فبهت سلمان برهة يفكر في ما سمعه وقد علم أن سيده لا يصبر على ما ظنه من ذهاب حماد فريسة للسباع وخاف أن يكون قد حمله ذلك على مهاجرة الشام والمسير إلى الحجاز مع أبي سفيان ولكنه رأى ذلك إذا فعله سيده لا يخلو من المسارعة وهو يعلم أن عبد الله عاقل لا يأخذ الأمور بمظاهرها فلبث برهة يفكر ثم استأذن الخاناتي في الذهاب إلى غرفته ليتبصر في الآمر بعد أن شكره لما قصه عليه.
فلما خلا في غرفته أخذت تتقاذفه الهواجس وهو يفكر في الأمر وقد انقبضت نفسه خوفا مما قد يصيب سيده من عواقب اليأس وعظم عليه الرجوع إلى حماد بهذا الخبر المشئوم فضلا عن انه لا يفيده شيئا فقضى بقية ذلك النهار وطول الليل في مثل هذه الهواجس فلاح له بعد إعمال الفكرة أن يتبع خطوات سيده بنفسه فيسير إلى عمان لعله يقف على ما يحلو له الحقيقة.
فلما أصبح سار إلى الخاناتى وأطلعه على عزمه واستأذنه في مسير ذلك المكاري معه فأطاعه فركب سلمان والمكاري في ركابه وكلما مرا بمكان احكي له المكاري واقعة حاله حتى تجاوزا طريق المسبعة ووصلا إلى النقطة التي عاد المكاري منها فقال سلمان: «ألا تسير معي إلى عمان لعلنا نسمع هناك خبرا جديدا.»
قال: «أني في ركابك إلى حيثما تريد ولكنني سمعت منذ أيام أن بالقرب من عمان جماعة من قريش جاؤوا لمحاربتنا فلا نأمن إذا رأونا أن نقع في أيديهم غنيمة باردة.»
فتذكر سلمان انه سمع مثل ذلك قبل خروجه من بصرى أيضا فتردد في الأمر ولكن نفسه لم تطاوعه على الرجوع قبل الوصول إلى عمان فقر رأيه على الذهاب إليها من طرق مجهولة لا يطرقها إلا القليل من الناس والمكاري يعرفها فسارا حتى انتهيا إلى عمان فلم يجدا فيها أثرا ولا خبرا.
فعاد سلمان يئسا حزينا لا يدري كيف يقابل حمادا بهذا الخبر الابتر على انه كان يتوهم أن سيده ولو أطاع عواطفه في حال تأثرها وسار إلى الحجاز لا يلبث أن يهدأ روعه ويعود إلى البلقاء للبحث عن ابنه ولا اقل من يرجع إلى بصرى بعد أن عفي عنه فيتفقد ما ادخروه من المال والمثمنات في منزلهم بغسام.
فقضى سلمان طول الطريق في عودته وهو يفكر في ذلك وكثيرا ما حدثته نفسه أن يتأثر سيده إلى الحجاز لو لم يعترضه الشك في مسيره إليها وعول أخيرا على الرجوع إلى حماد والمداولة معه في هذه الشؤون فإذا تحقق ذهابه إلى الحجاز سار للتفتيش عنه فيها.
فلما وصلا إلى منعطف من الطرق يؤدي إلى البلقاء رأسا أثنى على المكاري وأكرمه وودعه وسار قاصدا حمادا.
الفصل الحادي والثلاثون
حماد في خيمته
अज्ञात पृष्ठ