قالت: «يكفيني يا أماه ولكنني أرى والدي صعب المراس فلا أظنه يشفق على قلبي.»
قالت: «لا تستعظمي أمرا تريدينه والله قادر على كل شيء فاذهبي إلى فراشك وها أني ذاهبة إلى السعي في مرامك والله يفعل ما يشاء.»
الفصل التاسع والعشرون
الاستغراب
فسكن روعها وعادت إليها آمالها وألقت حملها على والدتها وسكتت ثم نهضت ومشت إلى الفراش وقد أنهكها التعب وخارت قواها من هول ما قاسته تلك الليلة ولما رأت والدتها تهم بالخروج استحلفتها أن تبذل جهدها في إقناع والدها فأكدت لها الوعد وخرجت حتى أتت غرفة زوجها فإذا هو في انتظارها ليستطلعها سبب ما شاهده من هند فلما ابتدرها بالسؤال قائلا: «أتظنين هندا تبقى على عزمها من رفض ثعلبة فقد رأيت أني جاريتها في أمر ربما آل إلى حرب دموية بيني وبين الحارث ولكنني فعلت ذلك مدفوعا بشفقتي على الفتاة وأنا أرجو أن أعود إلى إقناعها في فرصة أخرى ألا تساعدينني على ذلك.»
فابتسمت وأظهرت الاستغراب قائلة: «أتظنني جاريت هندا في عملها هذا عبثا ألم أقل لك أني إنما فعلت ذلك رغما عني وقد خفت على حياة ابنتنا ولو علمت أن الإصرار ينفعنا شيئا ولو بعد حين ما سمعت منها قولا ولكنني رأيت ذلك لا يجدينا غير خسارة لا تعوض. أليست هند ثمرة حياتنا ومرجع آمالنا وزهرة عمرنا أليست تعزيتنا في شيخوختنا ألم نفاخر بها ملوك العرب ونفضلها على خيرة البنين أليست هي فتاة غسان ومضرب أمثالهم أليست هي أفرس فرسانهم وأكرم كرامهم أنسيت وقد رأيتها تبكى كالطفل أنها تجاري فرسان غسان في حومة الميدان وإذا ركبت جوادها تطاولت إليها الأعناق وحامت حولها القلوب ألم تكن هند إذا وقفت في حومة الوغى واستحثت الرجال على دفاع الأعداء أنهضت هممهم وأثارت حميتهم أغرك منها ذلها وانكسارها الليلة فنسيت هندا وما هي امثل هذه الفتاة يسهل التسليم بها لرجل لا يساوى قدة من نعلها. ثعلبة وما ثعلبة أليس هو ذلك الجبان الغر الذي رأيناه يحقد كالفيل ويحتال كالثعلب ويغدر كالعقرب أنسيت يوم السباق وما كان شأنه مع ذلك الشاب الغريب يوم سبقه مرتين حتى إذا سابقه ثالثة عاد من حلبة السباق وفى يده قصبة السبق مبرية بري القلم ألا تذكر انك رأيت القصبة مبرية.»
وكان جبلة في أثناء ذلك صامتا وقد أعجب بفصاحة سعدى وانسجام حديثها فلما ذكرت القصبة تذكر انه رآها مبرية فقال: «نعم اذكر ذلك.»
قالت: «أتدرى سبب بريها فوالله وشرف بني غسان لو أطلعتك على سر الأمر للعنت الساعة التي ولد فيها ثعلبة ببني غسان ولوددت لو أن حمادا مكانه لأنه أشبه بشهامتهم وكرم أخلاقهم.»
فمال جبلة استطلاع السبب فقال: «وما سبب بريها؟» فسرت سعدى لإصغاء زوجها إلى حديثها فقصت له حكاية القصبة وبالغت بما أظهره حماد من الشهامة وكرم الأخلاق وما كان من دناءة ثعلبة وخساسته فلم تكد تفرغ من حديثها حتى انقبض وجه جبلة لما جره ثعلبة من العار على الغسانيين وأحس بارتياح إلى حماد فقال: «تبا لثعلبة ورعيا لذلك الشاب فيا ليته قتله ولم يسمعنا هذا الحديث عنه.»
فتنسمت سعدى من جبلة إصغاء لحديثها فقالت: «أما وقد فتح الحديث وجرنا الكلام إلى هذا الحد فأسألك مسألة ستكون جوابا لسؤال سألتنيه الليلة.»
अज्ञात पृष्ठ