अरबों का मिस्र पर विजय
فتح العرب لمصر
शैलियों
ولهذا كان يريد أن يستميلهم؛ فأرسل إليهم منذ حين عددا كبيرا من الأسود والفهود لتعرض على الناس، ثم أرسل مع ذلك عددا من القيود وآلات التعذيب تصحبها خلع سنية وأموال لكي توزع على أصحابه وأعدائه لكل ما يستحقه؛ فلما جاءه كتاب البطريق تظاهر بأنه لا يعبأ بما كان يتهدده من خطر، ولكنه لم يتردد في عزمه، ولم يهن في عمله؛ فقد كان عالما بالحاجة الشديدة لأن تبقى مصر في يده مهما تكلف في سبيل ذلك؛ فدعا حاكم «بيزنطة»، واستوثق منه بيمين محرجة على أن يبقى على ولائه، ثم أرسله مع إمداد عظيم إلى الإسكندرية، وإلى المصالح الكبرى مثل «منوف» و«أثريب» في مصر السفلى، وأرسل في الوقت عينه أوامر مستعجلة إلى «بنوسوس» في سوريا يدعوه أن يأتي بكل ما يستطيع حشده من الجنود إلى مصر؛ لأن «بنوسوس» كان عند ذلك في «أنطاكية»، وقد أرسل إليها ولقب «أمير الشرق» لكي يقضي على ثورة لليهود إذ وثبوا على المسيحيين، وكانت ثورتهم أقرب إلى أن تكون دينية من أن تكون سياسية، على أننا لا نستطيع في أكثر الأحوال أن نميز بين خيوط الدين وخيوط السياسة في نسيج حوادث ذلك العصر. وقد قام «بنوسوس» بعمله ذلك قياما لك أن تصفه بما شئت، فإما قلت خير قيام وإما قلت شره؛ فقد أنفذ عمله بأن قتل الناس جملة بين من شنق أو أغرق أو أحرق، وبين من عذب أو رمي للوحوش الكاشرة، واستحق بذلك أن يقترن اسمه باللعن والخوف. وفي الحق أنه كان رجلا ممن يثلج قلب «فوكاس» ويقر عينه، كان «ضبعا مفترسا» يعرس في القتل؛ فلما أن جاءته رسالة «فوكاس» تلقاها بقلب ملؤه السرور.
كان «نيقتاس» في هذه الأثناء يقترب من الإسكندرية من الجانب الغربي، وسلمت له مدينة «كبسين» - وربما كانت هي حصن «كرسونيسوس» - فأعتق حاميتها، وأخرج من كان في السجون من الحزب الثائر، ثم استمر بهم في سيره، وأرسل دعاة يسبقونه داعين إلى الثورة فيما حول «ترعة الثعبان» - وسميت بذلك لتعرج سيرها - وكانت على مسافة قريبة من المدينة، ولكنه رأى أن الجيوش الإمبراطورية راصدة له تسد عليه الطريق، وكانت منيعة في العدد والعدة، فدعا «نيقتاس» قائدها أن يسلم قائلا: «تنح عن طريقنا، ثم اصبر على حيادك حتى تضع الحرب أوزارها؛ فإن كانت الدائرة علينا لم يضرك ذلك، وإذا كانت الدبرة لنا فإنا جاعلوك حاكم مصر، ولكن على كل حال قد انتهى حكم فوكاس.» فأجابه القائد جوابا قصيرا إذ قال: «سنقاتلكم حتى نقتل في سبيل فوكاس.» ثم ابتدأت الواقعة. وأكبر الظن أن ذلك القائد هو الذي أقسم أن يحمي الإمبراطور، وكان أصدق في حربه من سائر جنوده، وأثبت جنانا، فانتصر «نيقتاس» نصرا مبينا، وقتل القائد الإمبراطوري، وجعل رأسه على سنان رمح ورفع مع الأعلام المنتصرة، ودخل الجيش الظافر من «باب القمر» إلى المدينة فلم يلق فيها بعد ذلك كيدا. وهرب «حنا» حاكم البلد و«تيودور» مراقب الأموال العامة، فاحتميا بكنيسة «القديس تيودور» في الجانب الشرقي من المدينة، في حين هرب البطريق الملكاني إلى كنيسة «القديس أثناسيوس»، وكانت على مقربة من شاطئ البحر. ولا يذكر لنا «حنا» أسقف «نقيوس» شيئا عما آل إليه أمر البطريق، ولكنا نعرف من غيره من الرواة أنه هلك.
اجتمع القسوس والعامة عند ذلك، وأجمعوا رأيهم على مقت «بنوسوس» ومن كان معه من الوحوش المفترسة، ورحبوا جميعا بقائد «هرقل»، ثم رفعوا رأس القائد المقتول على باب المدينة، ووضعوا أيديهم على قصر الحاكم وأبنية الحكومة، كما استولوا على خزائن القمح والأموال العامة، ثم أخذوا كنوز «فوكاس»، وملكوا جزيرة «فاروس» وحصنها وكل ما هنالك من السفن. ولم يكن العمل الأخير بأقل أعمالهم خطرا؛ فإن جزيرة «فاروس» - كما قال «قيصر» من قبل ذلك بزمن طويل حين رآها وعرف خطرها - كانت مفتاحا من مفتاحي مصر، وكانت «الفرما» هي المفتاح الآخر. ولما ملك «نيقتاس» عاصمة القطر أرسل «بوناكيس» لينشر علم الثورة في مصر السفلى. وقد كان عمله هينا؛ فإن المصريين في كل مكان كانوا يكرهون حكم «بيزنطة». فدخلت المدائن واحدة بعد أخرى تحت لواء جيش الخلاص، وفتحت «نقيوس» أبوابها وفيها مطرانها «تيودور»، وقام حزب الثورة في «منوف» فنهب دار الحاكم «أرستوماكوس»، ودور من كان هناك من كبار الرومانيين، وأصبح جل المدائن وجل حكام الأقاليم مع أعداء «فوكاس»، ثم عاد «بوناكيس» إلى العاصمة بعد حملة موفقة منصورة. «سبنيتس» أو سمنود؛ إذ ثبت «بول» عمدة المدينة إلى جنب لوائه، وكان صديقه «كسماس» مريضا أقعده الشلل، ولكنه كان يتقد شجاعة وأنفة، فكان يحمل في المدينة ليبث حماسته في قلوب الحامية. وكذلك كان الحال في «أثريب»؛
6
إذ رفض الحاكم «مرقيان» أن يدخل في زمرة الثائرين، وكان صديقا آخر من أصدقاء «بول»؛ فكأن الحرب كانت لا تزال جذعة.
وكان «بنوسوس» قد بلغ في سيره مدينة قيصرية عندما أتاه نبأ سقوط الإسكندرية، فحفزه ذلك النبأ إلى أن يكون عمله أشد قسوة، ثم وضع جنوده في السفن من ذلك الثغر واتجه نحو الجنوب مسرعا؛ وهناك إما أن يكون قد أنزل فرسانه على حدود مصر، وإما أن تكون فصيلة من الفرسان لقيته آتية من فلسطين. وكانت خطته أن يذهب إلى «أثريب» ليمنع سقوطها في يد عدوه؛ فقسم أسطوله إلى قسمين لكي يصل إلى تحقيق غرضه؛ فأما أحدهما فإنه سار في الفرع الأكبر الشرقي للنيل، وأما الثاني فقد سار في الفرع «البلوزي»، وجاءت الفرسان معقبة في أثره من البر. وكان في أثريب عدا الحاكم «مرقيان» سيدة ذات بأس اسمها «كرستدورا»، وكانت تنصر جانب الإمبراطور يدفعها دافع انتقام شخصي، وجاء إليها «بول» و«كسماس» من منوف ليشتركوا جميعا في الرأي، ويدبروا أمر الحرب. وقد أرسل مطران «نقيوس» ومراقب الأموال «ميناس» يطلبان إلى «مرقيان» و«كرستدورا» أن يرميا تماثيل «فوكاس» ويذعنا لأمر هرقل، وكان ذلك عندما سمعا بقدوم «بنوسوس»، وبلوغه البرزخ الشرقي مع جنوده، ثم جاءت الأنباء بعد ذلك أنه أخذ مدينة «الفرما». وكان من قواد هرقل في جيش عند «أثريب» اثنان، وهما «بلاتو» و«تيودور» - والحق أنه يخيل إلينا أن لا نهاية لعدد الأشخاص الذين اسمهم «تيودور» - فكانا يرقبان زحف «بنوسوس» فزعين خائفين، وأرسلا إلى «بوناكس» على عجل رسالة يطلبان فيها المعونة؛ فما أبطأ «بوناكس» في أن يسير على الفرع الغربي للنيل (الفرع البولبيتي) حتى بلغ «نقيوس»، وهناك علم أن «بنوسوس» وصل إلى «أثريب». وترك «بنوسوس» تلك المدينة وراءه، وسار على الترعة التي تخرج من النهر ذاهبة إلى الغرب نحو منوف، وسار معه «مرقيان» و«كسماس» والمرأة التي لا يفل حدها، ولا تكل همتها «كرستدورا».
سار «بول» عندئذ بمن معه ليلحق بجيش «بنوسوس»، وما كاد الجيشان الإمبراطوريان يجتمعان حتى جاء «بوناكس» وحل تجاههم، واستحر بعد ذلك القتال واستعر، وكان فيه القضاء؛ فإن جيوش الثوار لم يبق منها فل، بل هزمت هزيمة تامة، فقذف بجزء منها في الترعة، وقتل منها من قتل، وأسر من أسر، ووضعوا في القيود، وأخذ «بوناكس» نفسه أسيرا ثم قتل صبرا. ولقي قائد آخر اسمه «ليونتيوس» عين ما لقيه «بوناكس». وأما «بلاتو» و«تيودور» فقد استطاعا الهرب، واعتصما بدير قريب من المكان. ولم يكن في «نقيوس» قوة على مقاومة جيش «بنوسوس» المنتصر مع أنها كانت ذات حصون؛ وعلى ذلك خرج المطران «تيودور» ومراقب الأموال «ميناس» ومعهما الإنجيل والصلبان في موكب مهيب، سائرين إلى القائد المنتصر، نازلين على حكمه، راجين عفوه. وكان خيرا لهما أن يلقيا بأنفسهما من أعلى أسوار مدينتهما؛ فقد أودع «ميناس» السجن، وغرم 3000 قطعة من الذهب، ثم أذيق العذاب بأن جلد جلدا طويلا، ثم أطلق سراحه، فلم يبق إلا قليلا ومات من الجهد. وأما «تيودور» فقد أخذه «بنوسوس» معه إلى «نقيوس» وقد دخلها عندئذ بجيشه، فرأى عند باب المدينة تماثيل فوكاس وهي محطمة على الأرض، وقد شهد «مرقيان» و«كرستدورا» أن ذلك إنما من فعل المطران «تيودور»، فأمر بأن تضرب عنق ذلك المسكين. وأعقب ذلك قتل القائدين «بلاتو» و«تيودور»، وثلاثة من أعيان منوف، وهم «إيسيدور» و«حنا» و«جوليان»، وكانوا جميعا قد هربوا، فالتجأوا إلى دير، فأسلمهم رهبانه خاضعين. وأما عامة الأسرى فقد نفى «بنوسوس» منهم من كانوا في خدمة الإمبراطور «موريق»، وقتل سائرهم ممن كانوا قد دخلوا الجيش وحملوا السلاح تحت لواء «فوكاس».
ارتدت موجة النصر عند ذلك، وأوشكت أن تذهب إلى جانب الإمبراطور الحاكم، وصار «بنوسوس» بمثابة سيد مصر السفلى، وأسرعت جيوش الثوار من كل صوب نحو الإسكندرية تسلك الترع الكثيرة التي تخترق أرض تلك الجهات؛ وذلك لأنهم كانوا يخشون الحرب، ولا يأمنون أن يسلموا، وكان من أسهل الأمور على «بنوسوس» أن يسير من «نقيوس» في الفرع الغربي من النيل ثم يسير في الترعة المؤدية إلى الإسكندرية.
كان «نيقتاس» على استعداد كامل للقاء عدوه، وقد حشد في المدينة جيشا كبيرا، بعضهم من جند منظمة، وبعضهم من أحابيش، فيهم البحري والمدني، يعززهم الحزب الأخضر
7
अज्ञात पृष्ठ