بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد والأئمة الهداة من آله الطاهرين وبعد فان هذه (الفتاوى الواضحة) تشتمل على احكام ترخيصية تمثل فتاوانا وعلى احكام الزامية تمثل فتاوانا أو مواقع الاحتياط الواجب في نظرنا وعلى آداب تعبر عن فتوى أو احتمال اخذ به الفقهاء ومن الله تعالى نستمد السداد والاعتصام وهو ولي التوفيق محمد باقر الصدر 24 محرم الحرام 1396
पृष्ठ 3
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهداة الميامين خاتم الأنبياء وأهل بيته الطاهرين.
وبعد فان الله سبحانه وتعالى حينما انزل على خاتم الأنبياء أشرف رسالات السماء ضمن انسجامها مع فطرة الانسان وانفتاحها على كل ابعاد وجوده ورعايتها له المهد إلى اللحد.
وقد انعكس ذلك بكل وضوح على الشريعة الاسلامية فكانت شريعة الحياة في كل مناحيها والقيمة على توجيهها مع أخذ كل خصائص الانسان وظروفه الواقعية بعين الاعتبار كيف نشأت الحاجة إلى الاجتهاد والمصدر الأساس للشريعة هو الكتاب الكريم والسنة الشريفة، ولو كانت أحكام الشريعة قد أعطت كلها من خلال الكتاب والسنة صيغ وعبائر واضحة صريحة لا يشوبها اي شك أو غموض لكانت عملية استخراج الحكم الشرعي نم الكتاب والسنة ميسورة لكثير من الناس، ولكنها في الحقيقة لم تعط بهذه الصورة المحدودة المتميزة الصريحة وانما أعطيت منثورة في دراستها والمقارنة بينها واستخراج النتائج النهائية منها، ويزداد هذا الجهد
पृष्ठ 4
العلمي ضرورة وتتنوع وتتعمق أكثر متطلباته وحاجاته كلما ابتعد الشخص عن زمن صدور النص وامتد الفاصل الزمني بينه وبين عصر الكتاب والسنة بكل ما يحمله هذا الامتداد من مضاعفات كضياع جملة من الأحاديث ولزوم تمحيص الأسانيد وتغير كثير من أساليب التعبير وقرائن التفهيم والملابسات التي تكتنف الكلام ودخول شئ كثير من الدس والافتراء في مجاميع الروايات الامر الذي يتطلب عناية بالغة في التمحيص والتدقيق، هذا إضافة إلى أن تطور الحياة يفرض هددا كبيرا من الواقع والحوادث الجديدة لم يرد فيها نص خاص فلابد من استنباط حكمها على ضوء القواعد العامة ومجموعة ما أعطي من أصول وتشريعات.
كل ذلك وغير ذلك مما لا يمكن استيعابه في هذا الحديث الموجز جعل التعرف على الحكم الشرعي في كثير من الحالات عملا علميا معقدا وبحاجة إلى جهد وبحث وهناء وان لم يكن كذلك في جملة من الحالات الأخرى التي يكون الحكم الشرعي فيها واضحا كل الوضوح كيف نشأت الحاجة إلى التقليد وكانت ولا تزال سنة الحياة في كل ناحية نم مناحيها تفرض موقفا مشابها لما تقدم، فأنت اي مجال من الحياة لاحظته تجد أن مما سنه تتطلب معرفة معينة وان جزاء من هذه المعرفة قد يكون واضحا ومتيسرا على العموم ولكن الجزء الأكبر منها غير واضح ويتطلب جهدا علميا ومعاناه في الدرس والبحث، ففي المجال الصحي مثلا يعلم كل انسان بحكم التجربة الساذجة في حياته انه إذا تعرض إلى مناخ بارد فجأة فقد يصاب باعراض حمى، ولكن كثيرا من أساليب الوقاية والعلاج لا يعرفها الا عن طريق الطبيب ولا
पृष्ठ 5
يعرفها الطبيب الا بالبحث والجهد، وهكذا الحال في مجال التعمير والبناء ومجالات الزراعة والصناعة على اختلاف فروعها.
ومن هنا وجد كل انسان انه لا يمكن عمليا ان يتحمل بمفردة مسؤولية البحث والجهد الكامل في كل ناحية من نواحي الحياة لان هذا عادة أكبر من قدرة الفرد وعمرة من ناحية ولا يتيح له التعمق في كل تلك النواحي بالدرجة الكبيرة من ناحية أخرى، فاستقرت المجتمعات البشرية على أن يتخصص لكل مجال من مجالات المعرفة والبحث عدد من الناس فيكتفي كل فرد في غير مجال اختصاص محملا لهم المسؤولية في تقدير الموقف وكان ذلك لونا من تقسيم العمل بين الناس سار عليه لانسان بفطرته منذ أبعد العصور ولم يشذ الاسلام عن ذلك بل جرى على نفس الأساس الذي اخذ به الانسان في كل مناحي حياته فوضع مبدئي الاجتهاد والتقليد فالاجتهاد هو التخصص في علوم الشريعة والتقليد هو الاعتماد على المتخصصين، فكل مكلف يريد التعرف على الأحكام الشرعية يعتمد أولا على بداهته الدينية العامة وما لا يعرف بالبداهة من احكام الدين يعتمد في معرفته على المجتهد المتخصص، ولم يكلف الله تعالى كل انسان بالاجتهاد ومعاناة البحث والجهد العلمي من اجل التعرف على الحكم الشرعي توفيرا للوقت وتوزيعا للجهد الانساني على كل حقول الحياة. كما لم يأذن الله سبحانه وتعالى لغير المتخصص المجتهد بأن يحاول التعرف المباشر على الحكم الشرعي من الكتاب والسنة ويعتمد على محاولته بل أوجب عليه ان يكون التعرف على الحكم عن طريق
पृष्ठ 6
التقليد والاعتماد على العلماء المجتهدين، وبهذا كان التقليد أمرا واجبا مفروضا في الدين. والتقليد على هذا الأساس يعني تحميل المسؤولية وانما سمي تقليدا لان المكلف يضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلده تعبيرا رمزيا عن تحميله مسؤولية هذا العمل امام الله سبحانه وتعالى وليس التقليد هو التعصب والاعتقاد بما يعتقده الآخرون جهلا وبدون دليل ففرق بين ان يبدي شخص رأيا فتسارع إلى اليقين بذلك الرأي بدون ان تعرف دليلا عليه وتؤكد صحته، وبين ان يبدي شخص رأيا فتتبعه محملا له مسؤولية هذا الرأي بحكم كونه من ذوي الاختصاص والمعرفة، فالأول هو التقليد المذموم شرعا وعقلا والثاني هو التقليد الصحيح الذي جرت عليه سنة الحياة شرعا وعقلا.
وقد احتاطت الشريعة للتقليد احتياطا كبيرا ففرضت على المكلف ان يقلد اعلم المتخصصين في حالة اختلاف آرائهم وان لا يقلد الا من كان عادلا لا يميل عن الشرع إلى هواه خطوة في كبيرة أو صغيرة لكي يضمن المقلد بذلك أكبر درجة ممكنة من الصواب في رأي مرجعه الديني وأمرته في اللحظة التي يجد فيها الأكفأ والأعلم من مقلده السابق ان يعدل إليه، كل ذلك للابتعاد بالتقليد من معنى المتابعة العمياء والتعصب المذموم.
وعلى ذلك جرت سنة المؤمنين والمسلمين منذ عصر الأئمة عليهم السلام إلى يومنا، هذا فقد كان الأئمة عليهم السلام يوجهون السائلين من أبناء الأمصار الأخرى إلى تقليد الفقهاء من أبناء مدرستهم والرجوع إليهم ولا يرون لهم عذرا في التسامح في ذلك.
पृष्ठ 7
حرمة التقليد في أصول الدين: وفي الوقت الذي أوجبت فيه الشريعة التقليد بالمعنى الذي ذكرناه في فروع الدين من الحلال والحرام حرمته في أصول الدين فلم تسمح للمكلف بان يقلد في العقائد الدينية الأساسية وذلك لان المطلوب شرعا في أصول الدين ان يحصل العلم واليقين للمكلف بربه ونبيه ومعاده ودينه وامامه ودعت الشريعة كل انسان إلى أن يتحمل بنفسه مسؤولية عقائده الدينية الأساسية بدلا عن أن يقلد فيها ويحمل غيره مسؤوليتها، وقد عنف القرآن الكريم بأشكال مختلفة أولئك الذين يبنون عقائدهم الدينية ومواقفهم الأساسية من الدين قبولا ورفضا على التقليد للآخرين بدافع الحرص على طريقة الآباء مثلا والتعصب لهم أو بدافع الكسل عن البحث والهروب من تحمل المسؤولية.
ومن الواضح ان العقائد الأساسية في الدين - أصول الدين - لما كانت محدودة عددا من ناحية ومنسجمة مع فطرة الناس عموما من ناحية أخرى على نحو تكون الرؤية المباشرة الواضحة ميسورة فيها غالبا وذات أهمية قصوى في حياة الانسان من ناحية ثالثة - كان تكليف الشريعة لكل انسان بان يبذل جهدا مباشرا في البحث عنها واكتشاف حقائقها أمرا طبيعيا ولا يواجه غالبا صعوبة كبيرة ولا يؤثر على المجرى العملي لحياة الانسان، ولئن واجه أحيانا صعوبات كذلك فالانسان جدير ببذل الجهد لتذليل تلك الصعوبات لان عقيدة الانسان هي أهم ما فيه، ومع ذلك فقد لاحظت الشريعة أيضا اختلاف مستويات الناس الفكرية والثقافية فلم تكلف كل انسان بالنظر والبحث في أصول الدين الا بالقدر الذي يتناسب مع
पृष्ठ 8
مستواه ويصل به إلى قناعة كاملة بالحقيقة تطمئن بها نفسه ويعمر بها قلبه ويتحمل مسؤوليتها المباشرة امام ربه.
الاجتهاد والتقليد مبدآن مستمران: ولما كانت مصادر الشريعة محفوظة إلى يومنا هذا في الكتاب الكريم كاملا بدون نقصان وفي عدد كبير من أحاديث السنة الشريفة، فمن الطبيعي ان يستمر الاجتهاد كتخصص علمي في فهم تلك المصادر واستخراج الأحكام الشرعية منها، ومن الطبيعي أيضا ان تنمو خبرات المجتهدين وتراكم لفتاتهم وانتباهاتهم على مر الزمن وتكون للمجتهد المتأخر دائما رصيدا أكبر وعمقا أوسع في الاستنباط، وهذا من الأسباب التي تدعو إلى عدم جواز جمود المقلدين على مر الزمن وتكون للمجتهد المتأخر دائما رصيدا أكبر وعمقا أوسع في الاستنباط، وهذا من الأسباب التي تدعو إلى عدم جواز جمود المقلدين على رأي فقيه من فقهاء عصر الغيبة طيلة قرن أو قرون لان ذلك كالجمود على رأي طبيب كذلك مع نمو الطب بعده وتراكم الخبرات خلال تلك المدة.
ومن هنا كانت رابطة المقلد بالمرجع الديني رابطة حية متجدد باستمرار ويزيدها قدسية ما يتمثل في المرجع من نيابة عامة عن الامام عليه الصلاة والسلام.
التركيز على العلماء في الشريعة: وحينما وضعت الشريعة الاجتهاد والتقليد كمبدئين مستمرين ما دام الكتاب والسنة وفرضت المجتهد محورا ومرجعا للآخرين في شؤون دينهم استعملت كل الأساليب الكفيلة بانجاح هذين المبدئين وأدائهما لرسالتهما
पृष्ठ 9
الدينية باستمرار. فمن ناحية أوجبت الاجتهاد وجوبا كفائيا على ما يأتي في الفقرة (21) من باب التقليد والاجتهاد. وحثت على طلب العلم ودراسة علوم الشريعة قال الله سبحانه وتعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (التوبة: 122). ومن ناحية أخرى حثت على التمسك بالعلماء والسؤال منهم قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون (الأنبياء: 43) وقدمتهم إلى الناس بوصفهم ورثة للأنبياء فقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص) ان العلماء ورثة الأنبياء وجاء عنه انه قال اللهم ارحم خلفائي فقيل يا رسول الله ومن خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي فيعلمونها الناس من بعدي.
وفي رواية عن الامام أمير المؤمنين علي (ع) انه قال مجاري الأمور على أيدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه إلى غير ذلك من الأحاديث والروايات.
ورغبت الشريعة بشتى الأساليب في التقرب من العلماء والاستفادة منهم حتى جعلت النظر إلى وجه العالم عبادة للترغيب في الرجوع إليهم والاخذ منهم.
وبقدر عظمة المسؤولية التي أناطتها الشريعة بالعلماء شددت عليهم وتوقعت منهم سلوكا عامرا بالتقوى والايمان والنزاهة نقيا من كل ألوان الاستغلال للعلم لكي كونوا ورثة الأنبياء حقا.
فقد جاء عن الإمام العسكري عليه السلام في هذا السياق قوله فاما
पृष्ठ 10
من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه.
وفي رواية عن الإمام الصادق انه قال من استأكل بعلمه افتقر فقيل له ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم ويتلقون منهم الصلة فقال ليس أولئك بمستأكلين انما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله ليبطل الحقوق طمعا في حطام الدنيا.
وفي حديث عن الرسول (ص) انه قال: الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا.
وقد جاء في الأحاديث التأكيد على المعنى العملي لاستمرار مبدأ الاجتهاد إضافة إلى استمراره الشرعي وعلى ان الدين لن يعدم ابدا العلماء القادرين على استيعابه والتفقه فيه وتفهيمه للآخرين ورفع الشبهات عنه.
فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) انه قال: يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الضالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير (1) خبث الحديد.
الرسالة العملية أهميتها وتطويرها: وقد كانت الرسائل العملية التي يكتبها المجتهدون لمقلديهم هي الأساس لتعرف المقلدين على فتاوى من يقلدون، وبالتالي على ما يحتاجون إليه من الأحكام الشرعية.
وقد قامت الرسائل العملية بدور مهم وجليل في هذا المجال ولكن على الرغم مما تمتاز به عادة من الدقة في التعبير والايجاز في العبارة توجد
पृष्ठ 11
فيها على الأغلب ملاحظتان تستدعيان التغيير والتطوير.
الملاحظة الأولى: ان هذه الرسائل تخلو غالبا من المنهجية الفنية في تقسيم الاحكام وعرضها وتصنيف المسائل الفقهية على الأبواب المختلفة.
ومن نتائج ذلك حصل ما يلي: أولا - ان كثيرا من الاحكام أعطيت ضمن صور جزئية محدودة تبعا للأبواب ولم تعط لها صيغة عامة يمكن للمقلد ان يستفيد منها في نطاق واسع.
ثانيا - ان عددا من الاحكام دس دسا في أبواب أجنبية عنه لأدنى مناسبة حرصا على نفس التقسيم التقليدي للأبواب الفقهية.
ثالثا - ان جملة من الاحكام لم تذكر نهائيا لأنها لم تجد لها مجالا ضمن التقسيم التقليدي.
رابعا - انه لم يبدأ في كل مجال بالأحكام العامة ثم التفاصيل ولم تربط كل مجموعة من التساؤلات بالمحور المثير لها ولم تعط المسائل التفريعية والتطبيقية بوصفها أمثلة صريحة لقضايا أعم منها لكي يستطيع المقلد ان يعرف الأشباه والنظائر خامسا - افترض في كثير من الأحيان وجود صورة مسبقة عن العبادة أو الحكم الشرعي ولم يبدأ العرض من الصفر اعتمادا على تلك الصورة المسبقة.
سادسا - انطمست المعالم العامة للأحكام عن طريق نثرها بصورة غير منتظمة وضاعت على المكلف فرصة استخلاص المبادئ العامة منها الملاحظة الثانية: ان الرسائل العملية لم تعد تدريجيا بوضعها التاريخي المألوف كافية لأداء مهمتها بسبب تطور اللغة والحياة، ذلك أن الرسالة العملية تعبر عن احكام شرعية لوقائع من الحياة، والأحكام الشرعية بصيغتها
पृष्ठ 12
العامة وان كانت ثابتة ولكن أساليب التعبير تختلف وتتطور من عصر إلى عصر آخر، ووقائع الحياة تتجدد وتتغير، وهذا التطور الشامل في مناهج التعبير ووقائع الحياة يفرض وجوده على الرسائل العملية بشكل وآخر.
فاللغة المستعملة تاريخيا في الرسائل العملية كانت تتفق مع ظروف الأمة السابقة إذ كان قراء الرسالة العملية مقصورين غالبا على علماء البلدان وطلبة العلوم المتفقهين لان الكثرة الكاثرة من أبناء الأمة لم تكن متعلمة واما اليوم فقد أصبح عدد كبير من أبناء الأمة قادرا على أن يقرأ ويفهم ما يقرأ إذا كتب بلغة عصره وفقا لأساليب التعبير الحديث فكان لابد للمجتهد المرجع ان يضع رسالته العملية للمقلدين وفقا لذلك.
والمصطلحات الفقهية التي تعتمد عليها الرسائل العملية غالبا للتعبير عن المقصود قد كان من مبرراتها تاريخيا اقتراب الناس سابقا من تلك المصطلحات في ثقافتهم، بينما ابتعد الناس عنها اليوم وتضاءلت معلوماتهم الفقهية حتى أصبحت تلك المصطلحات على الأغلب غريبة تماما.
وعرض الاحكام من خلال صور عاشها فقهاؤنا في الماضي كان أمرا معقولا فمن الطبيعي ان تعرض أحكام الإجارة مثلا من خلال افتراض استئجار دابة للسفر، ولكن إذا تغيرت تلك الصور فينبغي ان يكون العرض لنفس تلك الأحكام من خلال الصور الجديدة ويكون ذلك أكثر صلاحية لتوضيح المقصود للمقلد المعاصر.
والوقائع المتزايدة والمتجددة باستمرار بحاجة إلى تعيين الحكم الشرعي ولئن كانت الرسائل العملية تاريخيا تفي بأحكام ما عاصرته من وقائع فهي اليوم بحاجة إلى أن تبدأ تدريجا باستيعاب غيرها مما تجدد في حياة الانسان والأحكام الشرعية على الرغم من كونها ثابتة قد يختلف تطبيقها تبعا للظروف من عصر إلى عصر فلابد لرسالة عملية تعاصر تغيرا كبيرا في
पृष्ठ 13
كثير من الظروف ان تأخذ هذا التغيير بعين الاعتبار في تشخيص الحكم الشرعي، فمثلا الشرط الضمني - على حد تعبير الفقهاء - واجب ونافذ وهو كل شرط دل عليه العرف العام وان لم يصرح به في العقد ولكن نوع هذه الشروط - لما كان العرف هو الذي يحددها - تختلف فقد يكون شئ ما شرطا ضمنيا مع العقد في عصر دون عصر.
وهكذا ينبغي للرسالة العملية ان تأخذ العرف المتطور بعين الاعتبار في تحديد ذلك القسم من الاحكام الذي يرتبط بالعرف.
وقد وجدت محاولات منذ زمن للتطوير والتجديد في الرسائل العملية ولكن لكل محاولة أهميتها وقيمتها.
وحينما صدرت تعليقتنا العملية على منهاج الصالحين أحسست احساسا واضحا من خلال مراجعات القارئين وأسئلة السائلين بما كنت على ايمان به من ضرورة الاخذ بالملاحظتين السابقتين في وضع رسالة عملية تتقيد بمنهج سليم في العرض من الناحية الفنية وتلتزم بلغة مبسطة حديثة وتبدأ في العرض من الصفر وتحاول ان تعرض الاحكام من خلال صور حية وتطبيقات منتزعة من واقع الحياة وتتجه إلى بيان الحكم الشرعي لما يستجد من وقائع وهذه (الفتاوى الواضحة) تحقيق لذلك بالقدر الذي اتسع له المجال وإتاحة الفرصة ونسأل المولى القدير سبحانه وتعالى ان يتقبلها بلطفه وينفع بها إخواننا المؤمنين.
पृष्ठ 14
مصادر الفتوى ونرى من الضروري ان نشير أخيرا بصورة موجزة إلى المصادر التي اعتمدنا بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوى الواضحة، وهي كما ذكرنا في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة بامتدادها المتمثل في سنة الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم أحد الثقلين الذين امر النبي (ص) بالتمسك بهما ولم نعتمد في شئ من هذه الفتاوى على غير هذين المصدرين، اما القياس والاستحسان ونحوهما فلا نرى مسوغا شرعيا للاعتماد عليها تبعا لائمة أهل البيت عليهم السلام.
واما ما يسمى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به أو لا فنحن وان كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به ولكنا لم نجد حكما واحدا يتوقف اثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة واما ما يسمى بالاجماع فهو ليس مصدرا إلى جانب الكتاب والسنة ولا يعتمد عليه الا من اجل كونه وسيلة اثبات للسنة في بعض الحالات وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنة ونبتهل إلى الله تعالى ان يجعلنا من المتمسكين بهما ومن استمسك بهما (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم)
पृष्ठ 15
التقسيم في هذه الرسالة وقد بدانا في هذه الرسالة العملية بالتقليد فذكرنا احكام المقلد واحكام الاجتهاد والاحتياط وتكلمنا بعد ذلك عن التكليف وشروطه ثم صنفنا الاحكام إلى أربعة اقسام:
القسم الأول العبادات.
القسم الثاني الأموال ويشمل على الأموال العامة والأموال الخاصة.
القسم الثالث السلوك الخاص.
القسم الرابع السلوك العام.
وسيأتي توضيح ما هو المقصود بكل واحد من هذه الأقسام في نهاية الحديث عن التكليف وشروطه.
ونسأل المولى القدير تعالى السداد والاعتصام وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
النجف الأشرف 26 / محرم الحرام 1396 محمد باقر الصدر
पृष्ठ 16
التقليد والاجتهاد
पृष्ठ 17
بسم الله الرحمن الرحيم
पृष्ठ 18
الطرق الثلاث لطاعة الله 1 - في دين الله سبحانه أوامر ونواه، جلت عظمته، يسأل عباده عنها، ولا وسيلة لمعرفة المكلف بأنه قد أدى إلى الله طاعته في امره واتقاه في نهيه الا إذا كان في جميع أفعاله وتروكه مجتهدا في أحكام الشريعة أو مقلدا لمن هو أهل للتقليد والاقتداء به، أو محتاطا على أن يستند في احتياطه إلى علمه هو واجتهاده أو إلى تقليد مجتهد معين.
هذا في غير البديهيات الدينية والمسلمات الواضحة كوجوب الصوم والصلاة وحرمة الزنا والربا وكالمسائل القطعية التي يمكن العلم بها بلا جهد ودرس كبعض الواجبات وكثير من المستحبات وأكثر المباحات التي يعرف حكمها الكثير من الناس الذين يعيشون في البيئات الدينية، ومنها - على سبيل المثال - وجوب العدة على زوجة الميت وعلى المطلقة الشابة بعد المقاربة واستحباب الأذكار والدعوات، وإباحة اكل الرمان، فان هذا النوع من الاحكام لا اجتهاد فيه ولا تقليد ولا احتياط.
وأيضا لا تقليد في تطبيق المعاني الكلية على افرادها الخارجية والتمييز بينها، مثل ان يشك المقلد: هل هذا المائع السائل خمر أو خل؟ تعريف الطرق الثلاث: 2 - الاجتهاد هو القدرة العلمية على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرر له.
पृष्ठ 19
والاحتياط ان يأتي المكلف بكل شئ يحتمل فيه الامر والوجوب ولا يحتمل تحريمه على الاطلاق، وان يترك كل شئ يحتمل فيه النهي والتحريم ولا يحتمل فيه الوجوب بحال.
والتقليد قدوة وأسوة، ويتحقق بمجرد العمل، أو بمجرد الجزم والعزم على العمل - عند الحاجة - بقول مجتهد معين فاحد هذين كاف في صحة التقليد وواف في جواز البقاء عليه بعد موت المقلد على ما يأتي.
حكم من ترك الطرق الثلاث 3 - لا وزن لعمل عامل غير مجتهد في احكام الله تعالى ولا محتاط فيها ولا مقتد بمجتهد عادل حتى ولو كان العامل جاهلا بوجوب التقليد أو الاحتياط، لان الجهل هنا ليس بعذر، ولكن لو تكشف له ان عمله كان على النهج المطلوب منه واقعا بالتمام والكمال، أو كان موافقا لفتوى من يجب عليه تقليده ساعة الكشف والعلم بوجوب التقليد أو الاحتياط لو كان هذا كفاه عمله السابق، ولا شئ عليه وإذا انتبه وعلم بوجوب التقليد أو الاحتياط ولكنه شك في أن عمله السابق بلا تقليد واحتياط: هل كان على النهج المطلوب حتى لا يجب القضاء على حد تعبير الفقهاء، - وهم يطلقون كلمة القضاء على الاتيان بالفعل المأمور به بعد فوات أمده المضروب له - أو لم يكن على النحو المطلوب بل كان باطلا حتى يقضي المكلف ما فات؟ فماذا يصنع؟
الجواب: اما فيما يعود إلى القضاء فقط فلا يجب عليه في مثل هذا الفرض، وتجب الإعادة ما بقي وقت الفريضة.
पृष्ठ 20
التقليد 4 - التقليد هو الطريق الأكثر عملية لجل الناس، فقد اعتاد الناس في كل مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة بذلك المجال وهو واجب على كل مكلف لا يتمكن من الاجتهاد.
ويشترط فيمن يرجع إليه التقليد البلوغ، والعقل، والذكورة، والايمان، والاجتهاد، والعدالة (1) والحياة اي يجب في سائر الأحوال ان يبدأ التقليد بالعمل أو الالتزام بقول الحي دون الميت.
5 - إذا تعدد المجتهدون الذين تتوفر فيهم الشروط السابقة، وكانوا متفقين في آرائهم وفتاويهم، فبامكان المقلد ان يرجع إلى اي واحد منهم ولكن هذا مجرد افتراض نظري وليس واقعا في الحياة العملية عادة لان الاجتهاد مثار للاختلاف بين المجتهدين غالبا. فإذا اختلفوا وعلم المقلد بأنهم مختلفون في آرائهم فلمن يرجع؟ ومن يقلد؟
الجواب: انه يرجع إلى الأعلم في الشريعة، والأعرف والأقدر على تطبيق أحكامها في مواردها، مع فهم للحياة وشؤونها بالقدر الذي تتطلبه معرفة أحكامها من تلك الأدلة. وبعبارة موجزة يجب على المقلد ان
पृष्ठ 21
يقلد الأعلم من المجتهدين في هذه الحالة والجواب: انه يعرف بطرق منها أولا: بشهادة عدلين من المجتهدين الأكفاء أو الأفاضل القادرين على التقييم العلمي وسيأتي معنى العادل في الفقرة (32) من هذا الباب.
ثانيا: الخبرة والممارسة الشخصية من المقلد إذا كان له من الفضل والعلم ما يتيح له ذلك وان لم يكن مجتهدا. وأخيرا بكل سبب يؤدي إلى يقين المقلد وايمانه بان فلانا اعلم - مهما كان السبب - فان ذلك يحتم عليه ان يقلده دون سواه، ومن ذلك الشياع بين أهل العلم والفضل، أو الشياع في صفوف الأمة إذا أدى إلى يقين المقلد بان من شاع انه اعلم هو الأعلم حقا.
ويجب على المقلد الفحص والبحث عن الأعلم في كل مظنة وسبيل ممكن وأيضا يجب على المكلف ان يحتاط في أعماله مدة البحث والفحص 7 - قد يتفق ويصادف ان يكون الأعلم أكثر من واحد من بين المجتهدين اي اثنين - مثلا - هما على مستوى واحد مقدرة وفضلا، وقد اختلفا في الفتوى، فهل هناك مرجحات غير العلم والاجتهاد توجب تقديم أحدهما على الآخر في التقليد؟
الجواب: قيل بتقديم الأعدل، ولكن الصحيح ان الواجب في كل واقعة الاخذ بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط، وبكلمة أخرى لا يتصرف المكلف تصرفا الا إذا اتفقا على الترخيص فيه.
8 - إذا شك المكلف وتردد: هل زيد اعلم من بكر - مثلا - أو بكر اعلم منه، إذا حدث هذا ينظر فان كان المكلف على يقين بان أحدهما - ولنفرض مثلا انه زيد - كان من قبل اعلم بلا ريب ولكن بكرا جد ونشط في البحث أمدا غير قصير بعد العلم بأعلمية زيد حتى احتمل المكلف
पृष्ठ 22