فأعجب بتفانيها في حب المعز وكيف أنها فضلت التعاهد على نصرته قبل كل شيء فقال: «نعم أعاهدك أن أكون طوع إرادتك في كل شيء وهذا من الجملة، إني أحبك يا لمياء وأعجب بخلالك ومروءتك ... كنت أحسبني مؤديا ما يجب علي في خدمة أمير المؤمنين، فلما رأيت ما أنت فيه من الغيرة عليه رأيتني مقصرا عاجزا ... ها قد أجبتك على سؤالك فأجيبيني على سؤالي.»
قالت: «وما هو؟»
قال: «تحبينني؟ هل تعاهديني على الحب حتى نلتقي؟»
قالت: «نعم إني أحبك وهذا يكفي، وأما الثبات في الحب حتى نلتقي فإنه متعلق بما نحن آخذون به من نصرة أمير المؤمنين، ونصرته هي واسطة عقدنا، وقد تعاهدنا على ذلك ويسرني أنك أخذت على نفسك الذهاب إلى جبل إيكجان لحمل الأموال المدفونة هناك ... ولكن ...» وسكتت وقد ظهر التفكير في عينيها.
فقال: «ما بالك ... ما الذي خطر لك حتى سكت ... أظنك خفت علي ما يعتور هذه المهمة من المشاق ...» قال ذلك ونظر في عينيها ففهم منها أنها تجيب: نعم. فقال: «لا تخافي علي يا لمياء إني لا أهاب الموت ولا سيما بعد أن زودتني بتلك الكلمة الثمينة ... إنها ستكون تعزيتي في أشد ضيقي، وهي تشجعني في المخاوف ... لا تخافي علي من شيء ...»
فتنهدت وقالت: «آه من الحب ما أحلاه وأمره! إن الأحباء يبذلون كل مرتخص أو غال في سبيل الاجتماع أما نحن فنتعاهد على الفراق، ولكن خدمة أمير المؤمنين واجبة ... إني أشعر بفضله علي وإني يجب أن أنصره و...»
وسكتت وقد خطر لها أنها تطلب شيئا آخر غير نصرة أمير المؤمنين؛ تطلب الانتقام من ذلك الحبيب الخائن فلم يدرك الحسين مرادها وانصرف خاطره إلى مهمتها فقال لها: «قد علمت مهمتي إلى فج الأخيار لحمل ما فيه من المال لكنني لم أفهم مهمتك ...»
فتحركت واعتدلت في مجلسها، وقالت: «قد قلت لأمير المؤمنين إني سأسعى في استطلاع دخائل المصريين وأحوالهم وإني سأفعل ذلك بطريقة لا أقولها الآن ... لا تغضب يا حبيبي إذا لم أقل لك.»
فلما سمعها تناديه «حبيبي» اختلج قلبه في صدره ونسي ما كان يبحث عنه ولم يشأ أن يستزيدها بل تهيب من الإلحاح عليها، وكان منذ خاطبها وهو يشعر بسلطان لها عليه، فلم يجسر على تكرار السؤال فقال: «افعلي ما بدا لك وكفاني أنك ناديتني بلفظ الحب وهذا تذكار سأحفظه، ربما لا يتاح لنا الاجتماع في مثل هذه الفرصة مرة أخرى قبل سفري؛ ولذلك فإني أحب أن لا تنقضي هذه الساعة ... ما ألطف أم الأمراء وما أكثر فضلها.»
قالت: «إن هذه الساعة مباركة سنذكرها ما حيينا، وعسى أن يكون اجتماعنا الثاني في مصر تحت ظل أمير المؤمنين.»
अज्ञात पृष्ठ