96

फतह बयान

فتح البيان في مقاصد القرآن

प्रकाशक

المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر

प्रकाशक स्थान

صَيدَا - بَيروت

शैलियों

व्याख्या
نفسه، ولأن المثل تشبيه الشيء الخفي بالجلي فيتأكد الوقوف على ماهيته: وذلك هو النهاية في الإيضاح، وشرطه أن يكون قولًا فيه غرابة من بعض الوجوه واستوقد بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب، فالسين والياء زائدتان، ووقود النار سطوعها وارتفاع لهبها. (فلما أضاءت ما حوله) يعني النار، والإضاءة فرضًا الإنارة وفعلها يكون لازمًا ومتعديًا (ذهب الله بنورهم) الذهاب زوال الشيء (وتركهم) أي أبقاهم، وترك في الأصل بمعنى طرح وخلى (في ظلمات) جمع ظلمة والظلمة عدم النور (لا يبصرون) هذا المثل للمنافقين لبيان ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام الإسلام كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت، فإنه يعود إلى الظلمة ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة فكان بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده. قال ابن عباس في الآية نزلت في المنافقين يقول مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد نارًا في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فبقى في ظلمة حائرًا متخوفًا، فكذلك حال المنافقين، أظهروا كلمة الإيمان وأمنوا بها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم، وناكحوا المسلمين وقاسموهم في الغنائم فذلك نورهم، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف، وقيل ذهاب نورهم ظهور عقيدتهم للمؤمنين على لسان رسول الله ﵌، وقيل في القبر أو على الصراط، والأول أولى. وإنما وصفت هذه النار بالإضاءة مع كونها نار باطل لأن الباطل كذلك يسطع لهب ناره لحظة ثم تخفت ومنه قولهم: للباطل صولة ثم يضمحل. وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأنًا عظيمًا في إبراز خفيات المعاني ورفع أستار محجبات الدقائق، ولهذا استكثر الله تعالى ذلك في كتابه

1 / 98