من ذا الذي يحقق لك هذا القول والأمور مرهونة بأوقاتها؟! هم يقولون اليوم: إننا لا نبغي إلا الأندلس. ولكنهم سيقولون في الغد إنما نبغي أن تكون لنا الأرض متاعا من مشارقها إلى مغاربها.
عباد - مريم :
لا تظني يا حبيبتي هذا الظن البعيد، واعلمي أن الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين الحالي لا يرضى بفتح غير الأندلس؛ لأنه أشد الأمراء حبا لجنوده، وهو يخاف عليهم كثيرا.
مريم - عباد :
جرد عن فكرك هذه الظنون، واعلم أن هذه الأمة الفخمة العالية البنيان، المشيدة الأركان، التي أرهبت كل إنسان، لا تهاب الأندلس ولا غيره.
تلك الأمة كالحديد لا يقطعه إلا الحديد، وأنى لنا بقوم من حديد يقدرون على مقاومة رجال هذا الشعب العظيم. الأولى بك يا عباد، إن كنت مخلصا للقسطنطينية ولمريم، أن تتلافى الأمر وهو صغير قبل أن يتسع الخرق على الراتق، وتقول يومئذ عندما ترى أهلك وأقاربك وبني وطنك في السجن يستغيثون ولا مغيث لهم، ويستعينون ولا معين لهم: يا ليتني أطعت حبيبتي مريم وسمعت نصيحتها!
عباد - مريم :
مريم، ما كنت أظن يا سيدتي أن الأمر يصل بك إلى هذا الحد وأن التأمل يبعدك عن النظر في مرآة الحقائق، فإني وحقك واثق كل الوثوق أن العرب لا يتجاوزون الألبة، ولا يفتحون غير الأندلس، وأنا أعلم منك بأسرارهم.
مريم - عباد :
عجبا لك يا عباد، ما أحبك للبلاد العربية! وما أشدك وفاء لها! وما أعظمك جفاء لبلادك الأصلية ومواطنك الأولية التي أنشأت آباءك وأجدادك الأولين! أنسيت يا عباد أن لك أهلا وأقارب ترجوك أن تمنع حرب الأندلس وتستغيث بك، أما تغيثهم وهم ذوو القربى وأقرب الناس إليك وأحبهم لديك؟! أنسيت أن لك دما يطالبك بحقوق كبيرة وواجبات عظيمة؟! ألا تؤاخذك سريرتك ويوبخك ضميرك على عظيم تقصيرك عن أداء الوطنية حقوقها والجنسية فروضها وواجباتها. كيف تقول إن القسطنطينية في مأمن من العدو، وأنت تعلم أننا ما قطعنا البوادي والبحار وركبنا متن الأخطار، أنا ومواطني نسيم، إلا لندعوك لهذا العمل الجليل الذي يحفظ لك في تاريخ بلادك أعظم شرف وأكبر مجد، ويخلد لك في نفس كل رومي تذكارا لا تمحوه الأيام، وذكرا باقيا لا تنسخه الأعصار والأعوام.
अज्ञात पृष्ठ