الْمُحَدِّثِينَ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَكُونَ التَّابِعِيُّ سَمِعَهُ مِنْهُمَا مَعًا، إِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَقَامَتْ قَرِينَةٌ لَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي ثَانِي قِسْمَيِ الْمَقْلُوبِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الْكَثِيرُ مِنْ هَذَا.
وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ يُعِلُّونَ بِهَذَا، مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ الِاضْطِرَابَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الضَّبْطِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِمَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الْمُتَرَدَّدِ فِيهِمَا ضَعِيفًا، بَلْ تَوَسَّعَ بَعْضُهُمْ فَرَدَّ بِمُجَرَّدِ الْعِلَّةِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ قَادِحَةً.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ فِي تَسْمِيَةِ مَا يَجْمَعُ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ صَحِيحًا، ثُمَّ إِنْ ظَهَرَ شُذُوذٌ أَوْ عِلَّةٌ رَدَّهُ فَشَاذٌّ، وَهُوَ اسْتِرْوَاحٌ حَيْثُ يُحْكَمُ عَلَى الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ قَبْلَ الْإِمْعَانِ فِي الْفَحْصِ، عَنْ تَتَبُّعِ طُرُقِهِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الشُّذُوذُ وَالْعِلَّةُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَضْلًا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ كُلِّهِ الَّتِي رُبَّمَا احْتِيجَ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ.
وَرُبَّمَا تَطَرَّقَ إِلَى التَّصْحِيحِ مُتَمَسِّكًا بِذَلِكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ، فَالَأَحْسَنُ سَدُّ هَذَا الْبَابِ، وَإِنْ أَشْعَرَ تَعْلِيلُ ابْنِ الصَّلَاحِ ظُهُورَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْمَتْنِ مِنْ إِطْلَاقِ الْإِمَامِ الْمُعْتَمَدِ صِحَّةَ الْإِسْنَادِ بِجَوَازِ الْحُكْمِ قَبْلَ التَّفْتِيشِ، حَيْثُ قَالَ: (لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ وَالْقَادِحِ هُوَ الْأَصْلُ الظَّاهِرُ)، فَتَصْرِيحُهُ بِالِاشْتِرَاطِ يَدْفَعُهُ، مَعَ أَنَّ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى الْإِسْنَادِ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ لَا يَسْلَمُ مِنَ انْتِقَادٍ.
وَكَذَا لَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِالِانْقِطَاعِ، وَلَا بِجَهَالَةِ الرَّاوِي الْمُبْهَمِ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوفِ عَلَى طَرِيقٍ كَذَلِكَ [بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْإِمْعَانِ فِي التَّفْتِيشِ ; لِئَلَّا يَكُونَ مُتَّصِلًا وَمُعَيَّنًا فِي طَرِيقٍ آخَرَ]، فَيُعَطَّلَ بِحُكْمِهِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ، كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُعْضَلِ.
عَلَى أَنَّ شَيْخَنَا مَالَ إِلَى النِّزَاعِ فِي تَرْكِ تَسْمِيَةِ الشَّاذِّ صَحِيحًا، وَقَالَ: غَايَةُ مَا
1 / 31