فانظر كيف أتى بهذا الضمير الجليل الذي لا يؤتى به إلاَّ في مقام التعظيم والتهويل كقول أبي العلاء المعرِّي: [من الطويل]
هو الهَجرُ حتى ما يُلمَّ خيالُ ... وبعض صدودِ الزائرينَ وِصَالُ
والضمير في قوله: (هو الحب) عائد على حاضر في الذهن كأنَّ الذهن استحضره لعظمته وتصوَّره لرفعته وهو مبتدأ خبره الحب، والجملة بعده استئنافية والفاء في المصراع الأول واقعة في جواب شرط مقدَّر تقديره حيثما حكمتَ بأنَّ الحب في هذه المرتبة العالية العظيمة، فأسلم بنفسك قبل أن تنشب المنية فيك أظفارها وترسل عليك شِوَاظها وشَرارها.
وقال قوم: بل الحب يحدُّ، وأنه ميل القلب، وذلك الميل ناشئ إما عن رؤية المحبوب أو سماع أوصافه، ويقال للثاني حبٌّ موسوي كما قال بعضهم: [من مجزوء الكامل]
فعلمتُ أني مُوسوي م ... العِشقِ إدراكًا
ويعني: أهوى بجارحة السماع ولا أرى عين المسمَّى.
وقال آخر (١): [من البسيط]
.................... والأذْنُ تَعشقُ قَبلَ العينِ أحيانًا
فإذا رأى الرائي صورة أو سمع بأوصافها صوَّرها في ذهنه فمال إليها قلبه متوهّمًا أنها اختصَّت بصفات كمالية لا توجد في غيرها. ولا تقع محبة بين شخصين إلاَّ بعد وجود مشاكلة ما بينهما، ولذا قال الشاعر: [من السريع]
وقَائلٍ كيفَ تفرقتُما ... فقلتُ قولًا فيه إنصافُ
_________
(١) ديوان بشار بن بُرد ص ٢٢٣ جمع محمَّد بدر الدين العلوي - دار الثقافة بيروت.
وصدره: يا قومُ أذني لبعض الحيِّ عاشقةٌ.
1 / 43