إنما يحصل بالحلم وتحمل المشاق مع الاستغناء عن الناس، وكذا الصبر مع
~~البلاء، لأن العزة في أي موطن تراد إنما تتأتى بالصبر على المصائب والبلاء.
إيضاح
المراد بالقوة المربية في قوى النفس النباتية هي النامية، ولعل
~~المراد بالفكر في قوى الناطقة هي القوة المدركة أعم من أن تكون مدركة الصور
~~أو المعاني، وبالذكر القوة الحافظة كذلك، وبالعلم القوة النظرية، وبالحلم
~~القوة العملية (1) وبالنباهة القوة الحدسية، ويمكن في الثلاثة الأول أن
~~تكون هي مراتب القوة النظرية وفي الأخيرتين كما ذكرنا.
وبالجملة: لا ريب أن القوى إذا استعملت فيما يليق بها وفيما تخلق لأجلها
~~يورث النزاهة والتجرد من المواد، والتقدس عن مذام الصفات والأخلاق على
~~الوجه السداد، وينجي من الوقوع في شكوك الأهواء والتورط في مضلات الآراء،
~~ويوجب العلم بحقائق الأشياء والمعرفة بكيفية الترقي من المسببات إلى
~~أسبابها، بل يورث التحقق بتلك الحقائق والتعلق بهذه الرقائق كما قيل في
~~مرتبة العقل بالفعل.
وأما قوى النفس الكلية الإلهية، فاعلم أن كلمة " في " كلما وردت في مثل
~~هذه المواضع فهي للسببية، مثلها في قوله صلى الله عليه وآله: (إن امرأة
~~دخلت النار في هرة) (2) فالبقاء الدائم لا يمكن إلا بالفناء عن كل شيء حتى
~~عن الفناء (3) والنعيم الدائم لا يحصل إلا بتحمل المشاق ومقاسات الشدائد
~~واستدامة هذا الذواق، وكذا العزة الثابتة عند الله لا تنال إلا بالذل بين
पृष्ठ 124