ثم أقول : سيجيء في نقل كلامنا نقلا عن شرح جمع الجوامع من كتب الشافعية أن للمجتهد ثلاث مراتب : أعلى مراتبه المجتهد المطلق ، ودونه في المرتبة مجتهد المذهب ، ودونه في المرتبة مجتهد الفتيا (1). والصورة التي فرضها الفاضل المدقق في مسألة التجزي ترجع إلى القسم الثاني من أقسام المجتهد ، والأقسام الثلاثة مقبولة عند العامة بالإجماع.
وأقول : من المعلوم أن العمل ببعض هذه الإجماعات دون بعض غير معقول ، والله أعلم.
قوله ، فيكون ذلك الإجماع حجة ، فحجية الإجماع في الحقيقة إنما هي باعتبار كشفه عن الحجة التي هي قول المعصوم. وإلى هذا المعنى أشار المحقق رحمه الله حيث قال بعد بيان وجه الحجية على طريقتنا : وعلى هذا فالإجماع كاشف عن قول الإمام ، لا أن الإجماع حجة في نفسه من حيث هو إجماع (2). انتهى.
وأقول : إن العامة قد اعتمدوا في الاستدلال على ثبوت الإجماع بالآيات والروايات.
أما الآيات : منها قوله تعالى : ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) وأما الروايات فأصرحها قوله صلى الله عليه وآله : لا تجتمع أمتي على الخطاء (3) وقد استشعر السيد المرتضى قدس الله روحه سؤالا واردا على الشيعة من غيرهم وأجاب عنه ، أما السؤال : فهو أنه إذا كان الإجماع عندكم قليل الجدوى لبعد تحققه وعدم خروجه عن معنى الخبر ، لأن العمدة فيه على قول المعصوم ، فلم جعلتموه دليلا مستقلا مغايرا للخبر ونظمتموه في سلك الأدلة الشرعية؟ وأما الجواب : فهو أنا لو كنا المبتدءين لذلك ورد علينا ما ذكر ، لكن مخالفونا لما اعتمدوا هذا الأصل وسألونا أنه هل يتمشى عندكم
أجبناهم نعم إذا تحقق قول المعصوم في جملة أقوال المجمعين عملنا بهذا الدليل فإن كان الإجماع الذي تدعونه أصلا هو هذا وافقناكم عليه ، وإلا فهو ليس بحجة عندنا (4) انتهى كلامه أعلى الله مقامه .
والذي يظهر في وجه المغايرة بين الإجماع والخبر مطلقا : أن أصل مأخذ الإجماع دليل العقل ، والنقل لا مدخل له فيه إلا بعد تحققه إذا نقل ، بخلاف الخبر فإن مأخذه النقل ، وذلك
पृष्ठ 52