قال التاج السبكي: الفرق بين الندب والِإرشاد، أنَّ الندب مطلوب لثواب الآخرة، والِإرشاد لمنافع الدنيا ولا يتعلق به ثواب البتَّة؛ لأنه فعل متعلق بغرض الفاعل ومصلحته (١). اهـ.
قلتُ: وهذا لا ينافي ترتُّب الثواب لأمر خارج، كالأكل والنوم بقصد التقوِّي على الطاعة وتحصيل النشاط لقيام الليل والتهجُّد فيه، وكالنكاح يريد به كفَّ نفسه وتحصيل ولد يُكثِّر به سواد الأمة.
قال التاج السبكي: والتحقيق أنَّ فاعل ما أُمِرَ به إرشادًا إنْ أتى به لمجرَّد غرضه فلا ثواب له، وإنْ أتى به لمجرد الامتثال غير ناظر إلى مصلحة ولا قاصد غير مجرَّد الانقياد لأمر ربه أُثِيبَ، وإن قصد الأمرين
أُثيبَ على أحدهما دون الآخر، ولكن ثوابًا أنقص من ثواب من لم يقصد غير مجرَّد الامتثال. اهـ.
قلتُ: وهذه المسألة -وهي الجمع بين القصدين- تجري كثيرًا فيمن يقرأ نحو (المواقعة) لأجل حصول الغنى، و(يلس) لغرضٍ من أغراضٍ، ويُدمن الاستغفار لتوسعة الرزق، ويصلِّي على النبي ﷺ لقضاء حاجته. فجزى الله الِإمام السبكي خير جزاء حيث صرَّح بإثابة مَن ابتُلي
بهذا الداء لأنه مما ابتُلي به الجمُّ الغفير والجمع الكثير، وهو مقام العامة.
وأما مقام الخاصة، فهو تنزيه العمل عن شرك الِإشراك وإخلاصه لِمَلِكِ الأملاك، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠]، فتراهم لا يطلبون في عبادتهم من غير الله مددًا، فلما شغلتهم
_________
= الدرر اللوامع بتحرير جمع الجوامع، طبعت في فاس سنة ١٣١٢ هـ في جزئين، ولم أعثر عليها في مكتبات المشرق.
(١) تنظر هذه المسألة في حاشية البناني على شرح جمع الجوامع ١/ ٣٧٢.
1 / 35