هذا باب ذكر فيه ما فات سيبويه
من أبنية كلام العرب
قال أبو سعيد ﵀: اعلم أن سيبويه سبق إلى حصر أبنية كلام العرب، ولم يحاول ذلك أحد قبله، ولا في عصره، وأظن ذلك لصعوبته، وبعُد تناوله، ولأن الحاصر يحتاج إلى الإحاطة بكلامها، والتخيل له كله،
وذكر أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج على ممارسة شديدة، وتصفح طويل:
إن الذي فات سيبويه من كلام العرب، ثلاثة أبنية، وهي: هُنْدَلِع: اسم بقلة.
1 / 67
ودُرْدَاقِس: وهو طَرَفُ العظم الناتئ فوق القفا، قال الأصمعي: وأظنها روميّة، وأنشد أبو زيد
(من (زال) عن قصد السبيل تزايلت ... بالسيف هامتُه عن الدرداقس)
ومثله (خُزرانِق): وهو ثياب ديباج، وأصله بالفارسية.
و(شمنصير): وهو اسم موضع، قال الهذلي:
(لعلك هالك إما غلامٌ ... تبوأ من شمنصيرٍ مُقاما)
ثم ذكر أبو بكر محمد بن السري، المعروف بابن السراج
1 / 68
أسماء، أنا أسوقها على ما ذكره في موضعه من كتاب الأصول التي ذكرها أبو بكر بن السراج من الفائت.
(تلقامة)، و(تلعابة)، و(فزناس)، و(فرانس)، و(تنوفى)، (ترجمان)، (شحم
1 / 69
أمهج)، و[مهوأن]، (عياهم)، (ترامز)، (تماضر)، (ينابعات)، (دحندح)، (فعلين):
1 / 70
ليث عفرين، (ترعاية) (الصنبر)، (زيتون)، (كذبذب)، (هزنبران)، [عفزران]: اسم رجل،
1 / 71
(هيدكر): ضرب من المشية، (هندلع): بقلة، (درداقس)، (جزرانق).
قال أبو سعيد ﵀: أكثر ما ذكره أبو بكر غير داخل على سبيويه، ولا مستدرك عليه فائت.
أما (تلقامة) و(تلعابة)، فقد ذكر سيبويه في (باب المصادر): (تحملت) (تحمالا)، وإذا أردنا الواحدة منه زدنا الهاء، فقلنا: (تحمالة)، ووزن (تلقامة) و(تلعابة) (تفعالة) مثل: (تحمالة).
وقد ذكر (فرناس) في الأبنية.
وأما (تنوفي) فما رأيت أحدًا ذكره، وجاء في شعر امرئ القيس:
1 / 72
(كأن دِثارًا حلقت بلبُونه ... عُقاب تنوفى لا عُقابُ (القواعل»
وفي اللفظ خلاف، وروى أبو عمرو، وابن الأعرابي: (عُقاب تنوف)، وروى أبو عبيدة: (تنوفي)، والأصمعي، وأبو حاتم: (تنوفي)، وهي فيما قال أبو حاتم: ثنية [في
1 / 73
جبال] طيئٍ مرتفعة، وتصير على رواية أبي عبيدة بناء آخر، ويحتمل أن يكون ممدودًا، فيكون (تنوفاء)، مثل: (جلولاء)، و(بروكاء) فقصره شاعره ضرورة.
وأما (ترجمان) فقد رأيت من ذكر أنه (تُرجمان) والتاء أصلية،
1 / 74
فهو (فُعللان)، وقد ذكر سيبويه: (فُعللان) مثل: (عُقربان) ونحوه.
وأما قوله: (شحمٌ أمهجٌ) أي: رقيق، فوزن (أُمهج): (أُفعل)، وقد ذكر سيبويه: (أُفعل) في الأسماء دون الصفات، والاستدراك عليه: أن (أُمهج) صفة، فللمحتج عن سيبويه، أن يقول: ربما وصفوا بالأسماء، كما قالوا: (مررت بنسوةٍ أربع)، و(أربع) اسم، و(أُمهج) مأخوذ من (المُهجة) وهي دم القلب، فشبه الرقيق بدم القلب لأنه أرق الدم، وأصفاه، والمعروف المحفوظ: (أُمهجان)، أن يقال: لبن أُمهجان وماهِج، قال الراجز:
(وعرضوا المجلس محضًا ماهِجا
وأما (مُهوأن)، فقد ذكر سيبويه نظيره
1 / 75
(مطمأن) و(مُعسعر) وهو (مُفعلل)، وأظن أبا بكر اعتقد أن الواو فيه زائدة، وأنه (مُفوعل)، لأن الواو يحكم عليها بالزيادة فيما جاوز ثلاثة أحرف، وليس ذلك في كل شيء، لأنه لا يحكم على (واو) (ضوضاة) و(غوغاء) بالزيادة (لأن) بناءه يمنع من ذلك، وكذلك (مُهوأن).
وأما (عُياهم) فإن الذي ذكره هو صاحب كتاب العين، وأظنه قاسه على (عيهم)، ووزنه (فُياعل)، وهو السريع من الإبل،
1 / 76
وكثير مما في (كتاب العين) ينكر، وليس المؤلف له الخليل.
و(تُرامز) يقال: (بعير تُرامز) صلب شديد، قال الراجز:
(إذا أردت السير في المفاوز ... فاعمد لكل بازلٍ تُرامز)
ومثله (دُلامز)، قال رؤية:
(دُلامزٌ يُربي على الدِلَمز)
و(التاء) فيه أصلية، مثل (الدال)، وهو (فُعالل)، وجاء به أبو بكر على أن التاء زائدة من (الرمز)، وليس كذلك.
وأما (تُماضر): فاسم امرأة، يقال: تُماضر بنت الأصبع، وهي في الأصل: فِعلٌ سميت به، كما سمي بـ (تغلب)،
1 / 77
و(يزيد).
و(يَنابعات) هي جمع (يَنابع)، وقد ذكر سيبويه (يَفاعل)، وإن كان (يُنابعات) ففي الفعل على (يُفاعل) سمي به المكان ثم جمع.
وأما (دِحندح) فذكر أبو بكر بن دُريد: أنه يقال: (رحندح) موصول، و(دِحٍ دِحْ) بلا تنوين، فدل (دِحْ دِحْ) على أنه صوت أعيد، وأنه ليس بكلمة واحدة، وأن النون فيه (تنوين)، كقولنا: بِخٍ وبِخْ، وبخٍ بخْ، ومعناه فيما ذكر، قد أقررت
1 / 78
فاسكت، وقال محمد بن حبيب، يقال: "هو أهونُ عليّ من دِحِنْدح"، وهي دويبة صغيرة.
وأما ليث (عِفرين) فأصله (عِفر) وهو مثل: (قلز) و(طمر)، ثم لحقته علامة الجمع، كما قالوا: (البرحين)
1 / 79
و(الفُتكرين) للدواهي.
ترعاية: (تِفعالة) جاء بها أبو بكر على أن (تِفعالة) لم يجئ صفة فيما ذكر سيبويه، لأنه قال بعد ذكر (تفاعيل) نحو: (التجافِيفُ) و(التماثيل)، ولا نعلمه جاء وصفا.
و(تِرعاية) و(تِرعية) في معنى واحد، ويجوز أن يكونوا قلبوا الياء الساكنة في (ترعية) ألفًا استثقالًا، كما قالوا في
1 / 80
(ييجل) و(ييئس): (ياجل) و(يايس).
وقد ذكر سيبويه في مثل: (الصنبر) وهو: (العلكد) و(الهلقس)، وإن كان أبو بكر أراد (الصنبر) بكسر الباء، على ما جاء في شعر طرفة:
(بجفانٍ تعتري نادينا ... (وسديفٍ) حين هاج الصنبر)
فهذا يجوز أن يكون لما سكن الراء للوقف، كسر، كقولك:
1 / 81
(ضربته) و(قتلته) و(أغزه) و(أرعِة) في الوقف، وذلك كسر لالتقاء الساكنين.
وأما (هزنبران) و(عفزران) فهما في بعض نسخ كتاب سيبويه، و(الهزنبزان): السيئ الخُلق، قال الراجز:
(لقد) مُنيت بهزنبزان
1 / 82
و(عفزران): اسم رجل.
وأما (هديكر) فإن المعروف المحفوظ (هيدكر)، يقال: تهدكرت المرأة، إذا (ترجرجت) في مشيتها تهدكرًا، كما يقال: تدحرجت، ويقال للمرأة، إذا مشت، كذلك (هيدكر)، قال المرار:
(فهي بداءُ إذا ما أقبلت .. (ضخمةُ) الجِسمِ رداحٌ هيدكر)
وأصلها (هيدكور)، قال أبو بكر بن دريد، يقال: (رجل هيدكور)، من قولهم: يتهدكر على الناس، أي: يتنزى عليهم، والمعنى قريب من الأول، و(الهيدكور): رجل من العرب من كندة، وخفف،
1 / 83
كما قيل في (عزنتن) (عرتن)، وفي (عُلابط) (عُلبط). وقد ذكرنا في كلام الزجاج بعض ما ذكره أبو بكر بن السراج.
وقد خرج قوم في الفائت، ما لا يكون استداركًا عليه، مما يضطر إليه شاعرًا، أو يراه سيبويه على وزن، ويراه غيره على غير ذلك الوزن، ورواه بعض العلماء، وأنكره غيره، أو شيئًا يحتمل تأويلًا غير الاستدراك، فمن ذلك (مَفعل)، قال سيبويه: ليس في الكلام (مَفعل) بغير الهاء. وذكر بعض الكوفيين: (مَكرم) و(مَعون) وأنشد قول الشاعر:
1 / 84
(ليؤم روعٍ أو فعالِ مَكرمِ)
وقوله:
(بُثين الزمي لا، إن لا إن لزمته ... على كثرة الواشين أي مغونِ)
وذكل أن (مَكرم) و(مَعون) جمع (مَكرمة) و(مَعونة)، وليس الأمر كذلك، لأنه لا يعرف في الكلام: (مكرم) و(معونة)، جمع: (مكرمة) و(معونة)، وإنما اضطر الشاعر فحذف الهاء كبعض
1 / 85
ما يحذف في الضرورة.
ولعله شبهه بما يجوز بالهاء، وطرحها.
(مَوعِد) و(مَوعِدة) بمعنى واحد، ومنه قول رؤية:
(ما بال عيني كالشعيب العين)
والذي عليه أهل النظر، والتحصيل من النحويين: (العين) بكسر الياء، والذي يقول: (العَين) بفتح الياء يحمله على (فيَعل) في الصحيح، مثل: (جَيدر)، و(صيرف) بل في النحويين
1 / 86