अरबों का मिस्र पर विजय
فتح العرب لمصر
शैलियों
وقد قامت الجماعة بعملها في أكثر الأوقات في الدير المعروف دير «الهانطون». ولسنا في حاجة لأن نبرهن على أن ذلك العهد نشط إلى دراسة الكتاب المقدس نشاطا كبيرا، ولكن «أجاتياس» يحدثنا أحاديث مدهشة عن الهوة السحيقة من التضليل والكذب التي قد تهوي إليها المناظرات الدينية؛ فإنه يحدثنا عن حاكم من كبار حكام الدولة أنه جمع أربعة عشر كاتبا أو ناسخا يعملون في تحوير ما كتبه الآباء، ولا سيما «قيريل»؛ حتى يستطيع أن يدعم المذهب الذي ينتمي إليه بما شاء من أكاذيب يعزوها إلى أكبر حجج الدين فيما ينشره من الكتب. وإنا لنرجو أن تكون هذه الأكاذيب قليلة الحدوث، ولكنها كتبت في أوائل القرن السابع، حين كان الخلاف المذهبي على أشده لا يتورع أصحابه عن الكذب ومخالفة الفضائل في سبيله، ولم تكن دور الكتب في دير «الهانطون» وحده، بل كان لكل دير مكتبته وقصاده من أجل العلم. ولعل الدير السرياني
8
أو الدير السوري الذي لا يزال إلى اليوم في صحراء وادي النطرون، قد نشأ في ذلك الوقت عندما جاء إلى مصر كثير من السوريين وعلمائهم هاربين من خطر حرب الفرس. وكان الرهبان والزهاد في صوامعهم في كل مكان في الصحاري والجبال بعيدين عن العاصمة وما فيها من حياة العلم، يكتبون باللغة القبطية رسائل في خلافاتهم وتراجم لحياة بطارقتهم، ولكنهم لم يكتبوا من حوادث التاريخ إلا قليلا.
لم يبق مما كتب في ذلك الوقت من التاريخ الصحيح إلا شيء يسير؛ فقد بقيت بعض أخبار قيمة كتبها «تيوفيلا كت سيموكاتا». على أنه قلما يذكر الإسكندرية وإن كان من أبنائها، في حين أن الكاتب المجهول الذي ألف «ديوان بسكال» أو «الديوان الإسكندري» قد خلف لنا صحيفة يصف فيها عصره، لها قيمة جليلة، وهي جديرة بكل عناية، وكتب «حنا النقيوسي» ديوانه في أواخر القرن السابع، ولكنه كان من غير شك يأخذ عما سبقه من المؤلفات التي لم يبق منها شيء حتى الاسم.
وهذه الأسماء التي ذكرناها تدلنا على أنه قد كان في ذلك العصر درس وبحث في التاريخ والفلسفة وفقه الدين والطب، ولكنها مع ذلك قليلة العدد لا تكفي للدلالة على ما كان بالإسكندرية من نشاط أهل العلم في مختلف الفنون؛ فقد ضاعت أكثر مؤلفات ذلك العصر في أثناء عواصف الفتوح التي اجتاحت مصر في النصف الأول من القرن السابع. على أنه قد بقي منها ما يشهد للإسكندرية بأنها كانت جديرة بأن تكون مقر الآداب في العالم أجمع، ومقصد طلاب العلم، وكان لا يزال بها أثر يزدهر من العلم القديم، وإن كان أكثر العلم فيها عند ذلك خاصا بالدين. وقد ألفت رسائل في الأخلاق المسيحية أو المثل الأعلى المسيحي قصد بها أن تكون قائمة على أساس مذاهب أفلاطون وأرسطو. وكما أن «بولص السيلنتياري» كتب مدحة يذكر فيها فضائل «القديسة صوفيا» في شعر هومري
9
من ذي الستة المقاطع، كذلك رأى «صفرونيوس» وهو في الإسكندرية أنه لا عار عليه في أن يكتب قصيدة يبث فيها شوقه إلى الأرض المقدسة في صورة شعر غزلي على نمط تشبيب الشاعر الإغريقي «أناكريون».
10
وقد اتفق أن بقي في كتب «حنا مسكوس» شيء من الوصف الشائق للحياة في الإسكندرية في ذلك العهد، على أن هذا الوصف الذي بقي قليل لا يكفي لأن يملأ صحيفة كبيرة من الرقاع التي كانت تستعمل للكتابة، وقد كتبه الكاتب عرضا بغير أن يقصد به شيئا، غير أنه مع ذلك يصور لنا صورة عجيبة. وكان «حنا مسكوس» هذا سوري المولد ولسانه لسان الإغريق، وقد طاف في مصر بضع سنين قرب آخر القرن السادس مع صديقه وتلميذه «صفرونيوس»، وهو دمشقي الموطن، وقضيا مدة طويلة معا في أديرة «الثيبائيد»، وهو صعيد مصر. ولما رجعا إلى وطنهما حمل حنا تلميذه «صفرونيوس» على أن يترهب. ويقال إنهما طردا من الشام في سنة 605 في أثناء حروب «فوكاس» فذهبا إلى الإسكندرية، وقضيا مدة أخرى نحو ثماني سنين أو عشر في القراءة والكتابة، وكانا بين حين وحين يزوران الأديرة المجاورة للإسكندرية وأديرة الصحراء والواحة الكبرى، وكان كلاهما صديقا ل «حنا الرحوم»، على أنه قد كان أقل منهما علما، وقد هربا مثله من الإسكندرية في وقت غزو الفرس، حتى لقد قيل إنهما صحباه إلى قبرص، وإن «صفرونيوس» ألقى خطبة على جنازته، ولكن الأدلة تنقض هذه الرواية. ومن المحقق أنهما ساحا في الجزائر الإغريقية، ورحلا بعد ذلك إلى روما، وهناك أعاد «حنا مسكوس» قراءة كتابه، ونقح فيه التنقيح الأخير. ولما وافاه أجله أعطاه إلى تلميذه صفرونيوس لينشره. فلما رجع الأمن حوالي سنة 620، وأبيح للمسيحيين أن يعودوا إلى التعبد على دينهم تحت حكم الفرس؛ عاد «صفرونيوس» إلى فلسطين، ونشر بعد حين جزءا من كتاب أستاذه، وهو الجزء الباقي إلى اليوم، واسمه «مسارح الروح».
11
अज्ञात पृष्ठ