Fatawa of Dr. Husam Afaneh
فتاوى د حسام عفانة
शैलियों
الكتاب: فتاوى د حسام عفانة
المؤلف: حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة
(هذا الكتاب هو أرشيف للفتاوى المطروحة على موقع الشيخ، حتى ٢٢ شوال ١٤٣١ هـ = ١ أكتوبر ٢٠١٠ م)
[الكتاب مرقم آليا]
http://yasaloonak.net
التعريف بالموقع
جاء على موقع (يسألونك) للدكتور حسام عفانة، ما يلي:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ...
نرحب بكم في موقع يسألونك فأهلًا وسهلًا ومرحبًا ونود أن نعرفكم بموقع يسألونك:
كما لا يخفى عليكم أهمية شبكة الإنترنت ودورها في نشر المعلومات والإعلام فأحببنا أن يكون لنا نصيب في نشر الخير على هذه الشبكة فجعلنا لنا موقع يسألونك.
وعنوان الموقع يسألونك هو في الأصل عنوان لزاوية أسبوعية يكتبها صاحب الموقع الشيخ أ. د. حسام الدين بن موسى عفانه في الصفحة الدينية في صحيفة القدس المقدسية منذ سنة ١٩٩٣م يجيب فيها على أسئلة القراء الدينية، ثم أصبح يسألونك عنوانًا لسلسلة كتب صدر منها [١٤ جزءا]، وقد حوت هذه السلسلة مجموعة طيبة من الأسئلة الشرعية وإجاباتها.
ومن المعلوم أن الاشتغال بالعلم من أفضل القربات، وأجل الطاعات، وأهم أنواع الخير، وآكد العبادات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات، وشمّر في إدراكه، والتمكن فيه أصحاب الأنفس الزكيات، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى المكرمات، وسارع إلى التحلي به مستبقوا الخيرات، وقد تظاهر على ما ذكرته جمل من آيات القرآن الكريمات، والأحاديث الصحيحة النبوية المشهورات، ولا ضرورة إلى الإطناب بذكرها هنا لكونها من الواضحات الجليات.
وعلم الفقه من أجل العلوم الشرعية وأهمها، وقد حث رب العالمين ﷾ على التفقه في الدين، فقال ﷻ: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) سورة التوبة الآية ١٢٢.
وصح عن النبي ﷺ أنه قال: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) رواه البخاري ومسلم.
وعلم الفقه هو الباحث عن الحلال والحرام، والباعث على التمييز بين الجائز والفاسد من وجوه الأحكام، ويحتاج إليه الخواص والعوام، في جميع الأوقات والأيام.
وأرغب في هذا المقام أن أبين بعض الأمور التي ترسم المنهج الذي أسير عليه:
- لما كان اختلاف المذاهب الفقهية في كثير من المسائل، له أسباب علمية اقتضته، ولله ﷾ في ذلك حكمة بالغة منها: الرحمة بعباده، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص، ثم هي بعد ذلك نعمة وثروة فقهية تشريعية، تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد، حصرًا لا مناص منه إلى غيره، بل إذا ضاق بالأمة مذهب أحد الأئمة الفقهاء، في وقت ما، في أمر ما، وجدت في المذهب الآخر سعة ورفقًا ويسرًا، مقتبس من قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي رقم ٩ لسنة ١٤٠٨ هـ.
- وبناءً على ما سبق، فإني أبحث كل مسألة، وأعرف أقوال أهل العلم فيها، وأعرف اختلافهم، فمن لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم رائحة الفقه، ثم أختار من أقوال العلماء من أصحاب المذاهب الفقهية ومن غيرهم، كالصحابة - فهم سادات المفتين والعلماء - والتابعين وأتباعهم وغيرهم من العلماء.
ولمعرفة أقوال أهل العلم في المسألة، فإني أرجع إلى أمهات المصادر، من كتب الفقه وكتب الحديث والآثار والتفسير.
قال الحافظ الذهبي: [قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحد المجتهدين -: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل " المحلى " لابن حزم، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين - يعني ابن قدامة المقدسي -.
قلت - أي الذهبي -: لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثهما " السنن الكبير " للبيهقي، ورابعها " التمهيد " لابن عبد البر، فمن حصَّل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقًا] سير أعلام النبلاء ١٨/١٩٣.
وعلق الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد على كلام الذهبي: [قلت: وخامسها وسادسها مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ومؤلفات ابن قيم الجوزية، وهما عندي في الكتب بمنزلة السمع والبصر، وصدق الشيخ الشوكاني رحمه الله تعالى في قوله: لو أن رجلًا في الإسلام ليس عنده من الكتب إلا كتب هذين الشيخين لكفتاه.
وسابعها: " فتح الباري " لابن حجر وعند كلٍ خير، رحم الله علماء ملة الإسلام] المدخل المفصل ٢/٦٩٦.
وأضيف إليها ثامنًا، وهو المجموع شرح المهذب للإمام النووي، مع أنه لم يكمل، ولو قدر للإمام النووي أن يكمله، لكان من أعظم كتب الفقه مطلقًا، وهو في غاية الحسن والجودة كما قال الحافظ الذهبي، الإمام النووي لعبد الغني الدقر ص ٩٨.
وأحاول أن أصل إلى القول الراجح في المسألة بناءً على الدليل، فإن جمال الفتوى وروحها الدليل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
وأرجح في المسألة وأختار ما يؤيده الدليل، حتى لا أدع القارئ حائرًا بين أقوال الفقهاء، فإنه لا ينبغي للمفتي عندما يسأله العامة عن مسألة ما، أن يقول فيها مثلًا: قال الحنفية كذا، وقال الشافعية في أحد القولين كذا، وفيها رواية في مذهب أحمد، والمشهور من مذهب مالك كذا.... فإنه إن فعل ذلك، لم ينتفع العامة بقوله، بل يتركهم تائهين بين تلك الأقوال.
وليس كل ما قاله فقيه من فقهائنا مسلَّمٌ به وصحيح، إلا قولًا له حظٌ من الأثر أو النظر، وقديمًا قال الإمام مالك يرحمه الله: [كلٌ يؤخذ من كلامه ويترك، إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر المصطفى ﷺ] .
ولما كانت الأحكام الفقهية، مبنيةً على الأدلة الشرعية، من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ فقد عُنيتُ بتخريج الأحاديث التي أستدل بها، فما كان في صحيحي البخاري ومسلم، أو في أحدهما، اكتفيت بذلك، وما كان فيما عداهما من كتب السنة الأخرى، ذكرت أقوال المحدثين في الحكم عليه، كالإمام النووي والحافظ ابن حجر والحافظ الزيلعي من المتقدمين، ومن المتأخرين محدث العصر الشيخ العلاّمة ناصر الدين الألباني، فإني أعتمد غالبًا على حكمه على الأحاديث، جزى الله علماءَنا خير الجزاء.
وأخيرًا فإني لا أزعم أني أصبت الحق فيما ذكرت وكتبت، ولكن حسبي أني بذلت الجهد والوسع فما أصبت فمن الله وحده، وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان.
والله الهادي إلى سواء السبيل
د. حسام الدين بن موسى عفانه
الأستاذ في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس
بيت المقدس / فلسطين
المشرف العامّ
الاسم: حسام الدين بن موسى محمد بن عفانه
مكان وتاريخ الولادة: أبو ديس - القدس عام ١٣٧٤هـ وفق ١٩٥٥ م
الدرجة العلمية: أستاذ في الفقه والأصول.
الشهادات العلمية:
بكالوريوس شريعة بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف من كلية الشريعة، الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة / السعودية سنة ١٩٧٨.
ماجستير فقه وأصول بتقدير جيد جدًا، من كلية الشريعة - جامعة أم القرى / السعودية سنة ١٩٨٢.
بدكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جدًا، من كلية الشريعة جامعة أم القرى/ السعودية ١٩٨٥سنة.
العمل:
أستاذ مساعد كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة القدس من ١٩٨٥-١٩٨٧.
أستاذ مساعد قسم الثقافة الإسلامية، كلية التربية، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية من ١٩٨٨-١٩٩١.
أستاذ مساعد كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة القدس من ١٩٩١-١٩٩٧.
أستاذ مشارك كلية الدعوة وأصول الدين من ١٩٩٧م وحتى ٢٠٠٤م.
أستاذ الفقه والأصول (بروفيسور) / جامعة القدس من تشرين أول ٢٠٠٤م.
رئيس دائرة الفقه والتشريع / كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس حاليًا.
منسق برنامج ماجستير الفقه والتشريع والأصول / كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس حاليًا.
تدريس مساقات في الفقه والأصول في جامعة النجاح الوطنية - نابلس لطلبة الدراسات العليا ١٩٩٢.
التدريس في كلية الدعوة والدراسات الإسلامية في أم الفحم ١٩٩١-١٩٩٤.
تدريس مساقات البحث العلمي والدلالات وشرح قانون الأحوال الشخصية والاجتهاد لطلبة الماجستير معهد القضاء العالي جامعة الخليل ١٩٩٧-١٩٩٩.
عضو المجلس الأكاديمي لجامعة القدس من ١٩٩٥ وحتى ١٩٩٩.
عضو تحرير مجلة هدى الإسلام منذ ١٩٨٦ وحتى الآن.
رئيس هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني (وهي شركة تتعامل وفق أحكام المعاملات الإسلامية) منذ ١٩٩٤م وحتى سنة ٢٠٠٤م حيث توقفت الشركة عن العمل.
رئيس هيئة الرقابة الشرعية لبنك الأقصى الإسلامي منذ سنة ١٩٩٨م وحتى الآن.
منسق برنامج ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة جامعة القدس سابقًا.
عضو مجلس البحث العلمي في جامعة القدس.
الإنتاج العلمي:
الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة وعلاقتهما بالأحكام الشرعية (رسالة ماجستير) .
بيان معاني البديع في أصول الفقه (رسالة دكتوراه) .
الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية (كتاب) .
أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية (كتاب) .
يسألونك [كتب ١ - ١٤] .
بيع المرابحة للآمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني العربي (كتاب) .
صلاة الغائب دراسة فقهية مقارنة (كتاب) .
المفصل في أحكام الأضحية (كتاب) .
شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي (دراسة وتعليق وتحقيق) .
فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي ١٢ جزء ابالاشتراك صدر الأول منها:
- الجزء الأول ويشمل فهرس أصول الفقه والفقه المقارن والفقه المالكي والفقه الحنبلي والقواعد الفقهية والفرائض.
- الجزء الثاني فهرس الفقه الشافعي.
الفتاوى الشرعية (١) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال العربي) .
الفتاوى الشرعية (٢) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال العربي) .
الشيخ العلامة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب (بحث) .
الزواج المبكر (بحث) .
الإجهاض (بحث) .
مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات (كتاب) .
مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة للعلامةالمحدث الألباني (كتاب) .
اتباع لا ابتداع (كتاب) .
بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي (دراسة وتعليق وتحقيق) .
رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة البركوي (دراسة وتحقيق وتعليق) .
الخصال المكفرة للذنوب (يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني) (كتاب) .
أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (كتاب) .
التنجيم (بحث بالاشتراك) .
الحسابات الفلكية (بحث بالاشتراك) .
المفصل في أحكام العقيقة (كتاب) .
فهرس المخطوطات المصورة الجزء الثاني (الفقه الشافعي) بالاشتراك (كتاب)
فقه التاجر المسلم وآدابه (كتاب)
مجموعة من المقالات:
تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية.
نظام الأحوال الشخصية بين الثبات والتطور.
محدث العصر العلامة الألباني.
العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز.
كسوف الشمس آية من آيات الله.
نظرات في البدعة.
لمحات في المحافظة على الأوقات.
إمام الحرمين الجويني وكتابه الورقات في أصول الفقه.
دراسة الأحاديث الواردة في صلاة الغائب.
أحكام شرعية في مسائل طبية.
ركن الفتوى - مجلة الإشراقة.
تعقيب على مقال البنوك وفتوى شيخ الأزهر.
أبحاث ومقالات متفرقة في المجلات والصحف المحلية.
الإشراف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه:
البنوك الإسلامية في فلسطين بين النظرية والتطبيق نوقشت ١٤٢٠هـ ١٩٩٩م
إعداد الطالب: محمد طارق الجعبري
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
مصرف (في سبيل الله) من مصارف الزكاة / دراسة فقهية مقارنة نوقشت ١٤٢١هـ ٢٠٠٠م
إعداد الطالب: نبيل عيسى الجعبري
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
التأويل بين ضوابط الأصوليين وقراءات المعاصرين نوقشت ١٤٢٢هـ ٢٠٠١م
إعداد الطالب: ابراهيم محمد طه بويداين
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة
أحكام المفقود في الفقه الإسلامي وما عليه العمل في المحاكم الشرعية في فلسطين نوقشت ١٤٢٣هـ ٢٠٠٢م
إعداد الطالب: توفيق محمد العملة
جامعة الخليل / كلية الدراسات العليا / قسم القضاء الشرعي.
تحقيق كتاب أدب القضاء من (شرح فتح القدير لكمال الدين بن الهمام الحنفي المتوفى ٨٦١ هـ) نوقشت ١٤٢٣هـ ٢٠٠٢م
إعداد الطالب: حاتم البكري
جامعة الخليل / كلية الدراسات العليا / قسم القضاء الشرعي.
تحقيق كتاب الشهادات من (شرح فتح القدير لكمال الدين بن الهمام الحنفي المتوفى ٨٦١ هـ)
إعداد الطالب: محمد وليد القاضي
جامعة الخليل / كلية الدراسات العليا / قسم القضاء الشرعي.
تحقيق كتاب الصيام والاعتكاف من (شرح فتح القدير لكمال الدين بن الهمام الحنفي المتوفى ٨٦١ هـ)
إعداد الطالب: نور الدين الرجبي.
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
تحقيق كتابي الصرف والحوالة من (شرح فتح القدير لكمال الدين بن الهمام الحنفي المتوفى ٨٦١ هـ)
إعداد الطالب: كنعان عبد الكريم محمد.
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
تحقيق كتاب البيوع من (شرح فتح القدير لكمال الدين بن الهمام الحنفي المتوفى ٨٦١ هـ)
إعداد الطالب: جمال صقر.
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
ضوابط الاستهلاك في الاقتصاد الإسلامي
إعداد الطالبة: ميسرة يسري التميمي.
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
الصحة الإنجابية في الإسلام
إعداد الطالب: رائد محمد مصطفى.
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
حالات التصرف الموقوف بين الفقه الإسلامي والقانون المدني
إعداد الطالب محمد عبد السلام نظمي رموز
رسالة ماجستير / كلية الحقوق / جامعة القدس / نوقشت ٢٠٠٤
زبدة الأسرار في شرح مختصر المنار لأحمد بن محمد السيواسي المتوفى سنة ١٠٠٦ هـ
تحقيق ودراسة / رسالة دكتوراة / جامعة عين شمس / القاهرة بالاشتراك مع جامعة الأقصى/غزة
الطالب محمد حسني علي / نوقشت ٢٠٠٥م.
تحقيق كتاب النوافل من (شرح فتح القدير لكمال الدين بن الهمام الحنفي المتوفى ٨٦١ هـ) .
إعداد الطالبة: أمل محمد صيام.
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
فقه الوقت
إعداد الطالبة: فاطمة المناصرة.
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
الحضانة في الفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية الأردني.
إعداد الطالب: عمر عبد القادر القواسمي.
جامعة الخليل / كلية الدراسات العليا / قسم القضاء الشرعي.
إثبات الأهلة بين الفقه الإسلامي وعلم الفلك.
إعداد الطالب: محمد كنعان.
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
الرسائل التي شارك في مناقشتها:
أحكام الإفتاء في الشريعة الإسلامية: ١٤٠٨هـ =١٩٨٨ م.
إعداد الطالب: إبراهيم سالم سلمان أبو مر.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الشريعة / قسم الفقه والتشريع.
هذه الرسالة أول رسالة علمية في الشريعة الإسلامية لنيل درجة الماجستير تناقش في الأراضي المحتلة - فلسطين - وقد نوقشت في جامعة النجاح بمدينة نابلس بتاريخ ٤/٧/١٩٨٨م الموافق ٢٠ من ذي القعدة ١٤٠٨هـ.
دلالة صيغة الأمر على الأحكام الشرعية: نوقشت ١٤١٢هـ = ١٩٩١م.
إعداد الطالب: حسن سعد عوض خضر.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الشريعة / قسم الفقه والتشريع.
دلالة صيغة النهي على الأحكام الشرعية: نوقشت ١٤١٣هـ = ١٩٩٣م.
إعداد الطالب: زياد إبراهيم حسين مقداد.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الشريعة / قسم الفقه والتشريع.
علم أصول الفقه من مخطوط " بغية الألباب في شرح غنية الطلاب " لمحمد بن بدير بن حبيش المقدسي المتوفى ١٢٢٠ هـ: نوقشت ١٤١٥هـ = ١٩٩٤م.
إعداد الطالب: محمد حسني علي محمد.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الشريعة / قسم الفقه والتشريع.
مذهب الصحابي وأثر الاختلاف فيه في اختلاف الفقهاء: نوقشت ١٤١٨ هـ / ١٩٩٧م.
إعداد الطالب: محمد مطلق أبو جحيشة.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الشريعة / قسم الدراسات العليا.
أحكام الشريعة الإسلامية في الخلو والمفتاحية: نوقشت ١٤١٧هـ = ١٩٩٧م.
إعداد الطالب: يوسف خالد يوسف السركجي رحمة الله عليه
جامعة النجاح الوطنية / كلية الدراسات العليا / قسم الفقه والتشريع.
أسباب الرخص في الشريعة الإسلامية: نوقشت ١٤١٨هـ = ١٩٩٧م.
إعداد الطالب: عبد الرحيم توفيق خليل.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الشريعة / قسم الفقه والتشريع.
القسامة في الفقه الإسلامي: نوقشت ١٤١٨ هـ = ١٩٩٧م.
إعداد الطالب: بشار مدحت عبده أبو زهرة.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الدراسات العليا / قسم الفقه والتشريع.
البيوع المعاصرة المنهي عنها في الشريعة الإسلامية نوقشت ١٤١٨هـ = ١٩٩٨م.
إعداد الطالب: هاشم عبد الرحمن مصطفى محاجنة.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الدراسات العليا / قسم الفقه والتشريع.
أحكام قرار المرأة في بيتها وخروجها منه في الفقه الإسلامي: نوقشت ١٤١٩هـ = ١٩٩٨م.
إعداد الطالبة: أميمة محمد نعمان قراقع.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الشريعة / قسم الفقه والتشريع.
الحيل الشرعية في الفقه الإسلامي: نوقشت ١٤١٩هـ = ١٩٩٩م.
إعداد الطالب: تيسير عمران علي عمر.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الدراسات العليا / قسم الفقه والتشريع.
تقسيم اللفظ من حيث ظهور المعنى وخفاؤه نوقشت ١٤٢٠هـ = ١٩٩٩م.
إعداد الطالب عبد الخالق حسن النتشة
جامعة النجاح الوطنية / كلية الدراسات العليا / قسم الفقه والتشريع.
الجمع والتوفيق بين الأدلة المتعارضة: نوقشت ١٤٢٠هـ = ١٩٩٩م.
إعداد الطالب: فواز فارس عبد السميع أبو ارميلة.
جامعة النجاح الوطنية / كلية الدراسات العليا / قسم الفقه والتشريع.
أحكام الخطبة في الفقه الإسلامي نوقشت ١٤٢٣هـ / ٢٠٠٢م
إعداد الطالب: نايف محمود الرجوب
جامعة الخليل / كلية الدراسات العليا / قسم القضاء الشرعي.
الطاعة الزوجية في الفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية نوقشت ١٤٢٣هـ / ٢٠٠٢م
إعداد الطالب: محمد جمال أبو سنينة
جامعة الخليل / كلية الدراسات العليا / قسم القضاء الشرعي.
الجائز والممنوع في الاختلاط وانعكاسات ذلك على المجتمع الفلسطيني نوقشت ١٤٢٣هـ / ٢٠٠٢م
إعداد الطالب: خيري أمين طه
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
صورة المجتمع الفلسطيني من خلال فتاوى الشيخ محمد الخليلي المتوفى ١١٤٧هـ ١٧٣٤م
نوقشت (١٤٢٣هـ / ٢٠٠٢م)
إعداد الطالب: عبد اللطيف محمد كنعان
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
الإثبات بالقرائن في الفقه الإسلامي نوقشت ١٤٢٦هـ / ٢٠٠٦م
إعداد الطالب: عبد القادر إدريس
جامعة الخليل / كلية الدراسات العليا / قسم القضاء الشرعي.
الإعلام الإسلامي في ضوء الكتاب والسنة نوقشت ١٤٢٧ هـ
إعداد الطالب: محمد حسن اشتيوي
جامعة القدس / ماجستير الدراسات الإسلامية المعاصرة.
تمت والحمد لله رب العالمين
अज्ञात पृष्ठ
١ - أسماء الله الحسنى ليست محصورة في تسعة وتسعين
يقول السائل: كيف نوفق بين الحديثين التاليين، قول النبي ﷺ: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، وقوله ﷺ: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من حفظها دخل الجنة)، أفيدونا.
الجواب: أما الحديث الأول فهو ثابت من حديث ابن مسعود ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما أصاب أحدًا قط همٌ ولا حَزَنٌ، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حَزَني وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحَزَنَه وأبدله مكانه فرجًا. قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها) رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٣٣٧. وأما الحديث الثاني فقد ورد عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، من حفظها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر) . وفي رواية: (من أحصاها) رواه البخاري ومسلم. وقد قرر أهل العلم أن لا تعارض بين الحديثين، وقالوا إن أسماء الله الحسنى ليست محصورة في تسعة وتسعين اسمًا، بل أسماء الله الحسنى لا يحصرها العدد، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، قال الإمام البيهقي [باب بيان أن لله جل ثناؤه أسماء أخرى، وليس في قول النبي ﷺ: لله تسعة وتسعون اسمًا نفي غيرها] الأسماء والصفات ١/٢٧. وقال الإمام النووي: [واتفق العلماء على أن هذا الحديث - أي حديث إن لله تسعةً وتسعين اسمًا- ليس فيه حصر لأسمائه ﷾، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وانما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم، قا ابن العربي: وهذا قليل فيها والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم ٦/١٧٧. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وقد اختلف في هذا العدد هل المراد به حصر الأسماء الحسنى في هذه العدة أو أنها أكثر من ذلك ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة؟ فذهب الجمهور إلى الثاني - ثم نقل كلام النووي السابق- ثم قال: وقال الخطابي: في هذا الحديث إثبات هذه الأسماء المخصوصة بهذا العدد وليس فيه منع ما عداها من الزيادة، وإنما للتخصيص لكونها أكثر الأسماء وأبينها معاني، وخبر المبتدأ في الحديث هو قوله " من أحصاها " لا قوله " لله " وهو كقولك لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، أو لعمرو مائة ثوب من زاره ألبسه إياها. وقال القرطبي في " المفهم " نحو ذلك، ونقل ابن بطال عن القاضي أبي بكر بن الطيب قال: ليس في الحديث دليل على أنه ليس لله من الأسماء إلا هذه العدة، وإنما معنى الحديث أن من أحصاها دخل الجنة، ويدل على عدم الحصر أن أكثرها صفات وصفات الله لا تتناهى ...] فتح الباري ٩/٢٦٣-٢٦٤. [وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن قال: لا يجوز الدعاء إلا بالتسعة والتسعين اسمًا، ولا يقول: يا حنان، يا منان، ولا يقول: يا دليل الحائرين، فهل له أن يقول ذلك؟ فأجاب: الحمد لله، هذا القول وإن كان قد قاله طائفة من المتأخرين كأبي محمد ابن حزم وغيره، فإن جمهور العلماء على خلافه، وعلي ذلك مضي سلف الأمة وأئمتها، وهو الصواب لوجوه: أحدها: أن التسعة والتسعين اسمًا لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي ﷺ، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديث ثان أضعف من هذا. رواه ابن ماجة. وقد روي في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف. وهذا القائل الذي حصر أسماء الله في تسعة وتسعين، لم يمكنه استخراجها من القرآن، وإذا لم يقم على تعيينها دليل يجب القول به لم يمكن أن يقال: هي التي يجوز الدعاء بها دون غيرها؛ لأنه لا سبيل إلى تمييز المأمور من المحظور. فكل اسم يجهل حاله، يمكن أن يكون من المأمور، ويمكن أن يكون من المحظور. وإن قيل: لا تدعوا إلا باسم له ذكر في الكتاب والسنة، قيل: هذا أكثر من تسعة وتسعين. الوجه الثاني: أنه إذا قيل تعيينها على ما في حديث الترمذي مثلًا، ففي الكتاب والسنة أسماء ليست في ذلك الحديث، مثل اسم الرب، فإنه ليس في حديث الترمذي، وأكثر الدعاء المشروع إنما هو بهذا الاسم، كقول آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ الأعراف: ٢٣، وقول نوح: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ هود: ٤٧، وقول إبراهيم: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ إبراهيم: ٤١، وقول موسى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾ القصص: ١٦، وقول المسيح: ﴿رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء﴾ المائدة: ١١٤، وأمثال ذلك. حتى إنه يذكر عن مالك وغيره، أنهم كرهوا أن يقال: يا سيدي، بل يقال: يا رب، لأنه دعاء النبيين، وغيرهم، كما ذكر الله في القرآن. وكذلك اسم المنان، ففي الحديث الذي رواه أهل السنن أن النبي ﷺ سمع داعيًا يدعو: اللهم إني أسألك بأن لك الملك، أنت الله المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي ﷺ: (لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)، وهذا ردٌ لقول من زعم أنه لا يمكن في أسمائه المنان. وقد قال الإمام أحمد لرجلٍ ودَّعه، قل: يا دليل الحائرين، دلني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين. وقد أنكر طائفة من أهل الكلام: كالقاضي أبي بكر، وأبي الوفاء ابن عقيل، أن يكون من أسمائه الدليل؛ لأنهم ظنوا أن الدليل هو الدلالة التي يستدل بها، والصواب ما عليه الجمهور؛ لأن الدليل في الأصل هو المعرف للمدلول، ولو كان الدليل ما يستدل به، فالعبد يستدل به أيضًا فهو دليل من الوجهين جميعًا. وأيضًا، فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الله وترٌ يحب الوتر) . وليس هذا الاسم في هذه التسعة والتسعين، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (إن الله جميل يحب الجمال) وليس هو فيها. وفي الترمذي وغيره أنه قال: (إن الله نظيف يحب النظافة)، وليس هذا فيها، وفي الصحيح عنه أنه قال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا) وليس هذا فيها. وتتبع هذا يطول. ولفظ التسعة والتسعين المشهورة عند الناس في الترمذي: (الله. الرحمن. الرحيم. الملك. القدوس. السلام. المؤمن. المهيمن. العزيز. الجبار. المتكبر. الخالق. البارئ. المصور. الغفَّار. القهَّار. الوهاب. الرزاق. الفتاح. العليم. القابض. الباسط. الخافض. الرافع. المعز. المذل. السميع. البصير. الحكم. العدل. اللطيف. الخبير. الحليم. العظيم. الغفور. الشكور. العلي. الكبير. الحفيظ. المقيت. الحسيب. الجليل. الكريم. الرقيب. المجيب. الواسع. الحكيم. الودود. المجيد. الباعث. الشهيد. الحق. الوكيل. القوي. المتين. الولي. الحميد. المحصي. المبدئ. المعيد. المحيي. المميت. الحي. القيوم. الواجد. الماجد. الأحد - ويروي الواحد - الصمد. القادر. المقتدر. المقدم. المؤخر. الأول. الآخر. الظاهر. الباطن. الوالي. المتعالي. البر. التواب. المنتقم. العفو. الرؤوف. مالك الملك ذو الجلال والإكرام. المقسط. الجامع. الغني. المغني. المعطي. المانع. الضار. النافع. النور. الهادي. البديع. الباقي. الوارث. الرشيد. الصبور. الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين، اسمه: السبوح، وفي الحديث عن النبي ﷺ أنه كان يقول: (سبوح قدوس) . واسمه الشافي كما ثبت في الصحيح أنه ﷺ كان يقول: (أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقمًا) . وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة، وثبت في الدعاء بها بإجماع المسلمين، وليس من هذه التسعة والتسعين.
الوجه الثالث: ما احتج به الخطابي وغيره، وهو حديث ابن مسعود -وذكر الحديث السابق - ثم قال: والله في القرآن قال: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ الأعراف: ١٨٠، فأمر أن يدعى بأسمائه الحسني مطلقًا، ولم يقل: ليست أسماؤه الحسنى إلا تسعة وتسعين اسمًا، والحديث قد سلم معناه. والله أعلم.] مجموع الفتاوى ٢٢/٤٨١-٤٨٢. وللعلماء كلام طويل في المسألة لا يحتمله المقام.
وخلاصة الأمر أن أسماء الله الحسنى ليست محصورة في تسعة والتسعين اسمًا، وخاصة أن التسعة والتسعين الواردة في حديث الترمذي وغيره ليست ثابتة عن النبي ﷺ، بل الحديث ضعيف، وعليه فلا تعارض بين الحديثين المذكورين في السؤال، فيجوز الدعاء بكل اسم ثبت أنه من أسماء الله تعالى الحسنى.
1 / 1
٢ - يحرم شرعا تمثيل الأنبياء ﵈
يقول السائل: تبث إحدى القنوات الفضائية مسلسلًا يتحدث عن نبي الله يوسف الصديق ﵇ ويتم تمثيل شخصية يوسف ويعقوب وجبريل ﵈، فما الحكم الشرعي في ذلك، أفيدونا؟
الجواب: لا شك لدي أن التمثيل في واقعنا المعاصر، وما ينتج عنه من أفلام ومسلسلات ومسرحيات ... إلخ أصبح معولًا من معاول الهدم والتخريب والفساد والإفساد للبقية الباقية من الخير والصلاح والعفة والطهر في مجتمعنا المسلم، كما أنه لا شك لدي أن فئة الممثلين والممثلات ويلحق بهم المطربين والمطربات ممن يسمون بأهل الفن، هؤلاء وأولئك أسوأ فئات المجتمع وأضلهم سبيلًا، ومن أكثر الناس سعيًا في الأرض فسادًا، وإشاعةً للمنكرات والفواحش بين الناس، وخاصة بعد هذا الانتشار الكبير للفضائيات. [إن نظرة موضوعية إلى واقع التمثيل سواء من خلال المسرح أو السينما تدل على أنه لا يمكن اعتباره وسيلة حضارية للتقدم وإصلاح حال المجتمع والمحافظة على طهارته وسلامته، بل من الممكن أن نزعم أنه أضحى أداة هدم وإفساد وتخريب لا مثيل لها سواء في ذلك نظرنا إلى مضمون الأعمال التي تمثل وما فيها من مخاطر عظيمة على شخصية المسلم المعاصر ومجتمعه، بل على المجتمع البشري عامة] الإسلام والفنون ص ١٠٨. وإذا قلنا بجواز التمثيل فلا بد من الإشارة للأمور التالية: أولًا: يحرم التمثيل المحتوي على المنكرات والمحرمات كتمثيل الرجل مع المرأة والسفور والعري والاختلاط والكذب والكفر والفواحش. ثانيًا: يحرم تمثيل الملائكة لأنهم من عالم الغيب، ثالثًا: يحرم تمثيل الأنبياء والصحابة الكرام، وما أدري كيف يمثل آدم أبو البشر وزوجه وهما يأكلان من الشجرة؟ وما هي هذه الشجرة؟ وكيف تمثل قصة يوسف مع زوجة العزيز؟ وكيف يمثل تكليم الله تعالى لموسى ﵇. وكيف يمثل أنبياء الله وأقوامهم يرمونهم بالسحر تارة، وبالكهانة والجنون تارة أخرى؟! إلى غير ذلك من التساؤلات، انظر قرار لجنة الفتوى بالأزهر عام ١٣٧٤هـ. رابعًا: يغلب التحريم على التمثيل السينمائي والتلفزيوني والمسرحي في عصرنا الحاضر لأنه لا يخلو من المحرمات.
إذا تقرر هذا فإن تمثيل الأنبياء في الأفلام والمسلسلات ونحوها من المحرمات المتفق عليها بين أكثر علماء العصر ومن الهيئات العلمية المعتبرة، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، وما يقابله قولٌ باطلٌ لا يعتمد على دليل معتبر عند أهل العلم. وممن قال بتحريم تمثيل الأنبياء هيئة كبار العلماء السعودية، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. ومجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ودار الإفتاء المصرية ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية وعدد كبير من علماء العصر كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز والشيخ العلامة محمد العثيمين وطائفة من علماء الأزهر وغيرهم، ومن المعلوم أن الله ﷻ قد اصطفى الأنبياء واختارهم من بين عباده، وقد ثبتت لهم العصمة فهم ليسوا كبقية الناس، فهم معصومون من كبائر الذنوب، ومعصومون في تحمل الرسالة وتبليغها عن الله ﵎، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. انظر مجموع الفتاوى ٤/٣١٩. فالواجب الشرعي يقتضي تعظيم الأنبياء وتوقيرهم، لأن في تعظيمهم تعظيمًا لله ﷿ ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ سورة الحج الآية ٣٢، وتمثيل الأنبياء يتناقض مع توقيرهم، بل تمثيلهم فيه تنقصٌ لهم واستخفافٌ بهم وأذىً لهم، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ سورة الأحزاب الآية ٥٨، ثم مَنْ هذا الممثل الذي سيتقمص شخصية نبي؟! ونحن نعلم من حال الممثلين أنهم أفسد الناس وأبعدهم عن السلوك السوي [لا يوجد مخلوق أبدًا في أي وسط فني ولا في غيره، يستطيع أن يصور شخص رسول الله ولا أن يمثل شخصية رسول من الرسل ﵈، لأن الإنسان متأثرٌ بتقاليد عصره في الحركة والسكنة، وفي القول والفعل، وقد خلقه الله سبحانه أقل علمًا ومعرفة من الرسل، بل أقل في كل شيء. ولذلك فإن تمثيل الرسل هو طمسٌ وتسويةٌ لشخصيتهم، وإهدارٌ لقيمهم، وإقحامهم ميدان الرذيلة والجنس، ووسيلة من وسائل السخرية بهم، وفي تمثيلهم إخضاعٌ لهم لحال الكاتب والمخرج والممثل، وليس أحدٌ من الناس مثلهم، وسوف تتعرض الصورة النبوية في التمثيل للنقد، والتداول البذيء. ويُعدُ تمثيل الأنبياء والرسل ﵈ من الكذب الحقيقي عليهم بالشكل والقول، وقد تضافرت الأدلة في الشريعة الإسلامية على تحريم الكذب، وحتى على غير الأنبياء والرسل. وإذا كانت الأحاديث والآثار واردة في تحريم الكذب في الحديث، فإنها في الحديث والشكل والقول والفعل ستكون أشد، وفاعلها أعظم جرمًا، ومبيحها - الصورة النبوية في التمثيل- هو مبيحٌ للكذب عليهم. وفي إباحة تمثيل الرسل طريق لمدّعي النبوة، وشبهة قوية للدجالين، الذين يدجلون على الناس، وخاصة في آخر الزمان الذي نعيش فيه، وقد قيل: الصورة أقوى من الواقع أحيانًا، ولذا سيكثر المدعون للنبوة من خلال التصوير والتمثيل، وحينئذ يميع معنى النبوة في واقع الناس، كما يستغل هذا العمل المتآمرون على شخصيات الرسل.] الشريعة الإسلامية والفنون ص ٣٧٩. ومن المفاسد الكثيرة لتمثيل الأنبياء أن فيه مخالفة لحكمة الله تعالى في منع شياطين الجن من التمثل بالرسول ﷺ، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الرسول ﷺ قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي)، ويُلحَقُ شياطين الإنس وسفلتهم بشياطين الجن، في المنع من التمثل بالرسول وبإخوانه الأنبياء ﵈، فالحكمة في هذا المنع من التمثل بالرسول وبإخوانه الأنبياء، هي صيانة شخصية الرسول وشخصيات إخوانه الأنبياء من أن تكون محل عبث ولعب وتحقير من هؤلاء الممثلين التافهين. جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية: [إن عِصْمَةَ الله لأنبيائه ورُسُله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان، ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم وزوجاتهم وصحابة الرسول ﵊، ومن جهة العِبْرَة من قصص الأنبياء كيف تتأتَّى الاستفادة من تمثيل إنسان لشخص نبي، ومن قبلُ مَثَّل شخصًا عِرْبِيدًا مُقَامِرا سِكِّيرًا رفيق حَانَاتٍ وأخًا للدعارة والدَّاعِرات، ومن بَعْدُ يمثل كل أولئك أو كثيرًا منهم؟] عن الإنترنت. وجاء في قرار هيئة كبار العلماء السعودية ما يلي: [... تأييد مجلس هيئة كبار العلماء لما قرره مؤتمر المنظمات الإسلامية من تحريم إظهار فيلم محمد رسول الله، وإخراجه، ونشره، سواء فيما يتعلق بالرسول ﷺ، أو بأصحابه الكرام ﵃؛ لما في ذلك من تعريض مقام النبوة، وجلالة الرسالة، وحرمة الإسلام، وأصحاب الرسول ﷺ للازدراء والاستهانة والسخرية، وبعد المناقشة وتداول الرأي قرر المجلس تأييد رأيه السابق الذي تضمنه القرار والكتاب المشار إليهما آنفًا] . وورد في قرار آخر للهيئة يتعلق بتحريم تمثيل الصحابة الكرام: [قررت الهيئة بالإجماع ما يلي: ١- إن الله ﷾ أثنى على الصحابة وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحدٍ منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله تعالى عليهم به وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها. ٢- إن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعًا للسخرية والاستهزاء به ويتولاه أناسٌ غالبًا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة والأخلاق الإسلامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعًا مزريًا، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول ﷺ وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وما جاء به من الإسلام، ولا شك أن هذا منكر، كما يتخذ هدفًا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم. ٣- ما يقال من وجود مصلحة، وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ، فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه، عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم. ٤- من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدةً محضةً أو راجحةً فإنه محرمٌ، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة. فرعاية للمصلحة وسدًا للذريعة وحفاظًا على كرامة أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فيجب منع ذلك.] مجلة البحوث الإسلامية ١/٢٢٣.
وخلاصة الأمر أنه يحرم تمثيل الملائكة لأنهم من عالم الغيب، ويحرم تمثيل الأنبياء والمرسلين، وتمثيلهم غضٌ من مقاماتهم الشريفة وينافي عصمتهم، فهم معصومون بعصمة الله لهم من كل النقائص، وتمثيلهم تنقيص لهم، وتعدٍ على مكانتهم الشريفة. ولا يجوز مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي يُمثل فيها الملائكة والأنبياء والصحابة الكرام، ويجب عدم الاغترار بكون قنوات الرافضة الدينية تعرض هذه الأفلام والمسلسلات، فالرافضة من أكثر الناس توسعًا وتساهلًا في تشخيص الأنبياء وأئمتهم كعلي وابنه الحسين ﵄. ولا شك أن هذا انحراف واضح عن نهج الإسلام الصحيح.
1 / 2
٣ - حكم المظاهرات المؤيدة للمسلمين المستضعفين
يقول السائل: ما قولكم في فتوى بعض العلماء بأن المظاهرات التي تقام لنصرة المسلمين المستضعفين من البدع، وبأنها أعمال غوغائية وضوضاء لا خير منها، وأنها تصد الناسَ عن ذكر الله ﷿، وأنها من الفساد في الأرض، أفيدونا؟
الجواب: المظاهرات من الوسائل المعاصرة للتعبير عن الرأي وإظهار المشاعر والأحاسيس، وإذا أردنا أن نعطي حكمًا شرعيًا للمظاهرات، فلا بد أولًا من تحرير محل النزاع كما يقول الفقهاء، حتى يكون كلامنا دقيقًا، فالمظاهرات التي أتكلم عليها هي المظاهرات التي تخلو من المحرمات والمخالفات مثل: اختلاط الرجال بالنساء أثناء المظاهرة وخروج النساء متبرجات ومثل الاعتداء على ممتلكات الناس كتحطيم السيارات والمحلات أو حرق المباني واستخدام السباب والشتائم والهتاف بشعارات لا يقرها الشرع ونحو ذلك من المخالفات التي تحدث في المظاهرات. إذا تقرر هذا فإن المظاهرات تضبطها القواعد الشرعية التالية:
أولًا: قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة وهذه القاعدة كما قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: [كلمةٌ جامعةٌ ومقالةٌ عامة وقضية فاضلة عظيمة المنفعة واسعة البركة يفزع إليها حملة الشريعة فيما لا يحصى من الأعمال وحوادث الناس] مجموع الفتاوى ٢/٥٣٥.
ومن المعلوم عند الفقهاء والأصوليين أن الأفعال داخلة في عموم القاعدة، قال العلامة العثيمين: [الأصل في الأشياء عمومًا الأفعال والأعيان وكل شيء الأصل فيه الحل] القواعد الفقهية ص٣١، ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيءٌ يُنهى عن لنهى عنه القرآن) رواه البخاري ومسلم، قال العلامة ابن القيم: [وهو يدل على أمرين: أحدهما: أن أصل الأفعال الإباحة ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله....] إعلام الموقعين ٢/٣٨٧
وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: [وأحب أن أنبه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة وهي التي نسميها (العادات والمعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرمه الشارع وألزم به، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ سورة الأنعام الآية ١١٩، عامٌ في الأشياء والأفعال. وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي وفيها جاء الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ) ... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله ﷾ ...] القواعد النورانية ١١٢-١١٣] الحلال والحرام ص٢١-٢٣. وبناءً على ما سبق فإن المظاهرات داخلة تحت القاعدة السابقة والقول بتحريمها باطلٌ لأنه لا تحريم إلا بنص.
ثانيًا: قرر العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد، فالمظاهرات وسيلة للتضامن مع المسلمين، وفيها إظهارٌ للحق، ورفضٌ للظلم، وشحذٌ للهمم، وتعبيرٌ عن كون المسلمين كالجسد الواحد، كما قال ﷺ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) رواه البخاري ومسلم. فلا شك أن المظاهرة وسيلة لمقاصد عظيمة، وهذه المقاصد مطلوبة شرعًا، فالوسيلة المؤدية إليها مطلوبة شرعًا، قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد، هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام ١/٤٦. وقال الإمام شهاب الدين القرافي: [وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنَّها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها، والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة، ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة] الفروق ٢/٣٣. وقال العلامة العثيمين: [وقد قال أهل العلم للوسائل أحكام المقاصد فما كان وسيلةٌ لمطلوبٍ فهو مطلوب وما كان وسيلةً لمنهيٍ منه فهو منهيٌ عنه] عن شبكة الإنترنت.
ثالثًا: إذا سلَّمنا بأنه لم يرد دليل شرعي خاص في المظاهرات – مع أن القائلين بالجواز أوردوا أدلة كثيرة - فيمكن تخريج جواز المظاهرات بناءً على قاعدة المصلحة المرسلة، وهي التي لم يرد دليل من الشرع باعتبارها ولا بإلغائها. فيقال [هذه الممارسات التي لم ترد في العهد النبوي، ولم تعرف في العهد الراشدي، ولم يعرفها المسلمون في عصورهم الأولى، وإنما هي من مستحدثات هذا العصر: إنما تدخل في دائرة المصلحة المرسلة ... وشرطها: أن لا تكون من أمور العبادات حتى لا تدخل في البدعة، وأن تكون من جنس المصالح التي أقرها الشرع، والتي إذا عرضت على العقول، تلقتها بالقبول، وألا تعارض نصًا شرعيًا، ولا قاعدة شرعية. وجمهور فقهاء المسلمين يعتبرون المصلحة دليلًا شرعيًا يُبنى عليها التشريع أو الفتوى أو القضاء، ومن قرأ كتب الفقه وجد مئات الأمثلة من الأحكام التي لا تعلل إلا بمطلق مصلحةٍ تُجلب، أو ضررٍ يُدفع، وكان الصحابة – وهم أفقه الناس لهذه الشريعة- أكثر الناس استعمالًا للمصلحة واستنادًا إليها] عن موقع إسلام أون لاين.
رابعًا: إن ما زعمه المانعون من المظاهرات بأنها بدعة لم ترد في الشرع، وأن كل بدعة ضلالة، أقول هذا الكلام مردود، لأن الراجح من أقوال أهل العلم أن البدعة التي هي ضلالة، محصورة في العبادات ولا تدخل في الأمور العادية، قال الإمام الشاطبي: [فالبدعة إذا عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات] الاعتصام ١/٣٧. إذا تقرر هذا فإن البدعة هي التعبد لله بما لم يشرعه الله ﷾ ولا جاء به الرسول ﷺ ولم يأت عن الخلفاء الراشدين، وهذا لا يكون إلا في العقائد والعبادات، فالبدعة التي تُعدُّ بدعةً في الدين، هي البدعة في العقيدة أو العبادة قولية أو فعلية، كبدعة نفي القدر وبناء المساجد على القبور وإقامة القباب على القبور وقراءة القرآن عندها للأموات والاحتفال بالموالد إحياءً لذكرى الصالحين والوجهاء والاستغاثة بغير الله والطواف حول المزارات، فهذه وأمثالها كلها ضلال لقول النبي ﷺ: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ... وأما الأمور العادية والدنيوية فالمحْدَث منها لا يسمى بدعةً شرعًا وإن سمي بدعة لغة، فلا تُعدُّ المحدثات الجديدة بدعًا في الدين مثل الطائرات ووسائل الاتصالات ومكبرات الصوت ... الخ. وكذلك ما يٌعدُّ من الوسائل كتعلم العلوم المختلفة كعلم النحو وكذا طبع المصحف وحفظه بوسائل الحفظ الحديثة كالأشرطة المسجلة والحاسوب ونحوها فهذه الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد فإذا كانت الغايات مشروعة كانت وسائلها المؤدية إليها مشروعة وليست من البدع في شيء.] إتباع لا ابتداع ص ٤٣-٤٤.
وبناءً على ما سبق فالمظاهرات لا تدخل في مفهوم الدعة.
خامسًا: قول المانعين للمظاهرات بسبب ما يرافقها من أمور منكرة، لا يعني منعها مطلقًا، بل المنع يكون مُنصبًَّا على تلك الأمور المرافقة المحرمة فقط، ولا ينسحب هذا التحريم على أصل المسألة، ما دام هذا الأصل ضمن دائرة الإباحة.
ويضاف إلى ما سبق أن المظاهرات لنصرة المسلمين والوقوف مع المستضعفين، فيها نوعٌ من تحقيق الشعور بالأخوة الإسلامية وتعبيرٌ واضحٌ عن كون المؤمنين كالجسد الواحد، كما قال ﷺ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) . ولا شك أن هذا الأمر داخل في عقيدة أهل السنة والجماعة، هذه العقيدة التي يجب أن تطبق بشكل عملي، وليس مجرد كلام يطير مع الهواء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن أصول أهل السنة والجماعة: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارًا كانوا أو فجارًا، ويحافظون على الجماعات. ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله ﷺ: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُ بعضُه بعضًا وشبَّك بين أصابعه، وقوله ﷺ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) . ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء.] العقيدة الواسطية. وأخيرًا فإن وسيلة التظاهر لا تمنع التعبير عن الإخوة الإيمانية بوسائل أخرى كالدعم المالي والمادي والدعاء للمسلمين وخاصة في قنوت النوازل وفي قيام الليل، وغير ذلك.
وخلاصة الأمر أن المظاهرات وسيلة مشروعة للتعبير عن الرأي وللتضامن مع المسلمين الذين يتعرضون للمحن والويلات والمآسي من تقتيلٍ وتشريدٍ وهدمٍ للمنازل وهدمٍ للمساجد والمؤسسات العامة والخاصة، والقول بأن المظاهرات بدعةٌ أو إفسادٌ في الأرض قول غير صحيح، تأباه قواعد الشريعة الإسلامية.
1 / 3
٤ - مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام
قول السائل: قرأت في بعض كتب العقائد أن مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام، فما مدى صحة ذلك، أفيدونا؟
الجواب: قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب: [اعلم أن نواقض الإسلام عشرة: الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ وقال ﴿إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار﴾ ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، كفر إجماعًا. الثالث: من لم يكفِّر المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحح مذهبهم. الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي ﷺ أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه - كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه - فهو كافر. الخامس: من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول ﷺ ولو عمل به، كفر. السادس: من استهزأ بشيءٍ من دين الرسول ﷺ أو ثوابه أو عقابه، والدليل قوله تعالى ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ . السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف- الصرف هو التفريق بين المرء وزوجه وأما العطف فهو التوفيق بين المرء وزوجه وكلاهما يتم بواسطة السحر - فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعلى ﴿وما هم بضارين به من أحدٍ إلا بأذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم﴾ . الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ . التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد ﷺ، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى ﵇، فهو كافر. العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى ﴿ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون﴾ . ولا فرق في جميع هذه بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرًا وأكثر ما يكون وقوعًا، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.] الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة. وقد ذكر الشيخ حمه الله تعالى أن مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين من نواقض الإسلام، وهذا حق وصدق، فقد اتفق العلماء على أن مظاهرة الكفار على المسلمين كفر وردة عن الإسلام، قال العلامة عبد العزيز بن باز: [وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم] مجموع فتاوي ابن باز ١/٢٧٤. وقال العلامة عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى بالسعودية سابقًا: [وأما التولي: فهو إكرامهم، والثناء عليهم، والنصرة لهم والمعاونة على المسلمين، والمعاشرة، وعدم البراءة منهم ظاهرًا، فهذا ردةٌ من فاعله، يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأئمة المقتدى بهم] الدرر السنية ١٥/ ٤٧٩. وقال العلامة الشيخ أحمد شاكر في فتوى له في بيان حكم التعاون مع الإنجليز والفرنسيين أثناء عدوانهم على مصر: [أما التعاون مع الإنجليز، بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفرادٍ أو حكوماتٍ أو زعماء، كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا لله، لا للسياسة ولا للناس] كلمة حق ١٢٦-١٣٧. وقالت لجنة الفتوى بالأزهر في فتوى لها: [... لا شك أن بذل المعونة لهؤلاء؛ وتيسير الوسائل التي تساعدهم على تحقيق غاياتهم التي فيها إذلال المسلمين، وتبديد شملهم، ومحو دولتهم؛ أعظم إثمًا؛ وأكبر ضررًا من مجرد موالاتهم.. وأشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين ... والذي يستبيح شيئًا من هذا بعد أن استبان له حكم الله فيه يكون مرتدًا عن دين الإسلام، فيفرق بينه وبين زوجه، ويحرم عليها الاتصال به، ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين ...] مجلة الفتح العدد ٨٤٦. وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي: [إذا أعان المشركين على المسلمين فمعناه أنه تولى المشركين وأحبهم وتوليهم ردة، لأن هذا يدل على محبتهم، فإذا أعانهم على المسلمين بالمال أو بالسلاح أو بالرأي، دلَّ على محبتهم ومحبتهم ردة، فأصل التولي هو المحبة، وينشأ عنها الإعانة والمساعدة بالرأي أو بالمال أو بالسلاح فإذا أعان المشركين على المسلمين فمعناه أنه فضل المشركين على المسلمين] شرح نواقض الإسلام عن موقع صيد الفوائد. وقال الشيخ سليمان العلوان: [ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين فتنةٌ عظيمة قد عمت فأعمت، ورزيةٌ رمت فأصمت، وفتنةٌ دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون بحب المشركين، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقلَّ فيه العلم، وتوفرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى واستحكم، وانطمست أعلام السنن والآثار ... لأن مظاهرتهم ردة عن الإسلام.] التبيان شرح نواقض الإسلام ص ٤٩. وقال الشيخ سليمان العلوان أيضًا: [وقد حكى غيرُ واحدٍ من العلماء الإجماع على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم بالسنان والبيان كفر وردة عن الإسلام قال تعالى ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ . وأي تولٍ أعظم من مناصرة أعداء الله ومعاونتهم وتهيئة الوسائل والإمكانيات لضرب الديار الإسلامية وقتل القادة المخلصين] . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز [أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقض الإسلام لقول الله ﷿ ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾] فتاوى إسلامية الفتوى رقم ٦٩٠١. وقال الشيخ صالح الفوزان في شرح الناقض الثامن السابق: [الشيخ رحمه الله تعالى أخذ نوعًا واحدًا من أنواع موالاة الكفار وهو المظاهرة، وإلا فالمولاة تشمل المحبة بالقلب والمظاهرة على المسلمين والثناء والمدح لهم إلى غير ذلك، لأن الله ﷾ أوجب على المسلمين معاداة الكفار وبغضهم والبراءة منهم، وهذا ما يسمى في الإسلام بباب الولاء والبراء] . وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: [أما مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، هذا من نواقض الإسلام، كما هو مقرر في كتب فقه الحنابلة وذكره العلماء ومنهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀ في النواقض العشر في الناقض الثامن. وهذا الناقض مبني على أمرين: الأول: هو المظاهرة، والثاني: هو الإعانة، قال: مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين. والمظاهرة: أن يجعل طائفة من المسلمين - يجعلون - أنفسهم ظهرًا للمشركين، يحمونهم فيما لو أراد طائفة من المؤمنين أن يقعوا فيهم، يحمونهم وينصرونهم ويحمون ظهورهم ويحمون بيضتهم، وهذا مظاهرة بمعنى أنه صار ظهرًا لهم، فقول الشيخ ﵀ مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين مركبة من الأمرين – الناقض مركب من الأمرين – المظاهرة بأن يكون ظهرًا لهم – بأي عملٍ يكون ظهرًا يدفع عنهم ويقف معهم ويضرب المسلمين لأجل حماية هؤلاء. أما الثاني فالإعانة: إعانة المشرك] . وكلام أهل العلم في بيان ذلك كثير جدًا لا يتسع المقام لذكره. وأما مستند إجماع العلماء على أن مظاهرة الكفار على المسلمين كفر وردة عن الإسلام، فأدلته كثيرة منها: قول الله تعالى: ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ سورة آل عمران الآية ٢٨. وقوله الله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا﴾ سورةالنساء الآيتان ١٣٨-١٣٩.
وقوله الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ سورة المائدة الآية٥١. قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية: [والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان] تفسير الطبري عن الإنترنت. وقال الشيخ ابن حزم: [صح أن قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم﴾ إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين] . المحلى ١١/ ١٣٨.
ويدل على ذلك أيضًا قوله الله تعالى: ﴿تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَااتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ سورة المائدة الآيتان ٨٠-٨١. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع انتفاء الشرط انتفاء المشروط، فقال ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ فدلَّ على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه. ومثله قوله تعالى ﴿لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنًا، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم، فالقرآن يصدق بعضه بعضًا] مجموع الفتاوى ٧/١٧-١٨. وغير ذلك من الأدلة.
وخلاصة الأمر أن مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام، ويدخل في ذلك مظاهرتهم ماديًا كتقديم العون والمساعدة لهم بغض النظر عن شكلها وحجمها، وكذا تقديم الدعم المعنوي لهم كمساندتهم وممالئتهم في وسائل الإعلام المختلفة.
1 / 4
٥ - من سب الصحابة ومنهم الزبير وطلحة ومعاوية فأمه هاوية
قول السائل: ما قولكم فيما بثته القناة الإيرانية الثالثة في مقابلة مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من تعدٍ على ثلاثة من الصحابة الكرام وهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ومعاوية بن أبي سفيان ﵃، ووصف طلحة والزبير بالردة عن دين الإسلام بسبب ما حصل في موقعة الجمل وتنقص من معاوية، فما حكم الشرع في ذلك، أفيدونا؟
الجواب: ما قاله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ليس مستغربًا فهذا جزء من اعتقاد الشيعة في صحابة رسول الله ﷺ، فالشيعة الاثنا عشرية – شيعة إيران – يكفرون معظم الصحابة رضوان الله عليهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والرافضة كفَّرت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعامة المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد ﷺ من المتقدمين والمتأخرين. فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين، والأنصار العدالة، أو ترضَّى عنهم كما ﵃، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم، ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل مالك والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وغير هؤلاء، ويستحلون دماء من خرج عنهم، ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٨/٤٧٧. وما قاله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في حق طلحة والزبير من أنهما ارتدا عن الإسلام بسبب موقفهما في معركة الجمل، فيه تكذيب صريح لرسول الله ﷺ، حيث أخبر النبي ﷺ أن طلحة والزبير ﵄ من العشرة المبشرين بالجنة، فقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، منها عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد فذكر رجلٌ عليًا ﵁، فقام سعيد بن زيد فقال أشهد على رسول الله ﷺ أني سمعته وهو يقول: عشرة في الجنة النبي ﷺ في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام ف الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، ولو شئت لسميت العاشر، قال فقالوا من هو؟ فسكت قال فقالوا من هو؟ فقال هو سعيد بن زيد) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم ١١٠. فهؤلاء العشرة المذكورين، مقطوع بدخولهم الجنة لثبوت ذلك عن النبي ﷺ في الأحاديث الصحيحة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة الطحاوية: [وأن العشرة الذين سماهم رسول الله ﷺ وبشرهم بالجنة، نشهد لهم بالجنة، على ما شهد لهم رسول الله ﷺ، وقوله الحق، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، علي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة ابن الجراح، وهو أمين هذه الأمة، ﵃ أجمعين] ص ٧٢٨، ثم ذكر شارح الطحاوية بعض فضائلهم فقال: [... وفي صحيح مسلم، عن قيس بن أبي حازم، قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي ﷺ يوم أحد قد شلت. وفيه أيضًا عن أبي عثمان النهدي، قال: لم يبق مع رسول الله ﷺ في بعض تلك الأيام التي قاتل فيها النبي ﷺ غير طلحة وسعد. وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال: ندب رسول الله ﷺ الناس يوم الخندق فانتدب الزبير، ثم ندبهم، فانتدب الزبير، فقال النبي ﷺ: لكل نبي حواري، وحواري الزبير، وفيهما أيضًا عن الزبير ﵁، أن النبي ﷺ قال: من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله ﷺ أبويه فقال: فداك أبي وأمي ... وقد اتفق أهل السنة على تعظيم هؤلاء العشرة وتقديمهم، لما اشتهر من فضائلهم ومناقبهم ... والرافضة يتبرؤون من جمهور هؤلاء، بل يتبرؤون من سائر أصحاب رسول الله ﷺ، إلا من نفرٍ قليل، نحو بضعة عشر نفرًا! !] شرح العقيدة الطحاوية ص ٧٢٩-٧٣٤. وأما معاوية بن أبي سفيان ﵁ والذي تنقصه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد فهو صحابي ابن صحابي ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو متجاهل، وهو صحابي جليل، بل أطلق عليه العلماء أنه خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين. فهو خال المؤمنين لأن أخته حبيبة بنت أبي سفيان ﵂ زوجة النبي ﷺ ومن أمهات المؤمنين وهو من كتبة الوحي فكان يكتب للنبي ﷺ القرآن، وقد عدد الحافظ ابن كثير كتاب الوحي وذكر منهم معاوية. وكذلك فإن معاوية ﵁ قد روى عن النبي ﷺ ١٦٣ حديثًا وخصص له الإمام أحمد في كتابه مسندًا خاصًا وروى له أكثر من مائة حديث. وكذا أبو يعلى الموصلي في مسنده والحميدي في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم. قال الإمام النووي: [وأما معاوية ﵁ فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء ﵃] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/٥٣٠. وقد وردت أحاديث نبوية في فضل معاوية ﵁ منها عن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله ﷺ عن النبي ﷺ أنه قال لمعاوية: (اللهم اجعله هاديًا مهديًا واهد به) رواه الترمذي وقال العلامة الألباني: صحيح كما في السلسلة الصحيحة حديث رقم ١٩٦٩، وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإن حب الصحابة الكرام جزء من عقيدة المسلم، عقيدة أهل السنة والجماعة، قال الإمام الطحاوي: [ونحب أصحاب رسول الله ﷺ ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان] العقيدة الطحاوية ص ٦٨٩. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله ﷺ] شرح العقيدة الواسطية ص ١٤٢. وقد قامت على صحة هذه العقيدة ألا وهي حب الصحابة ﵃ أجمعين وحرمة سبهم وحرمة بغضهم عشرات الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وانعقد إجماع الصحابة على ذلك. فمن الآيات الكريمات الدالة على ذلك وفيها ثناء الله على الصحابة ﵃ قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ سورة التوبة الآية ١٠٠. وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ سورة آل عمران الآية ١١٠. وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ سورة الفتح الآية ٢٩. وقال تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ سورة الحديد الآية ١٠. وأما الأحاديث النبوية فكثيرة منها عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري ومسلم. وعن عمران بن حصين ﵁ أن النبي ﷺ قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ومسلم. ونص أهل العلم على وجوب احترام الصحابة ﵃ أجمعين وأنه يحرم الطعن فيهم أو سبهم أو الانتقاص منهم. قال أبو زرعة الرازي: [إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق] ولتكن ممن يقول: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ سورة الحشر الآية ١٠] صب العذاب على من سب الأصحاب للألوسي ص٣٩١-٣٩٢. وقال الإمام النووي: [واعلم أن سبَّ الصحابة ﵃ حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون...] ثم نقل عن القاضي عياض قوله: [وسب أحدهم - أي الصحابة - من المعاصي الكبائر] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٧٢-٧٣. وقال الإمام الآجري: [ومن سبهم فقد سب رسول الله ﷺ، ومن سب رسول الله ﷺ، استحق اللعنة من الله ﷿ ومن الملائكة ومن الناس أجمعين] . وقال الإمام الآجري أيضًا: [لقد خاب وخسر من سب أصحاب رسول الله ﷺ لأنه خالف الله ورسوله ولحقته اللعنة من الله ﷿ ومن رسوله ومن الملائكة ومن جميع المؤمنين ولا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا لا فريضة ولا تطوعًا وهو ذليل في الدنيا وضيع القدر كثر الله بهم القبور وأخلى منهم الدور] من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية ص١٥.
وخلاصة الأمر أن ما قاله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في حق طلحة والزبير ومعاوية، يعتبر تعديًا على دين الإسلام، وتكذيبًا لرسول الله ﷺ، وهذا الموقف منه إنما هو تجسيد لموقف الشيعة من الصحابة، ولعل في موقف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هذا تنبيهًا لبعض مشايخ المسلمين السنة الذين يقولون إنه لا فرق بين الشيعة والسنة ما دام الجميع يدينون بدين الإسلام وأنه لا يوجد خلاف كبير بين الشيعة وبين أهل السنة والجماعة إلا في الفروع الفقهية، ويظنون أن الشيعة ما هي إلا مذهب كأحد المذاهب الأربعة ولا يعرفون عن معتقدات الشيعة إلا شيئًا يسيرًا. وهذه الظنون من الأخطاء الفاحشة، وعلى أهل السنة أن يحذروا من خطورة هذه الأفكار، والواجب عليهم أن ينتبهوا للمد الشيعي في بلادهم، وينبغي أن يعلم أن من سب الصحابة ومنهم طلحة والزبير ومعاوية، فأمه هاوية.
1 / 5
٦ - تحذير الشيخ القرضاوي من الغزو الشيعي
يقول السائل: ما قولكم في التحذير الذي صدر عن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من الغزو المذهبي الشيعي لمسلمي أهل السنة، وهل يمكن إنهاء الخلاف بين السنة والشيعة أو التقارب بينهما، أفيدونا؟
الجواب: كثير من المسلمين في العالم الإسلامي وخاصة في بلادنا، لا يعرفون عن معتقدات الشيعة إلا شيئًا يسيرًا، بل إنهم يظنون أن الشيعة ما هي إلا مذهب كأحد المذاهب الأربعة، وأنه لا يوجد خلاف كبير بين الشيعة وبين أهل السنة والجماعة، إلا في الفروع الفقهية، ولا شك أن هذا ظن خاطئ، سببه عدم الاطلاع على عقائد الشيعة بشكل صحيح، ومن مصادرهم المعتمدة أو حسن ظن بهم وهو في غير محله. وكثيرون يزعمون أنه لا فرق بين الشيعة والسنة ما دام الجميع يدينون بدين الإسلام، وقد تعالت أصوات كثيرة - بعدما قاله الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مؤخرًا عن المد الشيعي والتمدد على حساب أهل السنة- ونادت تلك الأصوات بعدم فتح النقاش فيما عليه الشيعة من أفكار بحجة المحافظة على وحدة المسلمين وأن الواجب الشرعي يحتم الوقوف صفًا واحدًا، سنةً وشيعةً أمام أعداء الإسلام، ولا بد من التقريب بين مذهب أهل السنة وبين الشيعة إلى غير ذلك من الدعوات.
وتحذير الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من الغزو الشيعي هو عين الحق والصواب وإن جاء متأخرًا، فمن المعلوم أن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي كان من أنصار التقريب بين السنة والشيعة، وطالما دعا إلى ذلك قولًا وعملًا، ولكنه انتبه أخيرًا إلى أن دعوات التقريب إنما هي دعوات فارغة، وأن التقريب الذي يريده الشيعة هو تقريب أهل السنة للمذهب الشيعي وتخليهم عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد سبق أن وصل لمثل هذه النتيجة الدكتور مصطفى السباعي رحمة الله عليه حيث قال: [فتحت دار للتقريب بين السنة والشيعة في القاهرة منذ أربعة عقود، لكنهم رفضوا أن تفتح دور مماثلة في مراكزهم العلمية كالنجف وقم وغيرها لأنهم يريدون تقريبنا إلى دينهم] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي.
ومما لاشك فيه أن الخلاف بين أهل السنة والشيعة خلاف في العقائد والأصول وليس خلافًا في الفروع، فعند الشيعة الكثير من العقائد الباطلة، ويعرف ذلك من يقرأ في مصادرهم المعتمدة، وإن حاول بعض مراجعهم الدينية المعاصرون إخفاء ذلك أو عدم الحديث عنه، وهم يفعلون ذلك انطلاقًا من مبدأ التقية وهي عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر بغير ما يبطنون ويقولون: (من لا تقية له لا دين له) . يقول الشيخ محب الدين الخطيب: [وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التقية فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به، ولا يعلمون له، إلا على أن يبقى من الطرف الواحد مع بقاء الطرف الآخر في عزلته لا يتزحزح عنها قيد شعرة] الخطوط العريضة ص١١. ولا شك لديَّ أن أغلب شيعة اليوم ما هم إلا صورة طبق الأصل عن كتبهم السوداء وما فيها من عقائد باطلة، وهذا ظاهر وواضح وضوح الشمس في مقالاتهم ودروسهم على قنواتهم الفضائية وعلى مواقعهم على شبكة الإنترنت.
وإني لآسفٌ على بعض المسلمين من أهل السنة من المشايخ والكتاب والدعاة الذين يضعون رؤؤسهم في الرمال ويتباكون على وحدة المسلمين ويتعامون عن الحقائق الناصعة التي تبين أباطيل الشيعة وأكاذيبهم وافتراءاتهم على دين الله، وكأني بهؤلاء ما اطلعوا على المصادر المعتمدة عند الشيعة التي تذكر بما لا يدع مجالًا للشك هذه العقائد الباطلة التي يعتقد بها الشيعة قديمًا وحديثًا، كطعنهم في القرآن الكريم وزعمهم بأنه ناقص حيث ألف أحد كبار علماء النجف، وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي كتابًا سماه: " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور زعموا فيها بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه، وقد طبع كتاب الطبرسي هذا في إيران. ويقول المفسر الشيعي محسن الكاشاني: "إنّ القرآن الذي بين أيدينا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد ﷺ، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغيرٌ محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة ". تفسير الصافي، المقدمة- محسن الكاشاني) . انظر الخطوط العريضة ص ١٤، الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة ص ٣٤. وأين هؤلاء من قول الله ﷿ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ سورة الحجر الآية ٩٠. [كما أن الشيعة يردون كتب السنة جملةً وتفصيلًا فلا يعتبرونها ولا يُقِرّونها، وترتب على ردِّهم للسنة أن يوجدوا بدائل وهذه البدائل هي أقوال الأئمة، لذلك لا تجد لهم في كتبهم من الأحاديث ما هو مرفوع للنبي ﷺ إلا نادرًا بالذات كتب الفقه الشيعي، لا تجد فيها عن فلان عن فلان عن النبي صلى الله وسلم، فكل الروايات تسند عن أئمتهم. فالسنة عندهم ليست سنة النبي ﵇ فحسب؛ بل سنة الأئمة الإثني عشر، وأقوال هؤلاء الأئمة كأقوال الله ورسوله، ولهذا اعترفوا بأن هذا مما ألحقته الشيعة بالسنة المطهرة، قالوا: "وألحق الشيعة الإمامية كلّ ما يصدر عن أئمتهم الإثني عشر من قول أو فعل أو تقرير بالسنة الشريفة"محمد تقي الحكيم، سنة أهل البيت ص٩.] الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة ص ٨٧-٨٨. كما أنهم لا يقبلون روايات السنة النبوية التي اعتمدها أهل السنة فعندهم كتاب الكافي للكليني وهو بمثابة صحيح البخاري عندنا، وهو كتاب مملوءٌ بالأكاذيب. كما أنهم يلعنون أبا بكر وعمر وعثمان ﵃ ويلعنون عددًا كبيرًا من صحابة رسول الله ﷺ، ويطلقون على أبي بكر وعمر " الجبت والطاغوت" كما جاء في أكبر وأكمل كتبهم في الجرح والتعديل، وهو كتاب (تنقيح المقال في أحوال الرجال ١/٢٠٧ لشيخ الطائفة الجعفرية العلامة الثاني آية الله المامقاني. وجاء في تفسير القمي عند قوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ سورة النحل الآية ٩٠، قالوا: الفحشاء أبو بكر، والمنكر عمر، والبغي عثمان. وزعم الشيعة أن مهديهم عندما يرجع فإنه يخرج أبا بكر وعمر ﵄ من قبريهما، ويصلبهما ويحرقهما. الأنوار النعمانية ٢/٨٥. وعند الشيعة دعاء يسمونه (دعاء صنمي قريش) ويعنون بهم أبا بكر وعمر، ونص دعائهم: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما ... الخ" ويريدون بابنتيهما أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة ﵄، وهذا الدعاء في كتابهم (مفتاح الجنان) ص١١٤. كما أنهم يعظمون قاتل عمر بن الخطاب ويسمونه" بابا شجاع الدين " وهو أبو لؤلؤة المجوسي، ويحتفلون بيوم مقتل عمر ﵁، وقد قال القمي الأحوص من مشايخ الشيعة المعروفين: إن يوم قتل عمر بن الخطاب هو يوم العيد الأكبر ويوم المفاخرة ويوم التبجيل ويوم الزكاة العظمى ويوم البركة ويوم التسلية. ولذا فإنهم أقاموا له نصبًا تذكاريًا في إيران يعظمونه ويقدسونه. كما أن الشيعة يكفرون كل من لا يؤمن بولاية الأئمة الاثني عشر، يقول رئيس محدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق في رسالة الاعتقادات ص١٠٣ ط مركز نشر الكتاب إيران ص١٣٧٠ما نصه: [واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده ﵈ أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله] . وعقائد الشيعة الباطلة كثيرة جدًا لا يتسع المقام لذكرها. وأخيرًا أذكرُ للمتباكين على الوحدة مع الشيعة وأنه لا فرق بين سني وشيعة عقيدة الطينة التي يعتقد بها الشيعة، وملخص هذه العقيدة: "أن الشيعي خلق من طينة خاصة والسني خلق من طينة أخرى، وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين، فما في الشيعي من معاصي وجرائم هو من تأثره بطينة السني، وما في السني من صلاح وأمانة هو بسبب تأثره بطينة الشيعي، فإذا كان يوم القيامة فإنّ سيئات وموبقات الشيعة توضع على أهل السنة، وحسنات أهل السنة تعطى للشيعة". أصول مذهب الشيعة الإمامية ٢/٩٥٦. واسمعوا يا دعاة التقريب ما قاله الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه المؤامرة على الكعبة من القرامطة إلى الخميني ص ١١٨: [ولكننا نحن العرب السنيين لا نفطن إلى هذا، بل ظننا أن السنين الطويلة قد تكفلت مع الإسلام بمحوه وإزالته، فلم يخطر لنا على بال، فشاركنا الإيرانيين فرحهم واعتقدنا أن الخميني سيتجاوز أو ينسى مثلنا، كل هذه المسائل التاريخية، ويؤدي دوره كزعيم إسلامي لأمة إسلامية يقود الصحوة الإسلامية منها، وذلك لصالح الإسلام والمسلمين جميعًا، لا فرق بين فارسي وعربي، ولا بين شيعي وسني، ولكن أظهرت الأحداث بعد ذلك أننا كنا غارقين في أحلام وردية، أو في بحر آمالنا، مما لا يزال بعض شبابنا ورجالنا غارقين فيها حتى الآن برغم الأحداث المزعجة] . ولا بد من التأكيد على أن كثيرًا من دعاة التقريب بين السنة والشيعة قد أُتوا من عدم اطلاعهم على أمهات كتب الشيعة المعتمدة، وكذا عدم معرفتهم بخايانات الشيعة على مر العصور والأيام وأشهرها الدور الخياني للوزير ابن العلقمي في سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية، انظر كتاب خايانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية ص ٨١.
وخلاصة الأمر أن تحذير الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من الغزو المذهبي الشيعي لمسلمي أهل السنة تحذير صحيح، ولكن وقته متأخر جدًا، ودعوات التقريب بين السنة والشيعة دعوات فارغة من المضمون، لأن التقريب الذي يريده الشيعة هو إدخال أهل السنة في المذهب الشيعي، ويجب على أهل العلم والدعاة أن يكونوا على بينة من عقائد الشيعة، وعليهم أن يوقنوا بأن شيعة اليوم ما هم إلا نسخة طبق الأصل عن شيعة الأمس، كما أن عليهم أن لا يخلطوا بين مواقف بعض الشيعة السياسية وبين عقائدهم الباطلة. ومن زعم أنه لا فرق بين سني وشيعي فهو واهمٌ غافل.
1 / 6
٧ - التعامل مع الجن في العمليات الجراحية
يقول السائل: في مدينتنا شخص يزعم أنه يقوم بعمليات جراحية للمرضى عن طريق الاستعانة بالجن المسلم، وقد توافد عليه أعداد كثيرة من المرضى، وأجرى لهم عمليات جراحية كانت مستعصية على الأطباء، وقد شاهدنا بعض من أجريت لهم العمليات الجراحية ورأينا آثار تلك العمليات كوجود شق طولي في الجلد، فما قولكم في ذلك، أفيدونا؟
الجواب: الجن خلق من خلق الله ﷿ وقد أخبرنا الله ﷻ أنه قد خلقهم من نار فقال تعالى ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾ سورة الرحمن الآية ١٥، وقال تعالى ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ سورة الحجر الآية ٢٧، وطبيعة الجن وخصائصهم وقدراتهم تخالف الإنس، قال تعالى مخبرًا عن الجن ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا﴾ سورة الجن الآيتان ٨ -٩، وأخبر ﷿ عن تسخير الجن لسليمان ﵇ فقال تعالى ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ سورة سبأ الآيتان ١٢ – ١٣. والجن مكلفون بعبادة الله ﷾ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ سورة الذاريات ٥٦ وقال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾ سورة الأنعام الآية ١٣٠ وقد أسلمت طائفة من الجن، قال تعالى ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ سورة الأحقاف الآية ٢٩ وقال تعالى ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ سورة الجن الآية ١. فالجن منهم المسلمون ومنهم الكفار كما قال تعالى ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ سورة الجن الآية ١١. إذا تقرر هذا فإن مسألة استعانة الإنسان بالجان من المسائل التي أثيرت قديمًا وحديثًا، بل إن الناس في الجاهلية كانوا يستعينون بالجن كما قال تعالى ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ سورة الجن الآية ٦، وقد فصلَّ شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ استعانة الإنس بالجن حيث قال: [فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الإنس بذلك فهذا من أفضل أولياء الله تعالى وهو في ذلك من خلفاء الرسول ونوابه. ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله تعالى فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم، وإما في فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات، مثل أن يستعين بهم على الحج أو أن يطيروا به عند السماع البدعي أو أن يحملوه إلى عرفات ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكر به] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ١١/٣٠٧ -٣٠٨. وقد اعتمد كثير من الناس على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية السابق في جواز الاستعانة بالجن في العلاج، ولكن المحققين من العلماء يرون أن كلام ابن تيمية لا يفيد ذلك، قال العلامة العثيمين: [وقد اتخذ بعض الرقاة كلام شيخ الإسلام ﵀ متكئًا على مشروعية الاستعانة بالجن المسلم في العلاج بأنه من الأمور المباحة، ولا أرى في كلام شيخ الإسلام ما يسوغ لهم هذا فإذا كان من البدهيات المسلّم بها أن الجن من عالم الغيب يرانا ولا نراه الغالب عليه الكذب معتد ظلوم غشوم مجهولة عدالته لذا روايته للحديث ضعيفة فما هو المقياس الذي نحكم به على أن هذا الجني مسلم وهذا منافق وهذا صالح وذاك طالح؟] عن شبكة الإنترنت.
والذي تطمئن إليه نفسي أنه لا يجوز شرعًا الاستعانة بالجن في الطب والعلاج ولا في إجراء العمليات الجراحية لما يلي:
أولًا: سلمنا أن للجن قدرات خارقة، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، ولكن رسول الله ﷺ – وهو قدوتنا وأسوتنا – لم يستعن بالجن في هذه الأمور ولا في غيرها مع أنه ﷺ مرَّ في ظروف عصيبة هو أصحابه الكرام فلم يثبت أنه ﷺ استعان بالجن، فمن ذلك حادثة الهجرة فقد كان ﷺ بأمس الحاجة للمساعدة لينجو من كفار قريش، وكذلك فلم يستعن بالجن في غزواته ﷺ، وكذلك عندما مرض ﷺ أو عندما سحر، أو عندما مرض أو جرح عدد من الصحابة رضوان الله عليهم في الغزوات وغيرها فلم يثبت أنهم استعانوا بالجن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والنوع الثالث أن يستعملهم في طاعة الله ورسوله، كما يستعمل الإنس في مثل ذلك، فيأمرهم بما أمر الله به ورسوله وينهاهم عما نهاهم الله عنه ورسوله كما يأمر الإنس وينهاهم، وهذا حال نبينا محمد ﷺ، وحال من اتبعه واقتدى به من أمته وهم أفضل الخلق، فإنهم يأمرون الإنس والجن بما أمرهم الله به ورسوله، وينهون الإنس والجن عما نهاهم الله عنه ورسوله ...] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ١٣/٨٨. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: [فلم يستخدم الجن أصلًا - أي رسول الله ﷺ لكن دعاهم إلى الإيمان بالله، وقرأ عليهم القرآن، وبلَّغهم الرسالة، وبايعهم كما فعل بالإنس] مجموع فتاوى شيخ الإسلام١٣/٨٩.
ثانيًا: إن الإسلام قد شرع التداوي، فإذا مرض الإنسان فعليه أن يذهب إلى الأطباء للمعالجة وهذا من باب الأخذ بالأسباب ولا ينافي التوكل على الله، وقد جاء في حديث أسامة بن شريك ﵁ قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: (نعم عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحدًا، قالوا يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال العلامة الألباني: حديث صحيح. وقد قرر العلماء أن الذي يتولى المداواة لا بد أن يكون من أهل الطب والخبرة وقد ورد في الحديث، أنه ﵊ قال: (من طبب ولم يُعلم منه طب فهو ضامن) رواه أبو داود وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وجاء في رواية أخرى (أيما طبيب تطبب على قوم لا يُعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن) رواه أبو داود، وقال العلامة الألباني: حديث حسن، كما في صحيح سنن أبي داود ٣/٨٦٦ - ٨٦٧. لا يجوز اللجوء إلى المشعوذين أو الدجالين ونحوهم للمعالجة وإن تحقق على أيديهم شفاء بعض الحالات المرضية فلا يجوز أن ننخدع بصدقهم فإنهم دجالون كذبة.
ثالثًا: لو كان الأمر كما يزعم هؤلاء المستعينين بالجن في إجراء العمليات الجراحية، لما كان هنالك حاجة لدراسة الطب، ولا حاجة لإنشاء كليات الطب ولا المستشفيات ولا العيادات ونحوها، ولكان الناس في غنىً عن كل ذلك، وإذا كان الأمر كما يزعمون فلماذا لا يستعينون بالجن في أمور أعظم من ذلك!!!
رابعًا: إن زعم هؤلاء أنهم يستعينون بالجن المسلم، كلام غير مقبول ولا يقوم على دليل صحيح، لأنهم يعتمدون على خبر الجن بأنهم مسلمون، وخبرهم محتمل للصدق وللكذب، فما الذي يدرينا أنهم مسلمون حقًا؟
خامسًا: لو سلمنا جدلًا بصحة زعم هؤلاء، فيجب إغلاق هذا الباب من باب سد الذرائع، لما قد يترتب عليه من المفاسد، كإيقاع بعض الناس في الشرك، فمن المعلوم عند أهل العلم أن الجن في الغالب لا يقدمون خدمة للإنسان إلا إذا أشرك بالله ﷿.
سادسًا: [الجن خلق من خلق الله يعتريهم الجهل والقصور، ولا يعلمون ما غاب عنهم إلا بالطريقة الخلقية من خبرٍ أو نظر، فكيف تستطيع الجن أن تعرف خبر علة خفية، أو عينٍ نفسية، وهي التي مكثت سنة كاملة بين يدي سليمان ﵇ تخدمه بكل تعب وعناء، وما علمت بموته؟! قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ سورة سبأ الآية١٤] تحذير أهل الإيمان من إباحة العبيكان الاستعانة بالجان ص ٢٢.
وأخيرًا أنبه على أن كثيرًا من أهل العلم المعاصرين قد أفتوا بتحريم الذهاب إلى من يدَّعون العلاج عن طريق الاستعانة بالجن فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية ما يلي: [لا يجوز لذلك الرجل أن يستخدم الجن، ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلبًا لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ولا لقضاء المصالح عن ذلك الطريق. وفي العلاج عن طريق الأطباء من الإنس بالأدوية المباحة مندوحة وغنية عن ذلك مع السلامة من كهانة الكهَّان. وقد صحَّ عن الرسول ﷺ أنه قال (من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء: لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم. وخرَّج أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه أن النبي ﷺ قال (من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) . وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرَّافين والكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم] فتاوى اللجنة الدائمة ١ / ٤٠٨ - ٤٠٩.
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعًا الذهاب إلى من يدَّعي أنه يقوم بإجراء العمليات الجراحية وغيرها من وسائل العلاج عن طريق الجن، وأن هذا باب شرٍ يجب سده.
1 / 7
٨ - كتاب الجفر مكذوب على علي ﵁
يقول السائل: قرأت في كتابٍ يتحدث عن المهدي المنتظر أن كتاب الجفر المنسوب إلى علي ﵁ كتاب صحيح النسبة إليه، فما قولكم في ذلك، أفيدونا.
الجواب: كتاب الجفر المنسوب إلى علي ﵁ أو إلى جعفر الصادق ﵀ من أكاذيب الرافضة ومن ضلالاتهم، وأود بداية أن أعرِّف بكتاب الجفر كما ورد في مصادر الشيعة حيث قالوا: [كتاب الجَفْر هو كتابٌ أملاه رسول الله محمد صلَّى الله عليه وآله في أواخر حياته المباركة على وصيِّه وخليفته علي بن أبي طالب ﵇ وفيه علم الأولين والآخرين ويشتمل على علم المنايا والبلايا وعلم ما كان ويكون إلى يوم القيامة وقد جُمعت هذه العلوم في جلد شاة] ثم ذكر أنه [بعد الإطلاع على الأحاديث الواردة عن أهل البيت ﵈ ودراستها أن الأئمة تحدثوا عن جِفارٍ أربعة لا عن جَفْرٍ واحد، أما الجفر الأول فهو كتابٌ، والثلاثة الأخرى أوعيةٌ ومخازن لمحتويات ذات قيمة علمية ومعلوماتية ومعنوية كبيرة، وهذه الجِفار هي: كتاب الجَفْر والجَفْر الأبيض والجَفْر الأحمر والجَفْر الكبير الجامع] عن موقع الكرباسي الشيعي على الإنترنت. وكلمة الجفر تعني جلد الماعز حيث زعموا أن ذلك الكتاب كتب في جلد ماعز أو جلد ثور، إذا تقرر هذا فإن النفس البشرية تطمح إلى معرفة أحوالها المستقبلية وما قد يحدث لها وهذا أمر مقرر من القدم يقول ابن خلدون [اعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوف إلى عواقب أمورهم، وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت وخير وشر، سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا، ومعرفة مُدد الدول أو تفاوتها. والتطلع إلى هذا طبيعة للبشر مجبولون عليها. ولذلك نجد الكثير من الناس يتشوفون إلى الوقوف على ذلك في المنام. والأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك ...] مقدمة ابن خلدون ص٣٣٠.
هذا أولًا، وأما ثانيًا فإن كتاب الجفر ذكرت فيه أمور غيبية مستقبلية من تغير دول ووقوع حروب وكوارث ... إلخ ومن المقرر عند أهل العلم أن علم الغيب مختص بالله ﷿ قال الله تعالى ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ سورة النمل الآية ٦٥، وقال تعالى ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ سورة الجن الآية ٢٦، وقال تعالى ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾ سورة يونس الآية ٢٠، وقال تعالى: ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ سورة الأنعام الآية ٥٩، وقال تعالى على لسان نبيه محمد ﷺ ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ سورة الأعراف الآية ١٨٨، وقال أيضًا ﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ سورة هود الآية ٣١. وقد قرر علماء الإسلام أن كتاب الجفر لا تصح نسبته بحال من الأحوال لعلي ﵁ أو إلى جعفر الصادق، قال ابن خلدون [واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي، وهو رأس الزيدية، كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء. وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير، فرواه عنه هارون العجلي وكتبه، وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب عليه، لأن الجفر في اللغة هو الصغير وصار هذا الاسم علمًا على هذا الكتاب عندهم، وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق. وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه، وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل.] مقدمة ابن خلدون ص٣٣٤. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأهل العلم بجعفر – الصادق - وأحواله يعلمون قطعًا أن ذلك مكذوب على جعفر كما كذب عليه الناقلون عنه الجدول في الهلال وكتاب الجفر والبطاقة والهفت واختلاج الأعضاء والرعود والبروق ونحو ذلك مما هو من كلام أهل النجوم والفلسفة ينقلونه عن جعفر وأهل العلم بحاله يعلمون أن هذا كله كذب عليه] بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية ص ٣٢٨.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: [وأما الكتب والأسرار التي يدعونها عن جعفر الصادق، فمن أكبر الأشياء كذبًا حتى يقال: ما كُذب على أحد ما كُذب على جعفر ﵁. ومن هذه الأمور المضافة: كتاب الجَفْر، الذي يدعون أنه كتب فيه الحوادث. والجفر: ولد الماعز، يزعمون أنه كتب ذلك في جلده، وكذلك كتاب البطاقة الذي يدعيه ابن الحِلِّيّ ونحوه من المغاربة، ومثل كتاب: الجدول في الهلال، والهفت عن جعفر وكثير من تفسير القرآن وغيره.] مجموع الفتاوى ٤/٢٦. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: [والإسماعيلية والقرامطة والباطنية الثنوية والحاكمية وغيرهم من الضلالات المخالفة لدين الإسلام، وما ينسبونه إلى علي بن أبي طالب، أو جعفر الصادق، أو غيرهما من أهل البيت، كالبطاقة والهفت والجدول والجفر، وملحمة بن عنضب وغير ذلك من الأكاذيب المفتراة باتفاق جميع أهل المعرفة، وكل هذا باطل ...] مجموع الفتاوى ١١/٥٥. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: [والكتب المنسوبة إلى علي ﵁ أو غيره من أهل البيت في الأخبار بالمستقبلات كلها كذب مثل كتاب الجفر والبطاقة وغير ذلك، وكذلك ما يضاف إليه من أنه كان عنده علم من النبي ﷺ خصه به دون غيره من الصحابة] منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ٨/٦٨. وقال الإمام الذهبي [مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه ﵁، وقد كذبت عليه الرافضة ونسبت إليه أشياء لم يسمع بها، كمثل كتاب الجفر، وكتاب اختلاج الأعضاء، ونسخ موضوعة.] تاريخ الإسلام ٣/٥٥وقال الشيخ محمد رشيد رضا عن كتاب الجفر: [لا يعرف له سند إلى أمير المؤمنين، وليس على النافي دليل، وإنما يطلب الدليل من مدعي الشيء، ولا دليل لمدعي هذا الجفر.] فتاوى محمد رشيد رضا ٤/١٣٠٧. وقال الشيخ شعيب الأرناؤط: [إن كتاب الجفر لا تصح نسبته إلى جعفر الصادق ﵀، والذين نسبوه إليه من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والآثار، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، وعمدتهم في المنقولات التواريخ المنقطعة الإسناد، وكثير منها من وضع من عًرف بالكذب والاختلاف، كأبي مخنف لوط، وهشام بن محمد السائب، وأمثالهما، وغير خافٍ على طلبة العلم أن ما لا يعلم إلا من طريق النقل لا يمكن الحكم بثبوته إلا بالرواية الصحيحة السند، فإذا لم توجد، فلا يسوغ لنا شرعًا وعقلًا أن نقول بثبوته] سير أعلام النبلاء ١٩/٥٤٣ الهامش. ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتاب (كتب حذر منها العلماء) للشيخ مشهور حسن ١/١٠٨-١٢٤.
ولا بد من التنبيه إلى أن الروافض قد غالوا في علي ﵁ ونسبوا إليه أمورًا كثيرة هو منها براء ومن ذلك ما نسبوه إليه من علم الغيب والحوادث المستقبلية وقد أبطل علي ﵁ ذلك بما صح عنه في الحديث أن أبا جحيفة ﵁ قال: قلت لعلي بن أبي طالب ﵁: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه، إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر) رواه البخاري. وروى مسلم عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال (خطبنا علي بن أبي طالب فقال من زعم أن عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة - قال وصحيفة معلقة في قراب سيفه- فقد كذب، فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات..)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وبهذا الحديث ونحوه من الأحاديث الصحيحة استدل العلماء على أن كل ما يذكر عن علي ﵁ وأهل البيت من أنهم اختصوا بعلم خصهم به النبي ﷺ دون غيرهم كذب عليهم، مثل ما يذكر منه الجفر والبطاقة والجدول وغير ذلك وما يأثره القرامطة الباطنية عنهم فإنه قد كُذب على جعفر الصادق ﵁ ما لم يكذب على غيره وكذلك كُذب على علي ﵁ وغيره من أئمة أهل البيت ﵃.] مجموع الفتاوى ٢ / ٢١٧.
وقال الإمام النووي في شرح الحديث السابق [هذا تصريح من علي رضي الله تعالى عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم إن عليًا رضي الله تعالى عنه أوصى إليه النبي ﷺ بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وأنه ﷺ خصَّ أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ويكفى في إبطالها قول علي ﵁ هذا] شرح النووي على صحيح مسلم ٩ / ١٤٣.
وخلاصة الأمر أن كتاب الجفر المنسوب إلى علي ﵁ أو إلى جعفر الصادق من أكاذيب الرافضة ومن ضلالاتهم ولا يجوز شرعًا تصديق ما فيه من أباطيل، والغيب لا يعلمه إلا الله ﷿.
1 / 8
٩ - مكانة المسجد الأقصى المبارك عند الشيعة
يقول السائل: ما هي مكانة المسجد الأقصى المبارك عند الشيعة، أفيدونا؟
الجواب: أذكر أولًا مكانة المسجد الأقصى المبارك عند أهل السنة والجماعة فمن ذلك قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الإسراء الآية ١. وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول ﷺ والمسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمرو ﵄ عن رسول الله ﷺ (أن سليمان بن داود ﵇ لما بنى بيت المقدس سأل الله ﷿ خلالًا ثلاثةً سأل الله ﷿ حكما يصادف حكمه فأوتيه وسأل الله ﷿ ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله ﷿ حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح. وعن إبراهيم التيمي عن أبيه قال سمعت أبا ذر ﵁ قال (قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام قال قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت كم كان بينهما قال أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه) رواه البخاري ومسلم، وقد وردت بعض الأحاديث في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى فمن ذلك: عن أبي الدرداء ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/٧، ورواه البزار وقال إسناده حسن الترغيب والترهيب ٢/١٧٥. وعن أبي ذر ﵁ قال: (تذاكرنا ونحن عند رسول الله ﷺ أيهما أفضل أمسجد رسول الله ﷺ أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله ﷺ: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا) رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم. وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد ٤/٧ وصححه العلامة الألباني بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، السلسلة الصحيحة حديث رقم ٢٩٠٢، تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص ٢٩٤.
إذا تقرر هذا فإن الشيعة لهم رأي آخر في مكانة المسجد الأقصى المبارك كما يؤخذ من مراجعهم فمن ذلك ما يلي: زعم الشيعة أن المسجد الأقصى المذكور في أول سورة الإسراء إنما هو البيت المعمور الذي في السماء وليس المسجد الأقصى المعروف في بيت المقدس فقد ورد في تفسير الصافي للكاشاني ١/ ٦٦٩ – ٦٧٠ في تفسير قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) يعني إلى ملكوت المسجد الأقصى. قال: " ذاك في السماء، إليه أسري رسول الله صلى الله عليه وآله ". وجاء في تفسير القمي عن الباقر ﵇ أنه كان جالسًا في المسجد الحرام فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾ وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلى إسماعيل الجعفي فقال أي شئ يقول أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قال يقولون أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، فقال ليس كما يقولون ولكنه أسري به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم. وقال العياشي عن أبي عبد الله قال: سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ﷺ، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء، إليه أسرى برسول الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: "مسجد الكوفة أفضل منه] تفسير الصافي ٣/ ١٦٦. وجاء في كتاب منتهى الآمال لعباس القمي ص ٧٠: [... والمشهور على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس ولكن يظهر من الأحاديث الكثيرة أن المراد منه هو البيت المعمور الذي يقع في السماء الرابعة وهو أبعد المساجد] .
وروي الكليني في كتابه الكافي والطوسي في كتاب التهذيب، وابن قولوبه في كتاب كامل الزيارات، بالإسناد عن أبي عبد الله الصادق قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين – أي علي ﵁ وهو في مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فردَّ عليه، فقال: جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى، فأردت أن أسلم عليك، وأودعك، قال ﵇: وأي شيء أردت بذلك؟، فقال الفضل، جعلت فداك، قال ﵇: فبع راحلتك، وكل زادك، وصل في هذا المسجد - أي مسجد الكوفة -، فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة، والنافلة عمرة مبرورة، والبركة منه على اثني عشر ميلًا، يمينه يمن، ويساره مكرمة، وفي وسطه عين من دهن، وعين من لبن، وعين من ماء، شراب للمؤمنين، وعين من ماء، طاهر للمؤمنين. منه سارت سفينة نوح، وصلى فيه سبعون نبيًا، وسبعون وصيًا، أنا أحدهم، وقال بيده في صدره، ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلا أجابه الله تعالى، وفرج عنه كربته. الكافي للكليني ٣/ ٤٩١ – ٤٩٢، وسائل الشيعة ٣/٥٢٩. وقد حرَّف الشيعة حديث شد الرحال المشهور في الصحيحين: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول ﷺ والمسجد الأقصى) وجاءوا برواية مكذوبة على علي ﵁ ونصها (عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال أمير المؤمنين ﵇: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ﵇، ومسجد الكوفة.) وسائل الشيعة ٥/٢٥٧. ومن المعلوم أن الشيعة يقدسون أماكن لم تثبت لها أي قداسة لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ومن ذلك تقديسهم لكربلاء وخاصة قبر الحسين فعن أبي عبد الله قال: (إذا أردت الحج ولم يتهيأ لك، فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك حجة، وإذا أردت العمرة ولم يتهيأ لك فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك عمرة) وسائل الشيعة ١٠/٣٣٢. بل تدرج بهم الغلو إلى الاعتقاد بأفضلية زيارة قبر الحسين في كربلاء على الحج فعن أبي عبد الله قال: (من زار قبر " الحسين " يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم ﵇ وألف ألف: عمرة مع رسول الله، وعتق ألف نسمة وحملان ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله ﷿ عبدي الصديق آمن بموعدي وقالت الملائكة: فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه، وسمي في الأرض كروبيًا) وسائل الشيعة ١٠/٣٦٠. ومما يقدسه الشيعة مسجد الكوفة، فقد روى الكليني عن الإمام الصادق ﵇ عن هارون بن خارجة قال له: كم بينك وبين مسجد الكوفة، يكون ميلًاَ؟، قلت: لا، قال: أفتصلي فيه الصلاة كلها؟ قلت: لا، قال: أما لو كنت حاضرًا بحضرته لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة أو تدري ما فضل ذلك الموقع، ما من نبي ولا عبد صالح إلا وقد صلى في مسجد الكوفة حتى إن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لما أسري به إلى السماء قال جبرائيل أتدري أين أنت يا محمد؟ أنت الساعة مقابل مسجد كوفان قال فاستأذن ربي حتى آتيه فأصلي فيه ركعتين فنزل فصلى فيه وإن ميمنته روضة من رياض الجنة وإن وسطه روضة من رياض الجنة وإن مؤخره عروسة من رياض الجنة والصلاة فيه فريضة تعدل بألف صلاة والنافلة فيه بخمسمائة صلاة وإن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبوًا) . وورد عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر الباقر ﵇: أي البقاع أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله؟ قال ﵇: الكوفة! يا أبا بكر! هي الزكية الطاهرة، فيها قبور البيين والمرسلين، وغير المرسلين، والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهيل! الذي لم يبعث نبيًا إلا وقد صلى فيه، وفيها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه، والقوام من بعده، وهي منازل النبيين، والأوصياء الصالحين. وسائل الشيعة ٣/٥٤٧. وغير ذلك من الترهات والأكاذيب. وقد زعم الشيعة أن كل ما جاء في السنة النبوية من فضائل المسجد الأقصى إنما هو من صنع الأمويين.
وخلاصة الأمر أن الشيعة لا ينظرون إلى المسجد الأقصى المبارك كما ينظر أهل السنة، فالمسجد الأقصى عند الشيعة إنما هو في السماء، ومن يقر منهم بأنه المعروف في بيت المقدس فمسجد الكوفة أفضل منه، ولا شك أن هذا محض افتراء على دين الله فلم تثبت أي فضيلة لمسجد الكوفة لا في الكتاب ولا في السنة.
1 / 9
١٠ - حكم الدعاء باللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه
يقول السائل: ما صحة الحديث التالي (اللهم إني لا أسألك ردَّ القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) أفيدونا؟
الجواب: ينبغي أن يعلم أولاَ أن الدعاء هو العبادة كما ورد في الحديث وحقيقة الدعاء مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة أو دفع مضرة من المضار والبلاء بالدعاء، فهو سبب لذلك واستجلاب لرحمة المولى ويعني هذا أن الدعاء شعور بالحاجة إلى الله تعالى وطلبها منه ﷻ بتذلل ورغب ورهب لا غنى لأي فرد عنه في أي حال من أحواله شدة ورخاء صحة وعافية ومرضًا ولذا جاءت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مبينة فضله وحاثة عليه ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ سورة غافر الآية ٦٠. وقال تعالى ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ سورة الأعراف الآيتان ٥٥-٥٦. وقال تعالى ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ سورة البقرة الآية ١٨٦. وقال ﷻ في وصف عباده المؤمنين ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة السجدة الآيتان ١٦-١٧. وجاء في الحديث عن النعمان بن بشير ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إن الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ٣/١٣٨. وعن النعمان بن بشير ﵁ قال سمعت النبي ﷺ: (يقول الدعاء هو العبادة ثم قرأ ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة وقال العلامة الألباني حسن كما في صحيح سنن الترمذي ٣/١٣٨. وعن عبادة بن الصامت ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بمأثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذًا نكثر، قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ٣/١٨١. وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) رواه ابن حبان وأبو يعلى وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع ١٥١٩. وعنه أن النبي ﷺ قال: (من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي والحاكم وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع ٦٢٩٠. وغير ذلك من الأحاديث. والدعاء له أحكام وآداب فصلَّها أهل العلم في مؤلفاتهم مثل كتاب الترغيب في الدعاء والحث عليه للحافظ عبد الغني المقدسي. إذا تقرر هذا فأعود إلى جواب السؤال فأقول ما ذكره السائل ليس حديثًا عن النبي ﷺ فلا أصل له في كتب السنة النبوية وإنما هو قول درج على ألسنة بعض الناس ويعتبر الدعاء به من الأخطاء التي تقع في الدعاء بل ورد في السنة النبوية ما يدل على خلاف ذلك فقد ثبت في الحديث الصحيح عن الرسول الله ﷺ أنه قال: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ١/٢٢. ويقول النبي ﷺ: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة) رواه الحاكم وصححه، وحسنه العلامة الألباني.
وقد أجاب العلماء عن الإشكال بأن الدعاء يرد القضاء بأجوبة منها ما قاله الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز [ومراده ﷺ أن القدر المعلق بالدعاء يرده الدعاء وهكذا قوله ﷺ (من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه) فالأقدار تردها الأقدار التي جعلها الله سبحانه مانعة لها، والأقدار المعلقة على وجود أشياء كالبر والصلة والصدقة توجد عند وجودها، وكل ذلك داخل في القدر العام المذكور في قوله سبحانه ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ وقوله ﷺ (وتؤمن بالقدر خيره وشره) ومن هذا قوله ﷺ: (الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفئ الماء النار)] موقع الشيخ على الإنترنت.
وقال العلامة محمد العثيمين: [وفي هذا المقام يُنكَرُ على من يقولون: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) فهذا دعاء بدعي باطل، فإذا قال: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) معناه أنه مستغن، أي افعل ما شئت ولكن خفف، وهذا غلط، فالإنسان يسأل الله ﷿ رفع البلاء نهائيًا فيقول مثلًا: اللهم عافني، اللهم ارزقني، وما أشبه ذلك. وإذا كان النبي ﷺ قال: لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهَمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. فقولك: (لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللّطف فيه) أشد. واعلم أن الدعاء قد يرد القضاء، كما جاء في الحديث (لًا يَرُدُّ القَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ) . وكم من إنسانٍ افتقر غاية الافتقار حتى كاد يهلك، فإذا دعا أجاب الله دعاءه، وكم من إنسان مرض حتى أيس من الحياة، فيدعو فيستجيب الله دعاءه. قال الله تعالى ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ فذكر حاله يريدُ أنّ اللهَ يكشفُ عنهُ الضُّرَّ، قال الله ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾] شرح الأربعين النووية ص ٦٦.
[واعلم أن القدر الذي هو القضاء المبرم الذي علم الله أنه سيقع لا يغيره شيء لا دعاء ولا غيره، ولكن هنالك ما يسميه العلماء بالقضاء المعلق، وهو ما علق وقوعه على شيء، مثل الزيادة في العمر إذا وصل الإنسان رحمه، كأن يقدر له إن وصل رحمه أربعين سنة، وإن لم يصل رحمه ثلاثين سنة، وهذا بالنسبة إلى غير الله معلق. أما بالنسبة إلى الله تعالى فهو مبرم، أي لا يغيَّر فيه شيء. أما بالنسبة للملك الموكل بقبض الأرواح، أو كتابة الآجال، أو الأرزاق، فيمكن تغييره، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ وعليه يمكن تغيير القدر بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة أن النبي ﷺ قال: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها.) وفي لفظ: (بالذنب يصيبه) قال السندي في شرحه على سنن ابن ماجة: [قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فإن الدعاء سبب رد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء.] موقع الشبكة الإسلامية.
وخلاصة الأمر أن عبارة (اللهم إني لا أسألك ردَّ القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) ليست حديثًا نبويًا ولا يجوز ذكرها في الدعاء فهي من سوء الأدب مع الله ﷿.
1 / 10
١١ - الشيعة ليست مذهبا فقهيا خامسا
يقول السائل: هل يمكن اعتبار الشيعة مذهبًا فقهيًا خامسًا يضاف إلى المذاهب السنية الأربعة، أفيدونا؟
الجواب: ينبغي أن يعلم أولًا أن المذاهب السنية الأربعة وهي المذهب الحنفي المنسوب لأبي حنيفة النعمان المتوفى سنة ١٥٠ هـ والمذهب المالكي المنسوب لمالك بن أنس المتوفى سنة ١٧٦ هـ والمذهب الشافعي المنسوب لمحمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة ٢٠٤ هـ والمذهب الحنبلي المنسوب لأحمد بن حنبل المتوفى سنة ٢٤١ هـ، هذه المذاهب الفقهية السنية تقوم على أصول عقدية واحدة بشكل عام وهي عقيدة أهل السنة والجماعة، والخلاف بينها إنما هو في الفروع الفقهية بناءً على خلاف في قواعد أصولية، والمذاهب الأربعة متفقة على مصادر التشريع الأصلية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس، ووقع خلاف في مصادر التشريع التبعية كالمصلحة المرسلة والاستحسان وعمل أهل المدينة والعرف والعادة وغيرها.
إذا تقرر هذا فإن كثيرًا من الناس في بلادنا لا يعرفون عن الشيعة إلا شيئًا يسيرًا بل إنهم يظنون أن الشيعة ما هي إلا مذهب فقهي كالمذاهب الأربعة وأنه لا يوجد خلاف كبير بين الشيعة وبين أهل السنة والجماعة إلا في الفروع الفقهية ولا شك أن هذا ظن خاطىء سببه عدم الإطلاع على عقائد الشيعة بشكل صحيح ومن مصادرهم المعتمدة أو حسن ظن بهم وهو في غير محله. ومما لاشك فيه أن الخلاف بين أهل السنة والشيعة خلاف في العقائد والأصول وليس خلافًا في الفروع فعند الشيعة الكثير من العقائد الباطلة ويعرف ذلك من يقرأ في مصادرهم المعتمدة وإن حاول بعض مراجعهم الدينية المعاصرون إخفاء ذلك أو عدم الحديث عنه وهم يفعلون ذلك انطلاقًا من مبدأ التقية وهي عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر بغير ما يبطنون ويقولون: (من لا تقية له لا دين له) . والشيعة وهم في الحقيقة فرق عديدة ولكنها تلتقي على أصول عقدية مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وقد ترتب على ذلك مخالفتهم للمذاهب السنية الأربعة في قواعد أصول الفقه التي يبنى عليها الفقه لأنه لا يمكن الفصل بين العقيدة وبين قواعد الأصول التي يقوم عليها الاجتهاد الفقهي، ومن أوضح الأمثلة على ذلك أن الشيعة لا يؤمنون بأن القرآن محفوظ بل يقولون طرأ عليه تغيير وتحريف من الصحابة فقد جاء في كتاب الكافي للكليني ١/٢٢٨: عن أبي جعفر يقول: ما ادعى أحدٌ من الناس أنه جمع القرآن كله كما أُنزل إلا كذَّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده.] وعنه قال: ما يستطيع أحدٌ أن يدعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء]
وفي الكافي كذلك ١/٤١٢: عن جابر، عن أبي جعفر قال: قلت له: لمَ سُمي أمير المؤمنين - أي علي بن أبي طالب ـ؟ قال: الله سماه هكذا؛ أنزل في كتابه: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمدًا رسولي وأن عليًا أمير المؤمنين]
وفي الكافي أيضًا ١/٤١٧: عن أبي جعفر قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد هكذا: " بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغيًا] . وفي الكافي أيضًا ١/٤١٧: عن جابر، قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمدٍ هكذا: (وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا في عليٍّ فأتوا بسورة من مثله) . وفي الكافي أيضًا ١/٤١٧: عن أبي عبد الله قال: نزل جبرائيل على محمد بهذه الآية هكذا: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزَّلنا في عليٍّ نورًا مبينا)
وفي الكافي أيضًا ١/٢٣٩: عن أبي عبد الله قال: [وإن عندنا لمصحف فاطمة ﵍ وما يدريهم ما مصحف فاطمة ﵍؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة ﵍؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحد]
وكذلك فإن الشيعة لا يقبلون السنة النبوية كمصدر تشريعي إلا من جهة نقلتهم ورواتهم فالشيعة لا يقبلون من السنة النبوية إلا ما كان من رواية أهل البيت بمفهومهم فهم يستبعدون أمهات المؤمنين من آل البيت فلا يقبلون رواية أكثر الصحابة عن النبي ﷺ ولا يعتدون بكتب السنة كالبخاري ومسلم والسنن الأربعة وغيرها بل عندهم كتبهم المعتمدة وأهمها كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني الرازي والذي يعد عند الشيعة بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة قال أحد مراجعهم محمد صادق الصدر في كتابه الشيعة ص٥ [إن الشيعة مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة: أصول الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات] وقال أيضًا ص١٣٣: [ويعتبر (الكافي) عند الشيعة أوثق الكتب الأربعة]
فالشيعة لا يقبلون مصادر أهل السنة العلمية بل يردونها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومع هذا يردون - أي الشيعة - أحاديث النبي ﷺ الثابتة المتواترة عنه عند أهل العلم مثل أحاديث البخاري ومسلم، ويرون أن شعر شعراء الرافضة: مثل الحميري، وكوشيار الديلمي، وعمارة اليمني خيرًا من أحاديث البخاري ومسلم، وقد رأينا في كتبهم من الكذب والافتراء على النبي ﷺ وصحابته، وقرابته أكثر مما رأينا من الكذب في كتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٨/٤٨١-٤٨٢.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: [والرافضة كفّرت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعامة المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد ﷺ من المتقدمين والمتأخرين. فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين، والأنصار العدالة، أو ترضَّى عنهم كما ﵃، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم، ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل مالك والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وغير هؤلاء، ويستحلون دماء من خرج عنهم، ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٨/٤٧٧
وكذلك فإن الشيعة يضفون نوعًا من القدسية على كلام أئمتهم ويعتبرونه مصدرًا تشريعيًا وهم لا يقبلون من الإجماع إلا إجماع أهل البيت حسب مفهومهم بل إنهم قد غالوا في ذلك فزعموا أن أئمتهم يعلمون الغيب ورد في الكافي ٤/٢٦١: [قال جعفر الصادق: إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون] . وغير ذلك من الترهات والخزعبلات.
وخلاصة الأمر أنه لا يصح اعتبار الشيعة مذهبًا فقهيًا خامسًا بل مذهبهم مخالف لأهل السنة والجماعة في العقائد ومخالف للمذاهب الأربعة في أصولها الفقهية.
1 / 11
١٢ - الكهان الجدد
يقول السائل: ما قولكم فيما انتشر أخيرًا عبر بعض القنوات الفضائية التي تبث برامج مباشرة مع بعض المشعوذين والكهان الذين يزعمون أنهم يحلون مشكلات الناس من خلال الطلاسم والاستعانة بالجن، أفيدونا؟
الجواب: ما يعرض على بعض المحطات الفضائية من التنجيم والشعوذة والسحر والكهانة وغير ذلك من المسلسلات الإباحية ومشاهد الدعارة والعهر الفني كل ذلك يصب في محاربة الإسلام الصحيح وتشويه صورة المسلمين كما أن من أهدافه إشغال الناس عن قضايا الأمة الهامة ومحاربة النسيج الاجتماعي للمجتمع الإسلامي، وغير ذلك من الأهداف الخبيثة.
ومن المعلوم أن التنجيم والشعوذة والسحر والكهانة معروفة منذ عهد بعيد وكان العرب يتعاطونها ووردت فيها النصوص الكثيرة من كتاب الله ﷿ ومن سنة النبي ﷺ، قال تعالى ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ سورة البقرة الآية ١٠٢. وجاء في الحديث عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) متفق عليه، وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا) رواه مسلم. وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من أتى عرافا ً أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٣/١٧٢. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [العرَّاف اسم للكاهن والمنجم والرَّمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق) مجموع الفتاوى ٣٥/١٧٣. ويؤخذ من النصوص السابقة أن مجرد إتيان الكاهن وسؤاله عن شيء يعاقب المسلم عليه بأن لا تقبل له صلاة أربعين يومًا وأما إذا صدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ، وذلك لأن مما أنزل على محمد ﷺ قوله تعالى ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ سورة الأنعام الآية ٥٩. وقوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) سورة النمل الآية ٦٥. وقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) سورة الجن الآيات ٢٦-٢٧. قال الإمام القرطبي [قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم. وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه] تفسير القرطبي ١٩/٢٨، وبناءً على ما تقدم قرر أهل العلم حرمة الذهاب إلى هؤلاء الكهان والسحرة والمشعوذين كما ثبت في حديث معاوية بن الحكم السلمي ﵁ (قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالًا يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم) رواه مسلم.
إن ما يقوم به المنجمون والكهان والمشعوذون الجدد عبر بعض المحطات الفضائية إنما هو تخريب لعقيدة التوحيد ودعوة صريحة للشرك وإفساد لعقيدة المسلمين، فقد سمعت أحد هؤلاء الكهان يقول لإحدى المتصلات: لا تقرأي القرآن ولا تأخذي ولدك إلى الكعبة، وفي اتصال آخر يطلب كتابة آيات القرآن معكوسة وهذا تلاعب بكتاب الله ﷿ واستهزاء به، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ﴾ سورة التوبة الآيتان ٦٥- ٦٦. ويزعم هؤلاء الدجاجلة أن هنالك خدامًا لسور القرآن الكريم!! وهذا كذب وافتراء على كتاب الله ﷿. كما أن في هذه البرامج تعليم السحر للناس على الهواء مباشرة ففي واحد من هذه البرامج يقوم الساحر بتعليم المتصلين والمتصلات طريقة السحر فيعرض حجابًا مكتوبًا على صحيفة كبيرة على الشاشة ويقول للمتصل (اكتب اسمك في هذا المربع بين الطلاسم واسم أمك في المربع الآخر ولن يضرك شيئ بعده) ويقول هذا الساحر لإحدى المتصلات (رزقك عندي.. حياتك عندي.. علاقتك مع زوجك عندي.. لا مو هذا بس.. كل شيء عنك عندي) ولا شك أن هذا من الدجل بلا خجل، ولا يغيب عنا قوله تعالى في حق رسوله ﷺ ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ سورة الأعراف الآية ١٨٨.
ويضاف إلى ذلك أن للموضوع خطورة كبيرة على الأسرة والمجتمع حيث إن معظم المتصلين على هذه البرامج من النساء ويسألن عن قضايا تتعلق بحياتهن الزوجية وهؤلاء الأفاكين يوجهون النساء إلى الطلاق كأسهل حل لمشكلاتهن مع أزواجهن وصدق الله العظيم إذ يقول ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ . وحل المشكلات الزوجية لا يكون باللجوء إلى هؤلاء الكهان وإنما البحث عن حقيقة المشكلة وحلها بتعقل وباستشارة أهل العلم والخيرين من الناس.
وخلاصة الأمر أنه يحرم تصديق هؤلاء الدجاجلة ويحرم الاتصال بهذه المحطات لسؤالهم وأن هذا يدخل في التعاون على الإثم والعدوان كما قال تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ .
1 / 12
١٣ - التألي على الله ﷾
يقول السائل: توفي شخص في بلدتنا وكان عاصيًا فقال رجل: إلى جهنم وبئس المصير، فما حكم ذلك، أفيدونا؟
الجواب: إن من أعظم الآفات التي يقع فيها الإنسان آفة انفلات اللسان فيتكلم بكلمة لا يلقي لها بالًا فتهوي به في النار كما ورد في الحديث عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند البخاري عن أبي هريرة ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) .
وعن بلال بن الحارث المزني ﵁ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
ويجب على الإنسان أن يدرك أن كل كلمة تخرج من فمه فإنه محاسب عليها، فهي إما له وإما عليه يقول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق الآية ١٨. وجاء في الحديث عن أم حبيبة زوج النبي ﷺ عن النبي ﷺ قال: (كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ووردت أحاديث كثيرة تحث على حفظ المنطق منها: عن عقبة بن عامر ﵁ قال قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وعن سهل بن سعد ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه تضمنت له بالجنة) رواه البخاري، وما بين لحييه أي اللسان وما بين رجليه أي فرجه. وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك كثير. إذا تقرر هذا فأعود لما ورد في السؤال فأقول إن ما قاله الرجل في حق الميت [إلى جهنم وبئس المصير] هو من التألي على الله عز وج، وهو من سوء الأدب مع الله ﷾، لأن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) سورة النساء الآية ٤٨، ففي هذه الآية الكريمة يبين الله ﷿ أنه يغفر ما دون الشرك بمشيئته وإرادته، وقد ذكر الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية طائفة من الأحاديث التي توضح أن من مات لا يشرك بالله شيئًا فإنه داخل تحت المشيئة منها: عن أبي الأسود الديلي أن أبا ذر حدثه قال: أتيت رسول الله ﷺ فقال: (ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق ثلاثًا، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر، قال: فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر، وكان أبو ذر يحدث بهذا ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر.) والحديث في الصحيحين.
ومنها عن جابر بن عبد الله ﵁: أن النبي ﷺ قال (لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب» قيل: يا نبي الله وما الحجاب؟ قال «الإشراك بالله - قال - ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئًا إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى، إن يشاء أن يعذبها وإن يشاء أن يغفر لها» ثم قرأ نبي الله ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ . رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده. تفسير ابن كثير ٢/٢٩٥-٢٩٧. وقال الله تعالى ﴿يُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ سورة العنكبوت الآية ٢١، قال الحافظ ابن كثير: [وقوله تعالى: ﴿يعذب من يشاء ويرحم من يشاء﴾ أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل، لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة، كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن «إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم» ولهذا قال تعالى: ﴿يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون﴾ أي ترجعون يوم القيامة] تفسير ابن كثير ٥/٤٩. وقال الله تعالى (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدةالآية٤٠. وقال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمرانالآية ١٢٩. وقال تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفتح الآية١٤. فمن مات لا يشرك بالله شيئًا فهو داخل تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، ولا يجوز لأحد أن يتألى على الله فيحكم بأن فلانًا من أهل النار أو أن فلانًا من أهل الجنة فقد ثبت في الحديث عن جندب بن عبد الله البجلي ﵁ أن رسول الله ﷺ حدث أن رجلًا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك أو كما قال) رواه مسلم.
قال الإمام النووي [معنى (يتألى) يحلف، والألية اليمين. وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها.] شرح النووي على صحيح مسلم ٦/١٣٣.
وعن أبي هريرة ﵁ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول أقصر فوجده يومًا على ذنب فقال له أقصر فقال خلني وربي أبعثت عليَّ رقيبًا، فقال والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد أكنت بي عالمًا أو كنت على ما في يدي قادرًا، وقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر اذهبوا به إلى النار، قال أبو هريرة والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته) رواه أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم ٤٤٥٥. [وقوله (متواخيين) أى متقابلين في القصد والسعي فهذا كان قاصدًا وساعيًا في الخير وهذا كان قاصدًا وساعيًا في الشر، (أقصر): من الإقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه] عون المعبود شرح سنن أبي داود ١٣/١٦٦-١٦٧.
وروي في الحديث عن عبد الله عن بن مسعود ﵁ قال: (كان رجل يصلي، فلما سجد أتاه رجل فوطئ على رقبته، فقال الذي تحته: والله لا يغفر لك الله أبدًا، فقال الله ﷿: تألى عبدي أن لا أغفر لعبدي، فإني قد غفرت له) رواه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في شعب الإيمان. قال الحافظ المناوي: [قال المظهر: لا يجوز لأحد أن يجزم بالغفران أو العقاب؛ لأن أحدًا لا يعلم مشيئة الله وإرادته في عباده بل يرجو للمطيع ويخاف للعاصي. وإنما يجزم في حق من جاء فيه نصٌ كالعشرة المبشرة] فيض القدير شرح الجامع الصغير ٦/٤٩٩.
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز لأحد أن يجزم لشخص بأنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار لأن ذلك من سوء الأدب مع الله ﷿. ويجب على من قال ذلك أن يتوب إلى الله ﷿ توبة نصوحًا.
1 / 13
١٤ - لا حرج في استعمال مصطلح عقيدة
يقول السائل: ما قولكم فيمن يقول إنه لا يجوز شرعًا استعمال كلمة عقيدة، لأنها لم ترد في كتاب الله ﷿ ولا في سنة رسول الله ﷺ، ويقول إن كلمة عقيدة فرية وأن الاستمرار على استعمال كلمة العقيدة فيه حرمانية!! ومن يستعملها يكون من الذين يناصبون كتاب الله العداء، لأن استعمال كلمة العقيدة من تبديل كلام الله، والواجب استعمال كلمة ملة بدلًا من كلمة عقيدة، فما قولكم في هذه المقالة، أفيدونا؟
الجواب: إن هذه المقولة الظالمة فيها الخلط والخبط كخبط عشواءَ والافتراء على دين الله ﷿ وعلى علماء الأمة وقبل أن أكشف عوارها أقول: إن مما ابتليت به الأمة المسلمة في زماننا هذا كثرة المتسورين على حمى العلم الشرعي من أشباه طلبة العلم الذين يظنون أنهم بلغوا رتبة الاجتهاد وصاروا كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، بل إنهم قد يخطئون هؤلاء الأئمة الكبار وبعض هؤلاء المتعالمين لا يحسن ألف باء العلم الشرعي!!
وإن من مصائب الأمة الإسلامية في هذا الزمان أن يتكلم في مسائل العلم الشرعي أشباه طلبة العلم الذين إن قرأ الواحد منهم كتابًا أو كتابين ظن نفسه من كبار العلماء ومن أهل الاجتهاد المطلق فيجعل من نفسه حكمًا يحكم بين العلماء فيرد عليهم ويصحح ويخطيء كما يشاء ويهوى من دون سند ولا أثارة من علم، وهذا مع الأسف نشاهده ونسمعه باستمرار. قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطبًا رجلًا تجرأ على العلماء: [إنما نحترمك ما احترمت الأئمة] . أيها الناس تأدبوا مع العلماء، واعرفوا لهم مكانتهم، فما فاز من فاز إلا بالأدب، وما سقط من سقط إلا بسوء الأدب. واعلموا أن الأمة لا تحترم ولا تقدر إلا من يحترم العلماء والأئمة. إذا تقرر هذا فأبين فساد تلكم المقولة الفجة فيما يلي:
أولًا: صحيح أن كلمة عقيدة لم ترد في كتاب الله ولا في سنة نبيه ﷺ، ولكن عدم ورودها فيهما لا يعني منع استعمالها، بل تحريم استعمالها كما زعم صاحب المقولة، فكم من كلمات واصطلاحات استعملها العلماء في كتبهم وكلامهم ليس لها ذكر في الكتاب ولا في السنة، وصغار طلبة العلم يعرفون ذلك فضلًا عن العلماء، وقديمًا قال العلماء العبارة المشهورة (لا مشاحة في الاصطلاح) انظر تاج العروس ٤/١٠٢، فما زال العلماء يضعون الاصطلاحات في كل علم وفن من غير نكير من أحد، قال العلامة ابن القيم [والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة] مدارج السالكين ٣/٣٠٦. ومن قال إن كل لفظ أو اصطلاح نستعمله لا بد وأن يكون واردًا في كتاب الله وفي سنة نبيه ﷺ، فالكتاب والسنة ليسا من المعاجم اللغوية التي استوعبت الألفاظ العربية، قال المحقق القدير الشيخ محمود شاكر رحمة الله عليه في رسالته (مداخل إعجاز القرآن): [والألفاظ التي تستقر في اللغة استقرارًا شاملًا مستفيضًا، يكون من الجهل والتهور محاولة انتزاعها وإسقاطها من أقلام الكتاب، ومن كتب العلماء قديمًا وحديثًا] . وقال الشيخ أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري: [من القصور في التأصيل العلمي التماس كل معنى عربي، ودعك من الاصطلاح الحاصل بعد التنزيل في كلام الله سبحانه وكلام رسوله ﷺ، ورده لغة أو شرعًا إذا لم يوجد فيهما، لأن المعجم العربي المدون مليء بمئات المفردات والمعاني العربية التي لم ترد في الوحيين، وما في ذلك من عجب، لأن الوحيين ليسا معجمًا لغويًا، وإنما هما تعبير عما أذن الله بإبلاغه شرعًا بلغة عربية مبينة من مجموع لغة العرب] عن مقال بصحيفة الجزيرة السعودية على شبكة الإنترنت. وقد ألف عدد كبير من العلماء في اصطلاحات العلوم المختلفة فمن هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر: مفاتيح العلوم للخوارزمي، والتعريفات للجرجاني، وكشاف اصطلاحات الفنون والعلوم للتهانوي، والكليات لأبي البقاء الكفوي، وجامع العلوم في اصطلاحات الفنون المعروف بدستور العلماء للقاضي عبد رب النبي الأحمد نكري، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي، وغيرها من معاجم المصطلحات، وقد ذكر د. بكر أبو زيد أكثر من خمسين كتابًا منها، انظر فقه النوازل ١/١١١ – ١١٨. وإذا استعرضنا كتابًا واحدًا من هذه الكتب لوجدنا اصطلاحات كثيرة جدًا في الفقه وأصول الفقه والحديث والتفسير والنحو والبلاغة وغيرها ليست في الكتاب ولا في السنة ومع ذلك استعملها العلماء على مر العصور والأيام من غير نكير.
ثانيًا: إن الزعم بأن من يستعمل كلمة عقيدة يكون مناصبًا العداء لكتاب الله، افتراء عظيم على كتاب الله وعلى أهل العلم الذين استعملوا كلمة عقيدة وما زالوا يستعملونها، وأين الدليل على العداء لكتاب الله في استعمال كلمة عقيدة؟ ومن المعلوم أن عددًا كبيرًا من علماء الأمة قديمًا وحديثًا استعملوا كلمة عقيدة، بل إن كثيرًا من مصنفات أهل العلم حملت اسم العقيدة أو الاعتقاد أو المعتقد وهذه بعض الأمثلة: العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي، أصل السنة واعتقاد الدين لابن أبي حاتم الرازي، اعتقاد أئمة الحديث لأبي بكر الاسماعيلي، اعتقاد أهل السنة والجماعة للهكاري، اعتقاد الشافعي لعبد الغني المقدسي، العقائد النسفية للإمام النسفي، عقيدة أهل الأثر للمواهبي، المعتقد للأصبهاني، العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، عقيدة السلف لأبي عثمان الصابوني، لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي، الاعتقادات للقابسي، شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي، الاعتقاد للبيهقي، تطهير الاعتقاد للصنعاني ويضاف إلى ذلك المئات من مؤلفات العلماء المعاصرين في العقيدة
فهل كل هؤلاء العلماء الذين ذكرتهم ومن لم أذكرهم يناصبون كتاب الله العداء؟!! وهل كل هؤلاء العلماء الذين ذكرتهم ومن لم أذكرهم مفترون على الله لأنهم استعملوا كلمة عقيدة، وهي فرية كما زعم القائل؟!! ويضاف إلى ذلك أن كل الكليات الشرعية في العالم الإسلامي تدرس طلبتها مساقات العقيدة وفي هذه الكليات ما لا يحصى من أهل العلم، فهل كل هؤلاء يناصبون كتاب الله العداء؟!! ﴿كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا﴾ .
ثالثًا: إن قضية التحليل والتحريم من أخطر القضايا الشرعية، يقول الله ﷾: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) سورة النحل الآية ١١٦. قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: [ومعنى هذا أن التحليل والتحريم إنما هو لله ﷿ وليس لأحد أن يقول ويصرح بهذا في عين من الأعيان إلا أن يكون الباري تعالى يخبر بذلك عنه] تفسير القرطبي ١٠/١٩٦. وقال الشوكاني: [وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة – هو المنذر بن مالك من التابعين - قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ) إلى آخر الآية فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا. قلت – القائل الشوكاني -: صدق ﵀ فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله أو في سنة رسوله؟ كما يقع كثيرًا من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة وإنهم لحقيقون بأن يحال بينهم وبين فتاويهم ويمنعوا من جهالاتهم فإنهم أفتوا بغير علم من الله ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل: كبهيمةٍ عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الجائر] تفسير فتح القدير ٣/٢٠١. وقال الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا) سورة يونس الآية ٥٩. وأود أن أطلب من هذا القائل بتحريم استعمال كلمة عقيدة، أن يأتينا بدليل التحريم من الكتاب أو من السنة؟ ولن يستطيع إلى ذلك سبيلًا. ومن جهة أخرى لو سلمنا جدلًا أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم – وليست كذلك- فلا إنكار في مسائل الخلاف المعتبر.
رابعًا: زعم القائل بأن استعمال كلمة عقيدة تبديل لكلام الله ﴿ولا مبدل لكلمات الله﴾ !! فهذا قول ظاهر البطلان بل هو من أعظم الفرية على الله تعالى والكذب عليه وعلى رسوله ﷺ، فأي تبديل لكلام الله في استعمال كلمة عقيدة، وهل هذا هو المراد بتبديل كلام الله؟ إن هذا الاستدلال من أبطل الباطل، وهو من تحميل النصوص ما لا تحتمل.
وخلاصة الأمر أنه ومن قال بتحريم ذلك فقد أعظم الفرية على دين الإسلام.
1 / 14
١٥ - ألفاظ فيها إساءة الأدب مع الله ﷿
يقول السائل: تجري على ألسنة الناس ألفاظ مثل قول بعضهم (خلي الله على جنب) ومثل (حل عن ربي) ومثل (بعرض الله) ومثل (بشرف الله) ومثل (يسعد الله) ومثل (الله والنبي يخلف) ونحوها من العبارات نرجو بيان حكم التلفظ بها
الجواب: أرشدنا سيدنا رسول الله ﷺ إلى اختيار الألفاظ وانتقائها وأن نحفظ منطقنا من الزلل ومن استعمال كلمات في غير موضعها وألا نلقي الكلام على عواهنه قال العلامة ابن القيم [فصل في هديه ﷺ في حفظ المنطق واختيار الألفاظ كان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأجملها، وألطفها، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش فلم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخابًا ولا فظًا. وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك وأن يستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله. فمن الأول منعه أن يقال للمنافق " يا سيدنا " وقال (فإنه إن يك سيدًا فقد أسخطتم ربكم ﷿ ومنعه أن تسمى شجرة العنب كرمًا، ومنعه تسمية أبي جهل بأبي الحكم وكذلك تغييره لاسم أبي الحكم من الصحابة بأبي شريح وقال (إن الله هو الحكم وإليه الحكم) ... ومن ذلك قوله (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم ما شاء فلان) وقال له رجل (ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله ندًا؟ قل ما شاء الله وحده) . وفي معنى هذا الشرك المنهي عنه قول من لا يتوقى الشرك: أنا بالله وبك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، وهذا من الله ومنك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض، ووالله وحياتك، وأمثال هذا من الألفاظ التي يجعل فيها قائلها المخلوق ندًا للخالق وهي أشد منعًا وقبحًا من قوله ما شاء الله وشئت.] زاد المعاد في هدي خير العباد ٢/٣٥٢-٣٥٣. وحفظ المنطق أمر هام في دين الإسلام لما يترتب على الكلمة من أضرار وأخطار وقد صح في الحديث عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله (لا يلقي لها بالًا) ... أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئًا، وهو من نحو قوله تعالى (وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم) ... قوله (يهوى) ... قال عياض: المعنى ينزل فيها ساقطًا. وقد جاء بلفظ " ينزل بها في النار " لأن درجات النار إلى أسفل، فهو نزول سقوط] فتح الباري ١١/٣٧٧.
وصح في الحديث أنه ﷺ قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) رواه مسلم، قال الإمام النووي في شرح الحديث: [معناه لا يتدبرها ويفكر في قبحها، ولا يخاف ما يترتب عليها، وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة، وكالكلمة تقذف، أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك. وهذا كله حث على حفظ اللسان كما قال ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم، وإلا أمسك] شرح النووي على صحيح مسلم ٦/٤١١. وجاء في الحديث عن بلال بن الحارث المزني ﵁ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح وقد سأل معاذ ﵁ النبي ﷺ عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده من النار فأخبره النبي ﷺ برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه ثم قال: (كف عليك هذا) فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم – أو على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وبناءً على ما سبق فإن المسلم مطالب بأن يحاسب نفسه على كل كلمة ينطق بها وقد قال الله تعال ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ سورة قّ الآية ١٨. إذا تقرر هذا فإن الألفاظ التي ذكرت في السؤال فيها إساءة الأدب مع الله ﷿ وقد عدد الشيخ بكر أبو زيد ما يجب تجنبه لئلا يساء الأدب مع الله ﷾ فقال: [النهي عن كل لفظ فيه شرك بالله أو كفر به – سبحانه – أو يؤدِّي إلى أي منها. النهي عن دعاء غير الله تعالى. النهي عن الإلحاد في أسماء الله تعالى. النهي عن الاعتداء في الدعاء. النهي عن الاستسقاء بالأنواء. النهي عن القول على الله بلا علم. النهي عن الدعاء بالبلاء. النهي عن تعبيد الاسم لغير الله تعالى. النهي عن التسمي بأسماء الله تعالى التي اختص بها نفسه – سبحانه -. النهي عن الحلف بغير الله.] معجم المناهي اللفظية ص٣٤-٣٥.
ويضاف إلى العبارات التي ذكرت في السؤال عبارت أخرى يشتم منها سوء الأدب مع الله ﷿ منها: (الله ما بيسمع من ساكت) (الله يظلم اللي ظلمني) (يخلف على الله) (لو يحط إيده بيد الله ما بيفعل كذا وكذا) (عايف ربي) (لا حول الله يا رب) (لو ينزل ربنا ما بفعل كذا وكذا) (هو الله داري عنك) (فلان الله ما بيقدر عليه) (الله بيعطي اللوز للي ما لوش سنان) (الله موجود في كل مكان) فهذه العبارات ونحوها لا يجوز استعمالها ويخشى على قائلها أن ينطبق عليه قول النبي ﷺ (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم) - والمقام لا يتسع لتبيين ما في كل عبارة من هذه العبارات من إساءة الأدب مع الله ولكني أنصح بالرجوع إلى كتاب (معجم المناهي اللفظية) للعلامة الدكتور الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله ورعاه ومتعه بالصحة والعافية وأنصح أيضًا بكتاب أخينا الشيخ محمد إبراهيم سرحان وعنوانه (ظاهرة الخطأ الكلامي في الأصول والفروع الشرعية) ففيهما خير كثير - ولكني أنبه على عبارتين دارجتين: الأولى (الله والنبي يخلف) فهذه العبارة جعلت النبي ﷺ في مقام مساوٍ لمقام الله ﷿ وهذا باطل لأن النبي ﷺ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فضلًا أن يملك ذلك لغيره كما ثبت في الحديث الصحيح (أن النبي ﷺ قال: يا بني عبد مناف، لا أملك لكم من الله شيئًا، يا صفية يا عمة رسول الله ﷺ لا أملك لك من الله شيئًا، يا عباس عم رسول الله، لا أملك لك من الله شيئًا) فالصواب أن يقال (الله يخلف عليك) .
والعبارة الثانية وهي (الله موجود في كل مكان) فهذه العبارة فيها عقيدة فاسدة مناقضة لما عليه أهل السنة والجماعة حيث إن الله ﷿ في السماء قال الشيخ ابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية [وكلام السلف في إثبات صفة العلو كثير جدًا: فمنه: ما روى شيخ الإسلام أبو اسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق، بسنده إلى مطيع البلخي: أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقال: قد كفر، لأن الله يقول: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ وعرشه فوق سبع سماواته، قلت: فإن قال: إنه على العرش، ولكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر، لأنه أنكر أنه في السماء، فمن أنكر أنه في السماء فقد كفر.] شرح العقيدة الطحاوية ص٣٢٢- ٣٢٣. وقال العلامة الألباني: [أما قول العامة وكثير من الخاصة: الله موجود في كل مكان، أو في كل الوجود، ويعنون بذاته، فهو ضلال، بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود، الذي يقول به غلاة الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق، ويقول كبيرهم: كل ما تراه بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا] سلسلة الأحاديث الصحيحة ٣/٣٨.
وخلاصة الأمر أنه يجب التأدب مع الله ﷿ وأن نلتزم في ألفاظنا التي نستعملها في حق الله ﷾ ما قرره أهل السنة والجماعة في ذلك كما قال الشيخ ابن أبي العز الحنفي: [وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفيًا ولا إثباتًا، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون. فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه. والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني. وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها: فإن كان معنى صحيحًا قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، دون الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة، مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها، ونحو ذلك] شرح العقيدة الطحاوية ص٢٣٩.
1 / 15
١٦ - ضلالات د. حسن الترابي
يقول السائل: سمعنا ما قاله د. حسن الترابي على إحدى الفضائيات حول زواج المسلمة من غير المسلم والحجاب وشهادة المرأة وإمامة المرأة فنرجو الرد على هذه القضايا
الجواب: إن ما قاله د. الترابي من ضلالات وانحرافات ليس جديدًا وهذه الآراء التي قالها على الفضائيات أخيرًا موجودة منذ عهد بعيد في كتبه مثل (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع) و(تجديد أصول الفقه الإسلامي) و(تجديد الفكر الإسلامي) وغيرها وانحرافات الترابي هذه انطوت على أباطيل وعلى ردٍ للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وقد حاول الترابي أن يسوق أباطيله في السودان وخارجه على أنها أفكار تجديدية فهو يريد أن يجدد أصول الفقه ويريد أن يجدد الفقه الإسلامي فيقول: [لابد أن نقف وقفة مع علم الأصول تصله بواقع الحياة، لأن قضايا الأصول في أدبنا الفقهي أصبحت تؤخذ تجريدًا حتى غدت مقولات نظرية عميقة لا تكاد تلد فقهًا ألبتة بل تولد جدلًا لا يتناهى] ويشن التربي هجومًا على القياس وهو من الأدلة الشرعية المتفق عليها عند الأصوليين فيقول: [يلزمنا أن نطور طرائق الفقه الاجتهادي التي يتسع فيها النظر بناء على النص المحدود، وإنما لجأنا للقياس لتعدية النصوص وتوسيع مداها فما ينبغي أن يكون ذلك هو القياس بمعاييره التقليدية، فالقياس التقليدي أغلبه لا يستوعب حاجاتنا بما غشيه من التضييق انفعالًا بمعايير المنطق الصوري التي وردت على المسلمين مع الغزو الثقافي الأول الذي تأثر به المسلمون تأثرًا لا يضارعه إلا تأثرنا اليوم بأنماط الفكر الحديث] ويدعو الترابي إلى الاجتهاد بدون تحقق شرائطه التي قررها علماء الإسلام فيقول: [فإذا عنينا بدرجة الاجتهاد مرتبة لها شرائط منضبطة، فما من شيء في دنيا العلم من هذا القبيل! وإنما أهلية الاجتهاد جملة مرنة من معايير العلم والالتزام، تشيع بين المسلمين ليستعملوها في تقويم قادتهم الفكريين]
ويقول الترابي عن تجديد الفقه الإسلامي: [ونحن أشد حاجة لنظرة جديدة في أحكام الطلاق والزواج نستفيد فيها من العلوم الاجتماعية المعاصرة، ونبني عليها فقهنا الموروث، وننظر في الكتاب والسنة مزودين يكل حاجات عصرنا ووسائله وعلومه ...]
وزعم الترابي أن الفقه الإسلامي لا يعلِّم المسلم أمور الدنيا كالبيع والشراء ولا يعلمه أمور الفن ولا السياسة حيث يقول: [قد يعلم المرء اليوم كيف يجادل إذا أثيرت الشبهات في حدود الله، ولكن المرء لا يعرف اليوم كيف يعبد الله في التجارة والسياسة أو يعبد الله في الفن، كيف تتكون في نفسه النيات العقدية التي تمثل معنى العبادة، ثم لا يعلم كيف يعبر عنها عمليًا بدقة]
ويريد الترابي أن يجدد قواعد علم مصطلح الحديث فيقول: [الضوابط العملوها - التي عملوها - لتصحيح السنة إيش، جابوها من فين الضوابط العملها البخاري، من هو البخاري؟ بشر يخطئ ويصيب، وضوابطه قد تكون مقبولة أو غير مقبولة. فقد نجد معايير عملها البخاري ما صحيحة، لا تؤدي إلى الحقيقة، وقد نجد معايير أضيق من اللزوم، اللي بيدعي أنه صحيح في ضعيف فيه، حتى الليلة إذا وصل الناس أنه في خمسين حديثًا في البخاري ضعيف، إيه الفتنة الدينية اللي بتحصل لنا]
كما أن الترابي يريد أن يضع قواعد جديدة لقبول رواية الصحابي أو ردها فيقول [إذا رأينا نأخذ كل الصحابة أو لا نأخذ، قد نجيء بعمل تنقيح جديد. نقول الصحابي إذا روى حديثًا عنده فيه مصلحة نتحفظ فيه، نعمل روايته درجة ضعيفة جدًا. وإذا روى حديثًا ما عنده فيه مصلحة نأخذ حديثه بقوة أكثر ويمكن تصنيف الصحابة مستويات معينة في صدق الرواية]
وقد كذَّب الترابي حديث النبي ﷺ الوارد في الذباب: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينتزعه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء) رواه البخاري، قال الترابي: [في الأمور العلمية يمكن أن آخذ برأي الكافر، وأترك رأي النبي!! - ولا أجد في ذلك حرجًا ألبتة، ولا أسأل فيه أيضًا عالم الدين]
وقد زعم الترابي أنه يجوز للمسلم أن يغير دينه وأنه حرٌّ في ذلك وغير خاضع للعقوبة أيضًا فقال: [وأود أن أقول: إنه في إطار الدولة الواحدة والعهد الواحد يجوز للمسلم كما يجوز للمسيحي أن يبدل دينه.. أما الردة الفكرية البحتة التي لا تستصحب ثورة على الجماعة ولا انضمامًا إلى الصف الذي يقاتل الجماعة كما كان يحدث عندما ورد الحديث المشهور عن الرسول ﷺ فليس بذلك بأس يذكر، ولقد كان الناس يؤمنون ويكفرون، ثم يؤمنون ويكفرون، ولم يطبق عليهم الرسول ﷺ حد الردة] عن شبكة الإنترنت. ومن ضلالات الترابي وانحرافاته الأخرى: دعوته إلى توحيد الأديان على أساس الملة الإبراهيمية وإنكاره نزول عيسي ﵇ آخر الزمان ويزعم أن الصحابة ليسوا عدولًا كلهم. وإباحته للردة وعدم إقامة الحد على المرتد. وإنكاره لعصمة الأنبياء وإنكاره رجم الزاني المحصن. ويجيز للمرأة المسلمة أن تتزوج باليهودي والنصراني ويجيز التوارث بين المسلم والكافر وزعم الترابي أن السنة والشيعة متفقون على ٩٥ % من أصول الإسلام وفروعه!!
هذا غيض من فيض من انحرافات الترابي وضلالاته في مختلف جوانب الدين والتي يسميها تجديدًا!! فالترابي من كبار العصرانيين في هذا الزمان ويعتبر من أهم مجددي فكر المعتزلة في الوقت الحاضر الذين ينادون بتقديم العقل على النصوص الشرعية من كتاب الله ﷿ ومن سنة النبي ﷺ والترابي ليس من أهل العلم الشرعي فدراسته كلها في القانون وهو خريج جامعة السوربون فهو بعيد عن التخصص في العلوم الشرعية ومع الأسف الشديد أن بعض المسلمين ينخدع بالترابي وأمثاله فيطلق عليه لقب مفكر إسلامي أو مصلح أو مجدد أو داعية وغير ذلك من الألقاب الفضفاضة ولا شك أن الفضائيات تسهم في الترويج لهذا الفكر المنحرف وقد تصفه بأنه فكر تنويري وخاصة أنه يجيء وفق المقاييس الأمريكية وهكذا نجد الفضائيات تقوم بتلميع الذين يميعون الإسلام وأحكامه الشرعية ممن يسمون بالدعاة الجدد بل القصاص الجدد كعمرو خالد وأمثاله، تارة باسم العصرنة وأخرى باسم التيسير على الناس وأحيانًا باسم محاربة التطرف إلى غير ذلك من المقولات التافهة كالتي ساقها الرئيس الليبي بالسماح لغير المسلمين بالطواف حول الكعبة ونحوها من الأباطيل.
وعلى كل حال فإن المقام لا يتسع للرد على الأفكار العرجاء للترابي وأشباهه وخاصة أن كثيرًا من العلماء والباحثين قاموا بالرد عليه وأذكر هنا عددًا منهم: د. محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه [نظرات إسلامية في مصطلحات وأسماء شائعة]
د. محمود الطحان في كتابه [مفهوم التجديد بين السنة النبوية وبين أدعياء التجديد المعاصرين] والشيخ الأمين الحاج على الترابي في كتابيه: الأول [مناقشة هادئة لبعض أفكار الدكتور الترابي] والثاني [الرد القويم لما جاء به الترابي والمجادلون عنه من الافتراء والكذب المهين] وكتب الدكتور محمد رشاد خليل ثلاث مقالات في مجلة المجتمع للرد على الترابي (العدد: ٥٨٧ - ٥٨٨ - ٥٨٩) ومحاضرة د. جعفر شيخ إدريس التي رد فيها على الترابي بعنوان (العلمانية في ثياب إسلامية)
وأحمد بن مالك في كتابه [الصارم المسلول على الترابي شاتم الرسول " ﷺ] وعبد الفتاح محجوب ابراهيم في كتابه [الدكتور حسن الترابي وفساد نظرية تطوير الدين] والشيخ علي الحلبي في كتابه [العقلانيون أفراخ المعتزلة العصريون] والشيخ محمد سرور في كتابه [دراسات في السيرة النبوية] وغير ذلك كثير.
وخلاصة الأمر أن الترابي ضال مضل منحرف عن كتاب الله وعن سنة نبيه ﷺ.
1 / 16
١٧ - الاستهزاء بالصلاة كفر
يقول السائل: ما حكم الاستهزاء بالصلاة وحكم الاستهزاء بالمصلين؟
الجواب: الأصل في المسلم أنه معظم لشعائر الله ﷿ كما قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج الآية ٣٢. قال الإمام القرطبي [﴿ومن يعظم شعائر الله﴾ الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم.... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ...] تفسير القرطبي ١٢/٥٦.
وقد اتفق الفقهاء على كفر من استخف بالأحكام الشرعية من حيث كونها أحكامًا شرعية، مثل الاستخفاف بالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو الصيام، أو الاستخفاف بحدود الله كحد السرقة والزنى. الموسوعة الفقهية الكويتية ٣/٢٥١.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [ومن سبَّ الله تعالى، كفر سواء كان مازحًا أو جادًا وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله، أو كتبه قال الله تعالى: ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ وينبغي أن لا يُكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام حتى يؤدب أدبًا يزجره عن ذلك، فإنه إذا لم يُكتف ممن سب رسول الله ﷺ بالتوبة فممن سب الله تعالى أولى] المغني ٩/٢٨
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٧/٢٧٣.
والاستهزاء بالإسلام وبشعائر الدين من أخلاق الكافرين والمنافقين قال الله تعالى: ﴿ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوًا﴾ سورة الكهف الآية ٥٦، وقال ﷾: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ سورة التوبة الآيتان ٦٥-٦٦. فهاتان الآيتان نزلتا في بعض المنافقين كما قال الشيخ ابن كثير ﵀: [قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونًا وأكذبنا ألسنةً وأجبننا عند اللقاء فرفع ذلك إلى رسول الله ﷺ فجاء إلى رسول الله ﷺ وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فقال: (أبالله وآياته كنتم تستهزؤون؟ إلى قوله - كانوا مجرمين.. الخ] .
وذكر ابن كثير ﵀ بعض الروايات الأخرى في سبب نزول الآيات: منها أن جماعة من المنافقين كانوا يسيرون مع الرسول ﷺ وهو منطلق إلى غزوة تبوك فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر- قتال الروم - كقتال العرب بعضهم بعضًا؟ والله لكأنا بكم غدًا مقرنين في الحبال، إرجافًا وترهيبًا للمؤمنين.. الخ.] تفسير ابن كثير ٢ /٣٦٧.
ولا شك أن الصلاة هي عمود الإسلام وهي ركن من أركان الإسلام فمن استهزأ بالصلاة فقد كفر وخرج من الدين يقول الله تعالى ﴿وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾ سورة المائدة الآية ٥٨. قال الإمام ابن العربي المالكي [كان المشركون واليهود والمنافقون إذا سمعوا النداء إلى الصلاة وقعوا في ذلك وسخروا منه ; فأخبر الله سبحانه بذلك عنهم، ... روي أن رجلًا من النصارى، وكان بالمدينة، إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله قال: حرق الكاذب، فسقطت في بيته شرارة من نار وهو نائم، فتعلقت النار بالبيت فأحرقته، وأحرقت ذلك الكافر معه ; فكانت عبرة للخلق.] أحكام القرآن ٢/٦٣٤- ٦٣٥.
ويجب أن يعلم أنه لا فرق بين أن يكون المستهزئ جادًا أو مازحًا هازلًا فإن أحكام الشرع محترمة لا يجوز اللعب بها لا في حال الجد ولا في حال المزاح والله ﷾ يقول: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ وهؤلاء الذين نزلت فيهم الآية قالوا للرسول ﷺ إنهم كانوا يمزحون ويتكلمون كلامًا لا يقصدونه وإنما يتحدثون ليصرفوا عنهم عناء الطريق فأحكام الشرع لا يدخلها المزاح ولا الهزل بحال من الأحوال.
قال الإمام ابن العربي المالكي [لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدًا أو هزلًا، وهو كيفما كان كفر ; فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل] أحكام القرآن ٢/٩٧٦.
وإن الاستهزاء بمن يلتزم بأحكام الشرع، هو استهزاء بالشرع ذاته، فمن يسخر ويستهزئ بمن يصلي يكون مستهزئًا بالصلاة وهذا كفر والعياذ بالله.
وقد سئل الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله ويستهزئ بهم؟
فأجاب بقوله: [هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق لأن الله قال عن المنافقين: ﴿الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم﴾ . ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله، لكنهم على خطر عظيم، والواجب تشجيع من التزم بشريعة الله ومعونته، وتوجيهه إذا كان على نوع من الخطأ حتى يستقيم على الأمر المطلوب.] فتاوى العقيدة ص ١٩٧.
والواجب على المسلم أن يبتعد عن هؤلاء المستهزئين الذين سماهم الله تعالى في كتابه بالمجرمين فقال تعالى: ﴿إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين﴾ سورة المطففين الآيات ٢٩- ٣٣.
والواجب على المسلم أيضًا أن يعرض عن هؤلاء المستهزئين وألا يجالسهم كما قال تعالى: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون * وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تُبسلَ نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع﴾ سورة الأنعام الآيات ٦٧ - ٧٠. ويخشى على من يستمر في مجالسة هؤلاء المستهزئين أن يتعرض لعقاب الله ﷿ كما قال تعالى: ﴿وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا﴾ سورة النساء الآية ١٤٠.
وخلاصة الأمر أن الاستهزاء بالصلاة وبشعائر الدين بشكل عام يعتبر كفرًا ناقضًا للإيمان ومخرجًا من الملة على أي شكل كان قال شيخ الإسلام ابن تيمية [الاستهزاء بالقلب والانتقاص يُنافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده، والاستهزاء باللسان يُنافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك] الصارم المسلول على شاتم الرسول ص ٣٧٠.
1 / 17
١٨ - حقوق المصطفى ﷺ على أمة الإسلام
يقول السائل: كما تعلمون فإن هنالك هجمة شرسة على رسولنا الأكرم ﷺ في بعض الدول الأوربية وغيرها وتمثل ذلك بنشر الرسوم الكاريكاتورية التي تسيء لسيدنا رسول الله ﷺ والمطلوب أن تبينوا لنا حقوق المصطفى ﷺ على الأمة المسلمة؟
الجواب: هذه الهجمة الشرسة على سيدنا رسول الله ﷺ ليست جديدة فطالما تكررت منذ بعثته ﷺ وحتى عصرنا الحاضر فقد تعرض الرسول ﷺ للأذى حال حياته كما ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية وذكرته كتب السير أيضًا. قال الله تعالى:؟وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ... أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ؟ سورة التوبة الآيات٦١-٦٣. وقال تعالى:؟ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا؟ سورة الأحزاب الآية ٥٧. وقال تعالى:؟ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ؟ سورة التوبة الآيات ٦٤-٦٦. وعن ابن مسعود قال: (بينما رسول الله ﷺ يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي ﷺ وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله ﷺ والنبي ﷺ ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي ﷺ صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثًا وإذا سأل سأل ثلاثًا ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمدًا ﷺ بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر) رواه مسلم. وعن أنس ﵁ قال: (كان رجل نصرانيًا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي ﷺ فعاد نصرانيًا فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه) رواه البخاري وغير ذلك من النصوص.
إذا تقرر هذا فإن الواجب على المسلمين أن يتصدوا لهذه الهجمة الحاقدة على رسول الله ﷺ وعلى دين الإسلام وأن يدافعوا عن نبيهم ﷺ وعن دينهم بمختلف الوسائل المتاحة ومنها مقاطعة منتجات الدول التي صدرت تلكم الإساءات في صحفها وأجهزة إعلامها. وأما حقوق المصطفى ﷺ علينا فهي كثيرة فأول حقوق المصطفى ﷺ وجوب الإيمان به فمن المعلوم أن الشهادتين هما الركن الأول من أركان الإسلام والشطر الثاني منها هو الشهادة بأن محمدًا رسول الله ﷺ وكذلك فإن من أركان الإيمان: الإيمان بالرسل ونبينا محمد ﷺ داخل في ذلك. ويدخل تحت ذلك الإيمان بعموم رسالته ﷺ إلى العالمين والإيمان بكونه ﷺ خاتم النبيين ورسالته خاتمة الرسالات. والإيمان بكون رسالته ناسخة لما قبلها من الشرائع. والإيمان بعصمته ﷺ قال تعالى:؟مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ؟سورة الأحزاب الآية ٤٠. وقال تعالى في حق من لم يؤمن:؟وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا؟سورة الفتح الآية ١٣. وأما الحق الثاني له فهو طاعته ﷺ قال تعالى:؟وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ؟ سورة آل عمران الآية ١٣٢، وقال تعالى:؟وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ؟ سورة النساء الآيات ١٣-١٤. وقال تعالى:؟قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ؟ سورة آل عمران الآية ٣٢. وأما الحق الثالث فهو محبته ﷺ قال تعالى:؟قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ؟ سورة التوبة الآية ٢٤. وقال تعالى:؟وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ؟ سورة البقرة الآية ١٦٥. وقال تعالى:؟قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؟ سورة آل عمران الآية ٣١. وورد في حديث عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال للنبي ﷺ: (يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي ﷺ: (لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك) . فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي. فقال النبي ﷺ: الآن يا عمر) رواه البخاري. وقال ﷺ: (لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم. ومن محبته ﷺ الانتصار له والمحاماة عنه، ومعاداة من عاداه، قال تعالى:؟وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ؟ سورة الحشر الآية ٨. ومن محبته ﷺ محبة من أحبهم الرسول ﷺ كحب آله ومحبة أصحابه فإن من أصول أهل السنة والجماعة محبة أهل بيت رسول الله ﷺ ويحفظون فيهم وصية رسول ﷺ فيهم وكذا محبة أصحابه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله ﷺ، كما وصفهم الله به في قوله تعالى:؟وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ؟] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٣/ ١٥٢- ١٥٣. ويجب أن يعلم أن المحبة الصادقة للرسول ﷺ تكون في اتباعه ﷺ. وأما الحق الرابع فهو وجوب الإيمان بعصمته ﷺ قال تعالى:؟وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى؟ سورة النجم الآيتان ٢-٣. وأما الحق الخامس فهو وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه ﷺ قال تعالى:؟لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ؟ سورة الفتح الآية رقم ٩، قال ابن عباس:؟وَتُوَقِّرُوهُ؟ يعني التعظيم". وقال الله تعالى:؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ؟ سورة الحجرات الآية ٢. ويدخل في ذلك تعظيم الأمة للنبي ﷺ بعد مماته. وأما الحق السادس فهو الصلاة والسلام عليه ﷺ قال تعالى:؟إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا؟ سورة الأحزاب الآية ٥٦، وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (من صلى عليَّ واحدةً صلى الله عليه عشرًا) رواه مسلم. وأما الحق السابع فهو وجوب التحاكم إليه والرضي بحكمه ﷺ كما قال الله تعالى:؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا؟سورة النساء الآية ٥٩، وقال تعالى:؟فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا؟سورة النساء الآية ٦٥. ويكون التحاكم إلى سنته وشريعته بعده ﷺ. وأخيرًا لا بد من التنبيه على بعض الأمور الهامة: فمنها أن هؤلاء الذين يسبون محمدًا ﷺ الآن، قد سبوا الله جل وعلا من قبل بل ورد ذلك في كتبهم المقدسة بزعمهم فقد اتهموا الله ﷿ بأنه رب يأمر أحد أنبيائه بالزنا كما جاء في كتابهم المقدس: (أول ما كلم الرب هوشع قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب) . وقد وصفوا الله ﷿ بالجهل كما جاء على لسان رسولهم بولص (لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس) وغير ذلك كثير. ومنها ينبغي الاهتمام بسيرة الرسول ﷺ الصحيحة وتدريسها للناس ولطلبة العلم في جميع مستوياتهم وأخذ العبر منها. ومنها تربية الأبناء على محبة الرسول ﷺ وعلى الاقتداء بالرسول ﷺ في جميع أحواله. ومنها التحذير من الغلو في الرسول ﷺ لأن الله تعالى قد نهى عن الغلو ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ سورة المائدة الآية ٧٧. وقد قال ﷺ (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري وقال تعالى:؟قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ؟ سورة الأعراف الآية ١٨٨. ومنها أنه يحرم الاعتداء على من يعيشون في ديارنا من أهل تلك الدول التي نشرت فيها الإساءات للنبي ﷺ. وختامًا أنصح بقراءة كتب السيرة وخاصة ما كتب عن حقوق المصطفى ﷺ من كتب ومقالات على شبكة الإنترنت ومن أحسنها رسالة علمية بعنوان [حقوق النبي ﷺ على أمته في ضوء الكتاب والسنة تأليف د. محمد بن خليفة التميمي] .
1 / 18
١٩ - ولاية الفقيه ليس لها أصلٌ شرعي
يقول السائل: ما المقصود بولاية الفقيه التي أثارت خلافاتٍ بين عددٍ من مراجع الشيعة، أفيدونا؟
الجواب: ولاية الفقيه عند من يقول بها من الشيعة هي: ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام الحجة حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض. كما ورد في مصادرهم، ومن المعلوم أن الشيعة يعتقدون أن الإمامة الكبرى محصورة في الأئمة من نسل علي بن أبي طالب ﵁ وهم اثنا عشر إمامًا، آخرهم الإمام المهدي الذي اختفي في السرداب منذ أكثر من ألف ومائتي عام حين كان طفلًا، وهو محمد بن حسن العسكري الذي دخل السرداب وعمره تسع سنين وذلك سنة (٢٦٥ هـ) والذي ينتظر الشيعة الإمامية ظهوره. وبما أن الشيعة يعتقدون أن غيبة الإمام الثاني عشر قد تطول فلا بد من فقيهٍ جامعٍ للشروط يقوم مقام المهدي المنتظر كما قال الخميني: [قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة؟ يعمل الناس من خلالها ما يشاءون؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؛ القوانين التي صدع بها نبي الإسلام ﷺ وجهد في نشرها، وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاما، هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلًا؟ هل ينبغي أن يخسر الإسلام بعد الغيبة الصغرى كل شيء] الحكومة الإسلامية ص٢٦. وفكرة ولاية الفقيه تطورت مع مرور الأيام فبدأت أولًا بالسفراء الأربعة الذين كانوا نوابًا للإمام المهدي كما يزعمون فهم الواسطة بينه وبين الناس وهؤلاء السفراء الأربعة هم: عثمان بن سعيد العمري وكانت سفارته من سنة ٢٦٠ هـ حتى سنة ٢٦٥ هـ ثم محمد بن عثمان بن سعيد العمري وكانت سفارته من سنة ٢٦٥هـ وحتى ٣٠٥ هـ ثم الحسين بن روح النوبختي وكانت سفارته من سنة ٣٠٥ هـ وحتى سنة ٣٢٦هـ ثم علي بن محمد السمري
وكانت سفارته من سنة ٣٢٦هـ حتى سنة ٣٢٩هـ وبه انتهت مرحلة السفراء وانتهت مرحلة الغيبة الصغرى لمهديهم المنتظر وبعده بدأت مرحلة الغيبة الكبرى لمهدييهم المنتظر. انظر ولاية الفقيه وتطورها ص ١١-١٥. وفي هذه المرحلة كان محرمًا على الشيعة تجاوز الولايات السبع للمهدي المنتظر، فهذه الولايات السبع كان يتوقف فعلها على وجود الإمام الغائب المنتظر، وهذا الأمر دفع بعض مراجع الشيعة إلى فتح باب الاجتهاد في المسائل المستجدة واعتمدوا على نص منسوب للمهدي المنتظر يقول فيه: [وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم] تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه ص ١٨. ثم تطور الاجتهاد الشيعي فأجاز تولي الفقيه لإقامة الحدود نيابة عن الإمام الغائب وأجازوا تولي دفع الزكاة والخمس نيابة عن الإمام الغائب، ثم تطورت فكرة ولاية الفقيه وتوسعت على يد مرجعين كبيرين من مراجع الشيعة وهما علي الكركي المتوفى سنة ٩٤٠هـ وأحمد النراقي المتوفى ١٢٤٥ هـ وهما من وضعا أسس ولاية الفقيه عن الإمام الغائب وخاصة الثاني منهما، وهو ما مهد للخوميني الإعلان عن ولاية الفقيه من خلال تطبيق الفكرة عمليًا وتأسيس حكومة إسلامية بزعامة الفقيه المحقق لشروط الولاية عن الإمام الغائب. وقد نص دستور الجمهورية الإيرانية على ولاية الفقيه. يقول أحمد الكاتب: [من المعروف أن نظرية ولاية الفقيه ولدت قبل مائة وخمسين عامًا على يدي الشيخ أحمد النراقي صاحب كتاب: (عوائد الأيام) وطبقها الإمام الخميني لأول مرة في (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) . وكانت هذه النظرية قد شكلت تطورًا كبيرًا في نظام المرجعية الدينية الذي نشأ عند الشيعة الإمامية في ظل مقاطعتهم للأنظمة السياسية المختلفة في عصر غيبة (الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر) . وقد ولدت (المرجعية الدينية) للفقهاء، واكتسبت صبغة شرعية من نظرية (النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي) التي بدأت تتبلور وتتطور منذ أواسط القرن الخامس الهجري، حتى اكتملت على يدي الشيخ علي بن عبد العالي الكركي في القرن العاشر الهجري، عندما قام بمنح الشاه طهماسب بن اسماعيل الصفوي إجازة للحكم باسمه باعتباره يمثل النائب العام عن الإمام المهدي. وقد أثارت نظرية (النيابة العامة) عند ظهورها جدلًا واسعًا في صفوف الشيعة في القرون الوسطى وقسمتهم إلى (أصوليين) و(إخباريين) مثلما فعلت نظرية (ولاية الفقيه) التي أثارت معارضة شديدة من قبل كبار الفقهاء والمحققين كالشيخ مرتضى الأنصاري (توفي سنة ١٢٨١) والسيد أبو القاسم الخوئي (توفي سنة ١٤١٢) حيث قال الأول في كتابه: (المكاسب): إن الروايات التي يستشهد بها المريدون لولاية الفقيه لا تبين إلا وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والفتيا والقضاء، لا كونهم كالأنبياء والأئمة في كونهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وإن الدليل على وجوب طاعة الفقهاء دونه خرط القتاد. أما السيد الخوئي فقد قال في كتاب (الاجتهاد والتقليد): إن ما استدل به على الولاية المطلقة غير قابل للاعتماد عليه، ومن هنا قلنا بعدم ثبوت الولاية له إلا في مورد الفتوى والقضاء، وان الأخبار المستدل بها على الولاية المطلقة قاصرة السند والدلالة. ولا يشك أحدٌ في ضعف الروايات التي يستند إليها القائلون بنظرية ولاية الفقيه، والمنسوبة إلى الإمام الغائب، وهم يعترفون بذلك، ولكنهم يتشبثون بها كأدلة مساعدة بعد تقريرهم لضرورة إقامة الحكومة الإسلامية في (عصر الغيبة) والتخلي عن نظرية التقية والانتظار للإمام الغائب. وقد شكل القول بنظرية ولاية الفقيه ثورة في الفكر السياسي الشيعي لأنه أدى بالفقهاء إلى التخلي عن شروط العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية التي كان يشترطها الشيعة في الإمام في القرون الأولى.] جريدة الحياة بتاريخ ٨/١٢/١٩٩٧. وبهذا يظهر أن قول الخميني بولاية الفقيه وتطبيقها عمليًا اتباعًا لما أسسه النراقي قد أدى إلى التخلي عما كان يعتقده الشيعة في أئمتهم من شروط في القرون الأولى كالعصمة والنص من الإمام والسلالة العلوية الحسينية، [ولم يتوقف النراقي وهو يؤسس لشرعية (ولاية الفقيه الكبرى) التي تضاهي الإمامة العامة الكبرى، عند شروط: (العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية) التي أدت بالأجيال الشيعية الإمامية الأولى، وخاصة بعد الحيرة التي أعقبت وفاة الإمام الحسن العسكري دون ولد ظاهر، إلى القول بفرضية وجود (الإمام محمد بن الحسن العسكري) ثم أدت بهم إلى القول بنظرية (التقية والانتظار) التي كانت تحرم الثورة والإمامة والجهاد والحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة وتبيح الخمس والزكاة والأنفال وما إلى ذلك في (عصر الغيبة) . وقام النراقي بإعطاء الفقهاء منصب (الإمامة الكبرى) ومسئولياتها العامة، وقال بصراحة: كلما كان للنبي والإمام فيه الولاية، وكان لهم، فللفقيه أيضا ذلك، إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما. وقال: إن كل فعلٍ متعلقٍ بأمور العباد في دينهم أو دنياهم ولا بد من الإتيان به ولا مفر منه، إما عقلًا أو عادةً من جهة توقف أمور العباد والمعاش لواحد أو جماعة عليه، وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به، أو شرعًا من جهة ورود أمر به أو إجماع أو نفي ضرر أو إضرار أو عسر أو حرج أو فساد على مسلم، أو دليل آخر ... أو ورود الإذن فيه من الشارع ولم يجعل وظيفة لمعينٍ واحدٍ أو جماعة ولا لغير معين، أي واحد لا بعينه، بل عُلمَ لا بدية الإتيان به أو الإذن فيه، ولم يُعلم المأمور ولا المأذون فيه ... فهو وظيفة الفقيه وله التصرف فيه والإتيان به. وقال: إنه مما لا شك فيه أن كل أمر كان كذلك لا بد وأن ينصب الشارع الرءوف الحكيم عليه واليًا وقيّمًا ومتوليًا ... والمفروض عدم دليل على نصب معين أو واحد لا بعينه أو جماعة غير الفقيه، وأما الفقيه فقد ورد في حقه ما ورد من الأوصاف الجميلة والمزايا الجليلة وهي كافية في دلالتها على كونه منصوبا منه ... واستدل النراقي على جواز الولاية للفقهاء وحصرها فيهم بالأخبار والإجماع والضرورة والعقل، وقدم أولًا شطرًا من الأخبار الواردة في حق العلماء من قبيل: (العلماء ورثة الأنبياء) و(اللهم ارحم خلفائي ... الذين يأتون بعدي ويروون حديثي وسنتي) وحديث الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا الذي ذكره الصدوق في (علل الشرائع) حول أهمية الإمامة (الرئاسة) وضرورتها، وأن الإمام هو القيّم والأمين والرئيس وولي الأمر. كما ذكر الأحاديث التي تؤكد على عدم ترك الله للأرض خالية إلا وفيها عالم يعرف الناس حلالهم وحرامهم ولئلا يلتبس عليهم أمورهم ...] www.ansar.org/arabic/c والمقام لا يحتمل مزيدًا من التفصيل. ولابد من التذكير بأن عددًا كبيرًا من مراجع الشيعة يعارضون ولاية الفقيه ويعتبرونها غير شرعية ومنهم الإمام الشريعتمداري والطباطبائي القمي والسيد الخوئي ومحمد جواد مغنية ومحمد حسين فضل الله وغيرهم.
وخلاصة الأمر أن ولاية الفقيه أمرٌ محدث، بل بدعةٌ في الدين، قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ سورة الأنعام الآية١٤، وهذه الفكرة ما هي إلا ترسيخٌ وإحياءٌ لأسطورة السلطة الإلهية، والاستبداد المطلق باسم الدين، ودين الإسلام منها براء.
1 / 19