Fath al-Rahman in Clarifying the Abandonment of the Quran
فتح الرحمن في بيان هجر القرآن
प्रकाशक
دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
प्रकाशक स्थान
الرياض - المملكة العربية السعودية
शैलियों
فتح الرحمن في بيان هجر القرآن
تأليف
أبو أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز
أبو عبد الرحمن محمود بن محمد الملاح
تقديم
فضيلة الشيخ الدكتور سعيد بن مفسر القحطاني، فضيلة الشيخ عبد الله بن مانع الروقي
دار ابن خزيمة
अज्ञात पृष्ठ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة فضيلة الشيخ الدكتور / سعيد بن مسفر القحطاني
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد أنزل الله ﷿ كتابه الكريم ليكون نورًا وهدى للناس وأوجب على عباده تلاوته وتدبره والعمل به، وتحكيمه وصبغ حياتهم بأحكامه في جميع شؤونهم عقيدة وعبادة وشريعة وسلوكًا وأخلاقًا، ويوم تمسكت الأمة بالكتاب الكريم وعملت به دانت لها الدنيا وعاشت حياة العزة والقوة ودخل الناس في دين الله أفواجًا لينعموا بالعيش في ظلاله الوارف.
وما لبث الزمان يدور حتى فقدت الأمة عزتها وخسرت مكانتها، وأصبحت في ذيل الأمم؛ وما ظلمها الله ولكن كانت هي الظالمة حين أعرضت عن كتاب ربها وعنوان رقيها ورمز عزتها أعرضت عنه عملًا وتطبيقًا وأعرضت عنه تحاكمًا وتحكيمًا؛ وحق عليها قول النبي ﷺ لربه ﷿ يوم القيامة: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (٣٠) سورة الفرقان
وقد تناول المصلحون من العلماء والدعاة بالبحث والتحذير والنهي والترهيب حتى تعود الأمة إلى القرآن الكريم ومنهم صاحبا الفضيلة الشيخ / أبو أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز، والشيخ / أبو عبد الرحمن محمود بن محمد الملاح في كتابهما المبارك (فتح الرحمن في بيان هجر القرآن) والذي تضمن بيانًا شافيًا لحكم هجر القرآن وأنواع الهجر وجمعا فيه أقوال أهل العلم في هذه المسألة المعتمدة على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة.
1 / 1
وإنني بهذه المناسبة لأدعو إلى اقتناء هذا الكتاب وقراءته في حلقات العلم ودروس القرآن وعقب الصلوات في المساجد وفي المجالس الخاصة لنعرف كيف نتعامل مع كتاب الله الكريم كما أدعو الله ﷿ للأخوين الفاضلين بأن يتقبل منهما هذا الجهد المبارك وأن يجزل لهما الأجر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه،،،
كتبه
الشيخ الدكتور / سعيد بن مسفر القحطاني
الداعية المعروف
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة فضيلة الشيخ / عبد الله بن مانع الروقي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد:
فلقد اطلعت على كتاب (فتح الرحمن في بيان هجر القرآن) الذي أعده صاحبا الفضيلة / أبو عبد الرحمن محمود الملاح وأبو أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز، فوجدته مؤلفًا متقنًا أفاد فيه مؤلفاه وأجادا في هذا الموضوع المهم، وسدا ثغرة في المكتبة الإسلامية ... وحسب علمي لم يسبق أن جمع فيه أحد قبلهما كجمعهما ... ومن أتى بعدهما فهو عالة عليهما ...
وفي هذا الكتاب من النقول المتكاثرة، والتحقيقات المفيدة؛ ما يجعله من الكتب التي يتسابق إلى اقتنائها والاستفادة منها.
فجزى الله مؤلفيه خيرا، ونفع بهما، ورزقنا وإياهم العلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله على خير خلقه ونبيه ومجتباه.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه الشيخ / عبد الله بن مانع الروقي
٨/ ٦ / ١٤٢٩ هـ
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة فضيلة الدكتور / محمود بن أحمد الدوسري
(مؤلف كتاب هجر القرآن العظيم: أنواعه وأحكامه)
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أكرم عباده المؤمنين وشرفهم بكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وجعله هدى ونورًا ورحمةً وفرقانًا وروحًا، وموعظةً وشفاءً، فهو أحسن الحديث، جعله بلاغًا وحجةً على الخلق أجمعين.
فما أعظمه من كتاب، فهو عظيم لعظمة من تكلم به، وعظيم لمكانة من نزل به، وعظيم لمقام من أنزل عليه، وعظيم لخيريِّة من خوطب به، وعظيم لفضل الزمان، وحرمة المكان الذي نزل فيهما، وهو عظيمٌ بتشريعاته الشاملة، عظيم بمقاصده السامية، عظيمٌ في تأثيره وأثره، عظيم في لغته وبيانه، فيه الكمال المطلق؛ لأنه كلام الله تعالى منه بدأ وإليه يعود، تكلم به حقيقةً، فله الحمد والمنة، وله الشكر والإنعام ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أعلى الله مكانته، وأعطاه الوسيلة، والفضيلة، وجعله الخاتم لرسله، والمنزَّل عليه: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (٥٢) سورة الشورى.
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لكن هذا القرآن العظيم زهد فيه كثيرٌ من المسلمين في شتى أنحاء المعمورة
1 / 4
- فضلًا عن غيرهم من أمم الأرض - ووقعوا في أنواع شتى من هجر القرآن؛ كهجر تلاوته، والاستماع إليه، وتعلمه وتعليمه، وتدبره، والعمل به، والاستشفاء به، والتحاكم إليه، والدعوة إليه ...
وإن الاشتغال بالقرآن العظيم؛ والتعريف به، ونشره، وتحبيبه إلى النفوس، وتشويق الأفئدة إليه، والتبصير به ولفت الأنظار إليه، والتحذير من هجره، وإقامة الحجة به على الآخرين، لمن أفضل ما يشتغل به، وتنفق فيه الأوقات، وتبذل فيه الأموال، ويضحى فيه بالمهج.
وإن من توفيق الله تعالى للشيخين الفاضلين / أبي عبد الرحمن محمود بن محمد الملاح وأبي أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز أن وجدا أنفسهما مشدودين ومندفعين في تحذير المسلمين من هجر القرآن الكريم، فنالا هذا الشرف في تأليف كتابهما القيم: (فتح الرحمن في بيان هجر القرآن) وهو بحقٍ أول كتاب تطرَّق لهذا الموضوع بالتفصيل حسب علمي، وقد أفدت منه إبان إعدادي لرسالة الدكتوراه: (هجر القرآن العظيم: أنواعه وأحكامه) فجزاهما الله خيرًا، وجعله في موازين أعمالهما يوم القيامة.
وصلى الله على نبينا الكريم وآله وصحبه أجمعين
كتبه د / محمود بن أحمد الدوسري
الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
حرر في ٥/ ٦ / ١٤٢٩ هـ
1 / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة الطبعة الثالثة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن من نعم الله علينا أن وفقنا لتأليف كتاب (فتح الرحمن في بيان هجر القرآن) رغبةً في الأجر، وتحذيرًا للأمة من الوقوع في هجر القرآن بأنواعه المتعددة، وحتى يكون دافعًا للتمسك بكتاب الله، والاستقامة على هديه، والعمل بتعاليمه وأوامره.
ونحمد الله ﷿ فإن واقع كثير من الأمة يشهد بعودتها إلى تعلم كتاب الله وتلاوته، والتسابق إلى حفظه ومدارسته، وليس أدل على ذلك من الأعداد المتزايدة في حلقات حفظ القرآن الكريم، للبنين والبنات على اختلاف أعمارهم.
ومما يشرح الصدر أن كتابنا هو أول كتاب في المكتبة الإسلامية تناول موضوع هجر القرآن الكريم بالدراسة المستفيضة كما شهد بذلك الكثير من أهل العلم والفضل الذين اطلعوا على الكتاب، وقد اعتمد عليه أحد الباحثين في رسالة الدكتوراه وهو د. محمود بن أحمد الدوسري في رسالته (هجر القرآن العظيم: أنواعه وأحكامه)، كما شهد بذلك في مقدمته، فإنه قد اعتمد خطة بحثه بصورة كبيرة من كتابنا ونقل أبحاثًا كاملة، مثل: مبحث أسباب هجر التلاوة، ونماذج من استماع القرآن ... وغيرها، وقد أعددنا تقريرًا تفصيليًا عن ذلك يزيد صفحاته عن عشرين صفحة، لكننا أعرضنا عن ذكره هنا؛ مخافة الإطالة على القارئ، واكتفاء بما ذكره الدكتور في مقدمته، وبالاطلاع على فهرس الكتابين يتضح لكل ذي
1 / 6
عينين مدى استفادة الدكتور من الكتاب. نسأل الله أن ينفع بالكتابين ويكتب لهما القبول.
وهذه الطبعة الثالثة لكتابنا وهي مزيدة ومنقحة وتتميز عن سابقتيها بما يلي:
- زيادة بعض الأبحاث والفتاوى، كما في فتاوى في استماع القرآن، والاستعانة بالجن في العلاج، وتعريف التلاوة لغة واصطلاحًا ... وغيرها مما سيراه القارئ في موطنه.
- إعادة التنسيق ومراعاة الفقرات وزيادة بعض العناوين الجانبية، وخاصة في باب هجر التلاوة.
- تجنب الأخطاء المطبعية، وإحالة الكلام إلى مصدره حيث سقطت بعض الهوامش في الطبعة الثانية.
وأخيرًا:
لا يشكر الله من لا يشكر الناس فإن الفضل بعد الله في إخراج الكتاب وإعداده ومراجعته إلى مجموعة من الأفاضل وعلى رأسهم:
١ - فضيلة الشيخ / محمد حسان - حفظه الله - حيث كان له أكبر الأثر في التشجيع على جمع مادة هذا الكتاب.
٢ - فضيلة الشيخ / محمد صفوت الشوادفي ﵀ رئيس تحرير مجلة التوحيد المصرية، الذي قام بمراجعة بعض أبحاث الكتاب، وقد وافته المنية قبل كتابة مقدمته.
٣ - فضيلة الشيخ / إبراهيم بن محمد عبد العزيز ﵀ صاحب دار أم القرى للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة.
1 / 7
٤ - فضيلة الشيخ / محمد نبيه ضيف الله - حفظه الله - الواعظ بالأزهر الشريف والداعية المعروف بمحافظة الشرقية بمصر.
٥ - فضيلة الشيخ / جمال عبد الرحمن، مدير شؤون القرآن والسنة بجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر.
وغيرهم كثير؛ فجزى الله كل من ساعدنا بكلمة أو جهد أو دعاء، ونسأل الله أن ينفع بهذه الطبعة، وأن يكتب لها القبول، وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن في الدنيا والآخرة.
كتبه
أبو أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز
أبو عبد الرحمن محمود بن محمد الملاح
عصر الجمعة الموافق ٢٣/ ٦ / ١٤٢٩ هـ
الرياض - المملكة العربية السعودية
1 / 8
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة الطبعة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ (١٠٢) سورة آل عمران
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (١) سورة النساء. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٧٠ - ٧١) سورة الأحزاب
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (١).
إن الله - جل وعلا - أنزل إلينا كتابًا فيه خبر ما قبلنا، وحكم ما بيننا، ونبأ ما بعدنا، هو الفصل ليس بالهزل، مَنْ تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أُجِرَ، ومن حكم به عدل، ومن
_________
(١) هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يستفتح بها خطبه ودروسه ومواعظه، للشيخ الألباني ﵀ رسالة نافعة فيها فراجعها.
1 / 9
دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم (١).
أنزل الله هذا القرآن ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (١٥ - ١٦) سورة المائدة
لقد تمسك السلف الصالح بالقرآن الكريم، وحولوا تلك الآيات إلى منهج حياة متكامل، بأوامره يأتمرون، وبنواهيه ينتهون، بل حولوها إلى رجال تتحرك في واقع البشر؛ فكان القرآن مصدر عزهم وشرفهم وسيادتهم، ومن ثَمَّ جعلهم القرآن قادة وسادة للأمم بعد أن كانوا رعاة للإبل والغنم، ولكن شتان ما بين الخلف الطالح والسلف الصالح، فإننا نشهد هجرًا للقرآن على جميع المستويات بشتى الأشكال: هجرًا للتلاوة، والاستماع، والتدبر، والعمل، والتحاكم،
_________
(١) هذا حديث جميل المعنى، ولكن إسناده ضعيف، فيه الحارث الأعور، وهو لين، بل اتهمه بعض الأئمة بالكذب، ولعل أصله موقوف على عليّ ﵁ فأخطأ الحارث فرفعه إلى النبي، وقد ضعفه الترمذي فقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات، وإسناده مجهول وفي الحارث مقال) قاله الألباني ﵀ في تخريج الطحاوية ص (٧١)، وضعفه أيضًا في ضعيف الترمذي (٥٥٤). وقال أبو إسحاق الحويني: ولا يصح الحديث موقوفًا أيضًا لعدم صحة الأسانيد بذلك. انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير تحقيق أبي إسحاق الحويني (١/ ١٤٩ - ١٥٠) الطبعة الأولى ١٤١٧ هـ، دار ابن الجوزي بالدمام.
1 / 10
والتداوي والاستشفاء بالقرآن، حتى صدق على الكثير منا قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (٣٠) سورة الفرقان
فالذي يرفع الشكوى هو الرسول الأمين ﷺ والذي يشكى إليه هو الله رب العالمين، ويشكو قومه الذين هجروا القرآن، وأعرضوا عن ذكر الواحد الديان، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
سبب تأليف الكتاب:
لقد هجر القرآن تلاوة .. وأعرض الكثير عن مذاكرته وحفظه، ومجالس تدارسه بالرغم من حرصهم الشديد على مطالعة الصحف والمجلات ليتابعوا بلهف وشوق أخبار من لا خلاق لهم من الساقطين والساقطات!!.
لقد هجر القرآن استماعًا .. بل ارتبط استماع القرآن في أذهان كثير من المسلمين بالأحزان والسرادقات التي تقام للمآتم!! بل أقبل الناس على سماع اللهو والغناء والمزمار وهجروا قرآن العزيز الغفار!!
لقد هجر القرآن تدبرًا .. القرآن الذي لو أنزله الله على الجبال الرواسي الشامخات لتصدعت من خشية الله، إذا به يقرأ، وآيات الوعد والوعيد تسمع، ولكن قلوب قاسية، وأبدان جامدة، وعيون متحجرة، فلا قلب يخشع، ولا بدن يخضع، ولا عين تدمع!!
لقد هجر القرآن عملًا .. فإذا بالقرآن الذي هو منهاج حياة متكامل يصير في واقع الناس آيات تقرأ عند القبور، ويهدى ثوابها للأموات، أو تصنع منه التمائم والأحجبة تعلق على صدور الغلمان والصبيان، أو يوضع في البيوت والمحلات والسيارات للحفظ والبركة!!
1 / 11
لقد هجر القرآن تحاكمًا .. ووقع المنكر الأعظم .. وذلك بتنحية كتاب الله عن الحكم بين الناس، واتهام الشريعة الإسلامية بالضعف والعجز والقصور والتخلف والرجعية .. وحل محلها القانون الوضعي وأقوال الرجال تحكم في الدماء والأموال والأعراض!!
لقد هجر القرآن استشفاءً وتداويًا .. ولجأ بعض الناس إلى السحرة والعرافين والدجالين يطلبون منهم الشفاء والدواء لأمراضهم!!.
ومن أجل هذا كله؛ استعنا بالله وحده في جمع مادة هذا الكتاب رغبة في الأجر، ونصحًا للأمة، وتحذيرًا من هجر القرآن، وبيان عواقبه في الدنيا والآخرة لعله يكون دافعًا إلى العودة إلى القرآن الكريم مصدر العز والشرف والسيادة
منهج الكتاب:
ولقد اتبعنا منهجًا مرضيًا - إن شاء الله - في جمع مادة هذا الكتاب، وقد جمعنا أقوال أهل العلم السابقين والمعاصرين ونسقنا بينها ورتبناها، وقد عزونا كل نقل إلى مصدره في هوامش الكتاب؛ مكتفين بذلك عن ثبت المراجع في آخر الكتاب.
ولم نتدخل بأسلوبنا إلا في النزر اليسير إذا اقتضى الحال، وذلك لبيان غامض أو شرح ما خفي على القارئ، وقد عزونا الآيات القرآنية إلى مواضعها من كتاب الله موضحين اسم السورة، ورقم الآية، وخرجنا الأحاديث النبوية، ووضحنا درجتها من الصحة أو الضعف، معتمدين - في الغالب - على كتب علامة الشام ومحدث ديار الإسلام الشيخ / محمد ناصر الدين الألباني ﵀؛ وذلك لسهولة التعامل مع كتبه والأخذ منها.
لقد سمينا الكتاب بعد مشورة الإخوان (فتح الرحمن في بيان هجر القرآن).
1 / 12
والكتاب يتضمن تمهيدًا وستة أبواب وخاتمة على النحو التالي:
التمهيد: هجر القرآن (معناه - عاقبته - أنواعه).
الباب الأول: هجر التلاوة. ... الباب الثاني: هجر الاستماع.
الباب الثالث: هجر التدبر. ... الباب الرابع: هجر العمل.
الباب الخامس: هجر التداوي والاستشفاء.
الباب السادس: هجر التحاكم. ... والخاتمة:
نسأل الله ﷾ أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همنا وغمنا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل، وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا، وأن يوفقنا للعمل به، والتحاكم إليه.
ونسأله ﷾ أن ينفع بهذا الكتاب، ويكتب له القبول، وأن يجزي كل من ساهم في إخراجه خير الجزاء، وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ، أو زلل، أو تقصير فمنا، ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وجزى الله خيرًا من رأى فيه خللًا فأرشدنا إليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
كتبه
أبو أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز
أبو عبد الرحمن محمود بن محمد الملاح
1 / 13
تمهيد
هجر القرآن
وفيه فصلان:
الفصل الأول: معنى هجر القرآن.
الفصل الثاني: عاقبة هجر القرآن.
1 / 15
الفصل الأول
معنى هجر القرآن
1 / 17
يتضح معنى هجر القرآن من خلال هذا العرض لأقوال العلماء والمفسرين في بيان قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (٣٠) سورة الفرقان
قال الإمام ابن جرير الطبري ﵀:
(واختلف أهل التأويل في معنى اتخاذهم القرآن مهجورًا،
القول الأول: كان اتخاذهم ذلك هُجرًا، قولهم فيه السيئ من القول، وزعمهم أنه سحر، وأنه شعر.
عن مجاهد قوله: ﴿اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (٣٠) سورة الفرقان
قال: يهجرون فيه بالقول، يقولون: هو سحر. وعن مجاهد أيضًا قوله: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ ...﴾ الآية. يهجرون فيه بالقول، قال مجاهد: وقوله: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ (٦٧) سورة المؤمنون. قال: مستكبرين بالبلد سامرًا مجالس تهجرون، قال: بالقول السيئ في القرآن غير الحق.
عن إبراهيم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ قال: قالوا غير الحق، ألم تر إلى المريض إذا هذى قال غير الحق.
القول الآخر: بل معنى ذلك الخبر عن المشركين أنهم هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولم يسمعوا به.
قال ابن زيد في قول الله: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ
1 / 19
مَهْجُورًا﴾ (٣٠) سورة الفرقان. لا يريدون أن يسمعوه، وإن دعوا إلى الله قالوا: لا. وقرأ: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ (٢٦) سورة الأنعام. قال: ينهون عنه، ويبعدون عنه.
ترجيح ابن جرير الطبري:
(قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنه أنهم قالوا: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ (٢٦) سورة فصلت. وذلك هجرهم إياه) (١).
قال الإمام الألوسي البغدادي ﵀:
(والمراد بالرسول نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف وعظم وكرم -، وإيراده ﵊ بعنوان الرسالة لتحقيق العدل والرد على نحورهم حيث كان ما حكى عنهم قدحًا في رسالته ﷺ أن قالوا: كيت وكيت، وقال الرسول إثر ما شاهد منهم غاية العتو ونهاية الطغيان بطريق البث إلى ربه ﷿ والشكوى عليهم ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي﴾ الذين حكى عنهم ما حكى من الشنائع ﴿اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ﴾ الجليل الشأن المشتمل على ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم:
﴿مَهْجُورًا﴾ أي متروكًا بالكلية، ولم يؤمنوا به ولم يرفعوا إليه رأسًا ولم يتأثروا بوعيده ووعده، فمهجورًا من الهَجر بفتح الهاء بمعنى الترك وهو الظاهر، وروي ذلك عن مجاهد والنخعي وغيرهما، واستدل ابن الفرس بالآية على كراهة هجر المصحف وعدم تعهده بالقراءة فيه، وكان ذلك لئلا يندرج من لم يتعاهد القراءة فيه تحت ظاهر النظم الكريم، فإن ظاهره ذم الهجر مطلقًا وإن كان المراد به عدم
_________
(١) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام ابن جرير الطبري (١١/ ٩) بتصرف طبعة دار الفكر، عام ١٤٠٥ هـ.
1 / 20
القبول لا عدم الاشتغال مع القبول ولا ما يعمهما فإن كان مثل هذا يكفي في الاستدلال فذاك وإلا فليطلب دليلًا آخرًا للكراهة. وأورد بعضهم في ذلك خبرًا وهو " مَنْ تعلَّم القرآن وعلَّق مصحفه ولم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقًا به يقول: يا رب عبدك هذا اتخذني مهجورًا اقض بيني وبينه " وقد تعقب هذا الخبر العراقي بأنه روي عن أبي هدبة وهو كذَّاب، والحق أنه متى كان ذلك مخلًا باحترام القرآن، والاعتناء به كَرِه، بل حرم وإلا فلا.
وقيل: مهجورًا من الهُجر بالضم على المشهور أي الهذيان وفحش القول، والكلام على الحذف والإيصال أي جعلوه مهجورًا فيه إما عن زعمهم الباطل نحو ما قالوا أنه أساطير الأولين اكتتبها، وإما بأن هجروا فيه ورفعوا أصواتهم بالهذيان لما قرئ لئلا يسمع كما قالوا: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ (٢٦) سورة فصلت. وفي هذه الشكوى من التخويف والتحذير ما لا يخفى فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب ولم ينظروا) (١).
قال الإمام ابن الجوزي ﵀: وفي المراد بقوله: ﴿مَهْجُورًا﴾ قولان:
أحدهما: متروكًا لا يلتفتون إليه ولا يؤمنون به، وهذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: هجروا فيه، أي: جعلوه كالهذيان، ومنه يقال: فلان يَهْجُر في منامه، أي: يَهْذي، قاله ابن قتيبة، وقال الزجاج: الهُجْر: ما لا ينتفع به من القول ..). (٢)
_________
(١) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للإمام الألوسي البغدادي (١٩/ ١٣ - ١٤) طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الرابعة ١٤٠٥ هـ.
(٢) زاد المسير في علم التفسير للإمام ابن الجوزي (٦/ ٨٧ - ٨٨) طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى.
1 / 21
قال الإمام الشنقيطي ﵀:
(معنى هذه الآية الكريمة ظاهر، وهو أن نبينا ﷺ شكى إلى ربه هجر قومه وهم كفار قريش لهذا القرآن العظيم، أي تركهم لتصديقه والعمل به، وهذه شكوى عظيمة وفيها أعظم تخويف لمن هجر القرآن العظيم، فلم يعمل بما فيه من الحلال والحرام والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من عقائد، ويعتبر لما فيه من الزواجر والقصص والأمثال) (١).
الخلاصة: مما سبق يتضح أن هجر القرآن يقع على المعاني الآتية:
١ - القول السيئ في القرآن، والزعم الباطل بأنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين (قول مجاهد والنخغي وغيرهما).
٢ - الإعراض والبعد عن القرآن، وعدم سماعه، ورفع أصواتهم بالهذيان إذا قرئ لئلا يسمع. (قول ابن زيد، وابن جرير).
٣ - الترك كليًا: أي تركهم للإيمان به، وتركهم للعمل به، وكذلك عدم الالتفات إليه. (قول ابن عباس، ومقاتل).
٤ - وسيأتي مزيد بيان لمعنى هجر القرآن عند ذكر أنواعه.
_________
(١) أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للإمام محمد الأمين الشنقيطي (٦/ ٤٨) طبعة دار الفكر.
1 / 22