ويحتمل معنى آخر يخرجه عن حد الألغاز. وذلك إنه يريد إذا كان مسافرًا أبدًا، لا يقيم في بلد، ولا في مكان فكيف يكون مزمعًا عن أرض زوالا. إنما كان إزماع حين ارتحل بدنًا أن يكون مسافرًا أبدًا. ولو أقام لاحتاج إلى إزماع زوال فلما لم يقم لم يزمع عن أرض زوالا. وهو معنى لطيف فافهمه.
وقوله:
في الخد إن عزم الخليط رحيلا ... مطرٌ يزيد به الخدود محولا
إن مفتوحة الألف. يريد لأن عزم الخليط. كقولك: جئتك أن تكرمني لان تكرمني. وقد تكلم في ذلك الشيخ أبو الفتح، وأورد من الاستشهاد والإيضاح ما كفى وأغنى. وكسر ألف أن لا يجوز بته. ويعني بالمطر دمعه. ومحول جمع محل وليس مصدر إنما يقال: أمحلت البلاد أمحالا. ومحول الخدود شحوبها، وتخدد لحمها. وزوال مائها ورونقها، واصفرارها. كالبلد إذا أمحل قل خيره، واصفر نباته، وذوى عوده. وإنما قال ذلك لان المطر من صفاته أن تخصب البلاد، ويخضر العشب وتروق البقاع. فكان الدمع مطرًا بخلاف المطر صنيعًا. فأي معنى أحسن من هذا وأي لفظ أنق، وأي صنعة اكمل.
وقد قال الصاحب بن عباد أبو القاسم غفر الله له في رسالته