البُلْقِينِيّ فِي قَوْله: لَا يَنْبَغِي أَن يقدم على ذَلِك إِلَّا بِدَلِيل فَيُقَال لَهُ: وَأي دَلِيل أَعلَى من الْكتاب وَالسّنة، وَقد بَان بِمَا ذكرته دلالتهما على طلب الدُّعَاء لَهُ ﷺ بِالزِّيَادَةِ فِي شرفه إِذْ الشّرف العلوّ كَمَا قَالَ أهل اللُّغَة، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا علوّ الْمرتبَة والمكانة وعلوّها بِالزِّيَادَةِ فِي الْعلم وَالْخَيْر وَسَائِر الدَّرَجَات والمراتب، وكل من الْعلم وَالْخَيْر قد أمرنَا بِطَلَب الزِّيَادَة لَهُ ﷺ فِيهِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قدمْنَاهُ فلنكن مأمورين بِطَلَب زِيَادَة الشّرف لَهُ وعَلى شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر فِي قَوْله هَذَا الدُّعَاء مخترع من أهل الْعَصْر، وَلَو استحضر مَا قَالَه النَّوَوِيّ لم يقل ذَلِك بل سبق النَّوَوِيّ إِلَى نَحْو ذَلِك الإِمَام الْمُجْتَهد أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ من أكَابِر أَصْحَابنَا وقدمائهم وَصَاحبه الإِمَام الْبَيْهَقِيّ وَقَوله: وَلَا أصل لَهُ فِي السّنة فَيُقَال لَهُ: بل لَهُ أصل فِي الْكتاب وَالسّنة مَعًا كَمَا تقرر على أَن الظَّاهِر أَنه إِنَّمَا قَالَ هَذَا قبل اطِّلَاعه على مَا يَأْتِي عَنهُ، ثمَّ اعْلَم أَن هذَيْن الْإِمَامَيْنِ لم ينازعا فِي جَوَاز ذَلِك وَإِنَّمَا نزاعهما فِي هَل ورد دَلِيل يدل على طلبه فيفعل أَو لَا فَلَا يَنْبَغِي فعله، وَقد علمت أَنه ورد مَا يدل على طلبه، وَمن ثمَّ لما كَانَ النَّوَوِيّ ﵀ وشكر سَعْيه متحليًا من السّنة بِمَا لم يلْحقهُ فِيهِ أحد مِمَّن جَاءَ بعده كَمَا صرّح بِهِ بعض الْحفاظ دَعَا بِطَلَب الزِّيَادَة لَهُ ﷺ فِي شرفه فِي خطبتي كِتَابيه اللَّذين عَلَيْهِمَا معول الْمَذْهَب وهما (الرَّوْضَة والمنهاج) فَقَالَ فِي خطْبَة كل مِنْهَا ﷺ وزاده فضلا وشرفًا لَدَيْهِ، وَهَذِه الْعبارَة متداولة فِي أَيدي الْعلمَاء مُنْذُ نَحْو ثَلَاثمِائَة سنة لَا نعلم أحدا مِمَّن تكلم على الرَّوْضَة أَو الْمِنْهَاج إعترضها بِوَجْه من الْوُجُوه، وَلَعَلَّ هذَيْن غفلا عَنْهَا بِدَلِيل قَول الثَّانِي هَذَا الدُّعَاء مخترع من أهل الْعَصْر إِذْ لَو استحضر مَا قَالَه النَّوَوِيّ لم يقل ذَلِك بل سبق النَّوَوِيّ إِلَى نَحْو ذَلِك الإِمَام الْمُجْتَهد أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ، من أكَابِر أَصْحَابنَا وقدمائهم وَصَاحبه الإِمَام الْبَيْهَقِيّ وَقد ذكرت عبارتهما فِي إِفْتَاء أبسط من هَذَا، وَمِمَّا صرح بِهِ الأول أَن إجزال أجره ﷺ ومثوبته وإبداء فَضله للأولين والآخرين بالْمقَام الْمَحْمُود وتفضيله على كَافَّة المقربين، وَإِن كَانَ تَعَالَى قد أوجب هَذِه الْأُمُور لَهُ ﷺ فَإِن كل شَيْء مِنْهَا ذُو دَرَجَات ومراتب فقد يجوز إِذا صلى عَلَيْهِ وَاحِد من أمته فاستجيب دعاؤه أَن يُزَاد النَّبِي ﷺ بذلك الدُّعَاء فِي كل شَيْء مِمَّا سميناه رُتْبَة ودرجة انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ، وَهَذَا تَصْرِيح مِنْهُ بِأَن طلب الزِّيَادَة فِي شرفه ﷺ دَاخل فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وَقد أمرنَا بهَا فلنكن مأمورين بِمَا تضمنته كَمَا صرح بِهِ هَذَا الإِمَام وناهيك بِهِ وَمِمَّا صرح بِهِ الثَّانِي فِي معنى: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته سلمك الله من المذام والنقائص. فَإِذا قلت: اللَّهمّ سلم على مُحَمَّد، إِنَّمَا تُرِيدُ اللَّهُمَّ اكْتُبْ لَهُ فِي دَعوته وَأمته السَّلامَة من كل نقص، وزد دَعْوَتَه على ممرّ الْأَيَّام علوا وأمتَّه تكاثرًا وذِكْره ارتفاعًا انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ، فَتَأمل قَوْله: من المذام والنقائص، وَقَوله: من كل نقص وَإِن ذَلِك هُوَ مَفْهُوم السَّلَام الَّذِي أمرنَا بِهِ تَجدهُ صَرِيحًا فِي أمرنَا بِطَلَب زِيَادَة الشّرف لَهُ، وَإِن فرض على أَنه يدل على مَا توهمه هَذَا الْمُنكر الْجَاهِل إِذْ غَايَة طلب الزِّيَادَة أَنه يدل على عدم الْكَمَال الْمُطلق وَنحن نلتزمه إِذْ الْكَمَال الْمُطلق لَيْسَ إِلَّا لله وَحده وَنَبِينَا ﷺ وَإِن كَانَ أكمل الْمَخْلُوقَات إِلَّا أَن كَمَاله لَيْسَ مُطلقًا فَقبل الزِّيَادَة ومراتب تِلْكَ الزِّيَادَة قد يُسمى كلّ مِنْهَا عدم كَمَال بِالنِّسْبَةِ لما فَوْقه من كَمَال آخر أَعلَى مِنْهُ وَهَكَذَا. وَنقل الْحَافِظ السخاوي عَن شَيْخه ابْن حجر أَنه جعل الحَدِيث عَن أبي ﵁ وَفِي آخِره: (قلتُ أجعَل لَك صَلَاتي كلهَا) أَي دعائي كُله كَمَا فِي رِوَايَة (قَالَ إِذا تكفى همك وَيغْفر ذَنْبك) أصلا عَظِيما لمن يَدْعُو عقب قِرَاءَته فَيَقُول: اجْعَل ثَوَاب ذَلِك لسيدنا رَسُول الله ﷺ، وَكَأَنَّهُ قصد بِهَذَا الرَّد على شَيْخه شيخ الْإِسْلَام السراج البُلْقِينِيّ فِي قَوْله: لَا يَنْبَغِي ذَلِك إِلَّا بِدَلِيل وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخذ مِنْهُ وَلَده علم الدّين مَا مر عَنهُ وَقد علمت ردهما ثمَّ ذكر السخاوي عَن شَيْخه ابْن حجر أَيْضا مَا حَاصله أَن من يَقُول مثل ثَوَاب ذَلِك زِيَادَة فِي شرفه مَعَ الْعلم بِكَمَالِهِ فِي الشّرف لَعَلَّه لحظ أَن معنى طلب الزِّيَادَة أَن يتَقَبَّل الله قِرَاءَته فيثيبه عَلَيْهَا، وَإِذا أثيب أحد من الْأمة على طَاعَة كَانَ لمعلمه أجر وللمعلم الأول وَهُوَ الشَّارِع ﷺ نَظِير جَمِيع ذَلِك فَهَذَا معنى الزِّيَادَة فِي شرفه وَإِن كَانَ شرفه مُسْتَقرًّا حَاصِلا وحينئذٍ اجْعَل مثل ثَوَاب ذَلِك تقبله ليحصل مثل ثَوَابه للنَّبِي ﷺ. وَحَاصِله: أَن طلب الزِّيَادَة لَهُ ﷺ يكون بِنَحْوِ طلب تَكْثِير أَتْبَاعه سِيمَا الْعلمَاء: أَي وبرفع درجاته ومراتبه الْعلية كَمَا مر عَن الْحَلِيمِيّ: وَقد رد شيخ الْإِسْلَام أَبُو عبد الله القاياتي مَا مر عَن الْعلم وَأَبِيهِ فَقَالَ فِي (الرَّوْضَة):
1 / 9