ويوم فقدنا عبده الحامولي، ومحمد عثمان صرنا نتبلغ من الغناء بالقليل .
ويوم فقدنا الشيخ علي يوسف لم نر من يسد مسده في الصحافة.
ومن الغريب أنهم يشكون في أوروبا شكايتنا، ويلاحظون عندهم ملاحظتنا، فيقولون: أن ليس عندهم في حاضرهم أمثال فجنر وبيتهوفن، ولا أمثال شكسبير وجوته، ولا أمثال رفائيل، ولا أمثال دارون وسبنسر، ولا أمثال نابليون وبسمارك.
فهل هذه ظاهرة صحيحة؟ وإن كانت فما سببها؟
قد كانت كل الظواهر تدل على أن الجيل الحاضر أحسن استعدادا، وأشد ملاءمة لكثرة النبوغ وازدياد البطولة، فقد كثر العلم وسهل التعلم، ومهدت كل الوسائل للتربية والتثقيف، وكثر عدد المتعلمين في كل أمة، وفتح المجال أمام النساء كما فتح أمام الرجال، فأصبحت وسائل النبوغ ممهدة للجنسين على السواء، وتقطر العلم إلى العامة، فأصبحوا يشاطرون العلماء بعض معلوماتهم، وانتشرت الصحف والمجلات تغذي جمهور الناس بالعلم والأدب، واتصل العالم بعضه ببعض اتصالا وثيقا في المواصلات والعلم والسياسة والأقتصاد وما إلى ذلك.
كل هذا كان يجب أن يكون إرهاصا لكثرة النبوغ والتفنن في البطولة، لا لقلة النبوغ وندرة البطولة. فلم أصيبت الأمم كلها بهذا العقم، وكان مقتضى الظاهر أن كثرة المواليد تزيد في كثرة النابغين، وكان مقتضى الظاهر أيضا أن عصر النور يلد من الأشخاص الممتازين أكثر مما يلد عصر الظلام؟ •••
يظهر لي - مع الأسف - أن الظاهرة صحيحة، وأن الجيل الحاضر في الأمم المختلفة لا يلد كثيرا من النوابغ، ولا كثيرا من الأبطال، وأن طابع هذه العصور هو «طابع المألوف والمعتاد»، لا «طابع النابغة والبطل».
بقي علينا معرفة السبب في ذلك:
من الأسباب القوية - على ما يظهر - أن الناس سما مثلهم الأعلى في النابغة والبطل، فلا يسمون بطلا أو نابغة إلا من حاز صفات كثيرة ممتازة قل أن تتحقق، وهذا طبيعي، فكلما رقي الناس ارتقى مثلهم الأعلى.
قد كنا إلى عهد قريب نعد من يقرأ ويكتب، وبعبارة أخرى «من يفك الخط» رجلا ممتازا؛ لأنه نادر وقليل، فكان ينظر إليه نظرة تجلة واحترام؛ فلما كثر التعليم بعض الشيء كان من أخذ الشهادة الابتدائية شابا ممتازا؛ فلما كثرت انتقل الامتياز إلى البكالوريا، ثم إلى الشهادة العليا، ثم إلى شهادات جامعات أوروبا، ثم أصبحت هذه أيضا ليست محل امتياز، وارتفعت درجة النبوغ إلى شيء وراء هذا كله.
अज्ञात पृष्ठ