فقالت: «قد آن لك الظفر يا مسعود ...» وهو الاسم الذي تعرفه به فأبرقت أسرته؛ لأنه كان يعتقد صدق فراستها واقتدارها على كشف المخبآت حتى جعلها مستودع أسراره من أيام أبي عبد الله الشيعي. وكانا يأتيانها أحيانا ولها دخل في جمع كلمة قبائل البربر الذين نصروا أبا عبد الله في تأييد العبيديين. فكان أبو حامد لذلك عظيم الثقة بها لا يأتي عملا هاما إلا شاورها فيه. فتنصحه وهو لا يزداد إلا ثقة بها. وقد جاءها في ذلك اليوم لأمر لا يخفى على القارئ، ولا هو يخفى على تلك الكاهنة الشمطاء؛ لأنها كانت مشرفة على أخباره - ليس مما ينقله هو إليها ولكن لها جواسيس مبثوثين في البلاد لمثل هذه الغاية - فلما قالت له ذلك استبشر واعتقد صدق قولها؛ لأنها كانت متسلطة على أفكاره مثل تسلطه على أفكار الآخرين، فقال لها: «هل علمت ذلك يا خالة أم تسألينني؟»
فنظرت إليه شزرا وقالت: «ومتى كنت أستشيرك يا جاهل.»
فضحك وجعل يعتذر لها عن جسارته، وكانت وقاحتها هذه من أسباب تمكين هيبتها فيه، فمد يده إلى جيبه واستخرج صرة فيها نقود دفعها إليها وهو يقول: «بارك الله فيك ... صدقت قد دنا الفرج ... اقبلي هذه الدراهم طعاما لأولادك هؤلاء.» وأشار إلى الثعبان الذي في حجرها وهو يظهر المزاح.
فمدت يدها وتناولت الصرة وهي تهز رأسها هز الإعجاب وتقول: «لا تقل دنا الوقت بل قل أتى ... لم يبق إلا خطوة صغيرة.»
قال: «نعم يا سيدتي إنها خطوة ولكنني أراها شاقة ...»
قالت: «أين صرت الآن؟»
قال: «سأجمع الرجلين في مكان واحد وإنما أحتاج إلى رأيك في كيفية القتل ... بالخنجر أم بالسم.»
فضحكت ضحكة دوى لها المكان وكشرت في أثناء القهقهة فبانت نواجذها وأصبح فمها كالمغارة المظلمة. ثم أطبقت فاها فجأة وأطرقت وقد تغيرت سحنتها وأبرقت عيناها ومدت يدها إلى علبة صغيرة بجانبها تناولت منها مسحوقا وضعت بعضه في فيها وجعلت تتلاهى بامتصاصه ومضغه. ثم رفعت بصرها إلى أبي حامد وكانت الصرة لا تزال بيدها فرمتها إليه وقالت: «لا حاجة إلى أولادي بدراهمك.»
فأدرك أنها استقلت المبلغ فاستخرج صرتين أخريين ودفع الكل لها وهم بتقبيل يدها تزلفا واسترضاء، وهي تتجنى وتترفع. لكنها تناولت النقود وقالت: «إن طلبك لا يقدر بالمال وأنا أعينك فيه إكراما لذلك المقتول ظلما ... انظر ... سأعطيك مسحوقا الذرة الصغيرة منه تقتل فيلا كبيرا ... وإذا لم تصدق جرب ...» وضحكت وليس ضحكها إلا عبارة عن تكشير شفتيها بدون أن يرافق ذلك ملامح الضاحكين. ثم أمرت الثعبان الذي في حجرها أن ينصرف فانساب إلى وكره.
فنهضت وهي تتوكأ على عكازها الغليظ وأشارت إلى أبي حامد أن يمكث في مكانه ريثما تعود. فمكث على مثل الجمر وهو يتبع الساحرة ببصره وقلبه يختلج خوفا من أن يثب عليه الثعبان وهو يعتقد أن الموت في نابيه رغم اعتقاده أنه مسحور. وفاته أن تلك الثعابين قد أقلعت أنيابها السامة ولولا ذلك لقتلت صاحبتها؛ لأنها لا ترعى ذماما.
अज्ञात पृष्ठ