لأمر ما يسّود من يسوَّد. وقولهم: لأمر ما جَدَع قصيرٌ أنفه. اهـ.
قلت: لكن المراد في الحديث هنا التحقير؛ لأن المقصود حبًّا قليلًا.
المعنى الثالث: أن تكون "ما" نكرة، كما نقله قطب دائرة الولاية وكنز دُرِّ بحر الهداية والعناية، مَنْ تشرف به العالم المثالي والعالم الحسِّيّ (١)، سيِّدي العارف باللهِ تعالى الشيخ عبد الغني النابلسي قُدَّس سرّه في كتابه "الحاوي على البيضاوي" عن الفرَّاء وثعلب والزجَّاج في تفسير قوله تعالى: (سَلامًا) [هود: ٦٩]، وأنها إذا كانت نكرة كانت بدلًا مما قبلها. اهـ.
والتقدير: أحبب حبيبك حبًّا متوسطًا؛ لأنَّ المبدل منه في نية الطرح فيكون المقصود الأعظم هو التوسُّط في الحب الذي أفادته "ما".
قلت: وقد رأيت في "مجمع البحار" المؤلَّف في تفسير ألفاظ صحيح البخاري، تأليف العلَّامة شمس الدين محمَّد طاهر الهندي الفَتَّني (٢) -بفتح الفاء وتشديد المثناة من فوق وكسر النون وبياء النسبة-
نسبة إلى بلدة فتَّن من بلاد كجرات من قطر الهند: أنَّ "ما" في الحديث للتقليل.
_________
(١) لا يليق أن يوسف بهذا الوصف إلاَّ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ فهم الكُمَّل الذين تشرَّفت بهم البقاع والأماكن، أما غيرهم فليس بمعصوم مهما بلغ من العلو في درجات الصلاح، والله أعلم بسريرة قلبه فتحسِّن الظن به ولا نجزم له بشيء لأنَّ في ذلك تَقوُّلًا على المولى الكريم. وربما يُعتذر للمؤلف بأنَّ هذه كانت لغة عصره، سامحه الله بعميم عفوه.
(٢) الملقب بملك المحدثين (المتوفى ٩٨٦ هـ)، واسم كتابه: "مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار"، طبع في الهند قديمًا ١٢٨٤ هـ.
1 / 40