وكانوا لا يَسلأون، وَلا يَأقطونَ، ولا يَرْتَبطونَ عَنْزًا ولا بَقَرَةً، ولا يَغْزُلونَ صوفًا ولا وَبَرًا، ولا يَدْخُلونَ بَيْتًا مِنَ الشَّعْرِ والمَدرِ، وإنَّما يَكْتنُّونَ بالقبابِ الحُمْرِ في الأشْهُرِ الحُرُمِ، ثُمَّ فَرَضوا على العَرَبِ قاطِبةً أنْ يَطَّرِحوا أزْوادَ الحِلِّ إذا دَخَلوا الحَرَمَ، وأنْ يَتركوا ثِيابَ الحِلِّ، ويَسْتبدِلوها بثيابِ الحَرَم، إمَّا شراء وإمَّا عارِيّة وإمَّا هِبَة، فإِنْ وَجَدوا ذلك فيها، وإلا طافوا بالبيَتِ عَرايا. وَفَرَضوا على نِساءِ العربِ مثلَ ذلكَ. غيرَ أنَّ المرأةَ كانت تَطوفُ في درج مُفَرَّجِ القَوادمِ والمَآخيرِ. قالتِ امرأةٌ (١) وهي تطوفُ بالبيتِ:
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلُّهُ ... ومَا بَدَا مِنْهُ فَلاَ أُحِلُّهُ
أخْتَمَ مِثْلَ القِعْبِ بَادٍ ظِلُّهُ ... كأنَّ حُمَّى خَيْبَرٍ تَمُلُّهُ
وكَلَّفوا العربَ أن يُفِيضوا مِن مُزْدَلِفَةَ، وقد كانوا يُفيضون مِن عَرَفَةَ، إلى غيرِ ذلكَ مِنَ الأمورِ الَّتي ابْتَدَعوها وتَشَرَّعوها، مِمَّا لم يأذنْ بِهِ الله. ومَعَ ذلِكَ كانوا يَدَّعونَ أنَّهم على شَريعةِ أبيهم إبراهيم ﵇ وما ذلكَ إلا لِجاهِلِيتهِم.
وغالبُ مَن يَنْتَمي إلى الإِسلامِ اليومَ ابْتَدَعوا في الدِّينِ ما لم يأذَنْ بِهِ الله: فَمنهم من اتخذ ضرب المعازف وآلات اللهو عبادة يتعبدون بها في بيوت الله ومساجده، ومِنهم مَن اتَّخَذَ الطَّوافَ على القُبورِ والقصد إليها والنُّذورَ أخْلَصَ عِبادَتِهِ وَأَفْضَلَ قُرُباتِهِ، ومِنهم مَنِ ابْتَدَعَ الرَّهْبانِيّةَ والحِيَلَ الشَّيْطانِيّةَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَلَكَ سبيلَ الزُّهَّادِ وطريقَ العُبَّادِ، ومَقْصِدُه الأعلى شَهَواتِهِ الحَيْوانِيَّةِ، والفَوزُ بهذهِ الدُّنيا الدَّنِية، إِلَى غيرِ ذلك مِمَّا يَطولُ، ولا يعلمُ ماذا يقولُ:
إلى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضي ... وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمعُ الخُصُوْمُ.
[التعبد بتحريم الحلال]
التعبد بتحريم الحلال (الثامنة والعشرون): التَّعَبُّدُ بِتَحْريمِ الحَلالِ، فَرَدَّ الله تعالى ذلِكَ عَليهم بِقولهِ في سورة [الأعراف: ٣١-٣٣]، ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ - قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣١ - ٣٣] ومعنى الآيات.
_________
(١) هي ضباعة بنت عامر بن صعصة.
1 / 231