وذكر مؤرخو العرب من مقدار عمارتها أنه كان فيها 36000 مسجد و8000 شارع مسلوك و1170 حماما، وقد يستبعد ذلك ولكن إيراده يدل في كل حال على العظمة والعمران. ومما نظمه الشعراء في مدحها قول الشريف العقيلي:
أحن إلى الفسطاط شوقا وإنني
لأدعو لها أن لا يحل بها القطر
وهل في الحيا من حاجة لجنابها
وفي كل قطر من جوانبها قطر
تبدت عروسا والمقطم تاجها
ومن نيلها عقد كما انتظم الدر
وبلغ من تزاحم الناس في الفسطاط حتى جعلوا المنازل طبقات عديدة، بلغ بعضها خمس طبقات إلى سبع، وربما سكن في البيت الواحد 200 من الناس، وبلغت نفقة البناء على بعضها 700000 دينار، وهي دار الحرم لخمارويه.
واشتهر من تلك الأبنية دار ضرب المثل بعظمتها وغنى أهلها تسمى «دار عبد العزيز»، كانت مطلة، على النيل، بلغ من سعتها وكثرة ساكنيها أنهم كانوا يصبون فيها أربعمائة راوية ماء كل يوم، ونقل بعضهم أن الأسطال التي كانت بالطاقة المطلة على النيل بلغ عددها 16000 سطل مؤيدة ببكر وأطناب لها ترخى وتملأ، وذكر رجل دخلها في أواخر القرن الثالث للهجرة في زمن خمارويه بن أحمد بن طولون قال: «طلبت بها صانعا يخدمني فلم أجد فيها صانعا متفرغا لخدمتي وقيل لي إن كل صانع معه اثنان يخدمهما وثلاثة، فسألت كم فيها من صانع فأخبرت أن بها سبعين (كذا) صانعا قل من معه دون ثلاثة سوى من قضى حاجته وخرج.»
وفى ذلك دليل على غنى أهل الفسطاط وترفهم، ومن هذا القبيل استكثارهم من الفرش؛ فقد يقتني أحدهم ألف فرشة أو عشرة آلاف فرشة، وذكروا أن رجلا من أهل الفسطاط عنده ثلاثمائة فرشة كل فرشة لحظية. وكذلك كانوا يفعلون بالثياب ونحوها، وقد تكون أثمانها فاحشة، فلا يبالون لغناهم. قال القضاعي إن قطر الندى ابنة خمارويه كان في جملة جهازها ألف تكة، ثمن كل واحدة عشرة دنانير، فبلغ ثمنها كلها عشرة آلاف دينار. فإذا كان ذلك شأن الفسطاط في زمن آل طولون ودار الإمارة في القطائع فكيف بعد أن عادت دار الإمارة إليها في عهد الدولة الإخشيدية؟
अज्ञात पृष्ठ