अरबी क्रांति के इतिहास में अध्याय
فصل في تاريخ الثورة العرابية
शैलियों
وأما المدينة التي كانت تراوحها نسائم البحر الندية، وتغاديها فقد اندلعت فيها ألسنة النيران في صورة مروعة كأن الجحيم كانت تزفر عليها بنارها، وقد لبثت النار بها بضعة أيام، وظلت سحب الدخان تتراكم وتنعقد فوق شوارعها الموحشة المتهدمة، وخيمت الكآبة على ذلك الثغر الذي انطفأت بسمته أياما طويلة نتيجة لعدوان سيمور.
ولقد ذهبت الآراء عدة مذاهب بشأن هذا الحريق، وقد حاول الإنجليز أن يعزوه إلى عرابي كما عزوا إليه من قبل مذبحة الإسكندرية التي اقترفوها، وذهب جون نينيه إلى أن النيران كانت من فعل قذائف الأسطول في الغالب، وإن كانت عدة عناصر في رأيه اشتركت في هذا الحريق، منها بعض الأوروبيين الذين بقوا في المدينة بقصد النهب، ومنها بعض الأروام والمالطيين من أصحاب الدكاكين؛ كي يطلبوا بعد ذلك تعويضا كبيرا، ومنها بعض البدو من قبيلة أولاد علي.
ويقول الشيخ محمد عبده: «بين من حرقوا الإسكندرية أروام بلباس عرب رؤيت جثثهم بتلك الثياب أثناء الحريق، ومنهم عربان من أولاد علي ممن كانوا على صلة بالخديو، ومنهم أوروبيون بقصد المبالغة في التعويضات».
وهناك من يذهب إلى أن سليمان سامي داود قائد الآلاي السادس هو الذي أمر جنوده بإضرام النار في المدينة، كعمل يقتضيه الدفاع إذا أراد أن يعرقل به نزول الإنجليز إلى البر. أو لعله فعل ذلك بدافع الغيظ من عزم الإنجليز على دخول المدينة، ومهما يكن من الأمر، فمن الخطأ أن يرد الحريق إلى سبب واحد من الأسباب التي ذكرت، والمعقول أن تسببه هذه العناصر جميعا وبخاصة قذائف الأسطول.
مدافع الإنجليز تحرق الإسكندرية (شارع شريف).
وغادر عرابي وقواده وجنوده المدينة ليتخذوا ما يلزم من عدة للدفاع عن البلاد.
وكان الخديو مقيما في سراي الرمل أثناء الضرب ليبعد عن الخطر، وفي يوم 13 يوليه شاور الخديو من كان معه من الأمراء والأعيان ماذا يعمل إذا احتل الإنجليز الإسكندرية، فلم يرض أحد أن يبقى بها، وأشار عليه درويش باشا بالسفر إلى بنها ثم إلى السويس، وأشار غيره بالذهاب إلى العاصمة فما يليق بحاكم البلاد أن يظل مقيما في بلد تقع في يد أعدائه.
ولكن الخديو كان قد عقد العزم على الالتجاء إلى الإنجليز. وهذا من أخطر الحوادث في تاريخ هذه الثورة؛ لأن الإنجليز سيزعمون أنهم يدافعون عن سلطته الشرعية ضد الثائرين.
وفاجأ الخديو الحاضرين بقوله: «إن أهم الأمور أن نجعل الأدميرال سيمور على علم بأمرنا إذا أمكن ذلك».
وفي نفس اليوم أرسل توفيق إلى سيمور يخبره أنه اعتزم الحضور إلى سراي رأس التين، وبلغ توفيق السراي في الساعة الرابعة بعد الظهر، ومعه أسرته وحاشيته ودرويش باشا فإذا به يرى الحرس ببابها من الجنود البريطانيين، وإذا بسيمور يتلقاه في ساحتها يحيط به كبار رجاله، ولقد هنأوا الخديو بسلامته، كما هنأه قناصل الدول، ودخل توفيق القصر وحرسه اليوم من البريطانيين.
अज्ञात पृष्ठ