إن أول ما تفتتح به الجلسة هو إحصاء الأحياء من ذكور الضيعة، الذين يتراوح عمرهم بين الخمس عشرة سنة والستين، ثم ينظر في رقم المال المقنن، ويقسم على الحاصل من عدد الرءوس.
ورب قرية نمت وتكاثر سكانها بعد إحصاء سنة الستين لا يدفع الرأس من أهلها إلا ربع التسعة إلا ربعا أو أقل، ورب ضيعة أخرى قلت مواليدها، أو أصابها وباء كالجدري وغيره؛ فكثرت على أثره الوفيات، تضاعفت فيها الفريضة. وأعرف مزرعة دفع ثلاثة من الأحياء فيها عن جميع موتاها.
إن من قرأ رواية النفوس الميتة لغوغول القصصي الروسي يكون فكرة عن خطة الجباية في لبنان المتصرفية.
وكانت الحكومة تجمع الميرة في أول الصيف، أي: بعد موسم الحرير؛ لأنه الزمن المناسب للدفع، وإذا كانت المواسم غير مقبلة أو ماحلة لاقت الحكومة مصاعب جمة حالت دون التحصيل، واضطر الضابطية إلى القسوة والضرب الموجع والحبس موقتا في أقبية البقر وحجز الفرشات، وبيع الطناجر بالمزاد لتحصيل المال الذي يسدد معاشات المأمورين كما سترى.
وتذكر قرياقوس أن الأحد هو موعد توزيع الميرة، فذهب إلى الكنيسة مع الصبح قبل قرع جرس القداس، وقعد في لحف سنديانة الكنيسة ومعه أوراق اعتماده ... كان يقلب تلك الأوراق التي يعرفها من شكلها الخارجي ويحدث نفسه: هذا كوشان عام أول، وهذا وصل السنة التي قبله، وهذا علم وخبر بالأموال الزائدة عن المال الأصلي.
قد تقول: وما هو المال الزائد عن المال الأصلي؟ هو مال المصارفات والإعانات الذي لا يذكره شيخ الصلح في الكوشان؛ الوصل.
وبينما كان قرياقوس يهيئ خطبة العرش ويلم براهينه المتكدسة في زوايا ذاكرته سمع دعس دابة ونحنحة رجل يعرفها من رنتها وخشخشتها، فاشرأب والتفت يمينا وشمالا، فإذا عينه تقع على فارس آغا وهو يحث زاملته:
2
حا. امش. يقصف عمرك. تأخرنا على الجماعة.
قال قرياقوس حين رآه: هذا هو، وظني في محله. وبعدما قذف ألف مسبة في بطنه صاح: يسعد صباحك من الله يا آغا.
अज्ञात पृष्ठ