وكان يقول:
إني امرؤ مسلم وعبد ضعيف إلا ما أعان الله عز وجل، ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله، إنما العظمة لله عز وجل، وليس للعباد منها شيء فلا يقولن أحدكم إن عمر قد تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي، وأتقدم وأبين لكم أمري، فأيما رجل كانت له حاجة أو ظلم مظلمة أو عتب علينا في خلق فليؤذني، فإنما أنا رجل منكم ... وأنا حبيب إلي صلاحكم، عزيز علي عتبكم ... وأنا مسئول عن أمانتي وما أنا فيه، ومطلع على ما يحضرني بنفسي إن شاء الله، لا أكله إلى أحد، ولا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء وأهل النصح منكم للعامة، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله.
بهذه الأقوال وبمثلها كان عمر يخطب الناس فيتألف قلوبهم ، وقد تألف قلوب العرب في أرجاء شبه الجزيرة منذ أمر برد السبي من أهل الردة إلى عشائرهم، فلما أمر أبا عبيدة، وعزل خالدا، وأمر بإجلاء نصارى نجران لم ير الناس في ذلك كله ما يبرمون به، وإن رأوا فيه جديدا استفتح عمر به عهده، مستقلا فيه برأيه، غير متأس فيه بسلفه، وما لهم يبرمون به، وتبعة ذلك كله عليه، وقد عرفوه رجلا يضطلع بأجسم التبعات فلا ينوء بحملها، وكثيرا ما يلهمه الله الرأي فيما ينهض به منها، فيكون التوفيق رائده ونصيبه!
وجلس عمر يوما في المسجد وقد فرغ من توجيه المسلمين إلى سياسته، وقد آن لهم أن ينفذوها، وأقبل عليه أبو عبيد يودعه ليسير إلى العراق في الجيش الذي اجتمع حول الراية، وأقبل في أثره عدد من الناس غير قليل، وكلهم يحيون خليفة خليفة رسول الله، وقد وجدوا هذا اللقب، برغم ترديدهم له، ثقيل النطق ثقيلا على السمع فجعلوا يتحدثون بينهم فيما اختلجت به نفوسهم، وإنهم لكذلك إذ أقبل بعضهم يحيي عمر ويقول: «سلام الله عليك يا أمير المؤمنين.»
6
واغتبط الناس لهذا اللقب الجديد حين سمعوه وافترت ثغورهم أمارة رضاهم عنه، ومن يومئذ لم يدع أحد عمر خليفة خليفة رسول الله بل دعاه الناس جميعا «أمير المؤمنين.» وبقي هذا اللقب له ولمن بعده من خلفاء المسلمين وملوكهم.
والآن قد سبقنا المثنى إلى العراق فلنسارع لنلحقه به، ولنرو حديثه حين يدركنا أبو عبيد بجيشه، فتكون القيادة العامة له، ثم يكون له من حسن البلاء ما ينتهي به إلى المغامرة وإلى الاستشهاد.
هوامش
الفصل السادس
أبو عبيد والمثنى في العراق
अज्ञात पृष्ठ