كان له دم مقارب للجسد يكون له ثرب ان الثرب ارضى ولذلك يجمد كما يجمد الدم الذى فيه الاجزاء الصغار التى تشبه الشعر والمرقة التى يطبخ بها لحم الحيوان الذى هذه حاله تجمد ايضا لان الجزء الارضى الذى فيها كثير والجزء المائى الذى فيها قليل. ومن اجل هذه العلة يكون الثرب فى اجساد الحيوان الذى ليس له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل وله قرون ف[فى اجساد هذا الحيوان و] طباع هذا الحيوان بين انه مملوء من هذا الاسطقس لان لهذا الحيوان قرونا واظلافا. فاما الحيوان الذى له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل وليس له قرون فكله يابس ارضى الطباع وله شحم مكان الثرب وذلك الشحم لا يجمد ولا يتفتت اذا يبس لان طباعه ليس بارضى. فاذا كان ما وصفنا يسيرا معتدلا فى اعضاء الحيوان نفع لانه لا يمنع جودة الحس وهو معين على الصحة والقوة واذا كثر ضر وافسد الحيوان. فانه ان كان كل الجسد شحما وثربا باضطرار ان يهلك ويبيد الحيوان لان الشحم والثرب انما يكونان فى عضو الجسد الذى فيه حس المس واللحم هو العضو الذى فيه حس المس [كما قلنا فيما سلف]. فاما الدم كما قلنا فيما سلف فيما يقدم من فولنا فليس له حس ولذلك ليس للشحم ولا للثرب ايضا حس لان الشحم والثرب انما هما دم جيد الطبخ والنضوج. فهو بين انه ان صار كل الجسد مثل هذا لا يكون له حس ولهذه العلة يكبر ويشيخ عاجلا الحيوان السمين جدا لان دمه قليل لانه يفنى فى الشحم وكلما كان قليل الدم يذهب الى مذهب البلى والفساد لان البلى والفساد قلة دم وكلما كان قليل الدم فهو كثير الآفات لانه يلقى من البارد ايا كان ومن الحار. وكل حيوان كثير الشحم يكون قليل الولاد او لا تلد البتة لحال العلة التى هى فهى لان الدم الذى يتغير ويصير منيا يفنى ويذهب فى الشحم والثرب لان الشحم والثرب من الدم الجيد الطبخ ولذلك لا تكون فضلة فى اجساد الحيوان التى هذه حالها البتة وان كان فضلة لا تكون الا قليلة يسيرة. فقد قلنا ماذا الدم وماذا مائيته وماذا الشحم وماذا الثرب وبينا طباع كل واحد منها ولم ندع ذكر عللها. [6] والمخ ايضا طباع من اصناف طباع الدم وليس هو كما يظن بعض الناس قوة زرعية المنى وذلك بين فى الاحداث جدا لان اعضاء الجسد مقومة من دم وغذاء الجنين دم والمخ الذى فى عظامه دمى. فاذا نشأ الاحداث جدا تغير لون اعضاء الجوف لان لونها دمى جدا فكل واحد منها يتغير اذا نشأ الحيوان وكذلك يتغير مخ الاحداث ايضا ويكون لونه غير اللون الاول ومع الحيوان الكثير الشحم يكون دسما شبيها بالشحم. فاما فى الحيوان الذى اذا جاد نضوج دمه لم يصر شحما بل ثربا فالمخ يكون شبيها بالثرب. ومن اجل هذه العلة يكون مخ الحيوان الذى له قرون وليس له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل شبيها بالثرب. فاما فى الحيوان الذى له اسنان فى الفك الاعلى والفك الاسفل فالمخ الذى يكون فيه شبيه بالشحم. ومثل هذا المخ يكون مخ الفقار لانه ينبغى ان يكون متصلا ويجوز بجميع الفقار ويتجزأ فى خرز الفقار ولو كان مخ الفقار شبيها بالثرب لم يكن متصلا على مثل هذه الحال بل كان متفتتا او رطبا. ومن الحيوان حيوان ليس له مخ كثير اعنى الحيوان الذى عظامه قوية صفيقة مثل عظام الاسد فان عظام الاسد قوية صفيقة وليس فيها مخ الا قليل جدا ولذلك يظن انه ليس فى عظام الاسد مخ البتة. وباضطرار يكون فى الحيوان طباع العظام او العضو الذى يلائم العظام مثل الشوكة التى فى الحيوان المائى وباضطرار يكون المخ فى العظام وفى تلك الشوكة لحال احتباس الغذاء الذى منه تكون العظام. وقد قلنا فيما سلف ان الدم غذاء جميع الاعضاء ومن اجل ذلك بحق يكون المخ شحميا وثربيا لانه ينضج من حرارة العظام المحدقة به ونضوج الدم الذى يكون من ذاته يصير شحما وثربا. وبحق نقول انه لا يكون مخ فى العظم القوى الصفيق وربما كان فيه مخ يسير لان الغذاء يفنى فى العظام. فاما فى الحيوان الذى ليس له عظام بل شوك يوجد مخ الفقار فقط لان الحيوان الذى له شوك مكان العظام قليل الدم من قبل الطباع وانما فيه شوكة الفقار مشتركة فقط وليس للمخ مكان غير الفقار وهو يحتاح الى الرباط لحال القوة والثبات. ومن اجل ذلك اقول ان المخ الذى يكون فى الفقار متغير اللون كما وصفنا اولا وهو لزج عصبى لانه فى الفقار بدل مسمار نافذ لكى يكون له امداد وقوة. فقد قلنا العلة التى من اجلها يكون المخ فى عظام الحيوان الذى له مخ وبينا ماذا المخ وانه فضلة غذاء الدم الذى منه تغذى عظام وشوك الحيوان ولذلك هو محتبس فى داخل العظام وانما هذا الغذاء من الدم الجيد الطبخ. [7] ويتلو قولنا ذكر الدماع لان كثيرا من الناس يظن ان الدماغ ابتداء مخ الفقار لانهم يعاينون المخ متصلا بالدماع والحق على خلاف ظنهم لان طباع الدماغ غير طباع المخ بقدر قول القائل من اجل ان الدماع بارد جدا اكثر من جميع الاعضاء الذى فى اجساد الحيوان واما طباع المخ فهو حار والدسم والشحم الذى فيه دليل على قولنا. ومن اجل ذلك صار مخ الفقار متصلا بالدماع لان الطباع ابدا يحتال ويصير قوة معينة دافعة لافراط مزاج كل عضو بضده المخالف الذى هو قريب منه لكى يبكون آخر مساوى لافراط الآخر. فهو بين ان المخ حار من حجج كثيرة ومن برد الدماع والدليل على ذلك من قبل ان مس الدماغ بارد جدا وهو عادم دم اكثر من جميع الرطوبات التى فى الجسد لانه لا يظهر فيه شىء من الدم وهو مع ذلك جاف. فليس الدماع فضلة من الفضول ولا هو من الاعضاء المتصلة بل طباعه طباع سرمدى وبحق صار طباع الدماع على مثل هذه الحال وليس للدماغ اتصال لشىء من الاعضاء الحاسة وذلك ظاهر للمعاينة. وايضا لا يكون للدماع حس البتة من المس كما لا يحس الدم ولا فضلة الحيوان وانما هو فى اجساد الحيوان لحال سلامة جميع الطباع. ومن الناس من يزعم ان النفس نار او قوة اخرى مثل هذه وقولهم فى ذلك خطأ. وخليق ان نقول ان امثل ان نقول ان النفس مقومة فى جسد مثل هذا وعلة ذلك من قبل ان الحرارة التى فى الاجسام تخدم اعمال النفس لان الغذاء والحركة من اعمال النفس وانما تكون هذه الاعمال بقوة الحرارة. وهذا القول اعنى قول الذين يزعمون ان النفس نار شبيه بقول القائل ان المنشار او المنقب هو النجار او مهنة النجار لان العمل يتم بقرب هذه بعضها من بعض. فباضطرار يبين من هذه الحجج ان للحيوان شركة من الحرارة ولان جميع الاشياء تحتاج الى ضدية الغذاء لكى تعتدل وتكون حالها الاوسط ولا يكون فيها شىء من الافراط صارت خلقة الدماغ باردة وضديتها الحرارة التى فى القلب ولذلك لا يمكن ان يكون عضو من هذه الاعضاء مفردا بمزاج ذاته بغير ضدية غيره. فمن اجل هذه العلة احتال الطباع ووضع الدماغ فى موضعه قبالة مكان القلب والحرارة التى فيه ولهذه العلة صار هذا العضو فى الحيوان طباعه مشترك من ماء وارض ولذلك لكل حيوان دمى دماغ وليس دماع لشىء من سائر الحيوان الآخر ان لم يكن له عضو آخر ملائم للدماغ مثل الحيوان الكثير الارجل وما يشبهه. فاصناف هذا الحيوان حارة لحال عدم الدماغ فالدماغ يصير الحرارة والغليان الذى فى القلب جيد المزاج ولكى يصيب هذا العضو ايضا حرارة معتدلة من العرقين اعنى العرق العظيم والعرق الذى يسمى باليونانية اورطى ومنتهى هذه العروق فى الصفاق المحدق بالدماغ. ولكى لا يصيب الدماع ضرر من الحرارة صارت العروق التى تحدق به صفيقة رقاقا بدل العروق القليلة العظيمة وبدل الدم الكدر الغليظ صار الدم الذى يحدق به نقيا لطيفا. ومن اجل هذه العلة ينزل انواع النازلة من الدماغ الى الجسد اذا كان ما يلى الدماغ ابرد من المزاج المعتدل لان بخار الغذاء يرتفع الى فوق ومذهبه بالعروق. فاذا بردت فضلة الدماغ لحال قوة هذا المكان تكون نازلة بلغم ومائية دم. واذا قسنا الصغير الى الكبير يكون هذا العرض مثل كينونة الامطار من البخار فان بخار الارض يصعد الى المكان الاعلى بالحرارة فاذا صار فى الهواء المحدق بالارض اعنى الهواء البارد يكون له ايضا تقويم ويتغير ويصير ماء لحال البرودة ثم يسيل الى المكان الاسفل اعنى الارض. ولكن ينبغي لنا ان نذكر هذه الاشياء ونقول فيها ما يلزمنا 'فى ذكر اوائل الامراض بقدر ما نستطيع ان نقول وندرك الفلسفة الطباعية. والنوم ايضا يكون فى الحيوان الذى له هذا العضو اعنى الدماغ وانما يكون الدماغ فى الحيوان الدمى. فاما فى الحيوان الذى ليس بدمى فانه يكون عضو آخر ملائم للدماغ لانه يبرد جدا الغذاء الذى يصير اليه من مسيل الدم. وخليق ان يكون ذلك لعلل أخر شبيهة بهذه ويثقل المكان ولذلك يكون رأس النائم ثقيلا والحرارة تهرب الى اسفل مع الدم ولان الحرارة تجمع كثيرة فى المكان الاسفل يكون النوم. ولا يقوى الحيوان القائم الجثة على قدام جثته ولا سيما ما كان من الحيوان ثقيل الجثة وتثقل رؤوس الحيوان ذوات الاربعة الارجل عند وقت النوم. وقد قلنا فى النوم قولا لطيفا فى الاقاويل التى وضعنا فى الحس والنوم وميزنا ذلك تمييزا بليغا. والدماغ مشترل من ارض وماء وذلك بين من الارض الذى يعرض له فانه اذا طبخ يكون يابسا جاسيا ويبقى منه الجزء الارضى اذا يبس وفنى الجزء المائى الذى فيه الحرارة مثل ما يطبخ من سائر اصناف الحبوب والثمرات لان الجزء الارضى فيها كثير والجزء الرطب الذى يخالطه يفنى ويذهب ويبقى بقيتها ارضية جاسية جدا. وللانسان بقدر جثته دماغ كبير اكبر من ادمغة سائر الحيوان اذا قيس اليها ودماغ الرجال اكبر من دماغ النساء. والمكان الذى يلى القلب والرئة حار جدا وهو كثير الدم ومن اجل هذه العلة صار الانسان قائم الجثة من بين سائر الحيوان لان طباعه الحرارة يقوى ويصير النشوء من الاوسط الى المذهب الذى هو فهو. فالرطوبة والبرودة الكثيرة تضاد تلك الحرارة ولكثرة تلك البرودة والرطوبة لا يصلب العظم الذى يلى الدماغ الا بطيئا وبعد زمان كثير وهو العظم الذى يسمى يأفوخ لان بخار الحرارة يخرج من ذلك الموضع زمانا كثيرا. وليس يعرض هذا العرض لشىء آخر من الحيوان الدمى. وفيما يلى قحف عظم الرأس خياطات كثيرة وتلك الخياطات هى فى رؤوس الاناث اكثر لهذه العلة التى هى فهى لكى يكون المكان سهل التنفس وخاصة اذا كان الدماغ اكبر لانه اذا ييبس او يرطب اكثر مما ينبغى لا يعمل عمله بل يبرد الجسد او يذيبه. ومن ذلك تعرض امراض وذهاب عقل وموت لان الحرارة التى فى القلب والعضو الاول متوجع للآخر جدا وحسه سريع جدا اذا تغير او لقى شىء من الدم المحيط بالدماغ. فقد قلنا وبينا حال الرطوبات التى يولد مع الحيوان ولم نخف من حالاتها ولا عللها شيئا بقدر قول القائل. فاما الفضول التى تتولد فى اجساد الحيوان اخيرا فهى من فضول الغذاء مثل الفضلة التى تكون فى البطون وفضلة الرطوبة التى تكون فى المثانة وغير هذه الفضول من المنى واللبن فى طباع الحيوان الذى له لبن. فكل واحد مما ذكرنا يكون من فضلة الغذاء ما خلا المنى واللبن. وذكر حال فضول الغذاء وطبخ الغذاء اوفق ان يقال فى الاقاويل الموضوعة فى ولادها وكينونتها ولاى علة يكون. [19] فاما حيننا هذا فانا نريد النظر فى سائر الاعضاء التى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا. واول نظرنا فى حال اللحم الذى فى الحيوان الذى له لحم وفى سائر الحيوان العضو الملائم للحم. فانه اول وهو بذاته جسد للحيوان وذلك بين من الكلمة اعنى الجسد فانا نجد الحيوان ونقول ان الحيوان الذى له حس فاولا الحس الاول وهو حس المس وآلة حس المس هذا العضو اعنى اللحم والعضو الذى يلائمه فى سائر الحيوان. فهذا العضو آلة حس المس وهو اول هذا الحس كما نقول ان حدقة العين اول حسر البصر لان صفاء وحدة البصر فيها. وباضطرار ان يكون حس المس فى الجسد وهو من الآلة جسدانى اكثر من سائر آلة الحواس. ومن الحس سيتبين لنا ان جميع سائر الاعضاء خلقت لحال هذا الحس اقول مثل العظام والعروق والعصب والجلد وايضا الشعر وجنس الاظفار وان كان شىء آخر مثل هذا فطباع العظام خلق لحال سلامة الجسد اللين لان طباعه جاس. فلهذا خلقت العظام فى اجساد الحيوان الذى له عظام فاما فى الحيوان الذى ليس له عظام فالعضو الذى يلائم العظام مثل الشوكة التى تكون فى السمك والغضروف الذى يكون فى بعض الحيوان بدل الشوكة. فهذه المعونة تكون فى بعض الحيوان فى داخل اجسادها وتكون فى بعض الحيوان الذى ليس بدمى خارجا من اجسادها مثل كل واحد من الحيوان اللين الخزف اعنى السراطين وجنس الحيوان الذى يسمى باليونانية قارابو وجنس الحيوان الخزفى الجلد كمثل اعنى اصناف الحيوان الذى يسمى حلزون لان الجزء المخلوق من لحم فى جميع هذا الحيوان من داخل والجزء الخزفى الذى يحفظه ويحيط به من خارج. وذلك لانه ليس فى طباع هذا الحيوان الا حرارة يسيرة لانه ليس له دم فالخزف يحيط بالجسد الذى هو داخل منه ويحفظ تلك الحرارة من الاعراض التى تعرض لها من خارج. والسلحفاة ايضا فيما يظن حارة الطباع وجنس الحيوان الذى يسمى باليونانية اميدون وجنس هذا الحيوان هو غير جنس السلحفاة. فاما الحيوان المحزز الجسد والحيوان الذى يسمى باليونانية مالاقيا فطباعه وتقويم جسده على خلاف جسد الحيوان الذى وصفنا لانه ليس فى جسد هذا الحيوان عظم ولا شىء من الجزء الارضى مفترق بذاته ولا شىء يعنى به وانما يسمى ملاقيا جميع الحيوان اللين الجسد والمخلوق من لحم فقط. ولكى لا يكون جسد هذا الحيوان سريع البلى والفساد مثل ما جسده من لحم فقط صيرت الطبيعة خلقته فيما بين اللحم والعصب فهو لين مثل لحم وله امتداد مثل العصب وليس ينشق لحمه شقوقا مستوية بل ينشق بشقوق مستديرة واذا كانت هذه حاله كان اكثر [نافع] لقوته. وفيه عضو ملائم لشوك السمك وذلك العضو يسمى سبيون فى الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية سيبيا واما فى الحيوان الذى يسمى طوتيس فانه يكون العضو الذى يسمى بسيف. فاما جنس الحيوان الكثير الارجل فليس فيه عضو مثل هذا البتة لان جثته العضو الذى يسمى رأسا صغير جدا وسائر الاعضاء مستطيلة. وانما فعل الطباع ذلك لحال استقامة جثتها ولئلا ينثنى كما فعل فى خلقة الحيوان الدمى حيث صير فى بعضه عظم وفى بعضه شوكة. فاما خلقة الحيوان المحزز الجسد فعلى خلاف خلقة هذا الحيوان والحيوان الدمى كما قلنا لانه ليس فى جسده شىء مفرد على حدته بل له جساوة واذا قيست الى العظم كانت لحمية واذا قيست الى اللحم كانت ارضية اكثر منه وذلك لكى لا يكون جسد هذا الحيوان سريع القطع والتجزئ. [9] وطباع العظام شبيه بطباع العروق لان كل واحد منها متصل خارج من اول واحد فليس هو عظم ولا هو شىء واحد مفرد بذاته البتة بل هو متصل بعضه ببعض مثل شىء مربوط لكى يستعمله الطباع مثل واحد ومتصل ومثل اثنين ومفترقين لحال الكفء والانثناء. وليس فى هذا الحيوان عرق مفرد بذاته بل جميع العروق اجزاء عرق واحد. فليس فى جسد هذا الحيوان شىء مفترق ليكون العمل مشتركا ولو لم يكن على مثل هذه الحال لم يكن يعمل العمل الذى يعمل الطباع بالعظم ولم يكن يمكن ان يكون علة الانثناء ولا علة الاستقامة لو انه لم يكن متصلا بل كان فيما بين جسده خلل. وايضا كانت الضرورة تسرع الى جسده لو كان فيه شىء مثل شوكة او سهم. فان ذلك اذا كان بين اللحم اضر به وايضا لو كان عرق مفترق ليس بمتصل باوله وابتدائه لم يكن يسلم فيه دم لان الحرارة كانت تمنعه من الجمود والتقويم. ويظهر لنا ايضا ان كل دم مفترق يعفن وينبغى لنا ان نعلم ان ابتداء العروق القلب وابتداء العظام العضو الذى يسمى فقارا وذلك فى الحيوان الذى فى جسده عظام. فطباع سائر العظام متصل خارج من ذلك العضو لان الفقار يحفظ استقامة وطول اجساد الحيوان. ومن اجل انه يعرض باضطرار ان ينثنى جسد الحيوان اذا يحرك صار الفقار متصلا وصار كثير من الاجزاء بالخرز الذى فيه. وسائر العظام متصلة بالفقار فى الحيوان الذى له يدان ورجلان وفى اطراف عظام اليدين والرجلين مواضع موافقة لدخول بعضها فى بعض ولذلك اطراف بعضها عميقة واطراف بعضها ناتئة مستديرة. فدخول بعضها فى بعض لحال التبسط والانقباض وهى مربوطة بعصب فالناتئ المستدير يدخل فى العميق وربما كان الطرفان عميقين وفى الوسط شبيه بكعب ليكون الانبساط والانقباض يسيرا. ولم يكن يمكن ان يكون ذلك بنوع آخر البتة ولو كان بنوع آخر لم تكن الحركة سهلة على مثل هذه الحال. ومن العظام ما اول احدهما شبيه بغاية الآخر وهما مربوطان بعصب وبين انقباضهما اجزاء خلقتهما من غضروف شبيه بشىء مصفوف لكى لا تسحق العظام بعضها ببعض. وحول العظام لحم يمسك برباطات رقيقة شبيهة بالشعر عصبية ولحال اللحم صارت خلقة العخظام كما قلنا فيما سلف. وكمثل ما يفعل الذين يجبلون حيوانا من طين او تقويم هيولى اخرى رطبة يقيمون تحت ذلك الجبل جسد من الاجساد الصلبة ثم يركبون عليه الطين او غيره من الهيولى كذلك خلقت الطبيعة الحيوان من اللحم والعظام موضوعة تحت الاجزاء اللحمية. اما فى الاعضاء المتحركة فلحال الانقباض واما فى الاعضاء التى لا تتحرك فلحال الحفظ مثل الاضلاع المحيطة بالصدر فانها خلقت لحال سلامة اعضاء الجوف المحيطة بالقلب. فاما العظام التى تلى البطن فهى قصيرة لكى لا يمنع انتفاخ البطن وتورمه الذى يكون من غذاء الحيوان باضطرار ولما يعرض للاناث من حمل الجنين وتربيته ونشوءه. فعظام الحيوان الذى يلد حيوانا مثله داخلا وخارجا على حال واحدة بالصلابة والقوة. وعظام هذا الحيوان اكبر جدا من عظام الحيوان الذى لا يلد حيوانا بقدر قياس عظم الجثث وفى اماكن وبلدان كثيرة يكون حيوان عظيم الجثة اعنى الحيوان الذى يلد حيوانا مثله مثل ما يكون بارض لوبية وبالاماكن الحارة اليابسة. واذا كان حيوانا عظيم الجثة احتاج الى سند عظيم يسنده وينبغى ان يكون ذلك السند اقوى واجسى لحمل الثقل ولا سيما اذا كان الحيوان قويا يعيش من صيده بقهر وشدة. وعظام الذكورة اصلب واقوى من عظام الاناث ولا سيما اذا كان الحيوان من السباع التى تأكل اللحم مثل عظام الاسد فان طباع عظامه جاسية جدا ولحال كثرة جساوته ان دلك بعض عظامه ببعض حركت منه نار كما تخرج من الحجارة اذا ضرب بعضها ببعض. وفى جسد الدلفين عظام وليس فيه شوك لانه يلد حيوانا. فاما فى الحيوان الذى له دم ولا يلد حيوانا فالطباع يغير الخلقة رويدا رويدا كما يفعل فى الطائر فان عظام الطائر اضعف من غيرها. فاما فى السمك الدى يبيض بيضا فان الطباع خلق الشوكة. وعظام الحيات شبيهة بطباع الشوكة التى تكون فى السمك ان لم تكن حيات عظيمة جدا فانها اذا كانت عظيمة الجثث احتاجت الى سند قوى مثل السند الذى يكون فى الحيوان الذى يلد حيوانا. وبحق يكون دلك السند اقوى واصلب. فاما الحيوان الذى يسمى باليونانية صلاخى فطباعها مخلوق من شول وغضروف لانه باضطرار ان تكون حركتها ارطب ولذلك لا ينبغى ان يكون السند قحلا بل لينا. فاما الجزء الارضى الذى فى هذا الحيوان فقد افنته الطبيعة فى الجلد وليس يستطيع الطباع ان يحفظ الفضلة والزيادة فى اماكن كثيرة على حال واحدة. [و] فى الحيوان الذى يلد حيوانا عظام كثيرة شبيهة بخلقة الفضروف فى الاماكن التى لا تعرض ان يكون الجزء الصلب لينا مخاطيا لحال اللحم الذى يحيط به كما تعرض للاذنين والانف اعنى لاجزائها الناتئة. فاما طباع العظم والغضروف فواحد هو فهو وبينهما خلاف بالاكثر والاقل. واذا قطع غضروف او عظم لا ينشؤ فالغضروف الذى فى الحيوان المشاء يكون بغير مخ لانه لا يمكن ان يكون المخ مفترقا فانه اذا افترق صير تقويم الغضروف لينا مخاطيا اذا خالطه. فاما فى الحيوان الذى يسمى باليونانية صلاخى فطباع الفقار من غضروف وفى داخله مخ فعضو الفقار فى هذا الحيوان على مثل هذا الحال. فاما بحس المس فمس العظام مثل مس الاعضاء التى تشبهها اعنى الاظفار والحوافر والاظلاف والقرون ومناقير الطير. وانما خلقة جميع هذه الاصناف فى اجساد الحيوان للتقوية والمنفعة والمعونة وكلما كان مركبا منها فهو يشارك الكل بالاسم اعنى ان الحافر يشارك كلية الحافر بالاسم والقرن يشارك كليته بالاسم. وانما احتال الطباع بهذه الاشياء لحال سلامة كل واحد من الحيوان ومن هذا الجنس طباع الاسنان ايضا فالاسنان فى الحيوان لحال قطع وطحن واستعمال الطعام وفى بعض الحيوان لحال هذه العلة ولحال القوة مثل الاسنان المؤشرة التى تكون فى افواه السباع والانياب كمثل. فجميع هذه الاصناف يكون فى اجساد الحيوان باضطرار وطباعها ارضى صلب لانها خلقت لتكون قوتها مثل قوة السلاح. ولذلك جميع هذه الاشياء وامثالها اجدر ان يكون فى الحيوان الذى له اربعة ارجل ويلد حيوانا لان تقويم جميع هذا الحيوان ارضى اكثر من غيره ما خلا جنس الانسان. ولكن سنذكر حال هذه وما يتلوها مثل الجلد والمثانة والصفاق والشعر والريش وكلما يلائمها من الاعضاء اخيرا مع ذكر الاعضاء التى لا تشبه اجزاؤها بعضها بعضا ولاى علة كل واحد منها فى اجساد الحيوان. وانما تعلم حالاتها من افعالها واعمالها كما علمنا تلك الاجزاء واجزاء هذه الاعضاء ايضا تشارك كليتها بالاسم وجميع هذه الاشياء اوائل اعنى العظم واللحم وغير ذلك. فاما حال طباع المنى واللبن فقد تركنا ذكرها مع ذكر الاشياء الرطبة والتى اجزاؤها تشبه بعضها بعضا لان ذكرها موافق للاقاويل الموضوعة على الولاد ومنها ما هو اول ومنها ما هو غذاء للتى تكون. [10] فاما حيننا هذا فانا نريد ان نبتدئ بقولنا ونذكر الاوائل من اجل ان لكل الحيوان التام عضوين تحتاج اليهما باضطرار اعنى العضو الذى به يقبل الغذاء والعضو الذى منه تخرج الفضلة لانه لا يمكن ان يكون ولا ينشؤ الحيوان بغير غذاء. فاما الشجر فانه مما يعيش بزعم بعض الناس وليس له مكان للفضلة التى لا يحتاج اليها لانه يقبل الغذاء من الارض مطبوخا مفروغا منه وبدل هذا العضو يخرج الزرع والثمرات. وفى جميع الحيوان عضو آخر ثالت وهو العضو الذى فيه ابتداء الحياة وهذا العضو بين العضوين اللذين ذكرنا آنفا انه واسط بينهما. فطباع الشجر قليل الآلة التى اجزاؤها لا تشبه بعضها بعضا لانه ثابت واذا كانت الافعال قليلة كانت حاجة الآلة ايضا قليلة ولذلك ينبغى ان ننظر فى حال الشجر نظرا مفردا بذاته. فاما الحيوان الذى له حس موافق للحياة فمنظره مختلف كثير الصور ولا سيما اذا قيس بعضه الى بعض ولا سيما الحيوان الذى له شرل ليس من الحياة فقط بل من جودة المعاش ايضا وجنس الانسان مثل هذا وليس لجنس آخر من اجناس الحيوان شركة فى جودة المعاش ما خلا الانسان فقط وانما اعنى الحيوان المعروف لنا. فمن اجل هذه العلة ومن اجل ان الاعضاء التى هى خارجة من جسد الانسان معروفة لنا ومناظرها ليست بمجهولة ينبغى لنا ان يكون ابتداء قولنا من تصنيفها اولا. فان اعضاء الانسان الطباعية على قدر الطباع فى الانسان ولا سيما العضو الاعلى فان له ملآءمة الى الكل الاعلى. وليس فى اجناس الحيوان جنس مستقيم قائم الجثة غير الانسان وباضطرار عرض له ان يكون رأسه بغير لحم لحال العلل التى ذكرنا فى صفة الدماع وليس هو كما يزعم بعض الناس انه لو كان لرأس الانسان لحم لكان اطول عمرا وانما خلق رأس الانسان بغير لحم لكى يكون اجود وابلغ واسرع حسا. فهذا قول بعض الناس فى العلة التى من اجلها صار الرأس بغير لحم والقولان كذب. لكن لو كان المكان المحيط بالرأس كثير اللحم لكان عمل الدماغ على خلاف العمل الطباعى الذى خلق له لانه لم يكن يقوى على ان يبرد اذ كان هو دفىء مسخن جدا ولم يكن يمكن ان تكون فيه الحواس بل كان يكون الدماغ مثل واحد من الفضول. فلانهم لا يجدون العلة الخفية يشككون فى قولهم ولا يعلمون لماذا صارت بعض الحواس فى الرأس. فاما نحن فانا نقول ان ابتداء حس الحيوان فى القلب وقد بينا وميزنا ذلك اولا فى الاقاويل التى وضعنا فى الحس وقلنا ان الحسين متصلان بالقلب اعنى حس الاشياء التى تحس بالمس وحسر مذاقة الرطوبات وذلك بين من قبل المعاينة. فاما الثلاثة الحواس الباقية فهى فى الرأس وحس المشمة فى الوسط وحس البصر فوق حس المشمة وفى جوانب الرأس حس السمع فهذه الثلاثة الحواس فى الرأس لحال طباع آلة الحر. وحس البصر فى جميع الحيوان فوق حس السمع وتحت حس البصر حس المشمة ايضا ولا سيما فى اصناف السمك لانه يسمع ويشم وليس فى رأسه آلة بينة لهذه الاشياء المحسوسة. وبحق صار حس البصر حول الدماغ فى جميع الحيوان الذى له بصر لان طباع حس البصر رطب بارد لانه ماء والماء من الرطوبات الصافية جدا وصفاوته باقية ثابتة. وايضا باضطرار يكون الطف الحواس للاعضاء التى دمها انقى واصفى ولذلك تكون الحواس الطف وابلغ لان حركة حرارة الدم تقمع وتمنع فعال الحس. فمن اجل هذه العلة صارت آلة هذه الحواس فى الرأس وليس مقدم الرأس عادم اللحم فقط بل مؤخره ايضا لانه ينبغى ان يكون هذا العضو فى جميع الحيوان الذى له رأس مستقيما جدا وليس يمكن ان يكون عضو من الاعضاء قائما مستقيما اذا كان عليه حمل وثقل. ولو كان الرأس لحيما لكان على مثل هذه الحال ومن هذه الحجج يستبين انه ليس فى الرأس لحم لحال حس الدماع. فاما مؤخر الرأس فليس فيه لحم ولا فيه دماغ وفى مؤخر الرأس آلة السمع وذلك بحق ولا سيما فى بعض الحيوان تكون آلة السمع فيما يلى الرأس لان الذى يسمى خلاء مملوء هواء ونقول ان آلة حس السمع من هواء فسبل البصر تنتهى الى العروق التى حول الدماغ وايضا يخرج سبيل من الاذنين ويلتئم بمؤخر الرأس. وليس شىء له حس بغير دم ولا دم آلة الحس بل الذى منه. ومن اجل هذه العلة لا يكون فى الحيوان الدمى شىء له حسر عادم الدم ولا الدم بعينه لانه لا يكون عضو له حس بغير دم. وجميع الحيوان الذى له دماغ يوجد دماغه فى مقدم الرأس لان آلة الحس الذى به يحس فى المقدم وينبغى ان يكون هذا الحس من القلب والقلب فى مقدم الجسد ايضا والحس يكون فى الاعضاء الدمية وجميع مؤخر الرأس خال من العروق. ونعم ما رتبت آلة الحواس بمثل هذا الفن من قبل الطباع ووضعت حس السمع فى وسط استدارة الرأس لان آلة السمع تسمع ليس بنوع مستفيم فقط بل من كل ناحية. فاما حس البصر فهو فى مقدم الرأس لانه ينبغى للحيوان ان يتقدم ويبصر ما بين يديه وحس البصر لطيف جدا. فاما حسر المشمة فهو فيما بين العينين وذلك بحق لان كل واحد من آلة الحواس مضعف لان الجسد مضعف اعنى ان منه ما هو فى الناحية اليسرى ومنه ما هو فى الناحية اليمنى وذلك بين فى حس المس. وعلة ذلك من قبل ان اللحم ليس هو آلة الحس الاولى ولا العضو الذى هو ملائم للحم بل هو داخل من اللحم. فاما اللسان فهو دون ولكن هو اكثر مما يكون فى حس المس لان حس اللسان شبيه ببعض حس المس والحس بعينه وهو بين فى هذا الحس ايضا لان اللسان يظهر مشقوقا فاما فى سائر آلة الحواس فالحس ابين انه فى ناحيتين. ولذلك صار حس البصر فى العين اليمنى والعين اليسرى قوة المشمة فى ناحيتين وهو موضوع مفترق بنوع أخر مثل حس السمع ولو لم يكن على مثل هذه الحال لم يعمل العمل الذى يعمل ولا الآلة التى هو فيها. وانما حس المشمة بالتنفس فى الحيوان الذى له منخر وهذا العضو فى الاوسط وفى مقدم الرأس. ولذلك وضع الطباع المنخر فى وسط الثلاثة الآلة من آلة الحواس كانه ميزان واحد موضوع لحال حركة التنفس. [11] ونعم ما وضعت آلة هذه الحواس فى سائر الحيوان بقدر خصوصية طباع كل واحد منها وان اذنى الحيوان الذى له اربعة ارجل فى الناحية العليا من الرأس وتظهر على مثل هذه الحال لان هذا الحيوان ليس بمستقيم ولا قائم الجثة بل هو مطأطىء الرأس الى الارض . وحركة اذنى هذا الحيوان كثيرة لحال ارتفاع مواضعها ولانها اذا تحركت ومالت من ناحية الى نواحى أخر قبلت اصناف الدوى قبولا اكثر. [12] فاما الطير فله سبيل سمع فقط وذلك لحال جساوة الجلد ولانه ليس للطائر شعر بل ريش فله هيولى مثل هذا ومنها جعلت اذنيه وللحيوان المفلس الجلد الذى يبيض بيضا سبل سمع ايضا. فان هذا القول ملائم لعلته ايضا. وللحيوان البحرى الذى يسمى فوقى سبل مثل هذه ايضا وليس لشئ من الحيوان الذى يبيض بيضا اذنان بل له سبيل سمع لانه ذو اربعة ارجل تمام. [13] لآلة حس بصر الناس والطائر والحيوان الذى يبيض بيضا والحيوان الذى له اربعة ارجل ويببيض بيضا سترة وحفظ لحس البصر. اما للحيوان الذى يلد حيوانا فله اشفار بها يغلق العين وللطائر الثقيل الطيران العظيم الجثة كمثل. وايضا الحيوان الذى له اربعة ارجل يغلق بالشفر الاعلى والطائر يغلق عينيه بصفاق لاصق باطراف الاشفار. ولان طباع العين مخلوق من رطوبة احتاج الى هذه السترة وهذا الحفظ وعلة ذلك لكى يكون بصر العين حادا جدا. ولهذه العلة صارت خلقة العين من قبل الطباع على مثل هذه الحال ولو لا سترة العين التى فى الحيوان الجاسى الجلد لكانت ضرورتها من الاشياء التى تقع فيها من خارج اكثر ولم تكن حادة البصر. ولحدة البصر صار الجلد الذى على حدقة العين رقيقا جدا. ولحال سلامة العين خلقت الاشفار ولذلك تغلق عينيه كل حيوان وخاصة الانسان فجميع الحيوان يغلق عينيه لكى يدفع ما لا يوافقها من خارج فهو يدفعه بغلق عينيه. وذلك ليس من قبل الارادة بل من قبل الطباع الذى فعله. والانسان يغلق عينيه مرارا شتى لانه رقيق الجلد اكثر من جميع الحيوان. وعلى الشفر جلد محدق به ولذلك لا يلتئم الشفر ولا طرف الكرة لانه جلد بغير لحم. فاما الطائر الذى يغلق عينيه انما يخلقها بالشفر الاسفل والحيوان الذى له اربعة ارجل ويبيض بيضا يغلق عينيه بالشفر السفلى لحال جساوة الجلد المحيط بالرأس. فلهذه العلة يغلق عينيها على مثل هذه الحال وما لم يكن من اصناف الطائر طيارا لثقل جثته فهو بقى بنشوء ريشه فى غلظ الجلد لان ميله الى الجلد. [14] فمن اجل هذه العلة يغلق عينيها بالشفر السفلى والحمام يشبه هذا الصنف والحيوان الذى له اربعة ارجل ويبيض بيضا مفلس الجلد وجلدها اجسى من جلد الحيوان الذى له شعر وما يلى رؤوسها جاس جدا. ولدلك ليس له شفر من الناحية العليا بل لها شفر له لحم من الناحية السفلى ولذلك فى شفره جساوة وامتداد موافق لخلق العين. والطائر الثقيل الجثة يغلق عينيه كما وصفنا اعنى بصفاق موافق لذلك لان حركة الشفر بطيئة. وينبغى ان يكون غلق العين عاجلا وانما يغلق الطائر عينيه بالشفر الذى هو قريب من المنخر لانه امثل الى ان يكون طباعها اعنى الاشفار من اول واحد وانما اولها من الناحية التى تلتئم بالانف والذى بعدها ابتداء الجانب. فاما الحيوان الذى له اربعة ارجل ويبيض بيضا فليس يغلق عينيه على مثل هذه الحال لانه لا يحتاج باضطرار ان تكون آلة حس البصر فيه رطبة لطيفة لانه ارضى اعنى ان مأواه فى الارض. فاما الطائر فباضطرار يحتاج الى حدة البصر لانه يبصر من بعد ومن موضع عال ولذلك يكون الحيوان المعقف المخاليب حاد البصر جدا لانه ينظر الى صيده وغذ ائه من موضع بعيد عال ومن اجل هذه العلة يرتفع هذا الطائر فى الهواء خاصة اكثر من غيره. فاما الطائر الذى مأواه فى الارض وليس هو طيارا مثل الديوك والدجاح وما يشبهها فليس يحتاح الى حدة البصر لانه ليس شىء يضطرها الى دلك لحال معاشها. فاما السمك والحيوان المحزز الجسد والحيوان الجاسى الجلد فعيناه مختلفة لان لبعضها عينين وليس لشىء منها اشفار وما كان منها جاسى الجلد ليس له اشفار البتة. وينبغى ان يكون عمل الشفر سريعا وتكون خلقته من جلد وبدل هذه السترة والحفظ خلقت عيناها جاسية. ولحال جساوة عينيها يبصر بصرا ضعيفا ولذلك خلق الطباع عينى الحيوان المحزز الجسد متحركة ولا سيما عينى الحيوان الجاسى الجلد مثل بعض الحيوان الدى له اربعة ارجل لكى يكون بصره احد اذا انقلب الى الضوء وقبله من الهواء. فاما السمك فهو رطب العين من قبل انه باضطرار يكون الحاجة الى البصر كثيرة للحيوان الكثير الحركة والهواء للحيوان شىء صاف. فاما للسمك فالماء <***> وليس للحيوان الذى يأوى فى الماء مانع يمنعه من البصر كما للحيوان الذى يأوى فى الهواء فان الذى يمنع ويحجر بينه وبين البصر غير شىء واحد. ومن اجل هذه العلة ليس لعين السمك اشفار من اجل ان الطباع لا يضع شيئا باطلا. ولحال غلظ الماء صارت عينا السمك رطبة ولجميع الحيوان الذى له شعر اشفار تستر عينيه. فاما الطائر والحيوان المفلس الجلد فليس له اشفار تستر عينيه لانه ليس له شعر. وسنذكر اخيرا حال النعامة وعلة اشفار عينيها. فان لعينى هذا الحيوان اشفار ومن الحيوان الذى له شفر ليس يكون فى اشفار عينيه شعر الا فى الشفر الاعلى ما خلا الانسان. فان لعينى الانسان شعر فى الشفرين جميعا لانها خلقت لحال السترة والحفظ. والطباع ابدا يهيىء المعونة والمنفعة للحيوان الذى هو اكرم من غيره. وعلة الذى هو امثل وانفع تكون ابدا من الاشياء الممكنة. ومن اجل هذه العلة ليس لشىء من الحيوان الذى له اربعة ارجل شعر فى الشفر السفلى بل تحت هذا الشفر نبتت شعر لبعض الحيوان وليس نبتت الشعر فى ابطى هذا الحيوان ولا فى مواضع العانة كما نبتت فى الاماكن من الانسان بدل هذا الشعر يكون كل ظهر الحيوان الذى له اربعة ارجل ازب كثير الشعر مثل جنس الكلاب. ومن هذا الحيوان ما له عرف مثل الخيل وما يشبهه من الحيوان ومنه ما له ناصية مثل الاسد الذكر وايضا الطباع زين بالشعر ما كان من اذناب الحيوان طويلا مثل اذناب الخيل وصغر شعر الاذناب القصيرة قليلا وقدر ذلك بقدر طباع كل جسد. فاما الحيوان الذى جسده ازب كثير الشعر فذنبه قصير قليل الشعر من قبل العرض الذى يعرض لذئبة وليس فى الحيوان شىء كثير شعر الرأس ما خلا الانسان. وذلك باضطرار لحال رطوبة الدماغ ولحال الخياطات التى فى قحف الرأس. وحيث تكون رطوبة وحرارة كثيرة باضطرار يكون هناك نبات شعر كثير لحال المعونة ولكى يستر الشعر ويحفظ الدماغ من افراط الحر والبرد. ولان دماخ الانسان كبير احتاج الى حفظ كثير من اجل ان الرطب جدا يبرد ويغلى خاصة. فاما الدى يكون على خلاف هذه الحال فليس يلقى هذه الآفات التى تعرض من خارج الا بعسرة وفى الفرط. وانما ذكرنا حيننا هذا علة شعر الرأس لقربه من شعر الاشفار ومناسبته وسنذكر سائر الاعضاء فى المواضع التى تنبغى ونؤدى عللها. [15] فاما الحاجبان وشعر اشفار العين فانما خلقت لحال المعونة ودفع المكروه اما الحاجبان فلكى تمنع الرطوبات التى تنزل من الرأس الى الجبهة. فاما اشفار العين فلكى تمنع ما يقع على العين من خارج مثل شباح معمول بمنع الدخول الى بعض الزرع والثمرات والحاجبان على تركيب عظام ولذلك يكثر شعرهما عند الكبر وربما كثر جدا حتى يحتاج الى الحلق. فاما شعر اشفار العين فهو نابت على غاية وتمام العروق وحيث تمام الجلد هناك تمام طول العروق ايضا. فباضطرار خلق شعر اشفار العينين لحال الندى الجسدانى الذى يصير هناك لكى لا يمنع عملا من عمل الطباع موافق لحاجة اخرى. فمن اجل هذه العلة صار نبات الشعر فى هذه الاماكن باضطرار. [16] وآلة حس المشمة فى الحيوان الذى له اربعة ارجل ويلد حيوانا موضوع فى المكان الذى ينبغى من بل الطباع وهذه الآلة تكون فى العضو الذى يسمى خطما فى الحيوان الذى له لحيان مستطيلان منتهاهما الى الضيق وهو الموضع الذى يمكن ان يكون هذه الآلة. فاما فى سائر الحيوان فهى مفصلة قريبه من اللحيين. فاما الفيل من بين سائر الحيوان فله فى هذا الجزء خصوصية ليس هى لسائر الحيوان لان فى آلة مشمته قوة شديدة وعظم فاضل لان منخر الفيل هو العضو الذى به يقرب الطعام الى فيه ويستعمله كما يستعمل اليد وبه يؤدى الى فيه الطعام اليابس والرطب وهو يلف منخره اعنى خرطومه على الشجر ويجذب فيقلعه فهو يستعمل ذلك الخرطوم مثل استعمال اليد فى جميع ما يحتاح اليه. وطباع هذا الحيوان موافق لمأوى فى البر وفى قرب المياه فلانه عرض له ان تكون كثرة غذائه من الرطب باضطرار احتاج الى التنفس لانه حيوان مشاء دمى وليس بسريع الانتقال من اليبس الى المكان الرطب كما ينتقل بعض الحيوان الدمى الذى يلد حيوانا. فمن اجل هذه العلة احتاج الى تنفس كثير بقدر عظم جثته. وباضطرار احتاج الى استعمال الاسطقس الرطب كما يستعمل الارض وكما يحتال للفواصين ويهيأ لهم آلة موافقة للتنفس فى الماء حينا كثيرا ويصل اليهم الهواء بتلك الآلة وبوسط الرطب كذلك فعل الطباع واحتال وهيأ مثل عظم خراطيم الفيلة ولذلك ترفع خراطيمها الى فوق الماء وتجذب بها الهواء انا احتاجت الى السباحة فى الماء. ومن اجل هذه العلة صار منخر الفيل خرطوما موافقا للحاجة التى ذكرنا. ومن اجل انه لم يكن استطاع ان يكون الخرطوم مثل هذا ولا يكون لينا ولا ينثنى بقدر ما لا يكون طوله مانعا وحابسا للطعام الذى يأخذه من خارج صارت خلقته لينة قوية على الانثناء. وكذلك يزعمون عن قرون البقر الذى يرعى من خلف. فلما صير الطباع خلقة خرطوم الفيل على مثل هذه الحال صار يستعمله فى اشياء كثيرة مثل ما يستعمل الحيوان مقدم رجليه. ولهذه الحال صار بعض الحيوان الذى له اربعة ارجل كثير الاصابع لانه يستعمل مقاديم رجليه مكان اليدين والفيلة من الحيوان الكثيرة الاصابع وليس رجلاها مشقوقة باثنين ولا لها حوافر. ومن اجل ان عظم جثتها كثير وثقل اجسادها [و]لذلك هيأت الطبيعة رجليها قوية جدا لتكون سندا لحمل ذلك الثقل فقط. ولحال الثقل وعسر انثناء رجليها لا يستعملها فى شىء آخر اكثر من حمل الثقل. فلحال التنفس للفيلة منخر اعنى الخرطوم كما لكل واحد من الحيوان الذى له رئة. ولحال مأواه فى الماء وابطائه فى خروجه وتنقله من الماء صيرت الطبيعة الخرطوم طويلا قويا على ان يلتف وينثنى . ولان الطباع اعدمه حاجة استعمال الرجلين صار يستعمل الخرطوم مكان ذلك الاستعمال كما قلنا فيما سلف فهو يستعمل هذا العضو كما يستعمل الحيوان مفدم رجليه. فاما الطيور والحيات وسائر الحيوان الدمى الذى يبيض بيضا وله اربعة ارجل فله سبل مناخير قريبة من الفم لحال الحاجة الى التنفس. وليس تلك السبل بينة مفصلة ولذلك يمكن ان يقول قائل انه ليس لشىء منها منخر وانما يعرض لها هذا العرض من قبل انه ليس لمناقيرها لحيان. وعلة ذلك طباع الطائر المقوم على مثل هذه الحال لان الطائر مشاء مجنح فباضطرار صار ثقل العنق وثقل الرأس قليلا وصارت خلقة الصدر ضيقة. ولحال الحاجة الى الغذاء والقوة صارت مناقير الطير من طباع شبيه بالعظم وصارت ضيقة لحال صغر الرأس. وانما سبل المشمة فى المناقير ولم يكن يمكن ان تكون لها مناخير. فاما سائر الحيوان الذى يتنفس فقد بينا حاله فيما سلف وقلنا ان العلة التى من اجلها ليس له مناخير بل بعضه يتنفس بالنغانغ وبعضه بانبوب. فاما الحيوان المحزز الجسد فهو بتنفس بشقاق الحجاب ويحس باصناف الرائحة وكلها يتنفس بروح الجسد الطباعى كما يتحرك وذلك فى جميعها من قبل الطباع والهواء داخل عليها من خارج. فاما خلقة الشفتين فتحت المنخر فى الحيوان الدمى الذى له اسنان. فاما الطائر فله مكان الاسنان والفم المنقار والمنقار لحال الغذاء كا قلنا فيما سلف ولحال القوة. ولذلك صار المنقار صلبا مجتمعا كان الاسنان والشفتين كقول القائل انه لو رفع احدى شفتى الانسان وصير الناحية العليا من الاسنان ملتئمة على حدتها والناحية السفلى من الاسنان على حدتها ثم صير الناحيتين مستطيلة دقيقة تنتهى الى شىء ضيق لكان من هذه الخلقة منقار مثل مناقير الطيور. ففى سائر الحيوان خلق طباع الشفتين لحال سلامة الاسنان وحفظها. ولذلك صار هذا العضو مفصلا وخلقته موافقة لما يحتاج اليه. فاما شفتا الانسان فلينة لحيمة قوية على الفتح والافتراق لحال حفظ الاسنان وسلامتها كما وصفنا عن حال شفتى سائر الحيوان ولكى تكون موافقة لحال خروج الكلام . وكما لم يصنع الطباع خلقة اللسان شبيهة بخلقة السن سائر الحيوان بل هيأه موافقا لاستعمال امرين كا قلنا كذلك هيأ خلقة الشفتين والاسنان. فخلقة اللسان لحال مذاقة الرطوبات ولحال الكلام. واما خلقة الشفتين فلهذه العلل ولحفظ الاسنان لان اكلمة التى تخرج بالصوت مركبة من حروف الكتاب. ولو لم تكن خلقة اللسان على مثل هذه الحال ولا خلقة الشفتين رطبة لم يكن يمكن ان ينغم اللسان كثيرا من حروف الكتاب. فان منها ما يقال بقرع اللسان ومنها ما يقال بانضمام الشفتين. وينبغى ان نسل اصحاب وزن الشعر عن كمية وكيفية فصولها واخنلافها. فباضطرار صارت خلقة هذا العضو ايضا موافقة لحاجة الامرين التى ذكرنا لكى تكون اعمال حال الطباع على احسن واجود ما يمكن. ومن اجل هذه العلة صار لحم الانسان لينا جدا لان الانسان جيد الحس اكثر من جميع الحيوان اعنى الحس الذى يكون بالمس. [17] ولسان الحيوان موضوع فى الفم تحت الحنك وهو بقدر قول القائل فى جميع الحيوان المشاء على حال واحدة. فاما فى سائر الحيوان فهو على انواع مختلفة اذا قيس هو الى ذاته واذا قيس الى الحيوان المشاء. فلسان الانسان مرسل لين جدا عريض لكى يستعمل فى العملين اللذين وصفنا اعنى فى حس مذاقة الرطوبات لان الانسان جيد الحس جدا اكثر من سائر الحيوان وكل جسد لين موافق لجودة حس المس وانما تكون المذاقة بصنف من اصناف حس المس. وخلقة اللسان موافقة لتفصيل [ال]حروف [و] الكتاب واللسان اللين العريض موافق لجودة الكلم لانه ينقبض وينبسط ويصير فى كل ناحية من الفم بانواع شتى فاذا كان اللسان عريضا مرسلا قوى على جودة الكلام وحسه. وذلك بين من الذين ليس لسانهم مرسلا فان منهم من يكون الثغ ومنهم من يكون فى لسانه آفة اخرى مثل اللجلجة وغير ذلك. وانما يعرض هذا العرض لبعض نغمة الحروف اذا كان اللسان ضيقا ولم يكن عريضا لان الصغير يكون فى الكبير فاما الكبير ولا يكون فى الصغير. ومن اجل هذه العلة الطائر العريض اللسان ينغم ببعض حروف الكتاب اكثر من الطائر الضيق اللسان. فاما الحيوان الدمى الذى له اربعة ارجل ويلد حيوانا فليس لصوته تفصيل الا تفصيل يسير جدا لان لسانه جاس ليس بمرسل وان كان له عرض. فاما ما كان من الطائر صغيرا فهو كثير التصويت ويستعمل اللسان بتصويت يعرف بعضه معانى بعض وجميع الطائر يعلم ذلك وآخر يعرف الاصوات اكثر من آخر. ومن اجل هذه العلة يظن ان بعضها يتعلم الاصوات من بعض وقد قلنا فى ذلك ما يصلح فى صفة مناظر الحيوان واعمالها. فاما ألسن الحيوان الدمى المشاء الذى يبيض بيضا فليس تصلح لشىء من التصويت لان ألسن اكثرها جاسية مربوطة بل تصلح المذاقة الرطوبات. وألسن الحيات واصناف السام ابرص طوال لها شعبتان وألسن الحيات طوال جدا ولذلك ربما مدتها مدا كثيرا واخرجتها من افواهها وظهرت طوالا بعد ان كانت تظهر قصارا ولألسنتها شعبتان دقيقتا الاطراف مثل شعر لحال رغبة طباعها. ولذة الرطوبات فيها مضعفة لان حس المذاقة فيها مضعف وفى الحيوان الذى ليس بدمى العضو الذى يحس بالرطوبات وهو فى جميع الحيوان الذى له دم ايضا. وهذا العضو فى جميع الحيوان الذى يظهر لبعض الناس انه <***> له مثل السمك فان فى السمك ما له شىء آخر لزج يذوق به الرطوبات بنوع من الانواع مثل التماسيح النهرية. وليس يظهر هذا العضو فى بعضها لعلة واجبة اعنى لان مكان الفم شوكى اعنى فم جميع الحيوان الذى على مثل هذه الحال ولان حس الرطوبات بكون فى الحيوان المائى حينا يسيرا كما يكون فى الاستعمال يسيرا. فمن اجل هذه العلة صار تفصيل هذا العضو فى الحيوان الذى وصفنا يسيرا ويعبر الطعم الى البطن سريعا جدا لانه لا يمكن ان يلبث الطعم فى الفم حينا بقدر ما يمص ويستخرج رطوبته من اجل ان الماء يقع فيما بين ذلك. فان لم يمل احد الفم الى ناحية من النواحى لا يظهر هذا العضو ولا سيما لان مكان الفم شوكى وانما تركيبه من التئام النغانغ وطبع النغانغ شوكى. فاما التماسيح فانه مما يوافق قصر وصغر ألسنتها عدم حركة الفك الاسفل لان فكها الاسفل لا يتحرك البتة واللسان ملتئم بذلك الفك. فالتماسيح تحرك الفك الاعلى خلاف حركة سائر الحيوان فان الفك الاعلى فى سائر الحيوان لا يتحرك. فليس يلزم لسان التماسيح ناحية الفك الاعلى لان مدخل غذائه على خلاف مدخل غذاء غيره. وايضا من العرض الذى يعرض لهذا الحيوان انه مشاء ومعاشه وتدبير حياته مثل تدبير ومعاش السمك. فلهذه العلة ايضا صار هذا العضو اعنى لسان التمساح غير مفصل. فاما الحنك فهو لحم فى كثير من الحيوان البحرى وفى السمك النهري. وربما كان لحما لينا جدا مثل حنك السمك الذى يسمى باليونانية قوبرنى. ولذلك يظن كثير ممن يعاينه ان الحنك لسان مفصل. فاما السمك فله لسان ولكن ليس هو مفصل لحال العلة التى ذكرنا وله العضو الذى يشبه اللسان لحال استعماله حس الطعام ولكن ليس هو على كل حال شبيه بخلقة اللسان على حال بل بالطرف خاصة لحال العلة التى وصفنا ولان هذا مفرد للسمك فقط. ولجميع الحيوان شهوة الطعام لان لها حس اللذة التى تكون من الطعام وانما الشهوة شهوة اللذيذ ولكن ليس هذا العضو فى جميع الحيوان شبيها اعنى الذى به يحس بالطعام بل هذا العضو فى بعض الحيوان مرسل وفى بعضه لاصق بالفك الاسفل ولا سيما فى الحيوان الذى لا يحتاج الى استعمال الصوت. وهذا العضو يكون فى بعض الحيوان جاسيا وفى بعضه لينا لحيما. ومن اجل هذه العلة يكون عضو مثل هذا الحيوان اللين الخزف مثل هذا الذى يسمى باليونانية قارابو وما يشبه هذا الصنف. وفى فم الحيوان الذى يسمى مالاقيا مثل سيبيا والحيوان الكثير الارجل. فاما بعض الحيوان المحزز الجسد ففى داخل فيه عضو مثل هذا مثل جنس النمل وفى كثير من الحيوان الخزفى الجلد. ومن هذا الحيوان ما له هذا العضو خارج مثل حمة وهو فى طباعه رخو مجوف وبه يذوق ويحس ويجتر الطعم. وذلك بين من الذباب والنحل وجميع ما يشبه هذا الصنف. وايضا هذا العضو يكون فى بعض الحيوان الخزفى الجلد ولهذا العضو قوة فى الحيوان الذى يسمى باليونانية برفيرى بقدر ما يثقب خزف بعض أصناف الحلزون مثل الصنف الذى يسمى اسطرنبس. وايضا البق وذباب الدواب يثقب بهذا العضو جلود الناس وجلود سائر الحيوان فهذه حال طباع اللسان فى مثل هذا الحيوان وهو يستعمل هذا العضو كما يستعمل الفيلة الخراطيم. فان مناخير الفيلة خلقت لتعينها واللسان خلق فى هذا الحيوان ليعمل العمل الذى يشبه عمل الخراطيم ولذلك خلق مثل حمة. فاما لسان جميع سائر الحيوان فهو كما ذكرنا ووصفنا. تمت المقالة الثانية عشر من كتاب الحيوان. لارسطوطاليس
पृष्ठ 57