وقع أبو فراس في الأسر، وخاف الروم أن يفر من أيديهم هذه المرة، فنقلوه إلى القسطنطينية، ووصلت الأخبار إلى حلب فحزن الناس، وأقاموا بكل بيت مأتما. وكانت ثلاثة رءوس تجتمع في كل ليلة مطرقة حزينة سامدة،
1
تطيل الإطراق ثم ترتفع وقد شخصت عيونها إلى السماء، وانطلقت ألسنتها بالدعاء والتوسل، هذه هي: رءوس نجلاء وسخينة وصوفيا.
وابتهج قرعويه لأسر عدوه، وعمل على أن يفسد بينه وبين سيف الدولة، وما زال بالرجل حتى أحفظه على ابن عمه، بعد أن كان له محبا وبه كلفا.
ودخل أبو فراس السجن بالقسطنطينية. وكان حصنا رحيبا يشرف على البوسفور. ولم يكن يشغل باله إلا نجلاء وابنته فوز. وأساء إليه الروم أول الأمر، وخشنوا في معاملته، فكان لا يسعده في وحدته إلا الشعر يرسله مع أنات الحنين. وكان يبعث إلى ابن عمه سيف الدولة بطويل القصائد يستحثه على افتدائه، ويصف إليه سوء حاله. وهي تلك القصائد الرائعة، التي فاز بها الأدب العربي في هذه الحقبة. فطالما صاح بابن عمه في ظلمة الليل البهيم وهو يقول:
دعوتك للجفن القريح المسهد
لدي وللنوم القليل المشرد
وما ذاك بخلا بالحياة وإنها
لأول مبذول لأول مجتدي
وما زل عني أن شخصا معرضا
अज्ञात पृष्ठ