وَسَمَّوهُ به على زَعَمِهِم، لا أسماؤه تعالى حَقَيقَةً، وعلى ذلك يحْمَل تَرْكُ الإِضمارِ، بأنْ يُقالَ: يُلحِدون بِها. وَقَالَ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ [الرعد: ٣٠] وهذِهِ الآيةُ في سورةِ [الرعد: ٣٠] عن قَتادَةَ وابنِ جُرَيْجٍ ومُقاتِلٍ أنَّ الآية نَزَلَتْ في مُشْرِكي مَكَّةَ لَمَّا رَأوا كِتابَ الصُّلْحِ يومَ الحُدَيْبِيَةِ وقد كَتَبَ فيه عَليٌّ ﵁: " بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ "، فَقالَ سُهيلُ بنُ عَمْرٍو: ما نَعْرِفُ الرَّحْمنَ إلا مُسَيْلِمَةَ.
ومِنهم مَن قال: سَمِعَ أبو جَهْلٍ قَولَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «يَا الله يا رحمن»، فقال: إنَّ محمَّدًا يَنهانا عَن عبادةِ الآلهةِ وهو يَدعو إلهينِ، فَنَزَلَتْ وَعَن بعضِهِمِ أنَّه لَمَّا قِيلَ لِكُفَّارِ قُريشٍ: اسجدوا للرحمن قالوا: وَمَا الرَّحمَنُ، فَنَزَلَتْ، وقيلَ غَيْرُ ذلِكَ مِمَّا يَطولُ. وَقَالَ تَعالى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ - وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ - وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢١ - ٢٣] من سورة حم [السجدة: ٢١-٢٣]، وفي هذِهِ الآية إخبارٌ أنَّ أهلَ الجاهِلِيَّةِ كانوا يُلْحِدونَ في صِفاتِهِ، كما كانوا يُلحِدونَ في أسمائِه تَعالى. أخرَجَ أحمدُ والبُخاريُّ ومُسلِم والترِّمذيُّ والنَّسائِيُّ وجَماعةٌ عن ابنِ مسعودٍ، قالَ: كُنتُ مُسْتَندًا بأستارِ الكعبةِ، فجاءَ ثلاثةُ نَفَرٍ- قُرَشيٌّ وثَقَفيَّانِ، أو ثَقَفِي وقُرَشيانِ- كثيرٌ لحمُ بُطونهم؛ قَليلٌ عفة قُلوبِهم، فَتكَلَّموا بكلامٍ لمْ أسْمَعْهُ، فقال أحَدُهُمِ: أتَرَونَ الله يَسمعُ كلامَنا هذا؟ فَقَال الآخَرُ: إذا رَفَعْنا أصْواتَنا يَسْمَعُهُ، وإذا لم نَرْفعْ لم يَسْمَعْ، فقال الآخَرُ: إنْ سَمِعَ منه شَيئًا سَمِعَهُ كُلَّهُ. قال: فَذَكَرْتُ ذلِكَ للنَّبِيِّ ﷺ، فَأنْزَلَ الله تَعالى: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ - وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٢ - ٢٣] فهذا هو الإِلحادُ في الصِّفاتِ. وأنتَ تَعْلَمُ أنَّ ما عَلَيْهِ أكثرُ المُتكَلِّمينَ المُسلِمينَ مِنَ الإِلحادِ في الأسماءِ والصِّفاتِ فَوْقَ ما كانَ عَلَيه أهل الجاهِلِيَّةِ، فَسَمَّوا
1 / 233