अरबों का मिस्र पर विजय
فتح العرب لمصر
शैलियों
وكانت البلاد كلها عند ذلك تحت يد «قيرس» المقوقس يصرفها كيف شاء، وكان جيش الرومان مرة أخرى يملك مصر، فكانت طرق الإسكندرية البراقة تتجاوب جوانبها بأصداء الكتائب البيزنطية إذ تسير فيها، وعادت جنود الروم إلى الأسوار العظيمة أسوار المدينة وآطامها، ووضعت عليها آلات حربها، وبعثت المسالح إلى مدينة الفرما (بلوز)، وهي ثغر الطريق الآتية من فلسطين إلى مصر، وإلى بلاد مصر السفلى مثل أثريب ونقيوس، وكذلك إلى الحصن العظيم حصن «بابليون» بقرب ممفيس؛ ومن ثم عاد سلطان الروم، فانتشر على بلاد الفيوم ووادي النيل حتى بلغ الحدود من الجنوب عند أسوان في أسفل الجنادل، وكانت كل تلك الجنود والكتائب عند أمر «قيرس» ماثلة لإنفاذ أمره إذا ما دعاها. ولم يتحرك القبط بطبيعة الحال عندما عاد جند الروم إلى البلاد، ولكنهم وجدوا بعد قليل أن حكم الفرس إن لم يكن مما يحب ويرغب فيه، فإن حكم الروم الجديد لم يكن حدثا يحمدونه ويفرحون من أجله؛ فقد وجدوا فيه أنواع العقاب وصنوف العذاب، فكأنهم وقد خرجوا من حكم الفرس إلى حكم الروم قد رفع عنهم التعذيب بالسياط ليحل بهم تعذيب آخر من لسع العقارب؛ إذ بينا كان غزاة الفرس بعد أن استقر بهم الأمر في البلاد لا يحولون على الأقل بين القبط وبين التدين بما يشاءون من الدين، جاء «قيرس» المقوقس وصمم على أن يحرمهم تلك الميزة الكبرى وينزعها من أيديهم.
وابتدأ الاضطهاد الأعظم عند ذلك. ويتفق المؤرخون جميعا على أنه بقي مدة عشر سنوات؛ أي إنه بقي كل مدة ولاية قيرس رياسة الدين؛ فإن أكبر الظن أن مجمع الإسكندرية كان في شهر أكتوبر من سنة 631، وقد بدأ عهد الاضطهاد بعد ذلك بشهر واحد أو بشهرين. ولا يشك أحد في فظاعة ذلك الاضطهاد وشناعته؛ فقد جاء في كتاب «ساويرس»: «لقد كانت هذه السنين هي المدة التي حكم فيها هرقل والمقوقس بلاد مصر، ففتن في أثنائها كثير من الناس لما نالهم من عسف الاضطهاد والظلم، ومن شدة العذاب الذي كان يوقعه هرقل بهم لكي يحولهم على رغمهم عن مذهبهم إلى مذهب خلقيدونية؛ فكان يعذب بعضهم ويعد البعض أحسن الجزاء، ويمكر بالبعض ويخدعهم.» وقد جاء في ترجمة حياة البطريق القبطي «إسحاق»،
21
وكانت كتابتها سنة 695، أنه في شبابه لقي قسا اسمه يوسف كان ممن شهروا بين يدي «قيرس» وجلد جلدا كثيرا لأنه شهد شهادة الحق. وكذلك كان أخو «بنيامين» ممن عذبوا ثم قتل غرقا، وكان تعذيبه بأن أوقدت المشاعل وسلطت نيرانها على جسمه، فأخذ يحترق «حتى سال دهنه جانبيه إلى الأرض»،
22
ولكنه لم يتزعزع عن إيمانه، فخلعت أسنانه ثم وضع في كيس مملوء من رمل، وحمل في البحر حتى صار على قيد سبع غلوات من الشاطئ، ثم عرضوا عليه الحياة إذا هو آمن بما أقره مجلس «خلقيدونية»، فعلوا ذلك ثلاثا وهو يرفض في كل مرة، فرموا به في البحر فمات غرقا. وقال الكاتب الذي كتب ترجمة حياة بنيامين: «ولكنهم بفعلهم هذا لم يقهروا «ميناس» الذي مات شهيدا، بل قد غلبهم هو بصبر الإيمان المسيحي.»
وإليك دليلا آخر جاء في ترجمة حياة صمويل «القلموني»،
23
وقد كتبت تلك الترجمة في أيام «قيرس»، وجاء فيها وصف جلي لما فعله «قيرس» نفسه من الأفاعيل في هذا الاضطهاد؛ ولهذا كان لنا العذر إذا نحن نقلنا هنا بعض ما جاء فيها في شيء من الإفاضة. تصف القصة أن البطريق «قيرس» جاء إلى الدير فوجده خلاء ممن فيه إلا من خازنه، فقبض عليه وجلده وأخذ يسأله، فقال له الخازن: «لقد جمع صمويل الزاهد رهبان الدير وخطب فيهم فأطال، ووصفك بالكفر، وبأنك يهودي من أتباع «خلقيدونية» ولا تؤمن بالله، وبأنك لست أهلا لأن تقيم الصلاة، ولا أن يعاملك المؤمنون. فلما سمع الرهبان قوله هذا هربوا قبل مقدمك.» فلما سمع الكافر الفاسق ما قاله الخازن ثار ثائره وعض شفتيه من الغيط، وسب الخازن والدير ورهبانه، ومضى عنه. قال كاتب الترجمة: «ولم يعد للدير بعد ذلك إلى يومنا هذا.»
24
अज्ञात पृष्ठ