مُقَدّمَة
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الرباني حجَّة الْإِسْلَام رحْلَة الطالبين عُمْدَة الْمُحدثين زين الْمجَالِس فريد عصره ووحيد دهره محيي السّنة الغراء قامع أهل الْبدع والاهواء الشهَاب الثاقب أَبُو الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْعَسْقَلَانِي الشهير بِابْن حجر اثابه الله الْجنَّة بمنه وَكَرمه أَمِين الْحَمد لله الَّذِي شرح صُدُور أهل الْإِسْلَام للسّنة فانقادت لاتباعها وارتاحت لسماعها وامات نفوس أهل الطغيان بالبدعة بعد أَن تمادت فِي نزاعها وتغالت فِي ابتداعها وَأشْهد أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْعَالم بانقياد الافئدة وامتناعها المطلع على ضمائر الْقُلُوب فِي حالتي افتراقها واجتماعها وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي انخفضت بِحقِّهِ كلمة الْبَاطِل بعد ارتفاعها واتصلت بإرساله أنوار الْهدى وَظَهَرت حجتها بعد انقطاعها ﷺ مَا دَامَت السَّمَاء وَالْأَرْض هَذِه فِي سَموهَا وَهَذِه فِي اتساعها وعَلى آله وَصَحبه الَّذين كسروا جيوش المردة وفتحوا حصون قلاعها وهجروا فِي محبَّة داعيهم إِلَى الله الاوطار والاوطان وَلم يعاودوها بعد وداعها وحفظوا على أتباعهم اقواله وافعاله واحواله حَتَّى أمنت بهم السّنَن الشَّرِيفَة من ضياعها أما بعد فَإِن أولى مَا صرفت فِيهِ نفائس الْأَيَّام وَأَعْلَى مَا خص بمزيد الاهتمام الِاشْتِغَال بالعلوم الشَّرْعِيَّة المتلقاة عَن خير الْبَريَّة وَلَا يرتاب عَاقل فِي أَن مدارها على كتاب الله المقتفى وَسنة نبيه الْمُصْطَفى وَأَن بَاقِي الْعُلُوم أما الات لفهمهما وَهِي الضَّالة الْمَطْلُوبَة أَو أَجْنَبِيَّة عَنْهُمَا وَهِي الضارة المغلوبة وَقد رَأَيْت الإِمَام أَبَا عبد الله البُخَارِيّ فِي جَامعه الصَّحِيح قد تصدى للاقتباس من انوارهما البهية تقريرا واستنباطا وكرع من مناهلهما الروية انتزاعا وانتشاطا ورزق بِحسن نِيَّته السَّعَادَة فِيمَا جمع حَتَّى اذعن لَهُ الْمُخَالف والموافق وتلقى كَلَامه فِي التَّصْحِيح بِالتَّسْلِيمِ المطاوع والمفارق وَقد استخرت الله تَعَالَى فِي أَن أضم إِلَيْهِ نبذا شارحة لفوائده مُوضحَة لمقاصده كاشفة عَن مغزاه فِي تَقْيِيد اوابده واقتناص شوارده وأقدم بَين يَدي ذَلِك كُله مُقَدّمَة فِي تَبْيِين قَوَاعِده وتزيين فرائده جَامِعَة وجيزة دون الاسهاب وَفَوق الْقُصُور سهلة المأخذ تفتح المستغلق وتذلل الصعاب وتشرح الصُّدُور وينحصر القَوْل فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي عشرَة فُصُول الأول فِي بَيَان السَّبَب الْبَاعِث لَهُ على تصنيف هَذَا الْكتاب الثَّانِي فِي بَيَان مَوْضُوعه والكشف عَن مغزاه فِيهِ وَالْكَلَام على تَحْقِيق شُرُوطه وَتَقْرِير كَونه من أصح الْكتب المصنفة فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ ويلتحق بِهِ الْكَلَام على تراجمه البديعة المنال المنيعة الْمِثَال الَّتِي انْفَرد بتدقيقه فِيهَا عَن نظرائه واشتهر بتحقيقه لَهَا عَن قرنائه
1 / 3
الثَّالِث فِي بَيَان الْحِكْمَة فِي تقطيعه للْحَدِيث واختصاره وَفَائِدَة اعادته للْحَدِيث وتكراره الرَّابِع فِي بَيَان السَّبَب فِي إِيرَاده الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة والْآثَار الْمَوْقُوفَة مَعَ أَنَّهَا تبَاين أصل مَوْضُوع الْكتاب والحقت فِيهِ سِيَاق الْأَحَادِيث المرفوعة الْمُعَلقَة وَالْإِشَارَة لمن وَصلهَا على سَبِيل الِاخْتِصَار الْخَامِس فِي ضبط الْغَرِيب الْوَاقِع فِي متونه مُرَتبا لَهُ على حُرُوف المعجم بألخص عبارَة وأخلص إِشَارَة لتسهل مُرَاجعَته ويخف تكراره السَّادِس فِي ضبط الْأَسْمَاء المشكلة الَّتِي فِيهِ وَكَذَا الكنى والأنساب وَهِي على قسمَيْنِ الأول المؤتلفة والمختلفة الْوَاقِعَة فِيهِ حَيْثُ تدخل تَحت ضَابِط كلى لتسهل مراجعتها ويخف تكرارها وَمَا عدا ذَلِك فيذكر فِي الأَصْل وَالثَّانِي الْمُفْردَات من ذَلِك السَّابِع فِي تَعْرِيف شُيُوخه الَّذين اهمل نسبهم إِذا كَانَت يكثر اشتراكها كمحمد لَا من يقل اشتراكه كمسدد وَفِيه الْكَلَام على جَمِيع مَا فِيهِ من مهمل ومبهم على سِيَاق الْكتاب مُخْتَصرا الثَّامِن فِي سِيَاق الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدها عَلَيْهِ حَافظ عصره أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من النقاد وَالْجَوَاب عَنْهَا حَدِيثا حَدِيثا وإيضاح أَنه لَيْسَ فِيهَا مَا يخل بِشَرْطِهِ الَّذِي حققناه التَّاسِع فِي سِيَاق أَسمَاء جَمِيع من طعن فِيهِ من رِجَاله على تَرْتِيب الْحُرُوف وَالْجَوَاب عَن ذَلِك الطعْن بطرِيق الْإِنْصَاف وَالْعدْل والاعتذار عَن المُصَنّف فِي التَّخْرِيج لبَعْضهِم مِمَّن يُقَوي جَانب الْقدح فِيهِ أما لكَونه تجنب مَا طعن فِيهِ بِسَبَبِهِ وَأما لكَونه اخْرُج مَا وَافقه عَلَيْهِ من هُوَ أقوى مِنْهُ وَأما لغير ذَلِك من الْأَسْبَاب الْعَاشِر فِي سِيَاق فهرسة كِتَابه الْمَذْكُور بَابا بَابا وعدة مَا فِي كل بَاب من الحَدِيث وَمِنْه تظهر عدَّة أَحَادِيثه بالمكرر اوردته تبعا لشيخ الْإِسْلَام أبي زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ ﵁ تبركا بِهِ ثمَّ أضفت إِلَيْهِ مُنَاسبَة ذَلِك مِمَّا استفدته من شيخ الْإِسْلَام أبي حَفْص البُلْقِينِيّ ﵁ ثمَّ اردفته بسياق أَسمَاء الصَّحَابَة الَّذين اشْتَمَل عَلَيْهِم كِتَابه مُرَتبا لَهُم على الْحُرُوف وعد مَا لكل وَاحِد مِنْهُم عِنْده من الحَدِيث وَمِنْه يظْهر تَحْرِير مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ كِتَابه من غير تَكْرِير ثمَّ ختمت هَذِه الْمُقدمَة بترجمة كاشفة عَن خَصَائِصه ومناقبه جَامِعَة لمآثره ومناقبه ليَكُون ذكره وَاسِطَة عقد نظامها وسرة مسك ختامها فَإِذا تحررت هَذِه الْفُصُول وتقررت هَذِه الْأُصُول افتتحت شرح الْكتاب مستعينا بالفتاح الْوَهَّاب فأسوق إِن شَاءَ الله الْبَاب وَحَدِيثه أَولا ثمَّ أذكر وَجه الْمُنَاسبَة بَينهمَا أَن كَانَت خُفْيَة ثمَّ أستخرج ثَانِيًا مَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض صَحِيح فِي ذَلِك الحَدِيث من الْفَوَائِد المتنية والاسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مُدَلّس بِسَمَاع ومتابعة سامع من شيخ اخْتَلَط قبل ذَلِك منتزعا كل ذَلِك من أُمَّهَات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بِشَرْط الصِّحَّة أَو الْحسن فِيمَا أوردهُ من ذَلِك وثالثا أصل مَا انْقَطع من معلقاته وموقوفاته وَهُنَاكَ تلتئم زَوَائِد الْفَوَائِد وتنتظم شوارد الفرائد ورابعا أضبط مَا يشكل من جَمِيع مَا تقدم أَسمَاء وأوصافا مَعَ إِيضَاح مَعَاني الْأَلْفَاظ اللُّغَوِيَّة والتنبيه على النكت البيانية وَنَحْو ذَلِك وخامسا أورد مَا استفدته من كَلَام الْأَئِمَّة مِمَّا استنبطوه من ذَلِك الْخَبَر من الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة والمواعظ الزهدية والآداب المرعية مُقْتَصرا على الرَّاجِح من ذَلِك متحريا للواضح دون المستغلق فِي تِلْكَ المسالك مَعَ الاعتناء بِالْجمعِ بَين مَا ظَاهره التَّعَارُض مَعَ غَيره
1 / 4
والتنصيص على الْمَنْسُوخ بناسخة وَالْعَام بمخصصه وَالْمُطلق بمقيده والمجمل بمبينه وَالظَّاهِر بمؤوله وَالْإِشَارَة إِلَى نكت من الْقَوَاعِد الاصولية ونبذ من فَوَائِد الْعَرَبيَّة ونخب من الخلافيات المذهبية بِحَسب مَا اتَّصل بِي من كَلَام الْأَئِمَّة واتسع لَهُ فهمي من الْمَقَاصِد المهمة واراعى هَذَا الاسلوب إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي كل بَاب فَإِن تكَرر الْمَتْن فِي بَاب بِعَيْنِه غير بَاب تقدم نبهت على حِكْمَة التّكْرَار من غير إِعَادَة لَهُ الا أَن يتغاير لَفظه أَو مَعْنَاهُ فأنبه على الْموضع المغاير خَاصَّة فَإِن تكَرر فِي بَاب آخر اقتصرت فِيمَا بعد الأول على الْمُنَاسبَة شارحا لما لم يتَقَدَّم لَهُ ذكر منبها على الْموضع الَّذِي تقدم بسط القَوْل فِيهِ فَإِن كَانَت الدّلَالَة لَا تظهر فِي الْبَاب الْمُقدم إِلَّا على بعد غيرت هَذَا الِاصْطِلَاح بالاقتصار فِي الأول على الْمُنَاسبَة وَفِي الثَّانِي على سِيَاق الاساليب المتعاقبة مراعيا فِي جَمِيعهَا مصلحَة الِاخْتِصَار دون الهذر والاكثار وَالله أسأَل أَن يمن على بالعون على اكماله بكرمه وَمِنْه وَأَن يهديني لما اخْتلف فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَأَن يجزل لي على الِاشْتِغَال باثار نبيه الثَّوَاب فِي الدَّار الْأُخْرَى وَأَن يسبغ على وعَلى من طالعه أَو قَرَأَهُ أَو كتبه النعم الوافرة تترى أَنه سميع مُجيب
1 / 5
(
الْمُقدمَة الْفَصْل الاول فِي بَيَان السَّبَب الْبَاعِث لأبي عبد الله البُخَارِيّ على تصنيف جَامعه الصَّحِيح وَبَيَان حسن نِيَّته فِي ذَلِك)
أعلم عَلمنِي الله وَإِيَّاك أَن آثَار النَّبِيِّ ﷺ لَمْ تَكُنْ فِي عصر أَصْحَابه وكبار تَبِعَهُمْ مدونة فِي الْجَوَامِع وَلَا مرتبَة لأمرين أَحدهمَا إِنَّهُم كَانُوا فِي ابْتِدَاء الْحَال قد نهوا عَن ذَلِك كَمَا ثَبت فِي صَحِيح مُسلم خشيَة أَن يخْتَلط بعض ذَلِك بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وَثَانِيهمَا لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم وَلِأَن أَكْثَرهم كَانُوا لَا يعْرفُونَ الْكِتَابَة ثمَّ حدث فِي أَوَاخِر عصر التَّابِعين تدوين الْآثَار وتبويب الْأَخْبَار لما انْتَشَر الْعلمَاء فِي الْأَمْصَار وَكثر الابتداع من الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض ومنكرى الاقدار فَأول من جمع ذَلِك الرّبيع بن صبيح ١ وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة ٢ وَغَيرهمَا وَكَانُوا يصنفون كل بَاب على حِدة إِلَى أَن قَامَ كبار أهل الطَّبَقَة الثَّالِثَة فدونوا الْأَحْكَام فصنف الإِمَام مَالك الْمُوَطَّأ وتوخى فِيهِ الْقوي من حَدِيث أهل الْحجاز ومزجه بأقوال الصَّحَابَة وفتاوى التَّابِعين وَمن بعدهمْ وصنف أَبُو مُحَمَّد عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ جُرَيْجٍ بِمَكَّة وَأَبُو عمر وَعبد الرَّحْمَن بن عمر وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام وَأَبُو عبد الله سُفْيَان بن سعيد الثَّوْريّ بِالْكُوفَةِ وَأَبُو سَلمَة حَمَّاد بن سَلمَة بن دِينَار بِالْبَصْرَةِ ثمَّ تلاهم كثير من أهل عصرهم فِي النسج على منوالهم إِلَى أَن رأى بعض الْأَئِمَّة مِنْهُم أَن يفرد حَدِيث النَّبِي ﷺ خَاصَّة وَذَلِكَ على رَأس الْمِائَتَيْنِ فصنف عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي الْكُوفِي مُسْندًا وصنف مُسَدّد بن مسرهد الْبَصْرِيّ مُسْندًا وصنف أَسد بن مُوسَى الْأمَوِي مُسْندًا وصنف نعيم بن حَمَّاد الْخُزَاعِيّ نزيل مصر مُسْندًا ثمَّ اقتفى الْأَئِمَّة بعد ذَلِك اثرهم فَقل إِمَام من الْحفاظ الا وصنف حَدِيثه على المسانيد كالامام أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيرهم من النبلاء وَمِنْهُم من صنف على الْأَبْوَاب وعَلى المسانيد مَعًا كَأبي بكر بن أبي شيبَة فَلَمَّا رَأْي البُخَارِيّ ﵁ هَذِه التصانيف وَرَوَاهَا وانتشق رياها واستجلى محياها وجدهَا بِحَسب الْوَضع جَامِعَة بَين مَا يدْخل تَحت التَّصْحِيح والتحسين وَالْكثير مِنْهَا يَشْمَلهُ التَّضْعِيف فَلَا يُقَال لغثه سمين فحرك همته لجمع الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي لَا يرتاب فِيهِ أَمِين وقوى عزمه على ذَلِك مَا سَمعه من أستاذه أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث وَالْفِقْه إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه وَذَلِكَ فِيمَا أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر اللؤْلُؤِي عَن الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي أخبرنَا
1 / 6
يُوسُف بن يَعْقُوب أخبرنَا أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب أَخْبرنِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب أخبرنَا مُحَمَّد بن نعيم سَمِعت خلف بن مُحَمَّد البُخَارِيّ بهَا يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن معقل النَّسَفِيّ يَقُول قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ كُنَّا عِنْد إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَقَالَ لَو جمعتم كتابا مُخْتَصرا لصحيح سُنَّةُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فَوَقع ذَلِك فِي قلبِي فَأخذت فِي جمع الْجَامِع الصَّحِيح وروينا بِالْإِسْنَادِ الثَّابِت عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن فَارس قَالَ سَمِعت البُخَارِيّ يَقُول رَأَيْت النَّبِي ﷺ وكأنني وَاقِف بَين يَدَيْهِ وَبِيَدِي مروحة اذب بهَا عَنهُ فَسَأَلت بعض المعبرين فَقَالَ لي أَنْت تذب عَنهُ الْكَذِب فَهُوَ الَّذِي حَملَنِي على إِخْرَاج الْجَامِع الصَّحِيح وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم مُحَمَّد بن مكي الْكشميهني يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي يَقُول قَالَ البُخَارِيّ مَا كتبت فِي كتاب الصَّحِيح حَدِيثا الا اغْتَسَلت قبل ذَلِك وَصليت رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو على الغساني روى عَنهُ أَنه قَالَ خرجت الصَّحِيح من سِتّمائَة ألف حَدِيث وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنهُ قَالَ لم أخرج فِي هَذَا الْكتاب الا صَحِيحا وَمَا تركت من الصَّحِيح أَكثر قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ لِأَنَّهُ لَو أخرج كل صَحِيح عِنْده لجمع فِي الْبَاب الْوَاحِد حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة وَلذكر طَرِيق كل وَاحِد مِنْهُم إِذا صحت فَيصير كتابا كَبِيرا جدا وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي سَمِعت الْحسن بن الْحُسَيْن الْبَزَّار يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن معقل النَّسَفِيّ يَقُول سَمِعت البُخَارِيّ يَقُول مَا أدخلت فِي كتابي الْجَامِع الا مَا صَحَّ وَتركت من الصَّحِيح حَتَّى لَا يطول وَقَالَ الْفربرِي أَيْضا سَمِعت مُحَمَّد بن أبي حَاتِم البُخَارِيّ الْوراق يَقُول رَأَيْت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فِي الْمَنَام يمشي خلف النَّبِي ﷺ وَالنَّبِيّ ﷺ يمشي فَكلما رفع النَّبِي ﷺ قدمه وضع البُخَارِيّ قدمه فِي ذَلِك الْموضع وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو أَحْمد بن عدي سَمِعت الْفربرِي يَقُول سَمِعت نجم بن فُضَيْل وَكَانَ من أهل الْفَهم يَقُول فَذكر نَحْو هَذَا الْمَنَام أَنه رَآهُ أَيْضا وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مَحْمُود بن عَمْرو الْعقيلِيّ لما ألف البُخَارِيّ كتاب الصَّحِيح عرضه على أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين وعَلى بن الْمَدِينِيّ وَغَيرهم فاستحسنوه وشهدوا لَهُ بِالصِّحَّةِ الا فِي أَرْبَعَة أَحَادِيث قَالَ الْعقيلِيّ وَالْقَوْل فِيهَا قَول البُخَارِيّ وَهِي صَحِيحَة
1 / 7
(
الْفَصْل الثَّانِي فِي بَيَان مَوْضُوعه والكشف عَن مغزاه فِيهِ وَتَسْمِيَة الْمُؤلف لكتابه الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند من حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وسنته وأيامه)
تقرر أَنه الْتزم فِيهِ الصِّحَّة وَأَنه لَا يُورد فِيهِ إِلَّا حَدِيثا صَحِيحا هَذَا أصل مَوْضُوعه وَهُوَ مُسْتَفَاد من تَسْمِيَته إِيَّاه الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند من حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وسننه وايامه وَمِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنهُ من رِوَايَة الْأَئِمَّة عَنهُ صَرِيحًا ثمَّ رأى أَن لَا يخليه من الْفَوَائِد الْفِقْهِيَّة والنكت الْحكمِيَّة فاستخرج بفهمه من الْمُتُون مَعَاني كَثِيرَة فرقها فِي أَبْوَاب الْكتاب بِحَسب تناسبها واعتنى فِيهِ بآيَات الْأَحْكَام فَانْتزع مِنْهَا الدلالات البديعة وسلك فِي الْإِشَارَة إِلَى تَفْسِيرهَا السبل الوسيعة قَالَ الشَّيْخ محيي الدّين نفع الله بِهِ لَيْسَ مَقْصُود البُخَارِيّ الِاقْتِصَار على الْأَحَادِيث فَقَط بل مُرَاده الاستنباط مِنْهَا وَالِاسْتِدْلَال لأبواب ارادها وَلِهَذَا الْمَعْنى اخلى كثيرا من الْأَبْوَاب عَن إِسْنَاد الحَدِيث وَاقْتصر فِيهِ على قَوْله فِيهِ فلَان عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقد يذكر الْمَتْن بِغَيْر إِسْنَاد وَقد يُورِدهُ مُعَلّقا وَإِنَّمَا يفعل هَذَا لِأَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِجَاج للمسئلة الَّتِي ترْجم لَهَا وَأَشَارَ إِلَى الحَدِيث لكَونه مَعْلُوما وَقد يكون مِمَّا تقدم وَرُبمَا تقدم قَرِيبا وَيَقَع فِي كثير من أبوابه الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة وَفِي بَعْضهَا مَا فِيهِ حَدِيث وَاحِد وَفِي بَعْضهَا مَا فِيهِ آيَة من كتاب الله وَبَعضهَا لَا شَيْء فِيهِ الْبَتَّةَ وَقد ادّعى بَعضهم أَنه صنع ذَلِك عمدا وغرضه أَن يبين أَنه لم يثبت عِنْده حَدِيث بِشَرْطِهِ فِي الْمَعْنى الَّذِي ترْجم عَلَيْهِ وَمن ثمَّة وَقع من بعض من نسخ الْكتاب ضم بَاب لم يذكر فِيهِ حَدِيث إِلَى حَدِيث لم يذكر فِيهِ بَاب فأشكل فهمه على النَّاظر فِيهِ وَقد أوضح السَّبَب فِي ذَلِك الإِمَام أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ الْمَالِكِي فِي مُقَدّمَة كِتَابه فِي أَسمَاء رجال البُخَارِيّ فَقَالَ أَخْبرنِي الْحَافِظ أَبُو ذَر عبد الرَّحِيم بن أَحْمد الْهَرَوِيّ قَالَ حَدثنَا الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد المستملى قَالَ انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ عِنْد صَاحبه مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي فَرَأَيْت فِيهِ أَشْيَاء لم تتمّ وَأَشْيَاء مبيضة مِنْهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا شَيْئا وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم لَهَا فأضفنا بعض ذَلِك إِلَى بعض قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَمِمَّا يدل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن رِوَايَة أبي إِسْحَاق المستملى وَرِوَايَة أبي مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَرِوَايَة أبي الْهَيْثَم الكشمهينى وَرِوَايَة أبي زيد الْمروزِي مُخْتَلفَة بالتقديم وَالتَّأْخِير مَعَ إِنَّهُم انتسخوا من أصل وَاحِد وَإِنَّمَا ذَلِك بِحَسب مَا قدر كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا كَانَ فِي طرة أَو رقْعَة مُضَافَة أَنه من مَوضِع مَا فأضافه إِلَيْهِ وَيبين ذَلِك انك تَجِد ترجمتين وَأكْثر من ذَلِك مُتَّصِلَة لَيْسَ بَينهَا أَحَادِيث قَالَ الباجى وانما اوردت هَذَا هُنَا لما عَنى بِهِ أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث الَّذِي يَليهَا وتكلفهم من ذَلِك من تعسف التَّأْوِيل مَا لَا يسوغ انْتهى قلت وَهَذِه قَاعِدَة حَسَنَة يفزع إِلَيْهَا حَيْثُ يتعسر وَجه الْجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث وَهِي مَوَاضِع قَليلَة جدا ستظهر كَمَا سَيَأْتِي ذَلِك إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَن البُخَارِيّ مَعَ ذَلِك فِيمَا يُورِدهُ من تراجم الْأَبْوَاب على اطوار أَن وجد حَدِيثا يُنَاسب ذَلِك الْبَاب وَلَو على وَجه خَفِي وَوَافَقَ شَرطه أوردهُ فِيهِ بالصيغة الَّتِي جعلهَا
1 / 8
مصطلحة لموضوع كِتَابه وَهِي حَدثنَا وَمَا قَامَ مقَام ذَلِك والعنعنة بشرطها عِنْده وَأَن لم يجد فِيهِ الا حَدِيثا لَا يُوَافق شَرطه مَعَ صلاحيته للحجة كتبه فِي الْبَاب مغايرا للصيغة الَّتِي يَسُوق بهَا مَا هُوَ من شَرطه وَمن ثمَّة أورد التَّعَالِيق كَمَا سَيَأْتِي فِي فصل حكم التَّعْلِيق وَأَن لم يجد فِيهِ حَدِيثا صَحِيحا لَا على شَرطه وَلَا على شَرط غَيره وَكَانَ مِمَّا يسْتَأْنس بِهِ وَقدمه قوم على الْقيَاس اسْتعْمل لفظ ذَلِك الحَدِيث أَو مَعْنَاهُ تَرْجَمَة بَاب ثمَّ أورد فِي ذَلِك اما اية من كتاب الله تشهد لَهُ أَو حَدِيثا يُؤَيّد عُمُوم مَا دلّ عَلَيْهِ ذَلِك الْخَبَر وعَلى هَذَا فالاحاديث الَّتِي فِيهِ على ثَلَاثَة أَقسَام وَسَيَأْتِي تفاصيل ذَلِك مشروحا إِن شَاءَ الله تَعَالَى ولنشرع الْآن فِي تَحْقِيق شَرطه فِيهِ وَتَقْرِير كَونه أصح الْكتب المصنفة فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر فِيمَا قَرَأت على الثِّقَة أبي الْفرج بن حَمَّاد أَن يُونُس بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْقوي أخبرهُ عَن أبي الْحسن بن المقير عَن أبي المعمر الْمُبَارك بن أَحْمد عَنهُ شَرط البُخَارِيّ أَن يخرج الحَدِيث الْمُتَّفق على ثِقَة نقلته إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور من غير اخْتِلَاف بَين الثِّقَات الاثبات وَيكون إِسْنَاده مُتَّصِلا غير مَقْطُوع وَأَن كَانَ للصحابي راويان فَصَاعِدا فَحسن وَأَن لم يكن الا راو وَاحِد وَصَحَّ الطَّرِيق إِلَيْهِ كفى قَالَ وَمَا ادَّعَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن يكون للصحابي راويان فَصَاعِدا ثمَّ يكون للتابعى الْمَشْهُور راويان ثقتان إِلَى آخر كَلَامه فمنتقض عَلَيْهِ بِأَنَّهُمَا اخرجا أَحَادِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة لَيْسَ لَهُم الا راو وَاحِد انْتهى وَالشّرط الَّذِي ذكره الْحَاكِم وَأَن كَانَ منتقضا فِي حق بعض الصَّحَابَة الَّذين أخرج لَهُم فَإِنَّهُ مُعْتَبر فِي حق من بعدهمْ فَلَيْسَ فِي الْكتاب حَدِيث أصل من رِوَايَة من لَيْسَ لَهُ الا راو وَاحِد قطّ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي ﵀ هَذَا الَّذِي قَالَه الْحَاكِم قَول من لم يمعن الغوص فِي خبايا الصَّحِيح وَلَو استقرأ الْكتاب حق استقرائه لوجد جملَة من الْكتاب ناقضة دَعْوَاهُ ثمَّ قَالَ مَا حَاصله أَن شَرط الصَّحِيح أَن يكون إِسْنَاده مُتَّصِلا وَأَن يكون راوية مُسلما صَادِقا غير مُدَلّس وَلَا مختلط متصفا بِصِفَات الْعَدَالَة ضابطا متحفظا سليم الذِّهْن قَلِيل الْوَهم سليم الِاعْتِقَاد قَالَ وَمذهب من يخرج الصَّحِيح أَن يعْتَبر حَال الرَّاوِي الْعدْل فِي مشايخه الْعُدُول فبعضهم حَدِيثه صَحِيح ثَابت وَبَعْضهمْ حَدِيثه مَدْخُول قَالَ وَهَذَا بَاب فِيهِ غموض وَطَرِيق إيضاحه معرفَة طَبَقَات الروَاة عَن رَاوِي الأَصْل ومراتب مداركهم فلنوضح ذَلِك بمثال وَهُوَ أَن تعلم أَن أَصْحَاب الزُّهْرِيّ مثلا على خمس طَبَقَات وَلكُل طبقَة مِنْهَا مزية على الَّتِي تَلِيهَا فَمن كَانَ فِي الطَّبَقَة الأولى فَهُوَ الْغَايَة فِي الصِّحَّة وَهُوَ مقصد البُخَارِيّ والطبقة الثَّانِيَة شاركت الأولى فِي التثبت الا أَن الأولى جمعت بَين الْحِفْظ والإتقان وَبَين طول الْمُلَازمَة لِلزهْرِيِّ حَتَّى كَانَ فيهم من يزامله فِي السّفر ويلازمه فِي الْحَضَر والطبقة الثَّانِيَة لم تلازم الزُّهْرِيّ الا مُدَّة يسيرَة فَلم تمارس حَدِيثه فَكَانُوا فِي الإتقان دون الأولى وهم شَرط مُسلم ثمَّ مثل الطَّبَقَة الأولى بِيُونُس بن يزِيد وَعقيل بن خَالِد الايليين وَمَالك بن أنس وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَالثَّانيَِة بالأوزاعي وَاللَّيْث بن سعد وَعبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر وبن أبي ذِئْب قَالَ والطبقة الثَّالِثَة نَحْو جَعْفَر بن برْقَان وسُفْيَان بن حُسَيْن وَإِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ وَالرَّابِعَة نَحْو زَمعَة بن صَالح وَمُعَاوِيَة بن يحيى الصَّدَفِي والمثنى بن الصَّباح وَالْخَامِسَة نَحْو عبد القدوس بن حبيب وَالْحكم بن عبد الله الْأَيْلِي وَمُحَمّد بن سعيد المصلوب فَأَما الطَّبَقَة الأولى فهم شَرط البُخَارِيّ وَقد يخرج من حَدِيث أهل الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَا يعتمده من غير اسْتِيعَاب وَأما مُسلم فَيخرج أَحَادِيث
1 / 9
الطبقتين على سَبِيل الِاسْتِيعَاب وَيخرج أَحَادِيث أهل الطَّبَقَة الثَّالِثَة على النَّحْو الَّذِي يصنعه البُخَارِيّ فِي الثَّانِيَة وَأما الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة فَلَا يعرجان عَلَيْهِمَا قلت وَأكْثر مَا يخرج البُخَارِيّ حَدِيث الطَّبَقَة الثَّانِيَة تَعْلِيقا وَرُبمَا أخرج الْيَسِير من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة تَعْلِيقا أَيْضا وَهَذَا الْمِثَال الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ فِي حق المكثرين فيقاس على هَذَا أَصْحَاب نَافِع وَأَصْحَاب الْأَعْمَش وَأَصْحَاب قَتَادَة وَغَيرهم فَأَما غير المكثرين فَإِنَّمَا اعْتمد الشَّيْخَانِ فِي تَخْرِيج أَحَادِيثهم على الثِّقَة وَالْعَدَالَة وَقلة الخطا لَكِن مِنْهُم من قوي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ فاخرجا مَا تفرد بِهِ كيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَمِنْهُم من لم يقو الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ فأخرجا لَهُ مَا شَاركهُ فِيهِ غَيره وَهُوَ الْأَكْثَر وَقَالَ الإِمَام أَبُو عَمْرو بن الصّلاح فِي كِتَابه فِي عُلُوم الحَدِيث فِيمَا أخبرنَا بِهِ أَبُو الْحسن بن الْجَوْزِيّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الشَّافِعِي عَنهُ سَمَاعا قَالَ أول من صنف فِي الصَّحِيح البُخَارِيّ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وتلاه أَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي وَمُسلم مَعَ أَنه أَخذ عَن البُخَارِيّ واستفاد مِنْهُ فَإِنَّهُ يُشَارك البُخَارِيّ فِي كثير من شُيُوخه وكتاباهما أصح الْكتب بعد كتاب الله الْعَزِيز وَأما مَا روينَاهُ عَن الشَّافِعِي ﵁ أَنه قَالَ مَا أعلم فِي الأَرْض كتابا فِي الْعلم أَكثر صَوَابا من كتاب مَالك قَالَ وَمِنْهُم من رَوَاهُ بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ يَعْنِي بِلَفْظ أصح من الْمُوَطَّأ فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك قبل وجود كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم ثمَّ أَن كتاب البُخَارِيّ أصح الْكِتَابَيْنِ صَحِيحا واكثرهما فَوَائِد وَأما مَا روينَاهُ عَن أبي على الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي أستاذ الْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ من أَنه قَالَ مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء كتاب أصح من كتاب مُسلم بن الْحجَّاج فَهَذَا وَقَول من فضل من شُيُوخ الْمغرب كتاب مُسلم على كتاب البُخَارِيّ إِن كَانَ المُرَاد بِهِ أَن كتاب مُسلم يتَرَجَّح بِأَنَّهُ لم يمازجه غير الصَّحِيح فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بعد خطبَته الا الحَدِيث الصَّحِيح مسرودا غير ممزوج بِمثل مَا فِي كتاب البُخَارِيّ فِي تراجم أبوابه من الْأَشْيَاء الَّتِي لم يسندها على الْوَصْف الْمَشْرُوط فِي الصَّحِيح فَهَذَا لَا بَأْس بِهِ وَلَيْسَ يلْزم مِنْهُ أَن كتاب مُسلم أرجح فِيمَا يرجع إِلَى نفس الصَّحِيح على كتاب البُخَارِيّ وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ أَن كتاب مُسلم أصح صَحِيحا فَهَذَا مَرْدُود على من يَقُوله وَالله أعلم انْتهى كَلَامه وَفِيه أَشْيَاء تحْتَاج إِلَى أَدِلَّة وَبَيَان فقد اسْتشْكل بعض الْأَئِمَّة إِطْلَاق اصحية كتاب البُخَارِيّ على كتاب مَالك مَعَ اشتراكهما فِي اشْتِرَاط الصِّحَّة وَالْمُبَالغَة فِي التَّحَرِّي والتثبت وَكَون البُخَارِيّ أَكثر حَدِيثا لَا يلْزم مِنْهُ أَفضَلِيَّة الصِّحَّة وَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن ذَلِك مَحْمُول على أصل اشْتِرَاط الصِّحَّة فمالك لَا يرى الِانْقِطَاع فِي الْإِسْنَاد قادحا فَلذَلِك يخرج الْمَرَاسِيل والمنقطعات والبلاغات فِي أصل مَوْضُوع كِتَابه وَالْبُخَارِيّ يرى أَن الِانْقِطَاع عِلّة فَلَا يخرج مَا هَذَا سَبيله الا فِي غير أصل مَوْضُوع كِتَابه كالتعليقات والتراجم وَلَا شكّ أَن الْمُنْقَطع وَأَن كَانَ عِنْد قوم من قبيل مَا يحْتَج بِهِ فالمتصل أقوى مِنْهُ إِذا اشْترك كل من رواتهما فِي الْعَدَالَة وَالْحِفْظ فَبَان بذلك شفوف كتاب البُخَارِيّ وَعلم أَن الشَّافِعِي إِنَّمَا أطلق على الْمُوَطَّأ أَفضَلِيَّة الصِّحَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَوَامِع الْمَوْجُودَة فِي زَمَنه كجامع سُفْيَان الثَّوْريّ ومصنف حَمَّاد بن سَلمَة وَغير ذَلِك وَهُوَ تَفْضِيل مُسلم لَا نزاع فِيهِ وَاقْتضى كَلَام بن الصّلاح أَن الْعلمَاء متفقون على القَوْل بأفضلية البُخَارِيّ فِي الصِّحَّة على كتاب مُسلم الا مَا حَكَاهُ عَن أبي على النَّيْسَابُورِي من قَوْله الْمُتَقَدّم وَعَن بعض شُيُوخ المغاربة أَن كتاب مُسلم أفضل من كتاب البُخَارِيّ من غير تعرض للصِّحَّة فَنَقُول روينَا بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيح عَن أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وَهُوَ شيخ أبي على النَّيْسَابُورِي أَنه قَالَ مَا فِي هَذِه الْكتب كلهَا أَجود من كتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَالنَّسَائِيّ لَا يَعْنِي بالجودة الا جودة الْأَسَانِيد كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم من
1 / 10
اصْطِلَاح أهل الحَدِيث وَمثل هَذَا من مثل النَّسَائِيّ غَايَة فِي الْوَصْف مَعَ شدَّة تحريه وتوقيه وتثبته فِي نقد الرِّجَال وتقدمه فِي ذَلِك على أهل عصره حَتَّى قدمه قوم من الحذاق فِي معرفَة ذَلِك على مُسلم بن الْحجَّاج وَقدمه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فِي ذَلِك وَغَيره على إِمَام الْأَئِمَّة أبي بكر بن خُزَيْمَة صَاحب الصَّحِيح وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل لَهُ أما بعد فَإِنِّي نظرت فِي كتاب الْجَامِع الَّذِي أَلفه أَبُو عبد الله البُخَارِيّ فرأيته جَامعا كَمَا سمي لكثير من السّنَن الصَّحِيحَة ودالا على جمل من الْمعَانِي الْحَسَنَة المستنبطة الَّتِي لَا يكمل لمثلهَا الا من جمع إِلَى معرفَة الحَدِيث نقلته وَالْعلم بالروايات وعللها علما بالفقه واللغة وتمكنا مِنْهَا كلهَا وتبحرا فِيهَا وَكَانَ يرحمه الله الرجل الَّذِي قصر زَمَانه على ذَلِك فبرع وَبلغ الْغَايَة فحاز السَّبق وَجمع إِلَى ذَلِك حسن النِّيَّة وَالْقَصْد للخير فنفعه الله ونفع بِهِ قَالَ وَقد نحا نَحوه فِي التصنيف جمَاعَة مِنْهُم الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي لكنه اقْتصر على السّنَن وَمِنْهُم أَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَكَانَ فِي عصر أبي عبد الله البُخَارِيّ فسلك فِيمَا سَمَّاهُ سننا ذكر مَا روى فِي الشَّيْء وَأَن كَانَ فِي السَّنَد ضعف إِذا لم يجد فِي الْبَاب غَيره وَمِنْهُم مُسلم بن الْحجَّاج وَكَانَ يُقَارِبه فِي الْعَصْر فرام مرامه وَكَانَ يَأْخُذ عَنهُ أَو عَن كتبه الا أَنه لم يضايق نَفسه مضايقة أبي عبد الله وروى عَن جمَاعَة كَثِيرَة يتَعَرَّض أَبُو عبد الله الرِّوَايَة عَنْهُم وكل قصد الْخَيْر غير أَن أحدا مِنْهُم لم يبلغ من التشدد مبلغ أبي عبد الله وَلَا تسبب إِلَى استنباط الْمعَانِي واستخراج لطائف فقه الحَدِيث وتراجم الْأَبْوَاب الدَّالَّة على مَا لَهُ وصلَة بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ فِيهِ تسببه وَللَّه الْفضل يخْتَص بِهِ من يَشَاء وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد النَّيْسَابُورِي وَهُوَ عصرى أبي على النَّيْسَابُورِي ومقدم عَلَيْهِ فِي معرفَة الرِّجَال فِيمَا حَكَاهُ أَبُو يعلى الخليلي الْحَافِظ فِي الْإِرْشَاد مَا ملخصه رحم الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَإِنَّهُ ألف الْأُصُول يَعْنِي أصُول الْأَحْكَام من الْأَحَادِيث وَبَين للنَّاس وكل من عمل بعده فَإِنَّمَا أَخذه من كِتَابه كمسلم بن الْحجَّاج وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لما ذكر عِنْده الصحيحان لَوْلَا البُخَارِيّ لما ذهب مُسلم وَلَا جَاءَ وَقَالَ مرّة أُخْرَى وَأي شَيْء صنع مُسلم إِنَّمَا أَخذ كتاب البُخَارِيّ فَعمل عَلَيْهِ مستخرجا وَزَاد فِيهِ زيادات وَهَذَا الَّذِي حكيناه عَن الدَّارَقُطْنِيّ جزم بِهِ أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ فِي أول كِتَابه الْمُفْهم فِي شرح صَحِيح مُسلم وَالْكَلَام فِي نقل كَلَام الْأَئِمَّة فِي تفضيله كثير ويكفى مِنْهُ اتِّفَاقهم على أَنه كَانَ أعلم بِهَذَا الْفَنّ من مُسلم وَأَن مُسلما كَانَ يشْهد لَهُ بالتقدم فِي ذَلِك والامامة فِيهِ والتفرد بِمَعْرِفَة ذَلِك فِي عصره حَتَّى هجر من أَجله شَيْخه مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي قصَّة مَشْهُورَة سنذكرها مبسوطة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة البُخَارِيّ فَهَذَا من حَيْثُ الْجُمْلَة وَأما من حَيْثُ التَّفْصِيل فقد قَررنَا أَن مدَار الحَدِيث الصَّحِيح على الِاتِّصَال وإتقان الرِّجَال وَعدم الْعِلَل وَعند التامل يظْهر أَن كتاب البُخَارِيّ أتقن رجَالًا وَأَشد اتِّصَالًا وَبَيَان ذَلِك من أوجه أَحدهَا أَن الَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون مُسلم أَرْبَعمِائَة وبضع وَثَلَاثُونَ رجلا الْمُتَكَلّم فِيهِ بالضعف مِنْهُم ثَمَانُون رجلا وَالَّذين انْفَرد مُسلم بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون البُخَارِيّ سِتّمائَة وَعِشْرُونَ رجلا الْمُتَكَلّم فِيهِ بالضعف مِنْهُم مائَة وَسِتُّونَ رجلا وَلَا شكّ أَن التَّخْرِيج عَمَّن لم يتَكَلَّم فِيهِ أصلا أولي من التَّخْرِيج عَمَّن تكلم فِيهِ وَأَن لم يكن ذَلِك الْكَلَام قادحا ثَانِيهَا أَن الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم فِيهِ لم يكثر من تَخْرِيج أَحَادِيثهم وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم نُسْخَة كَبِيرَة أخرجهَا كلهَا أَو أَكْثَرهَا الا تَرْجَمَة عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس بِخِلَاف مُسلم فَإِنَّهُ أخرج أَكثر تِلْكَ النّسخ كَأبي الزبير عَن جَابر وَسُهيْل عَن أَبِيه والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت وَغير ذَلِك
1 / 11
ثَالِثهَا أَن الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم فِيهِ أَكْثَرهم من شُيُوخه الَّذين لَقِيَهُمْ وَجَالسهمْ وَعرف أَحْوَالهم واطلع على أَحَادِيثهم وميز جيدها من موهومها بِخِلَاف مُسلم فَإِن أَكثر من تفرد بتخريج حَدِيثه مِمَّن تكلم فِيهِ مِمَّن تقدم عَن عصره من التَّابِعين وَمن بعدهمْ وَلَا شكّ أَن الْمُحدث أعرف بِحَدِيث شُيُوخه مِمَّن تقدم مِنْهُم رَابِعهَا أَن البُخَارِيّ يخرج من أَحَادِيث أهل الطَّبَقَة الثَّانِيَة انتقاء وَمُسلم يُخرجهَا أصولا كَمَا تقدم ذَلِك من تَقْرِير الْحَافِظ أبي بكر الْحَازِمِي فَهَذِهِ الْأَوْجه الْأَرْبَعَة تتَعَلَّق باتقان الروَاة وَبَقِي مَا يتَعَلَّق بالاتصال وَهُوَ الْوَجْه الْخَامِس وَذَلِكَ أَن مُسلما كَانَ مذْهبه على مَا صرح بِهِ فِي مُقَدّمَة صَحِيحه وَبَالغ فِي الرَّد على من خَالفه أَن الْإِسْنَاد المعنعن لَهُ حكم الِاتِّصَال إِذا تعاصر المعنعن وَمن عنعن عَنهُ وَأَن لم يثبت اجْتِمَاعهمَا الا أَن كَانَ المعنعن مدلسا وَالْبُخَارِيّ لَا يحمل ذَلِك على الِاتِّصَال حَتَّى يثبت اجْتِمَاعهمَا وَلَو مرّة وَقد أظهر البُخَارِيّ هَذَا الْمَذْهَب فِي تَارِيخه وَجرى عَلَيْهِ فِي صَحِيحه وَأكْثر مِنْهُ حَتَّى أَنه رُبمَا خرج الحَدِيث الَّذِي لَا تعلق لَهُ بِالْبَابِ جملَة إِلَّا ليبين سَماع راو من شَيْخه لكَونه قد أخرج لَهُ قبل ذَلِك شَيْئا مُعَنْعنًا وسترى ذَلِك وَاضحا فِي اماكنه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذَا مِمَّا ترجح بِهِ كِتَابه لأَنا وَأَن سلمنَا مَا ذكره مُسلم من الحكم بالاتصال فَلَا يخفى أَن شَرط البُخَارِيّ أوضح فِي الِاتِّصَال وَالله أعلم وَأما مَا يتَعَلَّق بِعَدَمِ الْعلَّة وَهُوَ الْوَجْه السَّادِس فَإِن الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدت عَلَيْهِمَا بلغت مِائَتي حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك مفصلا فِي فصل مُفْرد اخْتصَّ البُخَارِيّ مِنْهَا بِأَقَلّ من ثَمَانِينَ وَبَاقِي ذَلِك يخْتَص بِمُسلم وَلَا شكّ أَن مَا قل الانتقاد فِيهِ أرجح مِمَّا كثر وَالله أعلم وَأما قَول أبي على النَّيْسَابُورِي فَلم نقف قطّ على تصريحه بَان كتاب مُسلم أصح من كتاب البُخَارِيّ بِخِلَاف مَا يَقْتَضِيهِ إِطْلَاق الشَّيْخ محيي الدّين فِي مُخْتَصره فِي عُلُوم الحَدِيث وَفِي مُقَدّمَة شرح البُخَارِيّ أَيْضا حَيْثُ يَقُول اتّفق الْجُمْهُور على أَن صَحِيح البُخَارِيّ أصَحهمَا صَحِيحا واكثرهما فَوَائِد وَقَالَ أَبُو على النَّيْسَابُورِي وَبَعض عُلَمَاء الْمغرب صَحِيح مُسلم أصح انْتهى وَمُقْتَضى كَلَام أبي على نفى الاصحيه عَن غير كتاب مُسلم عَلَيْهِ أما إِثْبَاتهَا لَهُ فَلَا لِأَن إِطْلَاقه يحْتَمل أَن يُرِيد ذَلِك وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْمُسَاوَاة وَالله أعلم وَالَّذِي يظْهر لي من كَلَام أبي على أَنه إِنَّمَا قدم صَحِيح مُسلم لِمَعْنى غير مَا يرجع إِلَى مَا نَحن بصدده من الشَّرَائِط الْمَطْلُوبَة فِي الصِّحَّة بل ذَلِك لِأَن مُسلما صنف كِتَابه فِي بَلَده بِحُضُور أُصُوله فِي حَيَاة كثير من مشايخه فَكَانَ يتحرز فِي الْأَلْفَاظ ويتحرى فِي السِّيَاق وَلَا يتَصَدَّى لما تصدى لَهُ البُخَارِيّ من استنباط الاحكام ليبوب عَلَيْهَا وَلزِمَ من ذَلِك تقطيعه للْحَدِيث فِي أبوابه بل جمع مُسلم الطّرق كلهَا فِي مَكَان وَاحِد وَاقْتصر على الْأَحَادِيث دون الْمَوْقُوفَات فَلم يعرج عَلَيْهَا الا فِي بعض الْمَوَاضِع على سَبِيل الندور تبعا لَا مَقْصُودا فَلهَذَا قَالَ أَبُو على مَا قَالَ مَعَ أَنِّي رَأَيْت بعض أَئِمَّتنَا يجوز أَن يكون أَبُو على مَا رأى صَحِيح البُخَارِيّ وَعِنْدِي فِي ذَلِك بعد والاقرب مَا ذكرته وَأَبُو على لَو صرح بِمَا نسب إِلَيْهِ لَكَانَ محجوجا بِمَا قدمْنَاهُ مُجملا ومفصلا وَالله الْمُوفق وَأما بعض شُيُوخ المغاربة فَلَا يحفظ عَن أحد مِنْهُم تَقْيِيد الْأَفْضَلِيَّة بالاصحية بل أطلق بَعضهم الْأَفْضَلِيَّة وَذَلِكَ فِيمَا حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض فِي الالماع عَن أبي مَرْوَان الطبني بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة ثمَّ اسكان الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا نون قَالَ كَانَ بعض شيوخى يفضل صَحِيح مُسلم على صَحِيح البُخَارِيّ انْتهى وَقد وجدت تَفْسِير هَذَا التَّفْضِيل عَن بعض المغاربة فَقَرَأت فِي فهرسة أبي مُحَمَّد
1 / 12
الْقَاسِم بن الْقَاسِم النجيبي قَالَ كَانَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم يفضل كتاب مُسلم على كتاب البُخَارِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بعد خطبَته الا الحَدِيث السرد اه وَعِنْدِي أَن بن حزم هَذَا هُوَ شيخ أبي مَرْوَان الطبني الَّذِي ابهمه القَاضِي عِيَاض وَيجوز أَن يكون غَيره وَمحل تفضيلهما وَاحِد وَمن ذَلِك قَول مُسلم بن قَاسم الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ من أَقْرَان الدَّارَقُطْنِيّ لما ذكر فِي تَارِيخه صَحِيح مُسلم قَالَ لم يضع أحد مثله فَهَذَا مَحْمُول على حسن الْوَضع وجودة التَّرْتِيب وَقد رَأَيْت كثيرا من المغاربة مِمَّن صنف فِي الْأَحْكَام بِحَذْف الْأَسَانِيد كَعبد الْحق فِي احكامه وَجمعه يعتمدون على كتاب مُسلم فِي نقل الْمُتُون وسياقها دون البُخَارِيّ لوجودها عِنْد مُسلم تَامَّة وتقطيع البُخَارِيّ لَهَا فَهَذِهِ جِهَة أُخْرَى من التَّفْضِيل لَا ترجع إِلَى مَا يتَعَلَّق بِنَفس الصَّحِيح وَالله أعلم وَإِذا تقرر ذَلِك فليقابل هَذَا التَّفْضِيل بحهة أُخْرَى من وُجُوه التَّفْضِيل غير مَا يرجع إِلَى نفس الصَّحِيح وَهِي مَا ذكره الإِمَام الْقدْوَة أَبُو مُحَمَّد بن أبي جَمْرَة فِي اختصاره للْبُخَارِيّ قَالَ قَالَ لي من لَقيته من العارفين عَمَّن لَقِي من السَّادة الْمقر لَهُم بِالْفَضْلِ أَن صَحِيح البُخَارِيّ مَا قرئَ فِي شدَّة الا فرجت وَلَا ركب بِهِ فِي مركب فغرق قَالَ وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَقد دَعَا لقارئه رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْجِهَة الْعُظْمَى الْمُوجبَة لتقديمه وَهِي مَا ضمنه أبوابه من التراجم الَّتِي حيرت الأفكار وادهشت الْعُقُول والابصار وَإِنَّمَا بلغت هَذِه الرُّتْبَة وفازت بِهَذِهِ الخطوة لسَبَب عَظِيم أوجب عظمها وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو أَحْمد بن عدي عَن عبد القدوس بن همام قَالَ شهِدت عدَّة مَشَايِخ يَقُولُونَ حول البُخَارِيّ تراجم جَامعه يَعْنِي بيضها بَين قبر النَّبِي ﷺ ومنبره وَكَانَ يُصَلِّي لكل تَرْجَمَة رَكْعَتَيْنِ ولنشرع الْآن فِي الْكَلَام عَلَيْهَا ونبين مَا خَفِي على بعض من لم يمعن النّظر فَاعْترضَ عَلَيْهِ اعْتِرَاض شَاب غر على شيخ مجرب أَو مكتهل واوردها إِيرَاد سعد وَسعد مُشْتَمل مَا هَكَذَا تورد يَا سعد الْإِبِل وَأول شَيْء وَقع الْكَلَام مَعَه فِيهِ من هَذِه الْمَادَّة أول حَدِيث بدا بِهِ كِتَابه واستفتح بِهِ خطابه فَرد كثير من هَؤُلَاءِ نَحوه سِهَام اللوم وانتصر بعض وَبَعض لزم من التَّسْلِيم طَرِيق الْقَوْم ولنذكر ضابطا يشْتَمل على بَيَان أَنْوَاع التراجم فِيهِ وَهِي ظَاهِرَة وخفية أما الظَّاهِرَة فَلَيْسَ ذكرهَا من غرضنا هُنَا وَهِي أَن تكون التَّرْجَمَة دَالَّة بالمطابقة لما يُورد فِي مضمنها وَإِنَّمَا فائدتها الاعلام بِمَا ورد فِي ذَلِك الْبَاب من غير اعْتِبَار لمقدار تِلْكَ الْفَائِدَة كَأَنَّهُ يَقُول هَذَا الْبَاب الَّذِي فِيهِ كَيْت وَكَيْت أَو بَاب ذكر الدَّلِيل على الحكم الْفُلَانِيّ مثلا وَقد تكون التَّرْجَمَة بِلَفْظ المترجم لَهُ أَو بعضه أَو بِمَعْنَاهُ وَهَذَا فِي الْغَالِب قد يأتى من ذَلِك مَا يكون فِي لفظ التَّرْجَمَة احْتِمَال لأكْثر من معنى وَاحِد فيعين أحد الِاحْتِمَالَيْنِ بِمَا يذكر تحتهَا من الحَدِيث وَقد يُوجد فِيهِ مَا هُوَ بِالْعَكْسِ من ذَلِك بِأَن يكون الِاحْتِمَال فِي الحَدِيث وَالتَّعْيِين فِي التَّرْجَمَة والترجمة هُنَا بَيَان لتأويل ذَلِك الحَدِيث نائبة مناب قَول الْفَقِيه مثلا المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث الْعَام الْخُصُوص أَو بِهَذَا الحَدِيث الْخَاص الْعُمُوم أشعارا بِالْقِيَاسِ لوُجُود الْعلَّة الجامعة أَو أَن ذَلِك الْخَاص المُرَاد بِهِ مَا هُوَ أَعم مِمَّا يدل عَلَيْهِ ظَاهره بطرِيق الْأَعْلَى أَو الْأَدْنَى وَيَأْتِي فِي الْمُطلق والمقيد نَظِير مَا ذكرنَا فِي الْخَاص وَالْعَام وَكَذَا فِي شرح الْمُشكل وَتَفْسِير الغامض وتاويل الظَّاهِر وتفصيل الْمُجْمل وَهَذَا الْموضع هُوَ مُعظم مَا يشكل من تراجم هَذَا الْكتاب وَلِهَذَا اشْتهر من قَول جمع من الْفُضَلَاء فقه البُخَارِيّ فِي تراجمه وَأكْثر مَا يفعل البُخَارِيّ ذَلِك إِذا لم يجد حَدِيثا على شَرطه فِي الْبَاب ظَاهر الْمَعْنى فِي الْمَقْصد الَّذِي ترْجم بِهِ ويستنبط الْفِقْه مِنْهُ وَقد يفعل ذَلِك لغَرَض شحذ
1 / 13
الأذهان فِي إِظْهَار مضمره واستخراج خبيئه وَكَثِيرًا مَا يفعل ذَلِك أَي هَذَا الْأَخير حَيْثُ يذكر الحَدِيث الْمُفَسّر لذَلِك فِي مَوضِع آخر مُتَقَدما أَو متاخرا فَكَأَنَّهُ يحِيل عَلَيْهِ ويومئ بالرمز وَالْإِشَارَة إِلَيْهِ وَكَثِيرًا مَا يترجم بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِه بَاب هَل يكون كَذَا أَو من قَالَ كَذَا وَنَحْو ذَلِك وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يتَّجه لَهُ الْجَزْم بِأحد الِاحْتِمَالَيْنِ وغرضه بَيَان هَل يثبت ذَلِك الحكم أَو لم يثبت فيترجم على الحكم وَمرَاده مَا يتفسر بعد من إثْبَاته أَو نَفْيه أَو أَنه مُحْتَمل لَهما وَرُبمَا كَانَ أحد المحتملين أظهر وغرضه أَن يبْقى للنَّظَر مجالا وينبه على أَن هُنَاكَ احْتِمَالا أَو تَعَارضا يُوجب التَّوَقُّف حَيْثُ يعْتَقد أَن فِيهِ إِجْمَالا أَو يكون الْمدْرك مُخْتَلفا فِي الِاسْتِدْلَال بِهِ وَكَثِيرًا مَا يترجم بِأَمْر ظَاهره قَلِيل الجدوي لكنه إِذا حَقَّقَهُ المتامل أجدى كَقَوْلِه بَاب قَول الرجل مَا صلينَا فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى الرَّد على من كره ذَلِك وَمِنْه قَوْله بَاب قَول الرجل فاتتنا الصَّلَاةُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ وَكَثِيرًا مَا يترجم بِأَمْر مُخْتَصّ بِبَعْض الوقائع لَا يظْهر فِي بادىء الرَّأْي كَقَوْلِه بَاب استياك الإِمَام بِحَضْرَة رَعيته فَإِنَّهُ لما كَانَ الاستياك قد يظنّ أَنه من افعال المهنة فَلَعَلَّ بعض النَّاس يتَوَهَّم أَن اخفاءه أولي مُرَاعَاة للمروءة فَلَمَّا وَقع فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ استاك بِحَضْرَة النَّاس دلّ على أَنه من بَاب التَّطَيُّب لَا من الْبَاب الآخر نبه على ذَلِك بن دَقِيق الْعِيد وَكَثِيرًا مَا يترجم بِلَفْظ يُومِئ إِلَى معنى حَدِيث لم يَصح على شَرطه أَو يَأْتِي بِلَفْظ الحَدِيث الَّذِي لم يَصح على شَرطه صَرِيحًا فِي التَّرْجَمَة ويورد فِي الْبَاب مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ تَارَة بِأَمْر ظَاهر وَتارَة بِأَمْر خَفِي من ذَلِك قَوْله بَاب الْأُمَرَاء من قُرَيْش وَهَذَا لفظ حَدِيث يروي عَن على ﵁ وَلَيْسَ على شَرط البُخَارِيّ وَأورد فِيهِ حَدِيث لَا يزَال وَآل من قُرَيْش وَمِنْهَا قَوْله بَاب اثْنَان فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة وَهَذَا حَدِيث يروي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَلَيْسَ على شَرط البُخَارِيّ وَأورد فِيهِ فأذنا وأقيما وليؤمكما أَحَدكُمَا وَرُبمَا اكْتفى أَحْيَانًا بِلَفْظ التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ لفظ حَدِيث لم يَصح على شَرطه وَأورد مَعهَا أثرا أَو آيَة فَكَأَنَّهُ يَقُول لم يَصح فِي الْبَاب شَيْء على شرطى وللغفلة عَن هَذِه الْمَقَاصِد الدقيقة اعْتقد من لم يمعن النّظر أَنه ترك الْكتاب بِلَا تبييض وَمن تامل ظفر وَمن جد وجد وَقد جمع الْعَلامَة نَاصِر الدّين أَحْمد بن الْمُنِير خطيب الْإسْكَنْدَريَّة من ذَلِك أَرْبَعمِائَة تَرْجَمَة وَتكلم عَلَيْهَا ولخصها القَاضِي بدر الدّين بن جمَاعَة وَزَاد عَلَيْهَا أَشْيَاء وَتكلم على ذَلِك أَيْضا بعض المغاربة وَهُوَ مُحَمَّد بن مَنْصُور بن حمامة السجلماسي وَلم يكثر من ذَلِك بل جملَة مَا فِي كِتَابه نَحْو مائَة تَرْجَمَة وَسَماهُ فك اغراض البُخَارِيّ المبهمة فِي الْجمع بَين الحَدِيث والترجمة وَتكلم أَيْضا على ذَلِك زين الدّين على بن الْمُنِير أَخُو الْعَلامَة نَاصِر الدّين فِي شَرحه على البُخَارِيّ وامعن فِي ذَلِك ووقفت على مُجَلد من كتاب اسْمه ترجمان التراجم لأبي عبد الله بن رشيد السبتي يشْتَمل على هَذَا الْمَقْصد وصل فِيهِ إِلَى كتاب الصّيام وَلَو تمّ لَكَانَ فِي غَايَة الإفادة وَأَنه لكثير الْفَائِدَة مَعَ نَقصه وَالله تَعَالَى الْمُوفق
1 / 14
(
الْفَصْل الثَّالِث فِي بَيَان تقطيعه للْحَدِيث واختصاره وَفَائِدَة اعادته لَهُ فِي الْأَبْوَاب وتكراره)
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِيمَا روينَاهُ عَنهُ فِي جُزْء سَمَّاهُ جَوَاب المتعنت أعلم أَن البُخَارِيّ ﵀ كَانَ يذكر الحَدِيث فِي كِتَابه فِي مَوَاضِع ويستدل بِهِ فِي كل بَاب بِإِسْنَاد آخر ويستخرج مِنْهُ بِحسن استنباطه وغزارة فقهه معنى يَقْتَضِيهِ الْبَاب الَّذِي أخرجه فِيهِ وقلما يُورد حَدِيثا فِي موضِعين بِإِسْنَاد وَاحِد وَلَفظ وَاحِد وَإِنَّمَا يُورِدهُ من طَرِيق أُخْرَى لمعان نذكرها وَالله أعلم بمراده مِنْهَا فَمِنْهَا أَنه يخرج الحَدِيث عَن صَحَابِيّ ثمَّ يُورِدهُ عَن صَحَابِيّ آخر وَالْمَقْصُود مِنْهُ أَن يخرج الحَدِيث عَن حد الغرابة وَكَذَلِكَ يفعل فِي أهل الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وهلم جرا إِلَى مشايخه فيعتقد من يرى ذَلِك من غير أهل الصَّنْعَة أَنه تكْرَار وَلَيْسَ كَذَلِك لاشْتِمَاله على فَائِدَة زَائِدَة وَمِنْهَا أَنه صحّح أَحَادِيث على هَذِه الْقَاعِدَة يشْتَمل كل حَدِيث مِنْهَا على معَان مُتَغَايِرَة فيورده فِي كل بَاب من طَرِيق غير الطَّرِيق الأولى وَمِنْهَا أَحَادِيث يَرْوِيهَا بعض الروَاة تَامَّة ويرويها بَعضهم مختصرة فيوردها كَمَا جَاءَت ليزيل الشُّبْهَة عَن نَاقِلِيهَا وَمِنْهَا أَن الروَاة رُبمَا اخْتلفت عباراتهم فَحدث راو بِحَدِيث فِيهِ كلمة تحْتَمل معنى وَحدث بِهِ آخر فَعبر عَن تِلْكَ الْكَلِمَة بِعَينهَا بِعِبَارَة أُخْرَى تحْتَمل معنى آخر فيورده بِطرقِهِ إِذا صحت على شَرطه ويفرد لكل لَفْظَة بَابا مُفردا وَمِنْهَا أَحَادِيث تعَارض فِيهَا الْوَصْل والإرسال وَرجح عِنْده الْوَصْل فاعتمده وَأورد الْإِرْسَال منبها على أَنه لَا تَأْثِير لَهُ عِنْده فِي الْوَصْل وَمِنْهَا أَحَادِيث تعَارض فِيهَا الْوَقْف وَالرَّفْع وَالْحكم فِيهَا كَذَلِك وَمِنْهَا أَحَادِيث زَاد فِيهَا بعض الروَاة رجلا فِي الْإِسْنَاد ونقصه بَعضهم فيوردها على الْوَجْهَيْنِ حَيْثُ يَصح عِنْده أَن الرَّاوِي سَمعه من شيخ حَدثهُ بِهِ عَن آخر ثمَّ لَقِي الآخر فحدثه بِهِ فَكَانَ يرويهِ على الْوَجْهَيْنِ وَمِنْهَا أَنه رُبمَا أورد حَدِيثا عنعنه رَاوِيه فيورده من طَرِيق أُخْرَى مُصَرحًا فِيهَا بِالسَّمَاعِ على مَا عرف من طَرِيقَته فِي اشْتِرَاط ثُبُوت اللِّقَاء فِي المعنعن فَهَذَا جَمِيعه فِيمَا يتَعَلَّق بِإِعَادَة الْمَتْن الْوَاحِد فِي مَوضِع آخر أَو أَكثر وَأما تقطيعه للْحَدِيث فِي الْأَبْوَاب تَارَة واقتصاره مِنْهُ على بعضه أُخْرَى فَذَلِك لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْمَتْن قَصِيرا أَو مرتبطا بعضه بِبَعْض وَقد اشْتَمَل على حكمين فَصَاعِدا فَإِنَّهُ يُعِيدهُ بِحَسب ذَلِك مراعيا مَعَ ذَلِك عدم إخلائه من فَائِدَة حَدِيثِيَّةٌ وَهِي إِيرَاده لَهُ عَن شيخ سوى الشَّيْخ الَّذِي أخرجه عَنهُ قبل ذَلِك كَمَا تقدم تَفْصِيله فتستفيد بذلك تَكْثِير الطّرق لذَلِك الحَدِيث وَرُبمَا ضَاقَ عَلَيْهِ مخرج الحَدِيث حَيْثُ لَا يكون لَهُ إِلَّا طَرِيق وَاحِدَة فيتصرف حِينَئِذٍ فِيهِ فيورده فِي مَوضِع مَوْصُولا وَفِي مَوضِع مُعَلّقا ويورده تَارَة تَاما وَتارَة مُقْتَصرا على طرفه الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْبَاب فان كَانَ الْمَتْن مُشْتَمِلًا على جمل مُتعَدِّدَة لَا تعلق لإحداها بِالْأُخْرَى فَإِنَّهُ مِنْهُ بِحسن استنباطه وغزارة فقهه معنى يَقْتَضِيهِ الْبَاب الَّذِي أخرجه فِيهِ وقلما يُورد حَدِيثا فِي موضِعين بِإِسْنَاد وَاحِد وَلَفظ وَاحِد وَإِنَّمَا يُورِدهُ من طَرِيق أُخْرَى لمعان نذكرها وَالله أعلم بمراده مِنْهَا فَمِنْهَا أَنه يخرج الحَدِيث عَن صَحَابِيّ ثمَّ يُورِدهُ عَن صَحَابِيّ آخر وَالْمَقْصُود مِنْهُ أَن يخرج الحَدِيث عَن حد الغرابة وَكَذَلِكَ يفعل فِي أهل الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وهلم جرا إِلَى مشايخه فيعتقد من يرى ذَلِك من غير أهل الصَّنْعَة أَنه تكْرَار وَلَيْسَ كَذَلِك لاشْتِمَاله على فَائِدَة زَائِدَة وَمِنْهَا أَنه صَحِيح أَحَادِيث على هَذِه الْقَاعِدَة يشْتَمل كل حَدِيث مِنْهَا على معَان مُتَغَايِرَة فيورده فِي كل بَاب من طَرِيق غير الطَّرِيق الأولى وَمِنْهَا أَحَادِيث يَرْوِيهَا بعض الروَاة تَامَّة ويرويها بَعضهم مختصرة فيوردها كَمَا جَاءَت ليزيل الشُّبْهَة عَن نَاقِلِيهَا وَمِنْهَا أَن الروَاة رُبمَا اخْتلفت عباراتهم فَحدث راو بِحَدِيث فِيهِ كلمة تحْتَمل معنى وَحدث بِهِ آخر فَعبر عَن تِلْكَ الْكَلِمَة بِعَينهَا بِعِبَارَة أُخْرَى تحْتَمل معنى آخر فيورده بِطرقِهِ إِذا صحت على شَرطه ويفرد لكل لَفظه بَابا مُفردا وَمِنْهَا أَحَادِيث تعَارض فِيهَا الْوَصْل والارسال وَرجح عِنْده الْوَصْل فاعتمده وَأورد الْإِرْسَال منبها على أَنه لَا تَأْثِير لَهُ عِنْده فِي الْوَصْل وَمِنْهَا أَحَادِيث تعَارض فِيهَا الْوَقْف وَالرَّفْع وَالْحكم فِيهَا كَذَلِك وَمِنْهَا أَحَادِيث زَاد فِيهَا بعض الروَاة رجلا فِي الْإِسْنَاد ونقصه بَعضهم فيوردها على الْوَجْهَيْنِ حَيْثُ يَصح عِنْده أَن الرَّاوِي سَمعه من شيخ حَدثهُ بِهِ عَن آخر ثمَّ لَقِي الآخر فحدثه بِهِ فَكَانَ يرويهِ على الْوَجْهَيْنِ وَمِنْهَا أَنه رُبمَا أورد حَدِيثا عنعنه رَاوِيه فيورده من طَرِيق أُخْرَى مُصَرحًا فِيهَا بِالسَّمَاعِ على مَا عرف من طَرِيقَته فِي اشْتِرَاط ثُبُوت اللِّقَاء فِي المعنعن فَهَذَا جَمِيعه فِيمَا يتَعَلَّق بِإِعَادَة الْمَتْن الْوَاحِد فِي مَوضِع آخر أَو أَكثر وَأما تقطيعه للْحَدِيث فِي الْأَبْوَاب تَارَة واقتصاره مِنْهُ على بعضه أُخْرَى فَذَلِك لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْمَتْن قَصِيرا أَو مرتبطا بعضه بِبَعْض وَقد اشْتَمَل على حكمين فَصَاعِدا فَإِنَّهُ يُعِيدهُ بِحَسب ذَلِك مراعيا مَعَ ذَلِك عدم إخلائه من فَائِدَة حَدِيثِيَّةٌ وَهِي إِيرَاده لَهُ عَن شيخ سوى الشَّيْخ الَّذِي أخرجه عَنهُ قبل ذَلِك كَمَا تقدم تَفْصِيله فتستفيد بذلك تَكْثِير الطّرق لذَلِك الحَدِيث وَرُبمَا ضَاقَ عَلَيْهِ مخرج الحَدِيث حَيْثُ لَا يكون لَهُ إِلَّا يخرج كل جملَة مِنْهَا فِي بَاب مُسْتَقل فِرَارًا من التَّطْوِيل وَرُبمَا نشط فساقه بِتَمَامِهِ فَهَذَا كُله فِي التقطيع وَقد حكى بعض شرَّاح البُخَارِيّ أَنه وَقع فِي أثْنَاء الْحَج فِي بعض النّسخ بعد بَاب قصر الْخطْبَة بِعَرَفَة بَاب تَعْجِيل الْوُقُوف قَالَ أَبُو عبد الله يُزَاد فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث مَالك عَن بن شِهَابٍ وَلَكِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أُدْخِلَ فِيهِ
1 / 15
معادا انْتهى وَهُوَ يَقْتَضِي أَنه لَا يتَعَمَّد أَن يخرج فِي كِتَابه حَدِيثا معادا بِجَمِيعِ إِسْنَاده وَمَتنه وَإِن كَانَ قد وَقع لَهُ من ذَلِك شَيْء فَعَن غير قصد وَهُوَ قَلِيل جدا سأنبه على موَاضعه من الشَّرْح حَيْثُ أصل إِلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما اقْتِصَاره على بعض الْمَتْن ثمَّ لَا يذكر الْبَاقِي فِي مَوضِع آخر فَإِنَّهُ لَا يَقع لَهُ ذَلِك فِي الْغَالِب إِلَّا حَيْثُ يكون الْمَحْذُوف مَوْقُوفا على الصَّحَابِيّ وَفِيه شَيْء قد يحكم بِرَفْعِهِ فَيقْتَصر على الْجُمْلَة الَّتِي يحكم لَهَا بِالرَّفْع ويحذف الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَا تعلق لَهُ بموضوع كِتَابه كَمَا وَقع لَهُ فِي حَدِيث هزيل بن شُرَحْبِيل عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسَيِّبُونَ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يسيبون هَكَذَا أوردهُ وَهُوَ مُخْتَصر من حَدِيث مَوْقُوف أَوله جَاءَ رجل إِلَيّ عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ إِنِّي أَعْتَقَتْ عَبْدًا لِي سَائِبَةً فَمَاتَ وَترك مَالًا وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسَيِّبُونَ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يسيبون فَأَنت ولي نعْمَته فلك مِيرَاثه فَإِن تَأَثَّمت وتحرجت فِي شَيْء فَنحْن نقبله مِنْك ونجعله فِي بَيت المَال فاقتصر البُخَارِيّ على مَا يُعْطي حكم الرّفْع من هَذَا الحَدِيث الْمَوْقُوف وَهُوَ قَوْله إِن أهل الْإِسْلَام لَا يسيبون لِأَنَّهُ يستدعى بِعُمُومِهِ النَّقْل عَن صَاحب الشَّرْع لذَلِك الحكم وَاخْتصرَ الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَيْسَ من مَوْضُوع كِتَابه وَهَذَا من أخْفى الْمَوَاضِع الَّتِي وَقعت لَهُ من هَذَا الْجِنْس وَإِذا تقرر ذَلِك اتَّضَح أَنه لَا يُعِيد إِلَّا لفائدة حَتَّى لَو لم تظهر لإعادته فَائِدَة من جِهَة الْإِسْنَاد وَلَا من جِهَة الْمَتْن لَكَانَ ذَلِك لإعادته لأجل مُغَايرَة الحكم الَّتِي تشْتَمل عَلَيْهِ التَّرْجَمَة الثَّانِيَة مُوجبا لِئَلَّا يعد مكررا بِلَا فَائِدَة كَيفَ وَهُوَ لَا يخليه مَعَ ذَلِك من فَائِدَة إسنادية وَهِي إِخْرَاجه للإسناد عَن شيخ غير الشَّيْخ الْمَاضِي أَو غير ذَلِك على مَا سبق تَفْصِيله وَهَذَا بَين لمن استقرأ كِتَابه وأنصف من نَفسه وَالله الْمُوفق لَا إِلَه غَيره
1 / 16
(
الْفَصْل الرَّابِع فِي بَيَان السَّبَب فِي إِيرَاده للأحاديث الْمُعَلقَة مَرْفُوعَة وموقوفة وَشرح أَحْكَام ذَلِك)
وَالْمرَاد بِالتَّعْلِيقِ مَا حذف من مُبْتَدأ إِسْنَاده وَاحِد فَأكْثر وَلَو إِلَى آخر الْإِسْنَاد وَتارَة يجْزم بِهِ ك قَالَ وَتارَة لَا يجْزم بِهِ ك يذكر فَأَما الْمُعَلق من المرفوعات فعلى قسمَيْنِ أَحدهمَا مَا يُوجد فِي مَوضِع آخر من كِتَابه هَذَا مَوْصُولا وَثَانِيهمَا مَا لَا يُوجد فِيهِ إِلَّا مُعَلّقا فَالْأول قد بَينا السَّبَب فِيهِ فِي الْفَصْل الَّذِي قبل هَذَا وَأَنه يُورِدهُ مُعَلّقا حَيْثُ يضيق مخرج الحَدِيث إِذْ من قَاعِدَته أَنه لَا يُكَرر إِلَّا لفائدة فَمَتَى ضَاقَ الْمخْرج واشتمل الْمَتْن على أَحْكَام فَاحْتَاجَ إِلَى تكريره فَإِنَّهُ يتَصَرَّف فِي الْإِسْنَاد بالاختصار خشيَة التَّطْوِيل وَالثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يُوجد فِيهِ إِلَّا مُعَلّقا فَإِنَّهُ على صُورَتَيْنِ إِمَّا أَن يُورِدهُ بِصِيغَة الْجَزْم وَإِمَّا أَن يُورِدهُ بِصِيغَة التمريض فالصيغة الأولى يُسْتَفَاد مِنْهَا الصِّحَّة إِلَى من علق عَنهُ لَكِن يبْقى النّظر فِيمَن أبرز من رجال ذَلِك الحَدِيث فَمِنْهُ مَا يلْتَحق بِشَرْطِهِ وَمِنْه مَا لَا يلْتَحق أما مَا يلْتَحق فالسبب فِي كَونه لم يُوصل إِسْنَاده إِمَّا لكَونه أخرج مَا يقوم مقَامه فاستغنى عَن إِيرَاد هَذَا مُسْتَوفى السِّيَاق وَلم يهمله بل أوردهُ بِصِيغَة التَّعْلِيق طلبا للاختصار وَإِمَّا لكَونه لم يحصل عِنْده مسموعا أَو سَمعه وَشك فِي سَمَاعه لَهُ من شَيْخه أَو سَمعه من شَيْخه مذاكرة فَمَا رأى أَنه يَسُوقهُ مساق الأَصْل وغالب هَذَا فِيمَا أوردهُ عَن مشايخه فَمن ذَلِك أَنه قَالَ فِي كتاب الْوكَالَة قَالَ عُثْمَان بن الْهَيْثَم حَدثنَا عَوْف حَدثنَا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِزَكَاة رَمَضَان الحَدِيث بِطُولِهِ وَأوردهُ فِي مَوَاضِع أُخْرَى مِنْهَا فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَفِي ذكر إِبْلِيس وَلم يقل فِي مَوضِع مِنْهَا حَدثنَا عُثْمَان فَالظَّاهِر أَنه لم يسمعهُ مِنْهُ وَقد اسْتعْمل المُصَنّف هَذِه الصِّيغَة فِيمَا لم يسمعهُ من مشايخه فِي عدَّة أَحَادِيث فيوردها عَنْهُم بِصِيغَة قَالَ فلَان ثمَّ يوردها فِي مَوضِع آخر بِوَاسِطَة بَينه وَبينهمْ وَسَيَأْتِي لذَلِك أَمْثِلَة كَثِيرَة فِي موَاضعهَا فَقَالَ فِي التَّارِيخ قَالَ إِبْرَاهِيم بن مُوسَى حَدثنَا هِشَام بن يُوسُف فَذكر حَدِيثا ثمَّ قَالَ حَدثُونِي بِهَذَا عَن إِبْرَاهِيم وَلَكِن لَيْسَ ذَلِك مطردا فِي كل مَا أوردهُ بِهَذِهِ الصِّيغَة لَكِن مَعَ هَذَا الِاحْتِمَال لَا يحمل حمل جَمِيع مَا أوردهُ بِهَذِهِ الصِّيغَة على أَنه سمع ذَلِك من شُيُوخه وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون مدلسا عَنْهُم فقد صرح الْخَطِيب وَغَيره بِأَن لفظ قَالَ لَا يحمل عَلَى السَّمَاعِ إِلَّا مِمَّنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنه لَا يُطلق ذَلِك إِلَّا فِيمَا سمع فَاقْتضى ذَلِك أَن من لم يعرف ذَلِك من عَادَته كَانَ الْأَمر فِيهِ على الِاحْتِمَال وَالله تَعَالَى أعلم وَأما مَا لَا يلْتَحق بِشَرْطِهِ فقد يكون صَحِيحا على شَرط غَيره وَقد يكون حسنا صَالحا للحجة وَقد يكون ضَعِيفا لَا من جِهَة قدح فِي رِجَاله بل من جِهَة انْقِطَاع يسير فِي إِسْنَاده قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ قد يصنع البُخَارِيّ ذَلِك إِمَّا لِأَنَّهُ سَمعه من ذَلِك الشَّيْخ بِوَاسِطَة من يَثِق بِهِ عَنهُ وَهُوَ مَعْرُوف مَشْهُور عَن ذَلِك الشَّيْخ أَو لِأَنَّهُ سَمعه مِمَّن لَيْسَ من شَرط الْكتاب فنبه على ذَلِك الحَدِيث بِتَسْمِيَة من حدث بِهِ لأعلى جِهَة التحديث بِهِ عَنهُ قلت وَالسَّبَب فِيهِ أَنه أَرَادَ أَن لَا يَسُوقهُ مساق الأَصْل فمثال مَا هُوَ صَحِيح على شَرط غَيره قَوْله فِي الطَّهَارَة وَقَالَت عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُ الله على كل أحيانه وَهُوَ حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم
1 / 17
وَقد أخرجه فِي صَحِيحه كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه وَمِثَال مَا هُوَ حسن صَالح للحجة قَوْله فِيهِ وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الله أَحَق أَن يستحيا مِنْهُ من النَّاس وَهُوَ حَدِيث حسن مَشْهُور عَن بهز أخرجه أَصْحَاب السّنَن كَمَا سَيَأْتِي وَمِثَال مَا هُوَ ضَعِيف بِسَبَب الِانْقِطَاع لكنه منجبر بِأَمْر آخر قَوْله فِي كتاب الزَّكَاة وَقَالَ طَاوس قَالَ معَاذ بن جبل لأهل الْيمن ائْتُونِي بِعرْض ثِيَاب خميص أَو لبيس فِي الصَّدَقَة مَكَان الشّعير والذرة أَهْون عَلَيْكُم وَخير لأَصْحَاب مُحَمَّد ﷺ فإسناده إِلَى طَاوس صَحِيح إِلَّا أَن طاوسا لم يسمع من معَاذ فَأَما مَا اعْترض بِهِ بعض الْمُتَأَخِّرين بنقضه هَذَا الحكم فِي صِيغَة الْجَزْم وَأَنَّهَا لَا تفِيد الصِّحَّة إِلَى من علق عَنهُ بِأَن المُصَنّف أخرج حَدِيثا قَالَ فِيهِ قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ لَا تفاضلوا بَين الْأَنْبِيَاء الحَدِيث فَإِن أَبَا مَسْعُود الدِّمَشْقِي جزم بِأَن هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن عبد الله بن الْفضل إِنَّمَا رَوَاهُ عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة لَا عَن أبي سَلمَة ثمَّ قوي ذَلِك بَان المُصَنّف أخرجه فِي مَوضِع آخر مَوْصُولا فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَن أبي هُرَيْرَة انْتهى فَهَذَا اعْتِرَاض مَرْدُود وَالْقَاعِدَة صَحِيحَة لَا تنْتَقض بِهَذَا الْإِيرَاد الواهي وَقد روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَن أبي هُرَيْرَة كَمَا علقه البُخَارِيّ سَوَاء فَبَطل مَا ادَّعَاهُ أَبُو مَسْعُود من أَن عبد الله بن الْفضل لم يروه إِلَّا عَن الْأَعْرَج وَثَبت أَن لعبد الله بن الْفضل فِيهِ شيخين وسنزيد ذَلِك بَيَانا فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى والصيغة الثَّانِيَة وَهِي صِيغَة التمريض لَا تستفاد مِنْهَا الصِّحَّة إِلَى من علق عَنهُ لَكِن فِيهِ مَا هُوَ صَحِيح وَفِيه مَا لَيْسَ بِصَحِيح على مَا سنبينه فَأَما مَا هُوَ صَحِيح فَلم نجد فِيهِ مَا هُوَ على شَرطه إِلَّا مَوَاضِع يسيره جدا ووجدناه لَا يسْتَعْمل ذَلِك إِلَّا حَيْثُ يُورد ذَلِك الحَدِيث الْمُعَلق بِالْمَعْنَى كَقَوْلِه فِي الطِّبّ وَيذكر عَن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الرقي بِفَاتِحَة الْكتاب فَإِنَّهُ أسْندهُ فِي مَوضِع آخر من طَرِيق عبيد الله بن الْأَخْنَس عَن بن أبي مليكَة عَن بن عَبَّاس ﵄ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مروا بحي فيهم لديغ فَذكر الحَدِيث فِي رقيتهم للرجل بِفَاتِحَة الْكتاب وَفِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ لما أَخْبرُوهُ بذلك إِنَّ أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ فَهَذَا كَمَا ترى لما أوردهُ بِالْمَعْنَى لم يجْزم بِهِ إِذْ لَيْسَ فِي الْمَوْصُول أَنه ﷺ ذكر الرّقية بِفَاتِحَة الْكتاب إِنَّمَا فِيهِ أَنه لم ينههم عَن فعلهم فاستفيد ذَلِك من تَقْرِيره وَأما مَا لم يُورِدهُ فِي مَوضِع آخر مِمَّا أوردهُ بِهَذِهِ الصِّيغَة فَمِنْهُ مَا هُوَ صَحِيح إِلَّا أَنه لَيْسَ على شَرطه وَمِنْه مَا هُوَ حسن وَمِنْه مَا هُوَ ضَعِيف فَرد إِلَّا أَن الْعَمَل على مُوَافَقَته وَمِنْه مَا هُوَ ضَعِيف فَرد لَا جَابر لَهُ فمثال الأول أَنه قَالَ فِي الصَّلَاة وَيذكر عَن عبد الله بن السَّائِب قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُؤْمِنُونَ فِي صَلَاة الصُّبْح حَتَّى إِذا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذته سعلة فَرَكَعَ وَهُوَ حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم أخرجه فِي صَحِيحه إِلَّا أَن البُخَارِيّ لم يخرج لبَعض رُوَاته وَقَالَ فِي الصّيام وَيذكر عَن أبي خَالِد عَن الْأَعْمَش عَن الحكم وَمُسلم البطين وَسَلَمَة بن كهيل عَن سعيد بن جُبَير وَعَطَاء وَمُجاهد عَن بن عَبَّاس قَالَ قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِن أُخْتِي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين الحَدِيث وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد رجال الصَّحِيح إِلَّا أَن فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا فِي إِسْنَاده وَقد تفرد أَبُو خَالِد سُلَيْمَان بن حبَان الْأَحْمَر بِهَذَا السِّيَاق وَخَالف فِيهِ الْحفاظ من أَصْحَاب الْأَعْمَش كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِثَال الثَّانِي وَهُوَ الْحسن قَوْله فِي الْبيُوع وَيذكر عَن عُثْمَان بن عَفَّان ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ إِذَا بِعْتَ فَكِلْ وَإِذَا ابْتَعْتَ فاكتل وَهَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عبد الله بن الْمُغيرَة وَهُوَ صَدُوق عَن منقذ مولى عُثْمَان وَقد وثق عَن عُثْمَان بِهِ وَتَابعه عَلَيْهِ سعيد بن الْمسيب وَمن طَرِيقه أخرجه أَحْمد فِي الْمسند إِلَّا أَن فِي إِسْنَاده
1 / 18
بن لَهِيعَة وَرَوَاهُ بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من حَدِيث عَطاء عَن عُثْمَان وَفِيه انْقِطَاع فَالْحَدِيث حسن لما عضده من ذَلِك وَمِثَال الثَّالِث وَهُوَ الضَّعِيف الَّذِي لَا عاضد لَهُ إِلَّا أَنه على وفْق الْعَمَل قَوْله فِي الْوَصَايَا وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قضى بِالدّينِ قبل الْوَصِيَّة وَقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مَوْصُولا من حَدِيث أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْحَارِث الْأَعْوَر عَن عَليّ والْحَارث ضَعِيف وَقد استغربه التِّرْمِذِيّ ثمَّ حكى إِجْمَاع أهل الْعلم على القَوْل بِهِ وَمِثَال الرَّابِع وَهُوَ الضَّعِيف الَّذِي لَا عاضد لَهُ وَهُوَ فِي الْكتاب قَلِيل جدا وَحَيْثُ يَقع ذَلِك فِيهِ يتعقبه المُصَنّف بالتضعيف بِخِلَاف مَا قبله فَمن امثلته قَوْله فِي كتاب الصَّلَاة وَيذكر عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه لَا يتَطَوَّع الإِمَام فِي مَكَانَهُ وَلم يَصح وَهُوَ حَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحجَّاج بن عبيد عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل عَن أبي هُرَيْرَة وَلَيْث بن أبي سليم ضَعِيف وَشَيخ شَيْخه لَا يعرف وَقد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ فَهَذَا حكم جَمِيع مَا فِي الْكتاب من التَّعَالِيق المرفوعة بصيغتي الْجَزْم والتمريض وَهَاتَانِ الصيغتان قد نقل النَّوَوِيّ إتفاق محققي الْمُحدثين وَغَيرهم على اعتبارهما وَأَنه لَا يَنْبَغِي الْجَزْم بِشَيْء ضَعِيف لِأَنَّهَا صِيغَة تَقْتَضِي صِحَّته عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَن تطلق إِلَّا فِيمَا صَحَّ قَالَ وَقد أهمل ذَلِك كثير من المصنفين من الْفُقَهَاء وَغَيرهم وَاشْتَدَّ إِنْكَار الْبَيْهَقِيّ على من خَالف ذَلِك وَهُوَ تساهل قَبِيح جدا من فَاعله إِذْ يَقُول فِي الصَّحِيح يذكر ويروي وَفِي الضَّعِيف قَالَ وروى وَهَذَا قلب للمعاني وحيد عَن الصَّوَاب قَالَ وَقد اعتنى البُخَارِيّ ﵀ بِاعْتِبَار هَاتين الصيغتين وإعطائهما حكمهمَا فِي صَحِيحه فَيَقُول فِي التَّرْجَمَة الْوَاحِدَة بعض كَلَامه بتمريض وَبَعضه بجزم مراعيا مَا ذكرنَا وَهَذَا مشْعر بتحريه وورعه وعَلى هَذَا فَيحمل قَوْله مَا أدخلت فِي الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ أَي مِمَّا سقت إِسْنَاده وَالله تَعَالَى أعلم أه كَلَامه وَقد تبين مِمَّا فصلنا بِهِ أَقسَام تعاليقه أَنه لَا يفْتَقر إِلَى هَذَا الْحمل وَأَن جَمِيع مَا فِيهِ صَحِيح بِاعْتِبَار أَنه كُله مَقْبُول لَيْسَ فِيهِ مَا يرد مُطلقًا إِلَّا النَّادِر فَهَذَا حكم المرفوعات وَأما الْمَوْقُوفَات فَإِنَّهُ يجْزم مِنْهَا بِمَا صَحَّ عِنْده وَلَو لم يكن على شَرطه وَلَا يجْزم بِمَا كَانَ فِي إِسْنَاده ضعف أَو انْقِطَاع إِلَّا حَيْثُ يكون منجبرا أما بمجيئه من وَجه آخر وَإِمَّا بشهرته عَمَّن قَالَه وَإِنَّمَا يُورد مَا يُورد من الْمَوْقُوفَات من فَتَاوَى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن تفاسيرهم لكثير من الْآيَات على طَرِيق الِاسْتِئْنَاس والتقوية لما يختاره من الْمذَاهب فِي الْمسَائِل الَّتِي فِيهَا الْخلاف بَين الْأَئِمَّة فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَن يُقَال جَمِيع مَا يُورد فِيهِ إِمَّا أَن يكون مِمَّا ترْجم بِهِ أَو مِمَّا ترْجم لَهُ فالمقصود من هَذَا التصنيف بِالذَّاتِ هُوَ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المسندة وَهِي الَّتِي ترْجم لَهَا وَالْمَذْكُور بِالْعرضِ والتبع الْآثَار الْمَوْقُوفَة وَالْأَحَادِيث الْمُعَلقَة نعم والآيات المكرمة فَجَمِيع ذَلِك مترجم بِهِ إِلَّا أَنَّهَا إِذا اعْتبرت بَعْضهَا مَعَ بعض واعتبرت أَيْضا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الحَدِيث يكون بَعْضهَا مَعَ بعض مِنْهَا مُفَسّر وَمِنْهَا مُفَسّر فَيكون بَعْضهَا كالمترجم لَهُ بِاعْتِبَار وَلَكِن الْمَقْصُود بِالذَّاتِ هُوَ الأَصْل فَافْهَم هَذَا فَإِنَّهُ مخلص حسن ينْدَفع بِهِ اعْتِرَاض كثير عَمَّا أوردهُ الْمُؤلف من هَذَا الْقَبِيل وَالله الْمُوفق وَهَذَا حِين الشُّرُوع فِي سِيَاق تعاليقه المرفوعة وَالْإِشَارَة إِلَى من وَصلهَا وأضفت إِلَى ذَلِك المتابعات لالتحاقها بهَا فِي الحكم وَقد بسطت ذَلِك جَمِيعه فِي تصنيف كَبِير سميته تغليق التَّعْلِيق ذكرت فِيهِ جَمِيع أَحَادِيثه المرفوعة وآثاره الْمَوْقُوفَة وَذكرت من وَصلهَا بأسانيدي إِلَى الْمَكَان الْمُعَلق فجَاء كتابا حافلا وجامعا كَامِلا لم يفرده أحد بالتصنيف وَقد صرح بذلك الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن رشيد فِي كتاب
1 / 19
ترجمان التراجم لَهُ فَقَالَ وَهُوَ أَي التَّعْلِيق مفتقر إِلَى أَن يصنف فِيهِ كتاب يَخُصُّهُ تسند فِيهِ تِلْكَ المعلقات وَتبين درجتها من الصِّحَّة وَالْحسن أَو غير ذَلِك من الدَّرَجَات وَمَا علمت أحدا تعرض لتصنيف فِي ذَلِك وَإنَّهُ لمهم لَا سِيمَا لمن لَهُ عناية بِكِتَاب البُخَارِيّ من بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُتَابعَة عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث وَصلهَا الْمُؤلف فِي الْأَنْبِيَاء وَفِي التَّفْسِير ومتابعة أبي صَالح عَنهُ وَصلهَا يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي تَارِيخه عَنهُ ومتابعة هِلَال بن رداد عَن الزُّهْرِيّ وَصلهَا الذهلي فِي الزهريات ومتابعة يُونُس عَنهُ وَصلهَا الْمُؤلف فِي التَّفْسِير ومتابعة معمر وَصلهَا الْمُؤلف فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا حَدِيث أبي سُفْيَان فِي شَأْن هِرقل متابعه صَالح وَهُوَ بن كيسَان وَصلهَا الْمُؤلف فِي الْجِهَاد ومتابعة يُونُس وَصلهَا فِي الْجِزْيَة والاستئذان ومتابعة معمر وَصلهَا فِي التَّفْسِير كتاب الْإِيمَان حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الْمُسلم من سلم الحَدِيث رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة فِيهِ وَصلهَا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَنهُ وَوَصلهَا بن حبَان فِي صَحِيحه وَرِوَايَة عبد الْأَعْلَى وَصلهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ حَدِيث أبي سعيد اخْرُجُوا من النَّار الحَدِيث رِوَايَة وهيب عَن عَمْرو وَهُوَ بن يحيى الْمَازِني شيخ مَالك فِي قَوْله من خَرْدَل من خير وَغير ذَلِك وَصلهَا مُسلم بِالْإِسْنَادِ وَلم يسق لَفظهَا بل أحَال بهَا على حَدِيث مَالك وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُوَافق لما علق البُخَارِيّ وَوَصله البُخَارِيّ من حَدِيث وهيب لَكِن بِلَفْظ مَالك حَدِيث سعد بن أبي وَقاص أعْطى رهطا وَفِيهِمْ سعد الحَدِيث رِوَايَة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ وَصلهَا عبد الرَّحْمَن بن عمر الزُّهْرِيّ الملقب رسته فِي كتاب الْإِيمَان لَهُ وَرِوَايَة صَالح وَصلهَا البُخَارِيّ فِي الزَّكَاة وَرِوَايَة معمر وَصلهَا عبد بن حميد وبن أبي عمر الْعَدنِي والْحميدِي وَغَيرهم فِي مسانيدهم وَوَقع لمُسلم فِي إِسْنَاده وهم بَينته فِي تغليق التَّعْلِيق وَرِوَايَة بن أخي الزُّهْرِيّ وَصلهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَربع من كن فِيهِ الحَدِيث مُتَابعَة شُعْبَة عَن الْأَعْمَش وَصلهَا الْمُؤلف فِي كتاب الْمَظَالِم بَابِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ أحب الدّين إِلَى الله تَعَالَى الحنيفية السمحة هَذَا الحَدِيث لم يذكرهُ إِلَّا هُنَا وَلم يسق لَهُ إِسْنَادًا وَقد وَصله الْمُؤلف فِي كتاب الْأَدَب الْمُفْرد وَأحمد فِي مُسْنده من حَدِيث عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس وَله شَاهد مُرْسل فِي طَبَقَات بن سعد وَفِي الْبَاب عَن أبي بن كَعْب وَجَابِر وبن عمر وَأبي أُمَامَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهم بَاب كفران العشير فِيهِ عَن أبي سعيد وَصله فِي كتاب الْعِيدَيْنِ وَلم يسق لفظ كفران العشير وَهُوَ مَذْكُور فِي كتاب الْحيض حَدِيث أبي سعيد إِذا أسلم العَبْد فَحسن إِسْلَامه الحَدِيث لم يسْندهُ الْمُؤلف وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَلم يسق لَفظه وَوَصله النَّسَائِيّ فِي السّنَن وَالْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده والإسماعيلي عَنهُ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك وسمويه فِي فَوَائده وَغَيرهم وَقد سقته من طَرِيق عشرَة أنفس عَن مَالك بِسَنَدِهِ حَدِيث أنس يخرج من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله رِوَايَة أبان بن يزِيد الْعَطَّار وَصلهَا الْحَاكِم فِي الْأَرْبَعين لَهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الِاعْتِقَاد حَدِيث أبي هُرَيْرَة من أتبع جَنَازَة مُسلم مُتَابعَة عُثْمَان بن أبي الْهَيْثَم وَصلهَا أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج بَاب مَا جَاءَ أَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَقَالَ النَّبِي ﷺ وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة وَصله الْمُؤلف فِي الْجِهَاد من حَدِيث بن عَبَّاس
1 / 20
بَاب مَا بَين ﷺ لعبد الْقَيْس وَصله فِي مَوَاضِع فِي كتاب الْإِيمَان هَذَا وَغَيره بَابِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ الدّين النَّصِيحَة لله وَلِرَسُولِهِ الحَدِيث هَذَا الحَدِيث لم يذكرهُ إِلَّا هُنَا وَلم يسق لَهُ إِسْنَادًا وَقد وَصله مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَأحمد بن حَنْبَل وَغَيرهم من حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ وَوَقع لنا عَالِيا فِي جُزْء الْأنْصَارِيّ وَفِي مُسْند الدَّارمِيّ وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة وبن عمر وبن عَبَّاس الْعلم حَدِيث بن مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ الصَّادِق المصدوق وَصله فِي بَدَأَ الْخلق وَفِي الْقدر وَغير ذَلِك حَدِيث شَقِيق عَن عبد الله سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ كلمة وَصله فِي الْجَنَائِز والتوحيد وَغير ذَلِك حَدِيث حُذَيْفَة وَصله فِي التَّوْحِيد وَغَيره حَدِيث بن عَبَّاس فِي التَّوْحِيد أَيْضا وَحَدِيث أنس كَذَلِك وأوله إِذا تقرب العَبْد مني شبْرًا وَكَذَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة وأوله لكل عمل كَفَّارَة قَوْله وَاحْتج بَعضهم فِي الْقِرَاءَة على الْعَالم بِحَدِيث ضمام بن ثَعْلَبَة وَفِي آخِره فَهَذِهِ قِرَاءَة عَن النَّبِي ﷺ أخبر ضمام قومه بذلك وَقد وَصله أَبُو دَاوُد من حَدِيث بن عَبَّاس فِي قصَّة ضمام وَفِي آخرهَا أَنَّ ضِمَامًا قَالَ لِقَوْمِهِ عِنْدَمَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ إِن الله قد بعث رَسُولا الحَدِيث وأصل قصَّة ضمام وَصله الْمُؤلف من حَدِيث شريك عَن أنس حَدِيث أنس نسخ عُثْمَان الْمَصَاحِف وَصله فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَغَيره حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس تقدم حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث وَصله فِي بَاب خبر الْوَاحِد بِتَمَامِهِ بَاب التناوب فِي الْعلم حَدِيث بن وهب وَصله بن حبَان فِي صَحِيحه وَأَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج وَحمل البُخَارِيّ رِوَايَة بن وهب عَن يُونُس على رِوَايَة أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب وَفِي رِوَايَة شُعَيْب زِيَادَة لَيست عِنْد يُونُس قَوْله وَاحْتج بعض أهل الْحجاز فِي المناولة بِحَدِيث النَّبِي ﷺ حَيْثُ كتب لأمير السّريَّة الحَدِيث رَوَاهُ بن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي مُرْسلا وَقد وَصله الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أُخْرَى من حَدِيث جُنْدُب بن عبد الله وأسناده حسن حَدِيث مِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدّين وَإِنَّمَا الْعلم بالتعلم رَوَاهُ بن أبي عَاصِم فِي كتاب الْعلم لَهُ من حَدِيث مُعَاوِيَة بِهَاتَيْنِ الجملتين وَقد وصل المولف الْجُمْلَة الأولى فَقَط حَدِيث جَابر بن عبد الله فِي رحلته إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ هُوَ حَدِيثُ عبد الله بن أنيس الْمَذْكُور فِي التَّوْحِيد وَسَيَأْتِي ذكر من وَصله إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فِي بَابِ فضل من علم وَعلم قَالَ إِسْحَاق وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَة قبلت المَاء وَفِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ بن إِسْحَاق وَفِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ أَبُو إِسْحَاق وَقد رَوَاهُ عَن أبي أُسَامَة إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده فَكَأَنَّهُ المُرَاد ورويناه أَيْضا فِي الْأَمْثَال للرامهرمزي من حَدِيث أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي وَأما بن إِسْحَاق فَلَا يعرف من حَدِيثه حَدِيث أَلا وَقَول الزُّور فَمَا زَالَ يكررها وَصله الْمُؤلف فِي الشَّهَادَات والديات من حَدِيث أبي بكرَة حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَلَا هَل بلغت وَصله أَيْضا فِي الْحُدُود حَدِيث إِسْمَاعِيل عَن أَيُّوب وَصله الْمُؤلف فِي الزَّكَاة قَوْله بَاب ليبلغ الْعلم الشَّاهِد الْغَائِب قَالَه بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَصَلَهُ الْمُؤلف فِي الْحَج بِلَفْظ ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وَكَأَنَّهُ ذكره هُنَا بِالْمَعْنَى مُتَابعَة معمر عَن همام وَصلهَا أَبُو بكر الْمروزِي فِي كتاب الْعلم لَهُ والبغوى فِي شرح
1 / 21
السّنة قَول عَائِشَة نعم النِّسَاء نِسَاءِ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدّين هُوَ طرف من حَدِيث طَوِيل وَصله بن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْمَرْفُوع مِنْهُ عِنْد مُسلم وَغَيره الطَّهَارَة قَوْلُهُ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلم يزدْ على ثَلَاث فَحَدِيث الْوضُوء مرّة مرّة وَصله من حَدِيث بن عَبَّاس وَحَدِيث الْوضُوء مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ وَصله من حَدِيث عبد الله بن زيد وَحَدِيث الْوضُوء ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَصله من حَدِيث عُثْمَان بن عَفَّان وَقَوله وَلم يزدْ يُرِيد لم يزدْ مَا يدل على الزِّيَادَة على الثَّلَاث وَلَعَلَّه يُشِير إِلَى حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الَّذِي فِيهِ من زَاد فقد أَسَاءَ وظلم وَهُوَ عِنْد بن خُزَيْمَة وَأبي دَاوُد وَغَيرهمَا قَوْله وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ ﷺ يُشِيرُ إِلَى مَا تقدم وَإِلَى مَا يَأْتِي فِي بَاب الْوضُوء بِالْمدِّ مُتَابعَة مُحَمَّد بن عرْعرة عَن شُعْبَة وَصلهَا الْمُؤلف فِي الدَّعْوَات وَرِوَايَة غنْدر عَنهُ وَصلهَا الْبَزَّار بِاللَّفْظِ الْمُعَلق وَوَصلهَا أَحْمد بِلَفْظ إِذا دخل وَرِوَايَة مُوسَى وَهُوَ بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد وَهُوَ بن سَلمَة وَصلهَا الْبَيْهَقِيّ وَرِوَايَة سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَخُو حَمَّادِ بْنِ زيد وَصلهَا الْمُؤلف فِي الْأَدَب الْمُفْرد لَهُ قَول أبي الدَّرْدَاء أَلَيْسَ فِيكُم صَاحب النَّعْلَيْنِ وَصله الْمُؤلف فِي المناقب وَغَيرهَا مُتَابعَة النَّضر بن شُمَيْل عَن شُعْبَة وَصلهَا النَّسَائِيّ ومتابعة شَاذان واسْمه الْأسود بن عَامر وَصلهَا الْمُؤلف فِي الصَّلَاة رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن يُوسُفَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَن بن الْأسود لم أَجدهَا قَوْله بَاب الاستنثار فِي الْوضُوء ذكره عُثْمَان وَعبد الله بن زيد وبن عَبَّاس بَاب الْمَضْمَضَة فِي الْوضُوء قَالَه بن عَبَّاس وَعبد الله بن زيد وَأَحَادِيث الثَّلَاثَة مَوْصُولَة عِنْده فِي الطَّهَارَة حَدِيث عَائِشَة حضرت الصُّبْح فالتمس المَاء فَلم يُوجد فَنزل التَّيَمُّم مُخْتَصر من حَدِيثهَا الطَّوِيل فِي ضيَاع عقدهَا وَهُوَ مَوْصُول عِنْد الْمُؤلف من حَدِيثهَا فِي التَّفْسِير وَالنِّكَاح والمناقب وَغَيرهَا حَدِيث أَحْمد بن شبيب عَن أَبِيه وَصله أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا قَوْلُهُ وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع الحَدِيث هُوَ مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل وَصله أَبُو يعلى فِي مُسْنده وبن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهم رِوَايَة شُعْبَة عَن الْأَعْمَش وَصلهَا مُسلم مُتَابعَة وهب بن جرير عَن شُعْبَة مَوْصُولَة فِي مُسْند أبي الْعَبَّاس السراج وَرِوَايَة غنْدر عَنهُ وَصلهَا أَحْمد وَمُسلم وَرِوَايَة يحيى الْقطَّان عَنهُ وَصلهَا أَحْمد بن حَنْبَل قَوْله وَسُئِلَ مَالك عَن مسح جَمِيع الرَّأْس فاحتج بِحَدِيث عبد الله بن زيد وَصله بن خُزَيْمَة من حَدِيث مَالك بالسؤال الْمَذْكُور قَوْله وَقَالَ أَبُو مُوسَى دَعَا النَّبِي ﷺ بقدح الحَدِيث وَصله فِي الْمَغَازِي وَالْخطاب لأبي مُوسَى وبلال قَوْله وَقَالَ عُرْوَة عَن الْمسور وَغَيره وَإِذا تَوَضَّأ النَّبِي ﷺ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَصله فِي كتاب الشُّرُوط رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة قَالَ أَخْبرنِي أَبُو النَّضر أَن أَبَا سَلمَة أخبرهُ أَن سَعْدا وَصلهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن بن سُفْيَان وسقته عَالِيا تَاما من فَوَائِد أبي زَكَرِيَّا الْمُزَكي مُتَابعَة حَرْب بن شَدَّاد وَصلهَا النَّسَائِيّ ومتابعة أبان وَهُوَ الْعَطَّار عَنهُ وَصلهَا أَحْمد بن حَنْبَل وَالطَّبَرَانِيّ وَرِوَايَة معمر عَنهُ وَصلهَا البهيقي ومتابعة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ وَصلهَا مُسلم ومتابعة صَالح بن كيسَان وَصلهَا أَبُو الْعَبَّاس السراج حَدِيث عُرْوَة عَن الْمسور تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَأَنه فِي الشُّرُوط رِوَايَة سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوب عَن حميد سَمِعت أنسا لم أَجدهَا رِوَايَة عَفَّان عَن صَخْر بن جوَيْرِية وَصلهَا أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَرِوَايَة نعيم
1 / 22