फातिमा ज़हरा वा फातिमिय्युन
فاطمة الزهراء والفاطميون
शैलियों
وقد يكون الوالي أطلقه لمال أخذه منه كما يقول عريب بن سعد في تاريخه، وأنه خشي من أصحابه أن يرتابوا فيه ويرفعوا أمره إلى رؤسائه وأن يلحقوا من ورائه بالمهدي وركبه، فكانت حكاية الكلب هذه حيلة لتضليل أولئك الأصحاب وصرفهم عن المطاردة وعن الوشاية بالوالي إلى بغداد.
ومن حزمه بعد مبايعته بالخلافة أنه بادر على الأثر إلى تجديد نظام الدعوة في المغرب وفي مصر واليمن والعراق وخراسان، وحمله على هذا التجديد أن أمر الدعوة لم يكن مجتمعا في يديه أيام استتاره، فتولى الدعاة ندب أعوانهم بغير مراجعة المهدي في اختيارهم، وتعود هؤلاء الأعوان أن يتلقوا أوامرهم من الدعاة الذين ندبوهم واختاروهم، ولم تكن عاقبة هذا النظام مأمونة على الخليفة الجديد ولا على الخلافة الناشئة، فإنه خليق أن يجعله عالة على أتباعه، وأن يطمع هؤلاء في الاستبداد به وعصيان حكمه. فنقض نظام الدعوة وعزل رؤساء الدعاة ولم يستثن أكبرهم - داعي اليمن ابن حوشب - فعزله وهو الذي كان أستاذ دعاته في الأقاليم، وكان منهم عبد الله الشيعي الذي سبق المهدي إلى المغرب واستقدمه إليها بعد التمهيد له وجمع القبائل على عهده، وقد رابه من الشيعي هذا وأخيه العباس أنهما على اتصال خفي بزعماء القبائل، وأنهما يستكثران على الخليفة أن يحصر السلطان في يديه، ونمى إليه أنهما يأتمران به ويبيتان النية مع زعماء القبائل على قتله، فأمر بقتلهما وأظهر الرضى عن غيرهما ممن ظن فيهم الظنون، فجعل يفرقهم في المناصب النائية كأنه يكافئهم ويعتمد عليهم، وهو في الواقع يقصيهم عن مواطن الخطر ويوقع بينهم الحذر والمنافسة. •••
وأطلق دعاته الجدد ومن أبقى عليه من الأقدمين يجوسون خلال الديار الإسلامية؛ ليبشروا به ويخذلوا الأنصار حول أعدائه، فانطلق رسله إلى بلاد الأمويين بالأندلس وبلاد الأدارسة بالمغرب، ونشط رسله في مصر واليمن والعراق وخراسان، وأخذ بيديه أزمة الثورات في كل إقليم من تلك الأقاليم، فاستمهل أعوانه كلما تعجلوا الثورة وظنوا أنهم قادرون عليها وأن الأوان قد آن للجهر بها، ورأى هو بثقاب نظره أن ثورة الأطراف قبل فتح مصر، أو قبل المسير إليها، تغرير بالثوار، وأن الثورة بعد فتح مصر تتمة منتظرة قد تأتي عفوا وقد تنشب دفعة واحدة مع سقوط هيبة الدولة العباسية، فلا يعيي الثوار بالخروج عليها في غير حذر ولا ندم. وقد صح تقديره بعد تسيير الحملة على مصر وتجربة الموقف مرتين.
والراجح من المقابلة بين برامج المهدي أنه كان مقسور اليد في حملاته على مصر؛ كان يوصي بالأناة والتريث حيث يفرغ العمل في التخذيل وكسب الأنصار، ثم يضرب القدر ضربة من ضرباته التي تأتي على غير انتظار فيموت خليفة بغداد ويستحكم الشقاق بين قواده ووزرائه ويغتنم الثائرون الفرصة قبل تمام الأهبة، وتتوارد الكتب إلى المهدي بالحض على الهجوم فلا يملك القعود والاكتفاء بالنظر إلى هذه الأحداث من بعيد، ولا يبلغ من ثقته بجدوى الهجوم أن يجمع له قوته ويترك المغرب خلوا من الجند مطمعة للمغيرين عليه والمنتقضين ممن بايعوه على دخل في أول عهده، فينفذ إلى المشرق حملة اضطرار لا حملة اختيار، كالحملة التي عقد لواءها للزعيم البربري حباسة، ثم حمله تبعة الإخفاق فيها والهرب منها بعد أن وصل إلى الإسكندرية. •••
أما الخطة التي يبدو أنه كان يؤثرها ويختارها فهي إرجاء الحملة على مصر إلى أن يفرغ من شأن المغرب ويقضي على فتنه ومشاغباته، ويبتني فيه المدينة التي أزمع أن يتخذها حصنا له ويحتمي به من المغيرين والمنتقضين، وقد شغلته فتن المغرب زمنا وأحرجته أيما إحراج بعد مؤامرة عبد الله الشيعي وأخيه، فقمع الفتنة قمعا عنيفا لا رحمة فيه، ولم يسكن إلى مقره بالمغرب إلا بعد الفراغ من بناء المهدية حوالي سنة خمس بعد الثلاثمائة، فقال يومئذ: «لقد أمنت الآن على الفاطميات.»
ولم تفارقه طبيعة الحيطة والدهاء في بنائه للمهدية، فانتقى لها موقعا يحيط به البحر من جهات ثلاث، وأقام عليها سورا من الغرب له بابان من الحديد زنة الواحد منهما ألف قنطار، وبنى فيها الصهاريج وأجرى فيها القنوات، وجعل للمؤن أقبية تسع ميرة الحامية عدة شهور، وانتحى جانبا ثم بنى على مقربة من المهدية مدينة أخرى سماها باسم زويلة إحدى قبائل البربر التي تواليه، وخصص زويلة لدكاكين التجار ومخازنهم تخفيفا عن المهدية وعزلا بين السكان ومرافقهم، وأفضى إلى خاصته بأنه إنما فعل ذلك ليأمن غائلتهم. قال: «إن أموالهم عندي وأهاليهم هناك. فإن أرادوني بكيد وهم بزويلة كانت أموالهم عندي فلا يمكنهم ذلك، وإن أرادوني بكيد وهم بالمهدية خافوا على حرمهم هناك، وبنيت بيني وبينهم سورا وأبوابا فأنا آمن منهم ليلا ونهارا؛ لأني أفرق بينهم وبين أموالهم ليلا وبين حرمهم نهارا.»
بعد هذا استعد للحملة الكبرى على مصر وعقد لواءها لولي عهده القائم فدخل الإسكندرية سنة (307 للهجرة)، وتقدم إلى الجيزة واحتل الفيوم، ثم دهم الوباء جيشه وفتك بالألوف من جنده وحيل بينه وبين المدد من المغرب بعد انهزام أسطوله؛ لأنه كان أضعف من أسطول العباسيين.
ثم كانت الحملة الثالثة (سنة 321) وهو في وهن الشيخوخة، وقيل: إنه مات قبل أن يحكم تدبيرها، وبلغ من هيبته بين أهل المغرب أن خليفته القائم كتم خبر وفاته سنة كاملة، مخافة الانتقاض ممن أدنوا للحكم الجديد مهابة للمهدي ورهبة من نقمته. •••
مات المهدي في سنة (322 للهجرة) وولد في تاريخ مختلف عليه بين (سنة 255 وسنة 260 للهجرة) وبويع له بالخلافة وهو في نحو الأربعين، فكانت مدة حكمه أربعا وعشرين سنة، ترك الدولة بعدها وقد استقر بنيانها ورسخت أركانها ودانت لها الدول التي كانت تنازعه في المغرب وصقلية من الأغالبة والأدارسة ومن يؤازرهم من الأمويين بالأندلس والعباسيين ببغداد، ولم يعرف عنه طوال أيامه بالمغرب حاكما أو غير حاكم أنه فرغ لمناعم نفسه أو غفل يوما عن سياسة ملكه، وكانت له زوجة واحدة، وانقضت حياته وفي سيرته رد بلسان الحال لا بلسان المقال على الذين رموه بالانتماء إلى أعداء الدين، بل أعداء الأديان وأنه تواطأ سرا مع رسل الفساد والغواية لاستباحة المحرمات والإغراء بالفجور. ولو لم يكن كذلك لما أبقى بعده ملكا مؤسسا يغالب عوادي الدهر من أول القرن الرابع إلى نهاية القرن السادس، أو يغالبها بآثاره الباقية إلى اليوم.
الفصل السادس عشر
अज्ञात पृष्ठ