فإن قلت : هل لقول الناس أنا أحبك أصل في السنة ؟ قلت : نعم ، فقد ورد في الأحاديث المسلسلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : ( إني أحبك ) (¬1) ، فقال : اللهم أعني على ذكركوشكرك وحسن عبادتك ، ومعاذ قال لمن روى عنه : وأنا أحبك ، فقال : اللهم ...ألخ (¬2) ، أي إلى أن / وصل إلينا . ... ... ... 4أ فإن قلت : هل الواو في قولهم : وهو كذلك عاطفة ، أو استئنافية ، أو زائدة ؟ قلت: يصح أن تكون عاطفة ، على قوله : أنا بتنزيل الكلامين منزلة الكلام الواحد ، لما تقدم ، وقال شيخنا المتقدم ذكرة (¬1) : يصح أن يكون معطوفا على مقدر، أي صدقت ، وهو كذلك ، ولا يصح أن تكون استئنافية ؛ لأنها الداخلة على جملة بعد جملة يمتنع العطف عليها ، نحو [ لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء ] (¬2) ، ونحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، فيمن رفع ، ونحو: [من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ] (¬3) فيمن رفع أيضا ، إذ لوكانت واو العطف لانتصب [ نقر] ، ولانتصب ، أو انجزم وتشرب ، وللزم عطف الخبر على الأمر ، ذكرة ابن هشام في بانت سعاد المغني ، لكن نقل بعض مشايخنا الأعلام عن المحقق ابن هشام في بانت سعاد أنها تقع بكثرة في أول القصائد والأبواب والفصول ، وتقع بندرة في غير / ذلك ، وقد ذكر العلامة ابن قاسم في شرح أبي شجاع على الغزي ما 4ب يؤيد ذلك فعلى هذا يجوز أن تكون استئنافية ، وعلى كل من الإستئناف والعطف لا محل لهذه الجملة من الإعراب ؛ لأنها على الأول مستأنفة نحو : [ إنا أعطيناك الكوثر ] (¬4) ، فإن قلت : هل هو استئناف نحوي ، أو بياني ؟قلت : هوبياني ؛ لأنه وقع في جواب سؤال مقدر نشأ ذلك السؤال من الكلام السابق ، وذلك أنه لما قال : أنا أحبك ، كأنه قيل : وهل ذلك ثابت عندك ، أو هل أنت كذلك ؟ فأجاب بما ذكر ، وعلى الثاني تابعة لما لا موضع له ، نحو قام زيد وقعد عمرو ، ولا يصح أن تكون زائدة ؛ لمنع البصريين لها ، ومن جوززيادتها وهم الكوفيون ، لم يكن في أمثلتهم زيادتها في أول الكلام ، وذلك ظاهرفي أنها لا تزاد في الأول ، وجملة أنا أحبك كبرى ؛ لأن خبر المبتدأ فيها جملة ، وجملة أنا أحبك صغرى ؛ لأنها خبر عن أنا ، وأما جملة وهوكذلك /فإن كانت الكاف حرف جر متعلقة 5أ بفعل أجرى فيها ما تقدم ، وإن تعلقت باسم ، وكانت اسما فلا يتأتى فيها ما ذكر ، ولا يخفى أنها قضية شخصية لتشخص موضوعها وتعينه .
واعلم أن مذهب البصريين أن ألف أنا زائدة ، والاسم هو الهمزة والنون ، ومذهب الكوفيين أن الاسم مجموع الأحرف الثلاثة ، وفيه لغات خمس ، ذكرها في التسهيل :
فصحاهن : إثبات ألفه وقفا ، وحذفها وصلا .
والثانية : إثباتها وصلا ووقفا ، وهي لغة تميم.
والثالثة : هنا بإبدال همزته ها .
والرابعة : آن بمدة بعد الهمزة ، قال ابن مالك : من قال أن فإنه قلب أنا ، كما قال بعض العرب في رآى رآأى .
والخامسة :أن كعن ، حكاها قطرب .
وأما هو فمذهب البصريين أنه بجملته ضمير ، والتحقيق أن الضمائر وأسماء الإشارة جزئيات وضعا واستعمالا لكنها موضوعة بقانون كلي ، وقيل : إنها كليات وضعا ، جزئيات
/ استعمالا ، ورد بأنه يلزم عليه وجود مجازات لا حقائق لها، وقد نوقش هذا الرد بأنه 5ب لا مانع من أن القائل بما ذكر يلتزم ذلك .
... ... خاتمة : نسأل الله حسنها ، المحبة مأخوذة منحبة القلب بفتح الحاء ، وهي سويداؤه ، ويقال : ثمرته ، فهي ترجع إلى كونها خلاصة الشيء ، وقيل : من حبب الإنسان بالتحريك ، وهو صفاء بياضها ، ونضارتها ، فهي صفاء المودة ،وقيل : من الحباب بالضم ، وهو الحب ، قال الشاعر (¬1) :
पृष्ठ 6