ظاهر الشيء المحسوس كأنه يحفظه ويمسكه لتنال النفس منه ما تنال، وقد تقرر
~~أيضا في مدارك أرباب الأذواق الإلهية أن إمساك السماوات والأرض وما فيهما
~~إنما يتسبب عن الاسم البصير، ولذلك ورد في تفسير قوله تعالى: * (ولتصنع على
~~عيني) * (1) أي على حفظي (2) وقال تعالى: * (ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل
~~شيء بصير) * (3).
والهضم يضاهي الذوق، لأن تلك القوة مبدأ مبادئ الهضم، وكذا الدفع يضاهي
~~اللمس، لأن عمدة منافع اللمس رفع المنافر، وكذا التربية تضاهي الشم، لأن
~~القوى الدماغية هي العمدة في التربية.
ثم البصر يحاذي الفكر، لأن النظر أصل الفكر في عالم الكون، كما أن الفكر
~~أصل النظر في العالم العلوي، وكذا السمع يحاذي الذكر الذي أريد به قوة
~~الحفظ، وقد دريت أن الجذب والحفظ من السمع، وكذا الذوق يحاذي العلم، لأن
~~العلم غذاء الروح، وكذا اللمس يحاذي الحلم، لأن تلك القوة إنما شأنها تحمل
~~المشاق من توارد الحر والبرد، ولكونها متسببة عن لينة الأعصاب إلى مرتبة
~~يتأتى منها الإحساس اللمسي، وكذا الشم يحاذي النباهة التي هي طلب الشرف
~~والرفعة، لأنها تنشأ من الدماغ الذي هو معدن تلك القوة.
ثم البقاء في الفناء إنما يتحصل من النظر والفكرة في الأشياء بأنها لا
~~شيئية لها إلا بالله تعالى، والنعيم في الشقاء إنما يكون بتذكر الحقائق
~~المنتزعة من الكائنات، وتصفية تلك الأنوار من كدورات الجسمانيات، وكذا العز
~~في الذل إنما يتيسر بالرياضات العلمية، والفقر مع الغناء
पृष्ठ 123