अरबों का मिस्र पर विजय

मुहम्मद फरीद अबू हदीद d. 1387 AH
116

अरबों का मिस्र पर विजय

فتح العرب لمصر

शैलियों

1

وكان باقيا من الأسوار ثلاثة جوانب لم يكد يمسسها أذى منذ بضع سنين، ولكن لم يبق منها اليوم إلا قطع من جانبين اثنين، وأما الثالث فقد شوه ومسخ مسخا. وكان سمك أسواره ثماني عشرة قدما، وكان بناؤها من الآجر والحجارة؛ طبقة من هذه وطبقة من تلك. وكان محيط الأسوار على شكل مربع غير منتظم، ولكنا لا نستطيع البت في أمر سعته ومساحته حتى تكشف جدران الجانب الرابع، وهو الجانب الذي لم يبق منه أثر. ويتخلل كلا من الجانبين الجنوبي والشرقي من أسوار الحصن أربعة أبراج بارزة، بينها مسافات غير متساوية، وكانت ثلاثة من هذه الأبراج الأربعة التي إلى الجنوب لا تزال ظاهرة إلى عهد قريب، وأما الآن فإن أحدها قد تهدم واندثر ولم يبق إلا اثنان، ونستطيع أن نرى بينهما الباب العظيم القديم الذي كشف مما كان علاه من الأقذار والأتربة إلى نحو ثلاثين قدما.

2

وأما الجانب الغربي فلم تكن به بروج، ونستطيع أن ندرك علة ذلك متى عرفنا أنه في وقت بناء الحصن كان ماء النيل يجري تحت أسواره فكانت السفن ترسو تحتها، وقد بقيت الحال كذلك إلى أيام فتح العرب. وكان للحصن باب آخر في تجاه النهر، ولعله كان بين الصرحين العظيمين المستديرين اللذين بقيا إلى عهد قريب، لم يبلغ منهما التهدم مبلغا كبيرا إلا فيما انتابهما في المدة الأخيرة من التغير. وأما اليوم فقد بقي من أحدهما أثر، في حين لم يبق من الآخر شيء تراه العين؛ لأنه دخل في بناء مربع أقامه أبناء العرب في العصر الحديث. وكان كل صرح من هذين الصرحين دائريا يبلغ قطره نحو مائة قدم، وكان في داخله دائرة أخرى من البناء، وتقطع ما بين الدائرتين الخارجة والداخلة جدران من البناء تقسم الصرح إلى ثمانية أقسام، كان في كل منها سلم حجري صاعد إلى أعلى البناء. وأما علو الأسوار فكان على وجه الإجمال نحو ستين قدما كما أظهره الحفر الحديث، ولكن الحصن كله مطمور اليوم إلى نحو ثلاثين قدما فيما تخلف حوله من أثر العصور المتتالية عليه. وأما الصروح فكانت أعلى من ذلك؛ فكان الصاعد إلى أعلاها يشرف على منظر عظيم يبلغ مداه إلى المقطم من الشرق، وإلى الجيزة والأهرام وصحراء لوبيا من الغرب، وإلى قطع كبيرة من نهر النيل من الشمال والجنوب، وكان الناظر من هناك في وقت غزوة العرب، وذلك قبل أن تبنى القاهرة، لا يقف شيء دون بصره حتى يبلغ مدينة عين شمس.

3

وكان بين الصرحين الكبيرين سور ساتر ينفذ منه الباب الذي ذكرناه آنفا، ولكن ذلك الباب ليس هو الذي يكثر مؤرخو العرب من وصفه ويقرنونه باسم المقوقس؛ فإن الباب الذي يقصدونه هو الجنوبي، وهو الذي نراه اليوم ماثلا، وأما ذلك الباب بين الصرحين فقد تهدم أو طمر في الأرض فلم يبق اليوم له أثر. وهذه حقيقة أصبحت ثابتة لا ريب فيها؛ لأن البحث الحديث قد أظهر أمرا عجيبا، وهو أن النيل نفسه أو فرعا قصيرا منه كان في وقت الفتح يبلغ إلى الباب الأكبر الجنوبي (وهو ما يسميه العرب بالباب الغربي)،

4

وإلى مرسى السفن الذي كانت ترسو عليه السفن الرومانية، وكان لذلك المرسى درج يهبط منه إلى الماء كلما تغير علو النهر. وإن وجود هذا المرسى إلى اليوم لدليل على دقة وصف مؤرخي العرب في بعض الأحيان لما يرون. ولعل ذلك كان حال الباب الذي كان بين الصرحين المستديرين اللذين كانا تجاه جزيرة الروضة، ولكن من الثابت أن ذلك الباب الجنوبي - باب كنيسة المعلقة - هو الذي يرد ذكره في أخبار مؤرخي العرب ويسمونه «الباب الحديدي»، وتدل على هذا أدلة كثيرة: (أولها) أن البحث قد كشف عن المرسى الذي كان هناك في النهر عند ذلك، و(ثانيها) أن الباب الذي لا يزال باقيا إلى اليوم فيه مجرى عميق منقور في البناء كانت جوانب الباب تجري فيه إذ يدلى من عل، وكان ذلك الباب إما مصنوعا من الحديد أو عليه غطاء من صفائح الحديد، و(ثالثها) أن المقريزي

5

ينص على أن الباب الحديدي هو الباب الغربي (الذي نسميه نحن في كتابنا هذا بالباب الجنوبي)، في حين أن ابن دقماق

अज्ञात पृष्ठ