अरबी क्रांति के इतिहास में अध्याय
فصل في تاريخ الثورة العرابية
शैलियों
وهمس كلفن في أذن الخديو: «هذه هي ساعتك» فأجاب الخديو: «نحن بين أربع نيران» فقال كلڨن: «كن شجاعا»، فتهامس الخديو وأحد الضباط الوطنيين ثم التفت إلى كلڨن قائلا: «ماذا عسى أن أفعل؟ نحن بين أربع نيران ... إنهم يقتلوننا».
ويحسن أن نورد ما حدث بعد ذلك على لسان عرابي، وهو لا يخرج عما ذكره المؤرخون قال: «ثم صاح بمن خلفي من الضباط أن أغمدوا سيوفكم وعودوا إلى مكانكم. فلم يفعلوا وظلوا وقوفا خلفي ودم الوطنية يغلي في مراجل قلوبهم، والغضب ملء جوارحهم، ولما وقفت بين يديه مشيرا بالسلام خاطبني بقوله: «ما أسباب حضورك بالجيش إلى هنا؟» فأجبته بقولي: «جئنا يا مولاي لنعرض عليك طلبات الجيش والأمة وكلها طلبات عادلة»، فقال: «وما هي هذه الطلبات؟» فقلت: «إسقاط الوزارة المستبدة وتشكيل مجلس نواب على النسق الأوروبي، وإبلاغ الجيش إلى العدد المعين في الفرمانات السلطانية، والتصديق على القوانين العسكرية التي أمرتم بوضعها»، فقال: «كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا خديو البلد أعمل زي ما أنا عاوز وقد ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا»، فقلت: «لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا وعقارا، فوالله الذي لا إله إلا هو إننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم».
صورة تاريخية تمثل عرابي يتقدم ضباط الجيش في ساحة عابدين، حيثما ذهب ليقدم إلى الخديو توفيق مطالب البلاد.
تلفت الخديو بعد ذلك إلى كلڨن قائلا: «أسمعت ما يقول؟» فأشار عليه هذا بالعودة إلى القصر، إذ لا يجمل أن يزيد الأمر بينه وبين عرابي عن هذا الحد. فانصرف الخديو إلى القصر، وكان به الوزراء وقناصل الدول وبقي الجيش في مكانه لا يتزحزح.
وأقبل كوكسن ومعه ترجمان فأخذ يناقش عرابيا في غلظة ليثير الفتنة، ومما وجهه إلى عرابي قوله: إنه لا حق له في أن يطالب بالمجلس النيابي وإسقاط الوزارة فذلك من شأن الخديو، أما عن الجيش فمالية البلاد لا تساعد على ذلك. ورد عرابي بقوله: إن الأمة أنابت الجيش عنها، ثم أشار إلى الجموع المتراصة خلف الجند، وقال: «هذه هي الأمة وما الجيش إلا جزء منها».
ثم إنه ظل يخوف عرابيا من الالتجاء إلى القوة؛ وأخيرا سأله سؤالا خبيثا: «وماذا فعل إذا لم تجب إلى طلبك؟»، وكان عظيما حقا من عرابي أن يضبط نفسه في هذا الموقف، فقال ردا على ذلك: «أقول كلمة أخرى»، فقال ذلك الإنجليزي: «وما هي؟» فأجاب عرابي: «لا أقولها إلا عند اليأس والقنوط».
محمد شريف باشا
وأخذ كوكسن يغدو ويروح بين عرابي والخديو حتى جاءه آخر الأمر ينبئه قبول الخديوي إسقاط الوزراة، وأن سموه سينظر في بقية المطالب فلا بد في بعضها من مشاورة السلطان، وعرض الخديو على الجيش اسم حيدر باشا لرياسة الوزارة ولكنهم رفضوه. وجرى على الألسنة اسم شريف بطل الدستور، فعاد كوكسن بعد حين يعلن إلى عرابي قبول الخديو إسناد الوزارة إلى شريف، فقابل الجيش ذلك بالهتاف بحياة الخديو. وطلب الضباط مقابلة الخديو فأذن لهم ثم قال لهم: «إنه وافق على تلك الطلبات بنية صافية»، وشكره عرابي باسم الأمة؛ وعاد الجنود إلى معسكراتهم ...
هذا هو يوم عابدين المشهود. تم فيه للجيش ما أراد فجعل كلمة الأمة هي العليا في غير عنف يشوه حركته أو ينقص من جلالها، ولقد كان القصر أمام الجيش خاليا من أية قوة، فروعيت حرمته أحسن حرمة، وروعي كذلك مقام الخديو، فلم يخرج أمامه هذا الجندي الثائر عن طوره، بل لقد تمالك نفسه فترجل وأدى التحية وأغمد سيفه، ثم شكر الخديو باسم الأمة حين أجابها إلى ما طلبت على لسانه. وقد فوت عرابي بهذا الموقف العظيم على الدساسين كيدهم وأحبط مؤامراتهم، وهذا مما يدعو إلى الإعجاب والإكبار حقا، فلقد كانت أية كلمة نابية أو أية إشارة يساء فهمها كفيلة بأن تسيل الدماء في تلك الساحة؛ قال عرابي فيما كتبه من مذكراته فيما بعد: «لو حاول الخديو قتلي لأطلقت عليه النار».
نجحت الثورة نجاحا يدعو إلى الفخر، وتهيأت البلاد لأن تستقبل عهدا يسود فيه الإصلاح والنظام والحرية؛ ولذلك فهذه الثورة جديرة بأن توضع إلى جانب الثورات التي قصد بها الحرية في تاريخ الإنسانية كثورة سنة 1688 في إنجلترة وثورة استقلال أمريكا، والثورة الفرنسية الكبرى. وحسبها أنها قضت على الحكم المطلق وقررت مبدأ سيادة الشعب. وصف بلنت الأيام التي أعقبت هذه الثورة بقوله: «إن ثلاثة الشهور التي أعقبت هذا الحادث لهي من الوجهة السياسية أسعد الأيام التي شهدتها مصر، ولقد ساعدني الحظ بمشاهدة ما جرى فيها بعيني رأسي. إني لم أر في حياتي ما يشبه هذه الحوادث. إن كل الأحزاب الوطنية وكل أهالي القاهرة قد اتفقت كلمتهم فترة من الزمن على تحقيق هذه الغاية الوطنية الكبرى لا فرق في ذلك كما يظهر بين الخديو والأمة، وسرت في مصر رنة فرح لم يسمع بمثلها على ضفاف النيل منذ قرون؛ فكان الناس في شوارع القاهرة حتى الغرباء منهم يستوقف بعضهم البعض يتعانقون، وهم جذلون مستبشرون بعهد الحرية العظيم الذي طلع عليهم على حين غفلة طلوع الفجر إثر ليلة حالكة الظلام».
अज्ञात पृष्ठ