بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم مقدمة - قال الفقيه الأجل الأوحد العلامة، الصدر الكبير، القاضي الأعدل، أبو الوليد محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن احمد بن رشد، رضي الله تعالى عنه ورحمه. أما بعد حمد الله بجميع محامده، والصلاة على محمد عبده المطهر، المصطفى ورسوله:

1 / 21

الفلسفة والمنطق والشريعة هل أوجب الشرع الفلسفة فإن الغرض من، هذا القول أن نفحص، على جهة النظر الشرعي، هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع، أم محظور، أم مأمور به، إما على جهة الندب، وإما على جهة الوجوب. فنقول: أن كأن فع! ل الفلسفة ليس شيئًا أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، أعني من جهة ما هي مصنوعات، فإن الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها. وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم، وكأن الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات، وحث على ذلك. فبين أن ما يدل عليه هذا الاسم أما واجب بالشرع، واما مندوب اليه. فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل وتطلب معرفتها به، فذلك بين في غير ما آية من كتاب الله، ﵎، مثل قوله تعالى " فاعتبروا يا أو لي الأبصار " وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي، أو العقلي والشرعي معًا. ومثل قوله تعالى " أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء "؟ وهذا نص بالحث على النظر في جميع الموجودات.

1 / 22

وأعلم أن ممن خصه الله تعالى بهذا العلم وشرفه به، إبراهيم ﵇. فقال تعالى: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض " الآية. - وقال تعالى: " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت "؟ وقال، " ويتفكرون في خلق السموات والأرض " إلى غير ذلك من اليبات التي لا تحصى كثيرة. المنطق وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات راعتبارها، وكأن الاعتبار ليس شيئًا اكثر من استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه، وهذا هو القياس أو بالقياس. فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي. وبين أن هذا النحو من النظر الذي دعا إليه الشرع وحث. عليه، هو أتم أنواع

1 / 23

مثبتون القياس العقلي، إلا طائفة من الحشوية قليلة، وهم محجوجون بالنصوص. وإذا تقرر أنه يحب بالشرع النظر، في القياس العقلي وأنواعه، كان يجب النظر في القياس الفقهي، فبين أنه أن كأن لم يتقدم احد ممن قبلنا بفحص عن القياس العقلي وأنواعه، أنه يجب علينا أن نبتدىء! بالفحص عنه، وأن يستعين في ذلك المتأخر بالمتقدم،

1 / 25

حتى تكمل المعرفة به. فإنه عسير أو غير ممكن أن يقف واحد من الناس من تلقائه وابتداء على جميع، ما يحتاج إليه كل من ذلك، كما أنه عسير أن يستنبط واحد جميع ما يحتاج إليه من معرفة أنواع القياس الفقهي، بل معرفة القياس العقلي أحرى بذلك، وأن كأن غيرنا قد فحص عن ذلك. فبين أنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقدمنا في ذلك، وسواء كأن ذلك الغير مشاركًا لنا أو غير مشارك في الملة. أن الآلة التي تصح بها التذكية ليس يعتبر في صحة التذكية بها كونها آلة لمشارك لنا في الملة أو غير مشارك إذا كانت فيها، شروط الصحة. واعني بغير المشارك من نظر في هذه الأشياء من القدماء قبل ملة الإسلام. - وإذا كأن الأمر هكذا، وكأن كل ما يحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص عنه، القدماء أتم فحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم. فننظر فيما قالوه من ذلك: فإن كأن كله صوابًا قبلناه منهم، وأن كأن فيه ما ليس بصواب، نبهنا عليه. فإذا فرغنا من هذا الجنس من النظر وحصلت عندنا الآلات التي بها نقدر على الاعتبار في الموجودات ودلالة الصنعة فيها، فإن من لا يعرف الصنعة لا يعرف المصنوع، ومن لا يعرف المصنوع لا يعرف الصانع، قد يجب أن نشرع في الفحص عن الموجودات على الترتيب والنحو الذي استفدناه من صناعة المعرفة بالمقاييس البرهانية.

1 / 26