फैसल अव्वल: यात्राएं और इतिहास
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
शैलियों
وكان يومه يوم الاثنين، يوم الشورى ويوم العمل، فطار على جناحي الجسارة والإقدام توا إلى قلوب الأغوات. جادل، وجامل، وأقنع الأغوات، وعندما كان يخامره شيء من الريب بنفوذ كلماته كان يلجأ إلى كتاب آخر صغير، يحمله دائما، وقد دون فيه لبعض الوزراء المشهورين كلمات حكيمة بليغة في العراق وشئونه.
من هذا الكتيب كان يتلو الآيات على مسامع أغوات الأكراد؛ هذه العبارة الساحرة هي من كلمات لويد جورج، وهذه العبارة الذهبية هي من كلام تشرشل، وهذه الآية الرائعة ... وما كان يغمس في الماء الورقة التي كتبت فيها الآية، ويعطي حضرة الأغا الماء ليشربه، لا، لم يكن السر آرنلد من أولي الكرامات، ولكنه كان يؤكد للأغوات في أربيل أن هؤلاء السياسيين العظام «يصدقون فيما يقولون، ويبرون بما يعدون.»
على أن هنالك من كانوا يعلمون بما يعلم، ويستشعرون الصبر عليه، وهل كان يا ترى يجرؤ السر آرنلد ولسون أن يفتح كتيبه في حضرة الأمير فيصل؟! دع عنك هذا، وعد معي إلى الموضوع الذي أوجب هذا البحث. ليس في سياسة السر آرنلد - على صواب كان فيها أو على خطأ - ولا في نزاعه والسلطة العسكرية، إن بررت الحوادث موقفه أو لم تبرره؛ ليس فيها ما يهمنا غير ما يتعلق بناحية من الثورة؛ فقد خدمت الثورة أغراض الأمير فيصل خصوصا، والقضية العربية عموما، وكانت الأيام تعجل بساعة الحكم النهائي؛ لأن وزارة المستعمرات كانت حائرة في حل لمعضلة العراق يرضيها، ويرضي الحلفاء، ويرضي كذلك العراقيين.
كان الأمير في تلك الأيام بلندن، وهو يحمل كتاب قضيته وقضية العرب، ليتلو منه الآية بعد الآية على مسامع السياسيين العظام، أولئك الذين دون السر آرنلد ولسون كلماتهم الساحرة في كتيبه، وهو يقاسي، في غير مواقفه السياسية العراقية، شيئا من ألم النفس - من الحيرة والتردد - في إخلاصه لأصحابها، وإعجابه بهم.
وقد كان أولئك السياسيون يفكرون بملك للعراق، وبالبيت الهاشمي قبل وصول الأمير فيصل إلى لندن، فيعيدون النظر من حين إلى آخر في صور أنجال الحسين. وها هي لديهم كلها: علي، عبد الله، فيصل، زيد. الرجل الصالح، والرجل الجامح، والشاب الذي لا يزال في المدرسة بأكسفورد، والرجل الذي خبرناه في ساحات الحرب، وفي دوائر السياسة، الرجل الأقرب بعقليته إلى العقل الأوروبي وإلى القلب الإنكليزي؛ فيصل.
على أن الجهر باسمه، بعيد فاجعة دمشق، لم يكن مناسبا، خصوصا وأن الجارة عبر بحر المانش تستاء، وقد تحسب الاختيار امتهانا لكرامتها العزيزة، وإنه في نظرها، لكذلك؛ فقد جاء الاعتراض على فيصل من ال «كاي دورساي». وكيف لا تعترض والكرامة الفرنسية لا تزال طرية العود. لننتظر قليلا إذن ريثما تسمك قشرتها، ويكثف حسها فنعمل إذ ذاك ما نشاء.
وإن هي إلا برهة من الدهر، أخمدت خلالها نار الثورة في أهم نواحيها فأقيل السر آرنلد ولسون من منصبه، وتعين السر برسي كوكس (في تشرين الأول سنة 1920) مندوبا ساميا في العراق. وقد كانت مهمته الأولى أن يؤسس حكومة عربية طبقا للانتداب الذي وكلت عصبة الأمم أمره إلى الحكومة البريطانية. وقد أدرك أرباب هذه الحكومة أن أسلوب الاستيلاء القديم أصبح مستنكرا، فصار ينبغي - حتى لأشدهم تمسكا به - أن يغلفوه بشيء عصري مستحب، فعقدوا النية على أن تكون للحكومة الجديدة، صورة عربية الوجه فحسب، ولا يغيبن ذلك عن بالك، أيها المندوب، «البناء إنكليزي والوجه عربي، هذا كل المستطاع.»
قد كان السر برسي كوكس عالما بذلك كل العلم، ولكنه ما نسي أن جنود بريطانيا، منذ وطئت أقدامهم البصرة إلى يوم دخولهم بغداد، كانوا متيقنين أنهم فتحوا العراق، لا للعراقيين ولا للعرب، بل لإنكلترا وشفيعها القديس جرجس. وهل الذنب ذنبه إذا عبثت السياسة بآمالهم وقضت على ذلك اليقين؟ فقد كان يومئذ عميد الحملة العسكرية في العراق، وهو اليوم عميد الحكومة البريطانية، وعصبة الأمم - والرئيس ولسون!
إن مهمته هذه لأصعب جدا من تلك، ولا سيما ومسئوليته الآن عجيبة، منقطعة النظير. هي مسئولية مثلثة الزوايا، وعليه أن يحشر في المثلث أمة فتية جديدة، ويضمن لها الخير والسلامة.
عندما باشر السر برسي العمل، كان من أعوانه الأولين المستر فلبي - الحاج عبد الله اليوم، «المستوهب» - والمس بل المستعربة، وكانت وظيفتهما ذات متن واحد كثير الحواشي؛ فمن ترجمة الرسائل والبلاغات، إلى استقبال الزائرين، إلى مجاملة طلاب الوظائف، إلى مقابلة ذوي النفوذ والجاه في بيوتهم، إلى ... وكل ذلك تمهيدا لتأسيس المجلس الوطني لحكومة الانتداب، أو بالحري لتشييد الوجه العربي للبناء الإنكليزي.
अज्ञात पृष्ठ