फैसल अव्वल: यात्राएं और इतिहास
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
शैलियों
تعال نعود، من أجل المقارنة، إلى الماضي؛ فقد قال قائد آخر بريطاني
2
في موقف شبيه بموقف الجنرال مود: «إننا ها هنا بفضل ثلاثة؛ هي: تأثلنا الخلقي، وعوامل الأيام، والعناية الإلهية. وهذا كل حقنا، وهذه كل حجتنا في الاستيلاء والحكم، وإننا فيما سنعمل لخير الأهالي مقيدون بضميرنا لا بضميرهم.»
قد تستغرب هذا الموقف وتستنكره، ولكنك محترم - ولا شك - الروح التي كانت توحي به وتؤيده. ومن لا يحترم القوة العليا، قوة الذات والأحساب، التي هي مصدر العظمة الحقيقية، وركنها الأوطد؟ ألا، مهما يكن من تغير الأيام وتبدل السياسة والحكام، فإن السيادة التي ترتكز على القوة الخلقية والروحية - على الصدق والثقة بالنفس والإيمان، وعلى الصراحة والشجاعة والإخلاص - تظل الأزمة في العالم، وتظل محترمة معززة، ويكون النصر حليفها عاجلا أو آجلا أينما كانت.
هذه هي الحقيقة الناصعة في التباين بين أخلاق المسيطرين في هذا الزمان وأخلاقهم في الزمان الغابر، هي الحقيقة فيما يصح أن نسميه مخشلب الأخلاق ودره، أبرزتها تمهيدا لما سأطلعك عليه من مظاهرها فيما يتعلق بموضوعنا الآن؛ أي المعاهدة البريطانية العراقية.
عندما أبل الملك فيصل من مرضه استأنف المندوب السامي السر برسي كوكس المفاوضة وإياه، وكان على اتصال دائم بالنقيب السيد عبد الرحمن، فاتفق الثلاثة على تأليف وزارة جديدة يرأسها النقيب للمرة الثانية. وما كانت جديدة بغير الاسم؛ لأن أكثر وزرائها كانوا في وزارة النقيب السابقة، قال العميد: «ليس لدينا أحسن منهم.» وقال النقيب: «لا يناسبنا غيرهم.» وقال الملك: «على الله الاتكال.» بيد أنه لم يكن مسرورا بالرئاسة؛ لأن النقيب - وإن كان قد رفض التوقيع على المعاهدة الأولى - هو صديق المفوضية الوفي، ويعد بقاؤه نصرا لها.
أمن الملك متوكلا على الله، وأرسل الفرمان إلى بيت النقيب، فقرئ هناك في حفلة صغيرة عليها مسحة من أبهة الدولة الغابرة، دولة الترك. جاء السكرتير الأول يحمل حقيبة صغيرة من المخمل الأخضر، فدخل القاعة يتقدمه ياوران يناديان: الفرمان، الفرمان. وكان النقيب واقفا وسط القاعة يعتمد على عصاه، وحوله أنجاله الكبار وبعض الأعيان من المعممين وغيرهم.
أخرج السكرتير من حقيبته طلحية من ورق الدواوين طويلة، وقرأ بصوت مفخم أمر صاحب الجلالة إلى وزيره الأول بتأليف الوزارة، وما كان شيء من تلك الديباجة العثمانية الطنانة، المرصعة ب «فخر الوزراء، وقطب الحكماء، وعين مجد الأمراء، مدبر شئون الدولة بالفكر الثاقب، والرأي الصائب، وزيري ... إلخ» ما كان شيء من هذا، ما كان غير «صاحب المعالي»، ثم لأمر المشفوع بأمل العرش الموطد بعون الله، أن يسترشد معاليه في تأليف وزارته بما أعطي من العلم، وبما اتصف به من الحكمة والإخلاص.
والنقيب ابن الثمانين السيد عبد الرحمن، سيد العالمين بسخريات الزمان، ابتسم ابتسامة صغيرة خبيثة لنفسه عندما سمع الأمر بتأليف الوزارة التي كانت قد تألفت تماما بأجمعها. فقال في جوابه المختصر المفيد أنه سيتوكل على الله في اختيار زملائه. وبعد ذلك أديرت كئوس الشراب ثم القهوة، وانتهت في صباح ذاك اليوم أشغال الدولة.
عندما كان النقيب رئيسا كانت الوزارة تجتمع في بيته؛ لأنه كان مقعدا، وكانت المس بل تقول: «ليت في رجليه شيئا من النشاط الذي في عقله.» ولكن داء عصبيا أحوجه إلى العصا يستعين بها حتى في البيت. وقد تكون هذه الحالة في صاحب المعالي أحد الأسباب التي حملت الملك فيصلا على تفضيل سواه لمنصب الرئاسة، فكان يضطر في المهم من المحادثات أن يجيء بنفسه إلى بيت النقيب، وكأني بالسيد عبد الرحمن - قطب الظرفاء وينبوع الكياسة - يستعين بالتاريخ ليخفف الأمر على جلالة الملك، فيحدثه عن جده عبد القادر الكيلاني - قدس الله سره - فقد كان يزار ولا يزور، وكان الخليفة نفسه يتنازل مثلكم، يا جلالة الملك، لزيارته في بيته.
अज्ञात पृष्ठ