الله فحسب، وهذا كفر محققي الصوفية، حيث زعموا أنه سبحانه ظهر بصورة كل
~~شيء، فهذا الزاعم أخفى الشيء الذي هو السوي - أي العالم - وهو الكفر
~~بالشيطان.
ولا تتوحش من ذلك، فإنه أعلى درجات بالنظر إلى قوم، ولكن (حسنات الأبرار
~~سيئات المقربين) (1).
قال " صاحب الفتوحات ": إن العالم غيب لم يظهر قط، والحق هو الظاهر ما
~~غاب قط، والناس في هذه المسألة على عكس الصواب، فإنهم يقولون: إن الحق
~~تعالى غيب والعالم هو الظاهر، فهم بهذا الاعتبار في مقتضى هذا الشرك (2).
أقول: قد غفل هذا العارف عن الشرك اللازم من زعمه، حيث حكم بظهور الحق
~~تعالى وخفاء العالم، وهو أيضا من أنحاء الشرك الخفي، وأما الإيمان الحقيقي:
~~فهو الاعتقاد بأن الله هو الظاهر الباطن، والشاهد الغائب، فهو الظاهر إذا
~~طلبته في البطون، وهو الباطن إذا تفحصت عنه في الظهور ، وهو المنزه عنهما
~~إذا طلبته بكليهما، وأن العالم ظاهر بالله خفي بذاته، فتعرف فإنه باب عظيم
~~للتوحيد.
اللهم إلا أن يقال: إن مراد " صاحب الفتوحات " بالظهور هو الاستيلاء على
~~الظاهر والباطن، وبخفاء العالم هو العدم الصرف الذاتي والليس المحض
~~الإمكاني.
وبالجملة: فالطائفة الأولى يقولون ببطونه تعالى فقط، والطبقة الثانية
~~يقولون بظهوره عز شأنه فحسب.
وهذان الكفران كلاهما جناحان للإيمان الحقيقي، وهو اعتقاد أنه تعالى هو
~~الظاهر الباطن، بمعنى أن ظهوره من حيث بطونه، وأن بطونه عين ظهوره، وأن
~~خفاءه بمحض ظهوره، وهو الذي استولى على ظواهر الأشياء
पृष्ठ 68