अरबों का मिस्र पर विजय
فتح العرب لمصر
शैलियों
هذه روايته ولا يصدقها عقل، ولندع ما جاء فيها من ذكر الرؤيا، وما فيها من تحريض للفرس على جماعة مخالفة من المسيحيين، وإن كنا نستطيع من سياق القصة أن نرى ميل الكاتب «ساويرس» لمذهب المونوفيسيين، وما كان يختلج في قلبه من السرور إذ يفكر في مذبحة تحل بأهل المدينة العظمى، وهم من أتباع المذهب الملكاني، ولكن من ناحية أخرى كان الرهبان الذين هلكوا من «المونوفيسيين» وهم القبط؛ ولذلك كان كل ما كتبه «ساويرس» تظهر منه كراهة شديدة للفرس ومقت لهم؛ فهذه القصة على ذلك لا يمكن أن نتوسع في دلالتها فنقول إنها تدل على اتفاق أيا كان نوعه بين القبط والفرس. وعلى أي حال فإن الفرس، وإن كانوا قساة، كانت شريعة الحرب عندهم لا تبيح لهم أن يقتلوا أهل مدينة سلمت إليهم بغير قتال.
12
ولا شك أنه من المضحك ما جاء في تلك القصة من ذكر الوعد الذي وعده القائد بإعطاء المال، وكذلك كتابة أسماء ثمانين ألفا من الأسماء تمهيدا للقتل. هذا إذا سلمنا أن أبواب المدينة كان من الممكن أن تفتح بغير عهد يستأمن للناس على حياتهم؛ إذن فلندع «ساويرس» وروايته، ولنرجع إلى الديوان «السوري»؛ ففيه رواية أخرى لفتح المدينة أقرب لأن يسيغها العقل.
نعلم أن الترعة التي كانت تأتي بالماء العذب إلى الإسكندرية وتحمل إليها الأقوات، كانت تسير في التواء بإزاء السور الجنوبي، ثم تذهب فجأة إلى الشمال، فتدخل إلى المدينة وتشقها حتى تصل إلى البحر، وكان على كل من منفذيها باب قوي الحصون، عليه آلات شديدة من آلات الحرب. فإذا وقع للمدينة حصار قل نقل الأشياء على الترعة إلى ما وراء المدينة أو امتنع؛ وذلك لأنها تكون عندئذ تحت سلطان العدو، أو على الأقل ما كان منها بعيدا عن مرمى المجانيق التي مع المدافعين في الحصون. ولو اتفق وجود شيء في الترعة عند ذلك من السفن التي تحمل الغلال أو سوى ذلك من الزوارق، لاستولى عليه المحاصرون، ولكن الباب الذي كان يلي البحر كان مفتوحا أبدا لكي تدخل منه السفن الآتية بتجارتها من البحر، ولتدخل منه زوارق صيد السمك الكثيرة التي تأتي كل يوم إلى أسواق المدينة بما تحمل، وكان ذلك الباب على طرف المرفأ، وفيه سفن الحرب الرومانية لا يدافعها مدافع؛ ولهذا كانت حراسته من غير شك مهملة بعض الإهمال.
فوجد الخائن في هذا الباب فرصته؛ إذ تسلل خفية إلى ما وراء الأسوار، وذهب إلى فسطاط قائد الفرس، فأفضى إليه بخطة يستطيع بها أن يفتح المدينة، فاستحسن القائد رأيه واتبعه، فجاء الفرس بعدة من سفن الصيد، وجعلوا فيها الجند في لباس صيادي السمك، وخرجت بهم السفن في ظلام الليل إلى البحر. فلما كان وقت السحر جاءت تلك السفن الصغيرة حتى صارت عند الباب الشمالي، ونطق من فيها بشعار القوم فلم يعترض أحد سبيلهم، ودخلت السفن حتى بلغت القنطرة التي فوق الترعة، وهي التي يتصل بها الطريق الأعظم في المدينة، وعند ذلك أخذ القوم سيوفهم وكان الظلام لا يزال سادلا ستره، ثم نزلوا إلى البر، وساروا في الطريق الأعظم إلى الغرب بغير أن يحدثوا ضجة حتى بلغوا «باب القمر»، ولم يفطن إليهم أحد بفضل تنكرهم. فلما أن صاروا هناك هبطوا على الحراس فجأة، فأخذوهم على غرة وقتلوهم، وكان كل ذلك في وقت قصير، فاستطاعوا أن يفتحوا الأبواب الضخمة قبل أن ينذر القوم بهم. فلما طلع النهار مشرقا على قصور الإسكندرية ومعابدها، كانت جموع «شاهين» تتدفق إليها رافعة ألوية النصر، هاتفة باسم كسرى من رءوس الأسوار.
وجاء في «الديوان السوري» بعد ذلك أن من استطاع النجاة من الناس هرب، وأن خزائن الكنيسة وأموال عظماء الدولة، وكانوا قد جعلوها في السفن حرصا عليها وحذرا من أجلها، قد هبت ريح عاصفة دفعت السفن بها إلى الساحل على مقربة من عسكر الفرس، أي إلى غرب المدينة،
13
فأخذ الفرس ما بالسفن من الذهب والفضة والجوهر، وأرسلوه مع مفاتيح المدينة إلى كسرى. ومن العجيب ألا يرد بالديوان السوري ذكر للمقتلة العظيمة التي ذكرها «ساويرس»، ولكن من أبعد الأشياء أن يكون هذا المؤرخ المصري مخطئا كل الخطأ وهو الذي كان يقيم في مصر ويعرف أخبارها. وإن مقتلة كهذه التي يذكرها المؤرخ المصري تتفق كل الاتفاق مع ما اعتاده الفرس في حربهم إذا ما فتحت مدينة عنوة، لم تسلم عن رضا، ولم يستأمن لأهلها بعهد ولا عقد.
على أنه من الظاهر أن المدينة كانت تتوقع أن ينزل بها ما نزل؛ إذ أنذرها به منذر، ألا وهو اليأس؛ فقد أخذ من جندها عدد كبير ليدافع عن بلاد أخرى من الدولة، أو ليدافع عن بيزنطة ذاتها؛ إذ كان الفرس يفتحون أرضا بعد أرض من بلاد الدولة «ويطئونها كما يطأ الثوار أرض البيدر»؛
14
अज्ञात पृष्ठ